وكذا بيّن قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) بتفسير الاستطاعة بذكر الزّاد والراحلة أوّلا ، ثمّ ذكر الأمن في الطريق ، والسّلامة من طلب الخفارة ثانيا ، وغير ذلك ، والوقوع دليل الجواز.
ثمّ أجابوا عن حجّة المانعين : بأنّ الاقتصار على الخطاب العامّ دون ذكر المخصّص ، مع كونه ظاهرا في التعميم بلفظه ، إذا لم يوهم المنع من التخصيص ، جائز ، فإخراج بعض ما تناوله اللفظ ، مع أنّه لا دلالة على إثبات غير ذلك البعض بلفظه ، أولى أن لا يكون موهما لمنع التخصيص ، وهذا البحث ساقط عنّا.
المبحث الحادي عشر : في حكم العامّ قبل دخول وقته
إذا ورد لفظ عامّ بعبادة أو بغيرها ، قبل دخول وقت العمل به ، قال أبو بكر الصّيرفي (٢) : يجب اعتقاد عمومه جزما قبل ظهور المخصّص ، وإذا ظهر المخصّص ، تغيّر ذلك الاعتقاد.
وغلطه الباقون ، لأنّ احتمال إرادة الخصوص به قائم ، ولهذا لو ظهر المخصّص لم يكن ممتنعا ، ووجب اعتقاد الخصوص ، وما هذا شأنه يمتنع اعتقاد عمومه جزما ، قبل الاستقصاء في البحث عن مخصّصه ، وعدم الظفر به ، على وجه يسكن النّفس إلى عدمه ، فلا بدّ في الجزم باعتقاد عمومه من اعتقاد انتفاء مخصّصه بطريقه.
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.
(٢) تقدّمت ترجمته في الجزء الأوّل : ١٤٠.