من هدى القرآن - ج ١١

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١١

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-14-9
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٤٩

وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ

هدى من الآيات :

يتابع السياق القرآني في هذا الدرس الحديث عن الشرك بالله ، وأنّ الإنسان إذا مسّه الضر دعا ربه منيبا إليه دون الأنداد ، ويحتجّ الرب عليهم بحجة وجدانية بالغة هي أنّ الأنداد لا يضرون شيئا ولا ينفعون فلما ذا الشرك بهم ، وهم ينسون نسيانا عند الضرورات ، مما يدل على أنّهم ليسوا شفعاء إلى الله كما يزعمون ، وتكاد آيات القرآن جميعا تحدثنا عن التوحيد ونفي الشرك ، وذلك لأنّ الشرك ليس لونا واحدا ، بل ألوان شتى ، إذ الشرك هو الاستسلام لجاذبية المادة بشتى صورها ، فقد تكون المادة أرضا أو شخصا أو خوفا أو طمعا ، لذلك فإنّ التخلص من الشرك وأغلاله ينبغي أن يكون بالتخلص عن كل جاذبية تجذب الإنسان نحو الأرض ، كي يحلّق بعيدا في سماء التوحيد.

من هنا نجد القرآن العظيم يحدثنا في قضية التوحيد عن ضرورة التخلص من الشرك ، وفي كلّ مرّة يحدثنا عن بعض ألوان الشرك ، ثم إنّ الناس في خضوعهم

٤٤١

للمادة مختلفون ، فمنهم من يخضع بكلّ صراحة ، ومنهم من يستخدم سلاح التبرير ، وهكذا كان نسف قواعد التبرير من أبرز أهداف القرآن الحكيم ، وبما أنّ التبريرات تختلف من قوم لآخر ، بل حتى بين الأفراد أنفسهم الذين ينتمون إلى مذهب شركيّ واحد ، لذا يعالج القرآن الحكيم كلّ تبرير بصفة مستقلة ومختلفة.

وفي هذا الدرس يعرض الله نموذجين من الناس : الكافرين المشركين الذين يجأرون لله بالدعاء حال الشدة والضر ، والمؤمنين الذين يقنتون لله آناء الليل ساجدين قائمين ، فرقين من الآخرة ، ويعبدون الله مخلصين ، مسلمين له ، لكي ينسف التمنيات التي يعتمد عليها البعض في ارتكاب المعاصي ، فيزعمون ـ مثلا ـ أنّ الأنداد يشفعون لهم فلما ذا التقوى من الذنب.

بينات من الآيات :

[٧] يبرّر بعض المشركين شركهم بالجبر حين يقولون : بأنّ الله لو لم يكن راضيا عن شركهم إذا منعهم منه ، ولأنّه لم يمنعهم فهو راض عنه ، ولكنّ الله يقول : كلّا ... فأنا لا أرضى لعبادي الكفر.

وإذا لم يرض الله الشرك لعباده فلم هم مشركون دون أن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر؟!

ويجيب القرآن : لأنّ الدنيا دار ابتلاء فقد خوّل الله العباد ، وأعطاهم مهلة لكي يجرّب إرادتهم.

(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ)

فكفر الناس لا يسبّب له خسارة ، وعبادتهم لا تزيد في ملكه مثقال ذرة.

٤٤٢

(وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ)

أي أنّ الله يسمح لكم بأن تعبدوا ما شئتم من دون أن يرضه لكم.

ويقسم الحكماء إرادة الله إلى قسمين :

١ ـ إرادة تكوين.

٢ ـ إرادة تشريع.

فمن الناحية التكوينية وفر الله للإنسان الحرية ليفعل بها ما يشاء ، فأشرك به سبحانه ، ولكن من الناحية التشريعية لم يرض له الشرك ، وبتعبير آخر لم يجبر الله الناس على التوحيد ، ولو فعل ذلك بطل الثواب والعقاب ، ولكنّه أمرهم ونهاهم ورغّبهم وأنذرهم ووفّر لهم المشيئة ، ولولا المشيئة الإلهية لم يقدر أحد على عصيانه ، فهو الذي جعلهم مختارين ، وأعطاهم القدرة.

جاء في الحديث عن فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : «شاء وأراد ، ولم يحب ولم يرض ، شاء أن لا يكون شيء إلّا بعلمه ، وأراد مثل ذلك ، ولم يحب أن يقال له : ثالث ثلاثة ، ولم يرض لعباده الكفر» (١)

ونستطيع أن نشبّه هذه الحالة بمن يعطي ابنه دينارا ويأمره بأن يشتري ما ينفعه فيشتري ما يضره ، فهو قد اشترى بمال أبيه ما لم يرض به.

