القرآن وادّعى الخلافة لنفسه ، فلا يكون نفي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لهذا القتال عن الشيخين منافيا لإمامتهما ؛ لأنّ هذا النفي مطابق للواقع ، إذ لم يقاتلا إلّا المشركين وإن كانا إمامين.
ولعلّه إلى هذا أشار الفضل بقوله : « وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن حيث كانوا يؤوّلون القرآن ويدّعون الخلافة لأنفسهم ».
قلت : لو أريد ذلك ، كان قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « كما قاتلت على تنزيله » ـ بمقتضى المشابهة ـ أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قاتل من تنزّل عليه القرآن ؛ وهو كما ترى.
ولا أدري أيّة آية تأوّلها البغاة والخوارج حتّى استباحوا بها قتال أمير المؤمنين ، والخروج على إمام زمانهم؟!
ومتى قاتله الخوارج مدّعين للخلافة؟! وكذا معاوية وعائشة وأنصارها؟! فإنّهم إنّما قاتلوا ـ في ظاهر أمرهم ـ أمير المؤمنين عليهالسلام طلبا بدم عثمان ، واتّخذوه ـ واقعا ـ وسيلة لبلوغ الرئاسة أو للانتقام من عليّ عليهالسلام ، عداوة له ، كما في عائشة.
ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، فأبو بكر عندهم أيضا حارب المتأوّلين ، فلو كان إماما وحربه حقّا لما أجابه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : « لا ».
ونعني بالمتأوّلين : مانعي الزكاة ؛ لأنّهم قالوا كما في « شرح النهج » لابن أبي الحديد (١) : « إنّ الله قال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (٢).
فوصف الصدقة بأنّها من شأنها أن يطهّر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الناس
__________________
(١) ص ١٨٥ من المجلّد الرابع [ ١٧ / ٢٠٨ ]. منه قدسسره.
(٢) سورة التوبة ٩ : ١٠٣.