قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

اللّباب في علوم الكتاب [ ج ٧ ]

604/640
*

عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(١١٢)

في «إذ» وجهان :

أحدهما : أوحيت إلى الحواريّين ، إذ قال الحواريّون.

الثاني : اذكر إذ قال الحواريّون.

قرأ الجمهور «يستطيع» بياء الغيبة «ربّك» مرفوعا بالفاعلية ، والكسائيّ (١) : «تستطيع» بتاء الخطاب لعيسى ، و «ربّك» بالنصب على التعظيم ، وقاعدته أنه يدغم لام «هل» [في أحرف منها هذا المكان ، وبقراءة الكسائيّ قرأت عائشة ، وكانت تقول : «الحواريّون أعرف بالله] من أن يقولوا : هل تستطيع ربّك» وإنما قالوا : هل تستطيع أن تسأل ربّك ؛ كأنها ـ رضي الله عنها ـ نزهتهم عن هذه المقالة الشنيعة أن تنسب إليهم ، وبها قرأ معاذ أيضا وعليّ وابن عبّاس وسعيد بن جبير قال معاذ رضي الله تعالى عنه : أقرأني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «هل تستطيع ربك» بالتّاء.

وحينئذ فقد اختلفوا في هذه القراءة : هل تحتاج إلى حذف مضاف أم لا؟ فجمهور المعربين يقدّرون : هل تستطيع سؤال ربّك ، وقال الفارسيّ : «وقد يمكن أن يستغنى عن تقدير «سؤال» على أن يكون المعنى : هل تستطيع أن ينزّل ربّك بدعائك ، فيردّ المعنى ـ ولا بد ـ إلى مقدّر يدلّ عليه ما ذكر من اللفظ» ، قال أبو حيان (٢) : «وما قاله غير ظاهر ؛ لأنّ فعله تعالى ، وإن كان مسبّبا عن الدعاء ، فهو غير مقدور لعيسى». واختار أبو عبيد هذه القراءة ، قال : «لأنّ القراءة الأخرى تشبه أن يكون الحواريّون شاكّين ، وهذه لا توهم ذلك» ، قال شهاب الدين (٣) : وهذا بناء من الناس على أنهم كانوا مؤمنين ، وهذا هو الحقّ.

قال ابن الأنباري : «لا يجوز لأحد أن يتوهّم على الحواريّين ؛ أنهم شكّوا في قدرة الله تعالى» ، وبهذا يظهر أنّ قول الزمخشريّ أنهم ليسوا مؤمنين ليس بجيّد ، وكأنه خارق للإجماع ، قال ابن عطية (٤) : «ولا خلاف أحفظه أنّهم كانوا مؤمنين» ، فأمّا القراءة الأولى ، فلا تدلّ له ؛ لأن الناس أجابوا عن ذلك بأجوبة ، منها : أنّ معناه : هل يسهل عليك أن تسأل ربّك ؛ كقولك لآخر : هل تستطيع أن تقوم؟ وأنت تعلم استطاعته لذلك ، ومنها : أنهم سألوه سؤال مستخبر : هل ينزّل أم لا ، فإن كان ينزّل فاسأله لنا ، ومنها : أنّ المعنى هل يفعل ذلك ، وهل يقع منه إجابة لذلك؟ ومنه ما قيل لعبد الله بن زيد : هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتوضّأ؟ أي : هل تحبّ ذلك؟ وقيل : المعنى : هل يطلب ربّك الطاعة من نزول المائدة؟ قال أبو شامة : «مثل ذلك في الإشكال ما رواه الهيثم ـ

__________________

(١) ينظر : السبعة ٢٤٩ ، والحجة ٣ / ٢٧٣ ، وحجة القراءات ٢٤٠ ، ٢٤١ ، والعنوان ٨٨ ، وإعراب القراءات ١ / ١٥٠ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٣٩ ، وشرح شعلة ٣٥٦ ، وإتحاف ١ / ٥٤٥.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٧٥.

(٣) ينظر : الدر المصون ٢ / ٦٤٩.

(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٦٠.