المبحث الثالث : في أنّ النسخ رفع أو بيان
ذهب القاضي أبو بكر إلى أنّ النسخ رفع ، وعنى بذلك أنّ خطابه تعالى تعلّق بالفعل بحيث لو لا طريان الناسخ ، لبقي حكمه ، لكن زال بطريان الناسخ. (١)
وقال الاستاذ أبو اسحاق (٢) : إنّه بيان انتهاء مدّة الحكم ، على معنى أنّ الخطاب الأوّل انتهى بذاته في ذلك الوقت ، وحصل بعده حكم آخر ، لا تأثير له في زوال الأوّل. (٣)
احتجّ القاضي : بأنّ النسخ لغة الإزالة ، فيكون في الشرع كذلك ، لأصالة عدم التغيير.
وأيضا ، الخطاب قد كان متعلّقا بالفعل ، وذلك التعلّق إن عدم لذاته ، استحال وجوده ، فلا بدّ من مزيل ، وليس إلّا الناسخ.
اعترض (٤) : بأنّ التمسّك بالألفاظ ، لا يعارض الأدلة العقليّة ، وكلام الله تعالى عنده قديم ، كان متعلّقا من الأزل إلى الأبد باقتضاء الفعل إلى وقت النسخ ، والمشروط يعدم بعدم شرطه ، فلا يفتقر في زواله إلى مزيل آخر.
__________________
(١) نقله عنه الرّازي في محصوله : ١ / ٥٢٨.
(٢) تقدّمت ترجمته في الجزء الأوّل : ١٥١.
(٣) نقله عنه الرّازي في محصوله : ١ / ٥٢٨ ـ ٥٢٩.
(٤) المعترض هو الرّازي في محصوله : ١ / ٥٣٢.