علم الدراية الباحث عن أحوال الحديث متناً وسنداً ، وكيفيّة تحمّله وآدابه ، وأمّا التعرّض لسند الحديث فيه فهو بما هو من أحوال الخبر وصفة له ، أي أنّ البحث في مجموع السند ، وأنّه على أي درجة ، وبالتالي فلا يبحث فيه عن أحوال أفراد السند بأشخاصهم وأعيانهم ، وإنّما البحث فيه من قبيل الكبرى ، بينما الصغرى يتكفّلها علم الرجال.
وبذلك يتّضح موضوع علم الرجال ، ويتّضح امتيازه عن موضوع علم الدراية ، وكذلك تتّضح الفائدة منه ، مضافاً إلى ما سيأتي في المدخل من بيان وجه الحاجة لعلم الرجال ، إلّا أنّنا نضيف في المقام فوائد اخرى :
منها زيادة البصيرة في المسائل الاعتقاديّة ؛ وذلك لانطواء البحث الرجالي على دراسة الفرق المنحرفة والمستقيمة ، وهذا يعطي للباحث إلماماً بموارد الانحراف وكيفيّة نشوئه ، والاطّلاع على المذاهب الاعتقاديّة المختلفة ، كما تجد ذلك في ترجمة أمثال : محمّد بن أبي زينب ، ويونس بن ظبيان ، والمغيرة بن سعيد ، وبنان.
كما أنّه يوقف المتتبّع في الأبحاث الرجاليّة على مذاق الشرع في كثير من الامور باطّلاعه على سيرتهم عليهمالسلام مع مختلف أصناف الرواة ؛ إذ تعاملهم معهم تجسيد عملي لرأي الشارع المقدّس تجاه أدقّ المسائل الحالكة المعضلة في أبواب كثيرة.
وبعبارة اخرى : إنّ البحث الرجالي تدقيق عميق في سيرة الأئمّة العمليّة واتّجاههم في قبال الاعتقادات الموجودة في زمانهم ؛ وبكلمة : أنّ البحث الرجالي في المفردات بمثابة الفتوى في الأحكام الاعتقاديّة المنطبقة على تلك المفردة ، وعليه فالباحث الرجالي لا غنى له عن الاعتماد على مذهب كلامي في الجرح