عندي ضعيف ؛ لأنه تبارك وتعالى قال في صفة أهل الثّواب : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) [الأنبياء : ١٠٣] ، وقال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) [عبس : ٣٨ ، ٣٩] ، بل إنّه تبارك وتعالى قال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : ٦٢] ، فكيف يكون حال الأنبياء والرّسل أقلّ من ذلك ، ومعلوم أنّهم لو خافوا لكانوا أقلّ من منزلة هؤلاء الّذين أخبر الله عنهم أنّهم لا يخافون ألبتّة.
وثانيها : أنّ المراد منه المبالغة في تحقيق فضيحتهم ، كمن يقول لغيره : ما تقول في فلان؟ فيقول : أنت أعلم به منّي ، كأنّه قيل : لا يحتاج فيه إلى الشّهادة لظهوره ، وهذا أيضا ليس بقويّ ؛ لأنّ السّؤال إنّما وقع على كلّ الأمّة ، وكلّ الأمّة ما كانوا كافرين حتّى يريد الرّسول بالنفي تبكيتهم وفضيحتهم.
وثالثها : وهو الأصحّ ، وهو اختيار ابن عبّاس : أنّهم إنّما قالوا : لا علم لنا ؛ لأنّك تعلم ما أظهروا وما أضمروا ، ونحن لا نعلم إلّا ما أظهروا ، فعلمك فيهم أقوى من علمنا ؛ فلهذا المعنى نفوا العلم عن أنفسهم ؛ لأنّ علمهم عند الله تعالى كلا علم ، وهذا يروى عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم.
ورابعها : ما تقدّم أنّ قولهم : لا علم لنا إلا أنّا علمنا جوابهم لنا وقت حياتنا ، ولا نعلم ما كان منهم بعد وفاتنا.
وخامسها : قال ابن الخطيب (١) : ثبت في علم الأصول أنّ العلم غير ، والظّنّ غير ، فالحاصل أنّ عند كلّ أحد من حال الغير إنّما هو الظّنّ لا العلم ، وكذلك قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إنّكم تختصمون إليّ ، ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته ، فمن حكمت له بغير حقّه فكأنّما قطعت له قطعة من النّار» ، والأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ قالوا : لا علم لنا ألبتّة بأحوالهم ، إنّما الحاصل عندنا من أحوالهم هو الظّنّ ، والظّنّ كان معتبرا في الدّنيا لا في الآخرة ، لأنّ الأحكام في الآخرة مبنيّة على حقائق الأشياء وبواطن الأمور ، فلهذا السّبب قالوا : (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) ولم يذكروا ألبتّة ما عندهم من الظّنّ ؛ لأنّ الظّنّ لا عبرة به في القيامة.
وسادسها : أنهم لمّا علموا أنّه تعالى عالم لا يجهل ، حكيم لا يسفه ، عادل لا يظلم ، علموا أنّ قولهم لا يفيد خيرا ولا يدفع شرا ، فرأوا أنّ الأدب في السكوت ، وفي تفويض الأمر إلى (٢) العدل الحي الذي لا يموت.
وسابعها : معناه : لا علم لنا إلّا ما علّمتنا فحذف ، وهذا مرويّ عن ابن عبّاس ، ومجاهد.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ١٠٣.
(٢) في أ : إلى أنى.