وروى ابن عبّاس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنّ جماعة من اليهود قالوا : يا محمّد ألست تقرّ أنّ التّوراة حقّ من عند الله تعالى؟ قال : بلى ، قالوا : فإنّا مؤمنون بها ، ولا نؤمن بغيرها ، فنزلت هذه الآية (١).
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٦٩)
قرأ الجمهور : «والصّابئون» بالواو ، وكذلك هو في مصاحف الأمصار ، وفي رفعه تسعة أوجه :
أحدها : وهو قول جمهور أهل البصرة : الخليل وسيبويه وأتباعهما أنه مرفوع بالابتداء وخبره محذوف ؛ لدلالة خبر الأول عليه ، والنية به التأخير ، والتقدير : إنّ الذين آمنوا والذين هادوا من آمن منهم إلى آخره والصّابئون كذلك ، ونحوه : «إنّ زيدا وعمرو قائم» ، [أي : إنّ زيدا قائم وعمرو قائم] ، فإذا فعلنا ذلك ، فهل الحذف من الأول أي : [يكون] خبر الثاني مثبتا ، والتقدير : إنّ زيدا قائم وعمرو قائم ، فحذف «قائم» الأول ، أو بالعكس؟ قولان مشهوران ، وقد ورد كلّ منهما ؛ قال : [المنسرح]
٢٠٠٩ ـ نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرّأي مختلف (٢) |
أي : نحن راضون ، وعكسه قوله : [الطويل]
٢٠١٠ ـ فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإنّي وقيّار بها لغريب (٣) |
التقدير : وقيار بها كذلك ، فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون الحذف من الأول أيضا؟ فالجواب : أنه يلزم من ذلك دخول اللام في خبر المبتدأ غير المنسوخ ب «إنّ» ، وهو قليل لا يقع إلا في ضرورة شعر ، فالآية يجوز فيها هذان التقديران على هذا التخريج ، قال الزمخشريّ (٤) : «والصّابئون : رفع على الابتداء ، وخبره محذوف ، والنية به التأخير عمّا في حيّز «إنّ» من اسمها وخبرها ؛ كأنه قيل : إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنّصارى حكمهم كذلك والصّابئون كذلك ؛ وأنشد سيبويه شاهدا على ذلك : [الوافر]
٢٠١١ ـ وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا في شقاق (٥) |
أي : فاعلموا أنّا بغاة وأنتم كذلك» ثم قال بعد كلام : «فإن قلت : فقوله «والصّابئون» معطوف لا بدّ له من معطوف عليه ، فما هو؟ قلت : هو مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) إلى آخره ، ولا محلّ لها ؛ كما لا محلّ
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٦٤٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٣١) عن ابن عباس وزاد نسبته لابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٦٦٠.
(٥) تقدم.