المبحث الثالث :
في أنّ مفهوم الموافقة حجّة
اتّفق العلماء عليه ، خلافا لداود الظاهري (١) لأنّ اللّفظ يدلّ عليه دلالة ظاهرة بل قطعيّة ، فإنّ السّيد لو قال لعبده : لا تظلم أحدا ب [مثقال] حبّة ، فهم كلّ عاقل منعه عن الظلم بأزيد منها ، وكذا لو قال : لا تقل له أفّ ، فهم منه تحريم ضربه ، وكما أنّ ذلك حجّة في تحريم الظلم بحبّة والتأفيف ، لدلالة اللفظ عليه ، فكونه حجّة في تحريم الظلم بأزيد والضرب أولى ، لقوّة الدلالة فيهما ، والمنكر لذلك مكابر.
نعم اختلف القائلون بكونه حجّة ، في أنّه حجّة من باب القياس ، أو من فحوى اللفظ؟
والحقّ الثاني ، لوجوه :
__________________
(١) هو داود بن علي بن خلف الأصبهاني البغداديّ المعروف بالظاهري (٢٠٢ ـ ٢٧٠ ه) أوّل من أظهر انتحال الظاهر ، سمّي بالظاهري لأخذه بظاهر الكتاب والسنّة ، فالمصدر الفقهي عندهم هو النّصوص ، وإذا لم يكن النّصّ موجودا أخذوا بالإباحة الأصلية ، وقد انقرض المذهب الظاهري بابن حزم الاندلسي (٣٨٤ ـ ٤٥٦ ه) فهو آخر فقيه انتحل هذا المذهب. ومن أراد التفصيل فعليه أن يرجع إلى بحوث في الملل والنحل : ٣ / ١٥٧.