ورضى الله أو عدم رضاه ليس كما نحن البشر ـ كما أسلفنا في كثير من السور أنّ الله تنطبق عليه الغايات لا المبادئ ـ فرضي الله قد يكون بتوفيقه للإنسان ،

__________________

(١) التوحيد / (٣٣٩).

٤٤٣

واستجابة الطبيعة من حوله ، لأنّ كل ما في الحياة يستجيب للتوحيد وينسجم معه ، ويتناقض مع الشرك وينفر منه.

(وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)

فالله يرضى الشكر لعباده ، وعند ما يشكر الإنسان ربّه ففي شكره إرادتان : إرادة تكوين ، وإرادة تشريع ، وهناك من يبرّر شركه بإلقاء المسؤولية على غيره ، ولكنّ الله ينفي ذلك ، ويؤكّد أنّ كلّ إنسان يتحمّل مسئولية عمله ، ولا يتحمّل الآباء أو العلماء أو السلطات من وزره شيئا.

(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)

الوازرة : النفس التي تحمل ثقلا ، فكلّ إنسان يحمل حملا ، ومن عنده حمل لن يرضى أن يحمل حمل الآخرين ، إذ له من الحمل ما يكفيه.

وسواء برّرنا أم لم نبرّر فإنّ جزاء أعمالنا يوفّى إلينا يوم القيامة ، حين ينبّأ الرب عباده بكلّ صغيرة وكبيرة عملوها ، ولعلّهم نسوا أو تناسوا بعضها ولكنّ كتاب ربّنا لا يضل ولا ينسى.

(ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

وعلم الله لا يقتصر على ظواهر العمل بل ينفذ إلى القلب حيث الدوافع والنيّات.

(إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)

ولعلّ الآية تشير إلى فعل القلب ومسئولية الإنسان عنه ، والوساوس والتبريرات

٤٤٤

والعقائد الفاسدة والرضا والبغض كلها من فعل القلب ، فمثلا كثيرا ما يزعم الفرد أنّه مجبور على عمل وهو غير مجبور والله يعلم ما في صدره.

[٨] وبعد أن نسف السياق قواعد التبرير ، ومهّد القلب لتلقي الحجة ، أبلغنا بأنفذ الحجج وهو دليل الفطرة والوجدان ، حيث ينقطع في أوقات المحنة أمل الإنسان في أيّ شيء سواه سبحانه ، وهنالك يتصل قلبه بالله ، إنّ الله هو ذلك الأمل الذي ينجيك حين لا منجى ، ويتعلق قلبك به حين لا تجد خشبة خلاص تتعلق بها ، وهذه أحد الأدلة والشواهد التي تهدينا إليه سبحانه ، ففي أيّام الرخاء تعترينا الغفلة ، وننسى الله ، إلّا أنّ المصائب تأتي هزات عنيفة ليس لكيان الإنسان وإنّما لضميره ووجدانه حيث يرى الله ، والمؤمنون غير هؤلاء ، إنّهم يرون الله كما أمير المؤمنين (ع) إذ يقول :

«ما رأيت شيئا إلّا ورأيت الله قبله ومعه وبعده»

(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ)

أي يعود إلى الله ويترك الشركاء من دونه ، والدعاء والإنابة حالة الضراعة ، فهو من جهة يدعو الله كي يخلصه من الضراء ومن جهة أخرى يتوب إليه عما اقترفت يداه.

وفي ذلك شهادة فطرية على أنّ الأنداد الذين اتخذهم شفعاء لا يقدرون لا على كشف الضر عنه ولا على التوسّط بينه وبين الله ، وإنما الله أقرب إليه من كل تلك الآلهة المزيفة ، وإنّ أمره بالرجوع إلى الرسول أو خليفته الشرعي هو المقياس.

(ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ)

٤٤٥

خوّله : ملّكه وجعله متعهدا للنعمة ، وفلان مخوّل : أي له حق التصرف ، إذا أعطاه الله النعمة ، وبدّل الضراء نعماء.

(نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ)

يبدو أنّ المصاب بضر ولا أمل له بالنجاة فينجيه الله من ضرّه يكون أسرع في العودة إلى الذنب من الذي يبلغ النجاة عبر الوسائل المادية.

وفي التعبير إشارة إلى أنّه ينسى كلّ شيء عن حالته السابقة ، ونستوحي ذلك من كلمة «ما» في الآية.

(وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً)

فقال لولا صديقي ، لولا الدكتور ، لولا الصدفة الحسنة ، لولا حظي ، لولا ذكائي ، لكنت قد هلكت ، وينسى أنّ من أنقذه إنّما كان الذي «يدعو إليه من قبل» وهو ربّ العزة.

