١٩ ـ بصيرة فى التسليم
وهو نوعان : تسليم لحكمه الدّينىّ الأمرىّ ، وتسليم لحكمه الكونىّ القدرىّ.
فأمّا الأوّل فهو تسليم المؤمنين العارفين. قال الله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ (١) لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فهذه ثلاث مراتب : التحكيم ، وسعة الصّبر بانتفاء الحرج ، والتسليم.
وأمّا التسليم للحكم الكونىّ فمزلّة أقدام ، ومضلّة أفهام. حيّر الأنام ، وأوقع الخصام. وهى مسألة الرّضا بالقضاء. وسيجىء الكلام عليه فى محلّه ، ونبيّن أنّ التسليم للقضاء يحمد إذا لم يؤمر العبد بمنازعته ودفعه ولم يقدر على ذلك ؛ كالمصائب التى لا قدرة على دفعها. وأمّا الأحكام التى أمر بدفعها فلا يجوز له التسليم إليها ، بل العبوديّة مدافعتها بأحكام أخرى أحسن عند الله منها.
فاعلم أنّ التسليم هو الخلاص من شبهة تعارض الخبر ، أو شهوة تعارض الأمر ، أو إرادة تعارض الإخلاص ، أو اعتراض يعارض القدر والشرع. وصاحب (هذه (٢) التخاليص) هو صاحب القلب السّليم الّذى لا ينجو إلّا من أتى الله به. فإنّ التسليم ضدّ المنازعة ، والمنازعة إمّا بشبهة (٣) فاسدة تعارض الإيمان بالخبر عما وصف الله تعالى به نفسه من صفاته وأفعاله ،
__________________
(١) الآية ٦٥ سورة النساء
(٢) ب : «هذا التخلص».
(٣) ب : «شبهة».