[وجمهور الفقهاء] ، وقالوا : لا يجوز شهادة كافر في شيء من الأحكام.
وقوله تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) ، أي : إن وقع الموت في السّفر ، ولم يكن معكم أحد من المسلمين ، أو من أقاربكم ، فاستشهدوا أجنبيّين على الوصيّة ، إمّا من ملتكم ، أو من غير ملّتكم على الخلاف.
واحتجّ من قال : المراد بقوله : (مِنْ غَيْرِكُمْ) : الكفّار ؛ بأنّه تعالى قال في أوّل الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فعمّ بهذا الخطاب جميع المؤمنين ، فلما قال بعده (مِنْ غَيْرِكُمْ) كان المراد غير المؤمنين.
وأيضا كما شرط هذا الاستشهاد بحالة السّفر علمنا أن المراد بالآية : الكفّار ؛ لأنّ جواز الاستشهاد بالمسلم غير مشروط بالسّفر.
وأيضا فالآية تدلّ على وجوب تحليف الشّاهدين بعد الصلاة ، والإجماع على أنّ الشّاهد المسلم ، لا يجب عليه الحلف ، فعلمنا أنّ هذين الشّاهدين ليسا من المسلمين وأيضا بسبب النّزول ، ما ذكرنا من شهادة النّصرانيّين ، وقصّة أبي موسى الأشعري ، إذ قضى بشهادة اليهوديّين ، ولم ينكر عليه أحد من الصّحابة ، فكان إجماعا ، فهذه حالة ضرورة ، والضّرورات قد تبيح المحظورات ، كجواز التّيمّم ، والقصر ، والفطر في رمضان ، وأكل الميتة في حال الضّرورة ، والمسلم إذا حضره الموت في السّفر ، ولم يجد مسلما يشهده على وصيّته ، ولم تكن شهادة الكافرين مقبولة ، فإنّه يضيّع أكثر مهمّاته ، وربّما كان عنده ودائع وديون في ذمّته.
كما تجوز شهادة النّساء فيما يتعلّق بأحوالهنّ ، كالحيض والحبل والولادة والاستهلال ؛ لعدم إمكان وقوف الرّجال على هذه الأحوال ، فاكتفي (١) بشهادة النّساء فيها للضّرورة ، فكذا هاهنا ، والقول بأنّ هذا الحكم صار منسوخا بعيد ؛ لاتّفاق أكثر الأمّة على أنّ سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن ، وليس فيها منسوخ ، واحتجّ الآخرون بقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢] ، والكافر لا يكون عدلا.
وأجيب بأنّه لم لا يجوز أن يكون المراد بالعدل من كان عدلا في الاحتراز عن الكذب ، لا من كان عدلا في الدّين والاعتقاد ؛ لإجماعنا على قبول شهادة أهل الأهواء والبدع ، مع أنّهم ليسوا عدولا في مذاهبهم عندنا لكفرهم ، [ولكنهم](٢) لمّا كانوا عدولا في الاحتراز عن الكذب ، قبلنا شهادتهم ، فكذا هاهنا. سلّمنا أنّ الكافر ليس بعدل ، إلّا أن قوله : (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) عامّ ، وقوله : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) خاصّ ؛ فإنّه أوجب شهادة العدل منّا في الحضر ، واكتفى بشهادة من لا يكون منّا في السّفر ، فهذه الآية خاصّة ، والآية التي ذكروها عامّة ، والخاصّ مقدّم على العامّ ، لا سيّما
__________________
(١) في أ : والنّفاء.
(٢) سقط في أ.