فإن قلت : إنّما نعلم كونها مصلحة بالأمر ، فإذا كان الأمر مؤبّدا ، كانت المصلحة مؤبّدة.
قلنا : إنّما علمنا كون الفعل مصلحة ، من حيث علمنا أنّ الحكيم لا يأمر بما ليس بمصلحة ، وكما علمنا ذلك ، فقد علمنا أنّه لا يأمر بما لا يقدر عليه ، فإن دلّ الأمر المؤبّد على دوام المصلحة ، دلّ أيضا على دوام التمكن.
وبأنّ الشاهد قد فرّق بين النسخ وبيان وصف العبادة ، فإنّه من أمر عبده بأخذ وظيفة [له] في كلّ يوم ، لم يلزمه أن يبيّن له في الحال متى يقطع ذلك ، ولا يجوز أن لا يبيّن له في الحال صفة الوظيفة.
واعترض أبو الحسين على الأوّل : بأنّه يعلم أنّ الأمر المؤبّد مصلحة بنفس الأمر المؤبّد ، فيلزم أن يعتقد وجوب فعله أبدا من غير اشتراط ذلك.
وعلى الثاني : بأنّه إن جاز أن تعلم الأمة ذلك من قصد نبيّها فالنبيّ لا بدّ من أن يعرف انّ شريعته لا تنسخ بخطاب أو تنتهي إلى خطاب ، فإن جاز أن يعترض (١) الأمر المؤبّد النسخ ، جاز مثله في ذلك الخطاب الّذي عرّف به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أو جبرئيل أنّ الشريعة لا تنسخ.
وإنّما يعلم (٢) أنّ الوحي منقطع إذا قال النبيّ : «شريعتي دائمة ولا نبيّ بعدي» فإن جاز تأخير بيان النسخ مع تناول الأمر لجميع الأوقات ، جاز أن يكون
__________________
(١) في «أ» : أن يعرض.
(٢) في المصدر : نعلم.