المبحث الثاني : في أنّ المطلوب في النهي ما ذا؟
اختلف الناس هنا فقال أبو هاشم وجماعة كثيرة : المطلوب بالنّهي : نفس أن لا يفعل المنهيّ عنه.
وقالت الأشاعرة : المطلوب : فعل ضدّ المنهيّ عنه.
لنا : أنّ من لم يزن مع دعاء الداعي إليه يمدحه العقلاء على أنّه لم يزن ، وإن لم يخطر ببالهم فعل ضدّ الزّنا ، فوجب أن يكون العدم متعلّق التّكليف.
احتجّت الأشاعرة : بأنّ العدم نفي محض ، فلا يكون مقدورا ، لأنّ القدرة لا بدّ لها من أثر ، ولا أثر للمعدوم.
ولأنّ العدم وإن أمكن إسناده إلى القدرة ، لكنّ العدم الأصليّ لا يمكن إسناده إليها ، لامتناع تحصيل الحاصل.
وإذا بطل أن يكون العدم متعلّق القدرة ، وجب أن يكون ثبوتيّا ، وهو الضدّ.
والجواب : لو لم يكن العدم مقدورا لم يكن الوجود مقدورا ، لأنّه يلزم أن تكون صفة القدرة مؤثّرة في الوجود لا غير ، وذلك وجوب لا قدرة ، وعدم الفعل أمر عقليّ يمكن تعلّق القدرة به ، لتميّزه عن غيره ، وإن كان نفيا في الخارج.
والعدم الأزليّ وإن لم يكن مقدورا ، لكن المقارن للقدرة أمكن تعلّقها به ، فإنّ القادر على الفعل قادر على أن يتركه على العدم الأصليّ ، وأن لا يغيّره ، فعدم التغيّر مقدور له ، فجاز أن يتناوله التّكليف.