الثالث : تطابق أهل الاعصار على الاقتداء في الأفعال بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو يدلّ على انعقاد الإجماع على أنّه يفيد النّدب.
الرابع : فعله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس راجح العدم ، لامتناع الذّنب منه ، ولا مساويه ، وإلّا كان عبثا ، فتعيّن رجحان الوجود.
ولمّا انقسمت أفعاله إلى واجبة ومندوبة ، والقدر المشترك ، هو رجحان الوجود ، وعدم الوجوب ثابت بمقتضى الأصل ، فأثبتنا الرّجحان المطلق مع عدم الوجوب.
والاعتراض (١) على الأوّل : «بما تقدّم ، من أنّ التأسّي هو إيقاع الفعل على وجهه ، فلو فعله واجبا أو مباحا ، وفعلناه ندبا ، لما يحصل التأسّي».
وفيه نظر ، فإنّ استحباب التأسّي غير استحباب الفعل ، فالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا فعل فعلا علمنا وجهه ، استحبّ لنا الإتيان بمثله على وجهه ، وان لم نعلمه حملناه على الندب لأصالة البراءة.
وعلى الثاني : بالمنع من عموميّة الندب في أفعاله ، بل المباح.
وعلى الثالث : أنّا لا نسلّم أنّهم استدلّوا بمجرّد الفعل ، فلعلّهم استندوا معه إلى قرائن أخرى.
وعلى الرابع : بأنّ فعل المباح ليس عبثا ، لاشتماله على منفعة ناجزة ، والعبث ، الخالي عن الغرض.
احتجّ القائلون بالإباحة : بأنّ الذنب لا يصدر عنه ، فينحصر فعله في
__________________
(١) المعترض هو الرازي في المحصول : ١ / ٥١٠ وقد تنظّر فيه المصنّف كما سيوافيك.