واستصغار النفس كحياء العبد من ربّه حين يسأله حوائجه احتقارا لشأن نفسه واستصغارا لها.
وأمّا حياء المحبة فحياء المحبّ من محبوبه ، حتّى إنّه إذا خطر على قلبه فى حال غيبته هاج الحياء فى قلبه وظهر أثره فى وجهه ولا يدرى ما سببه. وكذلك يعرض للمحبّ عند ملاقاة محبوبه ومناجاته له روعة شديدة. ومنه قولهم جمال رائع. وسبب هذا الحياء والرّوعة ممّا لا يعرفه أكثر الناس. ولا ريب أنّ للمحبّة سلطانا قاهرا للقلب أعظم من سلطان من يقهر البدن ، فأين من يقهر قلبك وروحك ممّن يقهر بدنك؟! ولذلك تعجّبت الملوك والجبابرة من قهرهم للخلق وقهر المحبوب لهم. فإذا فاجأ (١) المحبوب محبّه ورآه بغتة أحسّ القلب بهجوم سلطانه فاعتراه روعة وخوف (٢).
وأمّا حياء العبوديّة فهو ممتزج من حبّ وخوف ومشاهدة عدم صلاحية عبوديّته لمعبوده ، وأنّ قدره أعلى وأجلّ منها ، فعبوديته له توجب استحياءه منه لا محالة.
وأمّا حياء الشّرف والعزّة فحياء النّفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منه ما هو دون قدرها من بذل أو إعطاء أو إحسان ، فإنّه يستخرج مع بذله حياء وشرف نفس وعزّة. وهذا له سببان : أحدهما هذا ، والثانى استحياءه من الآخذ ، حتّى إنّ بعض الكرماء يستحى من خجلة الآخذ.
وأمّا حياء المؤمن من نفسه فهو حياء النفوس الشّريفة العزيزة من رضاها لنفسه بالنّقص وقنعها بالدّون ، فيجد نفسه مستحبيا من نفسه حتّى كأنّه
__________________
(١) كذا فى ب. وفى أ : «فاجاه».
(٢) كذا فى ب. وفى ا وهامش ب : «خوفه».