ودأبهم ورويّتهم في التثبّت عمّن يروون عنه ، وفي الاضطلاع بقواعد المذهب في الرواية ومعرفة النقيّ من الحديث مضموناً وسنداً عن غيره ، فكلّ هذه الخبرة الفقهية والروائية والدرائية والرجاليّة جعلتهم مَهَرةَ الحديث والفقه ، وروّاداً في مجال خبرتهم ممّا يشكّل قرينة قويّة جدّاً إجمالية على سلامة ما يرونه ، وإن كان عن الضعفاء ، أو سلامة من يروون عنه إذا أكثروا النقل عنه.
فالمحصّل أنّها ليست شهادة حسّية بصحّة الخبر ولا بوثاقة من يروون عنه ، بل قرينة إجمالية قويّة ظنّية تفصيليّة تتعاضد مع قرائن أخرى توجب حصول الاطمئنان بالصحّة أو الوثاقة حسب الموارد.
ثمّ إنّ المعروف بين المتأخّرين لا سيّما متأخّري المتأخّرين هو اختيار الأقوال الأولى ، فقد قال الطبرسي في إعلام الورى ص ٢٧٦ قال : «وأمّا الذين وثّقهم الأئمّة عليهمالسلام وأمروا بالرجوع إليهم والعمل بأخبارهم وجعلوا منهم الوكلاء والأمناء فكثيرون يُعرفون بالتتبّع في كتب أهل الفن ، وأمّا من عُرف بين الأصحاب بأنّه لا يروي إلّا عن ثقة فقد اشتهر بذلك جماعة منهم محمّد بن أبي عمير».
وقد قال السيّد بحر العلوم في رجاله في توثيق زيد النرسي : «إنّ رواية ابن أبي عمير لهذا الأصل تدلّ على صحّته واعتباره والوثوق بمن رواه ، فإنّ المستفاد من تتبّع الحديث وكتب الرجال بلوغه الغاية في الثقة والعدالة والورع والضبط والتحرّز عن التخليط والرواية عن الضعفاء والمجاهيل ، ولذا ترى أنّ الأصحاب يسكنون إلى روايته ويعتمدون مراسيله. وقد ذكر الشيخ في العُدّة أنّه لا يروي ولا يرسل إلّا عمّن يُوثق به وهذا توثيق عامّ لمن روى عنه ولا معارض له هاهنا ، وحكى الكشّي في رجاله إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه والإقرار له بالفقه والعلم ، ومقتضى ذلك صحّة الأصل المذكور لكونه ممّا صحّ عنه ، بل توثيق