قوله : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) فيه وجهان وذلك أنّ «اتّخذ» إن عدّيناها لاثنين ، كان مفعولا ثانيا ، وإلا كان حالا ، وهذه الجملة عطف على الجملة الاستفهامية التي معناها الخبر ، نبّهت على شرف المتبوع وأنه جدير بأن يتّبع لاصطفاء الله له بالخلّة ، ولا يجوز عطفها على ما قبلها لعدم صلاحيّتها صلة للموصول.
وجعلها الزّمخشري جملة معترضة ، قال : «فإن قلت ما محلّ هذه الجملة؟ قلت : لا محلّ لها من الإعراب ؛ لأنّها من جمل الاعتراضات ، نحو ما يجيء في الشّعر من قولهم : «والحوادث جمّة» فائدتها تأكيد وجوب اتّباع ملّته ؛ لأنّ من بلغ من الزّلفى عند الله أن اتّخذه خليلا ، كان جديرا بأن يتّبع» فإن عنى بالاعتراض المصطلح عليه ، فليس ثمّ اعتراض ؛ إذ الاعتراض بين متلازمين ؛ كفعل وفاعل ، ومبتدأ وخبر وشرط وجزاء ، وقسم وجواب ، وإن عنى غير ذلك احتمل ، إلا أنّ تنظيره بقولهم : «والحوادث جمّة» يشعر بالاعتراض المصطلح عليه ؛ فإن قولهم : «والحوادث جمّة» ورد في بيتين :
أحدهما : بين فعل وفاعل ؛ كقوله : [الطويل]
١٨٨٢ ـ وقد أدركتني والحوادث جمّة |
|
أسنّة قوم لا ضعاف ولا عزل (١) |
والآخر يحتمل ذلك ، على أن تكون الباء زائدة في الفاعل ؛ كقوله : [الطويل]
١٨٨٣ ـ ألا هل أتاها والحوادث جمّة |
|
بأنّ امرأ القيس بن تملك بيقرا (٢) |
ويحتمل أن يكون الفاعل ضميرا دلّ عليه السّياق ، أي : هل أتاها الخبر بأن امرأ القيس ، فيكون اعتراضا بين الفعل ومعموله.
والخليل : مشتق من الخلّة بالفتح ، وهي الحاجة ، أو من الخلّة بالضّم ، وهي المودة الخالصة. وسمّي إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليلا أي : فقيرا إلى الله ؛ لأنّه لم يجعل فقره وفاقته إلّا إلى الله.
قال القرطبيّ (٣) : الخليل فعيل ، بمعنى : فاعل ؛ كالعليم ، بمعنى : عالم ، وقيل : هو بمعنى المفعول (٤) ؛ كالحبيب (٥) بمعنى : المحبوب ، وإبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان محبّا لله ، وكان محبوبا لله. أو من الخلل. قال ثعلب : «سمّي خليلا ؛ لأن مودّته تتخلّل القلب» وأنشد : [الخفيف]
__________________
(١) تقدم برقم ٨٠٨.
(٢) البيت لامرىء القيس ينظر ديوانه (٦٢) والخصائص ١ / ٣٣٥ وسمط اللآلىء ص ٤٠ وشرح المفصل ٨ / ٢٣ وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٤ ، ٥٢٥ ، ٥٢٧ ، واللسان (نقر) والمنصف ١ / ٨٤ والإنصاف ١ / ١٧١ والدر المصون ٢ / ٤٣١.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٥٦.
(٤) في ب : مفعول.
(٥) في ب : والحبيب.