الظّلم على من لم يتب ، ولا أظلم منه بجهله بربّه ، وبحقّه ، وبعيب نفسه ، وبآفات أعماله. وفى الصّحيح : (يا أيّها (١) النّاس توبوا إلى الله ؛ فإنى أتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرّة) ، وكان أصحابه يعدّون له فى المجلس الواحد قبل أن يقوم : (ربّ اغفر لى وتب علىّ إنّك أنت التّواب الرّحيم) مائة مرّة ، وما صلّى صلاة قطّ بعد نزول سورة النّصر إلا قال فى صلاته : سبحانك اللهمّ ربّنا وبحمدك ، اللهمّ اغفر لى.
وقوله تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ) يريد بالتّوبة تمييز البقيّة (٢) من العزّة : بأن يكون المقصود من التّوبة تقوى الله ، وهو خوفه ، وخشيته ، والقيام بأمره ، واجتناب نهيه ، فيعمل بطاعته على نور من الله ، يرجو ثواب الله ، ويترك معصية الله على نور من الله ، يخاف عقاب الله ، لا يريد بذلك عزّ الطّاعة ؛ فإنّ للطّاعة والتّوبة عزّا ظاهرا وباطنا ، فلا يكون مقصوده العزّة ، وإن علم أنها تحصل له بالطّاعة ، والتّوبة. فمن تاب لأجل أمر فتوبته مدخولة.
وسرائر التوبة ثلاثة أشياء هذا أحدها. والثانى نسيان (٣) الجناية. والثالث التّوبة من الإسلام (٤) والإيمان. قلنا المراد منه التّوبة من رؤية التّوبة (٥)
__________________
(١) الحديث رواه مسلم كما فى رياض الصالحين فى باب التوبة بلفظ «يا أيها الناس توبوا الى الله واستغفروه فانى أتوب الى الله فى اليوم مائة مرة».
(٢) كذا. وكأنه يريد فصل بقية العزة ونفيها. وقد يكون البقية محرفة عن (التقية) أى التقوى. والغرض أن التوبة تتمحض للتقوى وتميزها من العزة.
(٣) هذا يكون لمن وصل الى مقام الصفاء مع الله ، فلا ينبغى له أن يذكر حالته الأولى. يعبر عن هذا المعنى بعض الصوفية بقوله : (لانى اذا كنت فى حال الجفاء ، فنقلنى الى حال الوفاء فذكر الجفاء فى حال الصفاء جفاء). ورد هذا فى مبحث التوبة فى الرسالة القشيرية.
(٤) يريد ألا يرى له فضلا بأعمال الاسلام والايمان
(٥) ا ، ب : «اليوم»