الآية الثالثة : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَومِهِ يا قَومِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا اِلى بِارئِكُمْ فَاْقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ* وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذْتُكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ). (١)
إذا كان جزاء اتخاذ العجل معبوداً هو قتل الأنفس ، كان جزاء الطالبين رؤية الله تعالى جهرة هو الأخذ بالصاعقة. وهذا يدلّ على أنّ الجرمين من باب واحد. فكما أنّ عبدة العجل جسّدوا الإله في العجل فطلبة الرؤية والمصرّون عليها ، صوّروه جسماً أو عرضاً قابلاً للرؤية ، فكلتا الطائفتين ظلموا ربّهم ونزّلوا الإله المتعالي عن الكيف والتشبيه والتجسيم والتجسيد ـ حسب زعمهم ـ إلى حضيض الأجسام والماديات والصور والأعراض ، فاستحقوا جزاءً واحداً ، وهو أخذهم من أديم الأرض بقتل أنفسهم ، أو حرقهم بالصاعقة.
وإن شئت قلت : إنّ التماس الرؤية لو كان التماس أمر ممكن ، لم يكن في سؤالهم بأس أبداً ، فإمّا أن تجاب دعوتهم أو ترد ، ولا يصحّ إحراقهم بالصاعقة كما في سؤالهم الآخر. (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعام واحِد فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذي هُوَ اَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ). (٢)
الآية الرابعة : إنّه سبحانه ما ذكر سؤال الرؤية إلاّ استعظمه ، وما نوّه به إلاّ استفظعه ، ولو كانت الرؤية أمراً جائزاً وشيئاً ممكناً ، لما كان لهذا الاستعظام وجه ، وكان سؤالهم لها مثل سؤال الأُمم أنبياءهم بأنّهم لا يؤمنون إلاّ أن يحيي الموتى ، أو غير ذلك ، من دون الاستعظام والاستفظاع.
وإليك هذه الآيات :
١ ـ( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكِتابِ اَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأْلُوا
ــــــــــــــــــ
١ ـ البقرة : ٥٤ ـ ٥٥.
٢ ـ البقرة : ٦١.