من البيان في الختم والغشاوة.
ودون تلك المرتبة مرتبة أخرى ظاهرة ، وبيانها أنّه لا شكّ أنّ للقلب حالات وملكات ، من جملتها : حالة تمنع من التأثّر والاتّعاظ ، وهي قد تتقوى إلى حيثية تصير لازمة للقلب كسائر الملكات عند البلوغ إلى أقاصيها ، وهذه الحالة ربما يعبّر عنها بالقساوة والشقاوة.
والقلب الموصوف به لا ينفعل بما سمع أو أبصر مما يخالفه ، بل من مطلق جهات الادراك المتعلّق بما يخالفه ، فهو كالمختوم عليه وعلى سمعه ، وكمن على بصره غشاوة ؛ إذ لا يعي ولا يدرك شيئا من المسموع والمبصر ، ولمّا كان هذه الصفة والحالة تحدث في النفس تدريجا إلى أن يكون بحيث لا يمكن ارتفاعها ؛ كسائر القوى والملكات النفسانيّة التي تتقوّى بالاعمال والممارسة شيئا فشيئا ، وهي من مكتسبات العبد ؛ لكنّ الموجد له ليس هو العبد ، بل العبد غير شاعر بذلك نوعا وإن كان باختياره ما يترتب ذلك عليه.
فالظاهر أن يكون حدوث تلك الصفة من الطينة السجينيّة المخلوقة اكتسبها العبد بفعله ، فينسب إلى الله سبحانه الفعل باعتبار ايجاد مبدئه ، وجعله بحيث يتّصف به القلب المكتسب له جزاء لعمله واكتسابه ، وإعطاء له ما يطلبه من حيث لا يشعر بطلبه.
ثمّ إنّ وقوع ذلك الامر على المكلّف داخل تحت قضاء الله وقدره ومشيّته لما تحقّق عندنا من عدم خروج شيء عن تحتها ، وأنّه لا يدخل في ملك الحقّ
__________________
ـ المراد بالختم على القلوب أن الله شهد عليها ، وحكم بأنها لا تقبل الحق. ثم اعلم أن معنى الختم على قلوبهم وعلى سمعهم ، والغشاوة على أبصارهم : أنهم لما أعرضوا عن النظر فيما كلفوه ، وتهاونوا بل تعاندوا فيها أمروا به ، وبلغ جهلهم في أعلى مراتب بحيث تجسم لهم أعمالهم السيئة».