ولو سلّم أنّها ليست نصّا جليّا ، ولا متواترة معنى بإمامته عليهالسلام ، فالمطالبة بتواتر ما هو أجلى منها ليست في محلّها ؛ للصوارف عنه ، فإنّ عامّة قريش وكثيرا من الأنصار في الصدر الأوّل أعداء أمير المؤمنين ، فمنهم غاصب له ، ومنهم معين على غصبه ، ومنهم راض به ، والباقي رعاع وسوقة إلّا القليل ، والقليل لا يقدر على بيان النصّ الجليّ ، خوفا من الأمراء ، بل حتّى الكثير يخاف منهم!
ولذا خفي أمر الغدير ، فاحتاج أمير المؤمنين بعد زمن قريب إلى الاستشهاد بمن بقي من الصحابة ، مع أنّه لم يشهد له بعضهم ، عداوة له فأصابته دعوته ، كما سبق (١).
ولو فرض إمكان بيان النصّ الكامل في الصدر الأوّل ، فلا ريب بعدم إمكانه أيّام معاوية والشجرة الملعونة ؛ لأنّهم أوجبوا سبّ إمام المتّقين ، وتتبعوا بالقتل والحبس من روى له فضيلة ، أو رأى له فضلا (٢)!
__________________
(١) انظر : ج ٤ / ٣٢٨ ؛ وانظر حديث من أصابته الدعوة في : جمهرة النسب ٢ / ٣٩٥ ، المعارف ـ لابن قتيبة ـ : ٣٢٠ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٨٦ ، تاريخ دمشق ٩ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦ ، شرح نهج البلاغة ٤ / ٧٤ وج ١٩ / ٢١٧ ـ ٢١٨ ، الصواعق المحرقة : ١٩٨ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ١ / ٦٦٣ ح ٩٠٠ ، حلية الأولياء ٥ / ٢٦ ـ ٢٧ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ لابن المغازلي ـ : ٧٤ ح ٣٣ ، مناقب الإمام عليّ عليهالسلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٧٨ ح ٣٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٦.
(٢) روى أبو الحسن المدائني في كتاب « الأحداث » ، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة ، أن برئت الذمّة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته ؛ فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّا ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة ؛ لكثرة من بها من شيعة عليّ عليهالسلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة وضمّ إليه البصرة ، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف ؛ لأنّه كان منهم أيّام عليّ عليهالسلام ، فقتلهم تحت كلّ