إنك ذهبت بهم فقتلتهم ، لأنك لم تكن صادقاً فيما ادعيت من مناجاة الله عز وجل إياك ؟ فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنك لو سألت الله أن يريك ننظر إليه لأجابك ، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته؟ فقال موسى عليهالسلام : يا قوم إن الله تعالى لا يرى بالأبصار ولا كيفية له ، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه ، فقالوا : ( لَن نُّؤْمِنَ لَكَ ) (١) حتى تسأله ، فقال موسى له : يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم .
فأوحى الله جل جلاله : يا موسى، سلني ما سألوك ، فلن أواخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى عليهالسلام : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ ) وهو يهوي ( فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ) ، بآية من آياته ( جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ) يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومى ، ( وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) منهم بأنك لا ترى .
فقال المأمون : الله درك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ) (٣) .
فقال الرضا عليهالسلام : لقد همت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به، لكنه كان معصوماً ، والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه ، ولقد حدثني أبي، عن أبيه الصادق الله أنه قال : همت بأن تفعل ، وهم بأن لا يفعل .
__________________
(١) سورة البقرة ٥٥.٢.
(٢) سورة الاعراف ٧: ١٤٣ .
(٣) سورة يوسف ١٢ ٢٤.