فيكون كتمان الشهادة فيه كتمانا لما أنزل الله تعالى ، فيستحقّ كاتمها العقوبة في الدنيا ، وأشدّ العذاب في الآخرة.
ولا ريب برجحان الدعاء بمثل البرص ؛ ليكون شاهدا عيانيّا مستمرّا على صدق حديث الغدير ، وإمامة أمير المؤمنين عليهالسلام ، وظلم السابقين له.
ولا يستبعد منه الدعاء على خادم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ فإنّ ضرر كتمانه في مثل المقام أشدّ من غيره ، وهو أولى بالعقوبة ، ولذا كان عذاب العاصية من أزواج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ضعفين (١).
وليس هذا أوّل سيّئة من أنس مع أمير المؤمنين عليهالسلام ، بل له نحوها في قصّة الطائر (٢) ، وغيرها (٣) ، وهو من المنحرفين عنه.
قال ابن أبي الحديد (٤) : « ذكر جماعة من شيوخنا البغداديّين أنّ عدّة من الصحابة والتابعين والمحدّثين كانوا منحرفين عن عليّ عليهالسلام ، قائلين فيه السوء ، ومنهم من كتم مناقبه وأعان أعداءه ؛ ميلا مع الدنيا وإيثارا للعاجلة ، فمنهم : أنس بن مالك ، ناشد عليّ الناس في رحبة القصر ـ أو قالوا : برحبة الجامع ـ بالكوفة : أيّكم سمع رسول الله يقول : « من كنت مولاه فعليّ
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٠.
(٢) فقد ردّ أنس أمير المؤمنين عليهالسلام ثلاثا مدّعيا انشغال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ليصرفه عن الدخول متمنّيا أن يكون الآتي واحدا من قومه ؛ انظر مبحث حديث الطائر المشوي في الصفحات ١٥٩ ـ ١٧٠ من هذا الجزء.
(٣) كبعث أمير المؤمنين عليهالسلام لأنس إلى طلحة والزبير لمّا جاء إلى البصرة يذكّرهما شيئا ممّا سمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في أمرهما ، فلوى عن ذلك ، فرجع إليه ، فقال : إنّي أنسيت ذلك الأمر!
انظر : نهج البلاغة ٥٣٠ رقم ٣١١.
(٤) ص ٣٦١ من المجلّد الأوّل [ ٤ / ٧٤ ]. منه قدسسره.