وإن لم يكن المبيّن واجبا ، لم يلزم من عدم إيجاب البيان التكليف بما لا يطاق ، إذ لا تكليف فيما ليس بواجب ، لأنّ ما لا يكون واجب الفعل ، ولا واجب الترك ، إمّا مندوب ، أو مباح ، أو مكروه ، وكلّ واحد من هذه الأقسام الثلاثة ، فلا تكليف فيه على ما تقدّم.
ولا يلزم من القول بالوجوب حذرا من تكليف ما لا يطاق الوجوب مع عدم التكليف أصلا ، اللهمّ إلّا أن ينظر إلى التكليف بوجوب اعتقاده ، على ما هو عليه من إباحة أو ندب أو كراهة ، فيكون من القسم الأوّل. (١)
وفيه نظر ، فإنّ المندوب والمكروه وإن لم يكونا من التكليف إلّا أنّ أحدهما مطلوب الفعل والآخر مطلوب الترك ، فيجب فيهما البيان ، لأنّ طلب الفعل والترك يستدعي الفهم.
ولأنّ الخطاب بهما أو بالمباح ، لا بدّ فيه من البيان ، تحصيلا للغرض من الخطاب ، وهو الإفهام.
المبحث السّادس : في وقت البيان
اتّفق العقلاء إلّا من جوّز التكليف المحال على امتناع تأخير بيان الخطاب عن وقت الحاجة ، لأنّ التّكليف مع عدم الطريق إلى العلم به ، تكليف بالمحال.
وأمّا تأخيره عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة ، فقد اختلف فيه ، وتقرير البحث في ذلك أن نقول :
__________________
(١) الاستدلال للآمدي في الإحكام : ٣ / ٢١.