كما ينحصر أهل السنّة بين هذين ، والمتعيّن فيهم الأوّل ؛ لأنّ النمط الأوسط لا يمكن أن يجمع الفريقين المتباينين ، ولأنّ أهل السنّة اجتهدوا في تأخيره عمّن لا يقاس به علما وعملا ، ولا يلتفتون إلى آية تدلّهم على منزلته ، ولا إلى سنّة ترشدهم إلى فضله وعلوّ محلّه ، بل يحتالون إلى نفي النصوصيّة بالأوهام والشبه البعيدة ، ويتناولون الأسانيد القويّة الكثيرة بالتضعيف بكلّ وسيلة ، بعكس ما يرد عندهم في حقّ مشايخهم!
فلا بدّ أن يكون من قال : « إنّ عليّا هو الخليفة الأوّل » محقّا ناجيا ، ومن قال : « إنّه رعيّة لغيره » مبطلا هالكا ؛ وبه يتمّ إثبات إمامته وخلافته للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا فصل.
وقد سبق في الآية الثانية والستّين دلالة ذلك على إمامته بوجوه أخر ؛ فراجع (١).
وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ الإماميّة يكفّرون أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ..
فإن أراد به أنّهم يقولون بشركهم أو إنكارهم الرسالة ، فباطل ..
وإن أراد أنّهم يقولون : إنّ أكثر الصحابة خالفوا نصّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على عليّ ، وألغوا أمر الله تعالى وأمر رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حقّه ، فصحيح ؛ لأنّ الإمامة عندنا أصل من أصول الدين ، ومن لم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية ، كما مرّ تحقيقه في أوّل مباحث الإمامة (٢) ..
__________________
(١) راجع : ج ٥ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ من هذا الكتاب.
(٢) راجع : ج ٤ / ٢١١ وما بعدها من هذا الكتاب.
وانظر : مسند أحمد ٣ / ٤٤٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٩٠ ح ١٠٥٨ ،