ولعل معنى الجعل هنا اعتبار ذلك للأنداد من خلال اضفاء صبغة القوة الذاتية عليهم ، وبتعبير آخر جعل الشرعية لهم مما لا يقتصر أثره فقط على نفسه ، بل يتجاوزه إلى الآخرين فيسبّب ضلالتهم أيضا.

ويشهد على ذلك التعقيب التالي :

(لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ)

إذ أنّه لم يبيّن للناس أنّ الله أنقذه حتى يهتدوا إليه بل أخبرهم كذبا أنّ غيره هو الذي أنجاه فأضلهم عن سبيل الله وهو إخلاص الدين له.

٤٤٦

هذا من جهة ومن جهة أخرى قلب الإنسان يرفض الفراغ ، فلا بد أن يتعلق بشيء ، فإذا نسي ربه اخترع لنفسه إلها مزيّفا من الشركاء ، يستعيض به عن ربه.

والدافع النفسي وراء الكفر بنعمة الخلاص من الهلكة هو التخلص من مسئولية شكر الله ، فالذي يقع في الهلكة يحس بتقصيره في جنب الله ويعقد العزم على تلافيه ، ويعاهد الله على ذلك إن نجّاه من الهلاك ، ولكنّه الآن وقد ذهبت عنه عاصفة البلاء وزعم أنّه استغنى عن ربه عادت إليه عواصف الشهوات تحثّه نحو الموبقات وترك الفرائض والخوض في الإباحية ، لذلك نسي ربه وكفر بنعمته عليه ، ونسب النعمة إلى الآلهة المزيّفة ، فيقول له الرب :

(قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً)

فإنّك لن تحصل إلّا على متاع قليل وفي فترة قليلة تنتهي إمّا بالمشاكل التي تتجدّد عليك أو بالموت.

(إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ)

وهل هي متعة تلك التي تنتهي بصاحبها إلى النار؟

والتعبير ب «أَصْحابِ النَّارِ» باعتبار أنّ الإنسان يحبّ صاحبه ولا يتركه ، فهو والنار قرينان لا يفترقان.

[٩] وفي مقابل هؤلاء الذين يجعلون لله أندادا هنالك طائفة أخرى هم المخلصون ، يقول الله عنهم :

(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ)

٤٤٧

قانت لربه في ديجور الليل ، صافّا قدميه ، ساجدا قائما ، خائفا راجيا.

ويبدو أن الخوف والرجاء قد تساويا في قلبه ، فهو يخشى النار وأهوالها ، ويرجو رحمة ربه في الجنة.

إنّ هؤلاء دأبهم الارتياح إلى الله والحنين في الحالات العادية ، فكيف إذا مسهم الضر.

وهكذا صوّر السياق نمطين من البشر : من يكفر بعد إنقاذه من الهلكة ووعوده بالتوبة ، ومن هو قانت آناء الليل وأطراف النهار ، ليكون الفرق واضحا بينهما ، وأنّه لا يجوز أن نجعل هذا كذاك في الجزاء ، وهذا هو الموضوع الأساسي في هذه السورة التي أوضحت اختلاف مسيرة الزمر الصالحة والزمر التي تساق إلى النار.

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ)

أنّ الله حق ، وأنّ الجزاء حق ، وأنّ الرسول صادق.

(وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)

كلّا ... لا يستويان مثلا. فلا يجوز الاتكال على شفاعة الأنداد. ولا الاتكاء على التمنيات والظنون.

(إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)

فبالرغم من وضوح الفرق بين العالم والجاهل ، فإنّ أكثر الناس لا يهتدون إلى ذلك لأنّهم أصحاب القشور والظواهر وأتباع الضجيج ، وليسوا أصحاب العقول المتعمقين في جوهر الأمور وألبابها.

٤٤٨

جاء في الحديث ، عن عمار الساباطي ، قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) قال : نزلت في أبي الفصيل ، أنّه كان رسول الله عنده ساحرا ، فكان إذا مسه الضر يعني السقم ، دعا ربه منيبا إليه ، يعني تائبا إليه من قوله في رسول الله (ص) ما تقول «ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ» يعني العافية «نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ» يعني نسي التوبة إلى الله عزّ وجلّ مما كان يقول في رسول الله (ص) أنه ساحر ، ولذلك قال الله عزّ وجلّ : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) يعني أمرتك على الناس بغير حق على الله عزّ وجل ، ومن رسوله (ص) ، قال : ثم قال أبو عبد الله (ع) : ثم عطف القول من الله في علي (ع) يخبر بحاله وفضله عند الله تبارك وتعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) أنّ محمدا رسول الله (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أنّ محمدا رسول الله ، وأنّه ساحر كذّاب (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١)

وفي الرواية عن أنس قال : «نزلت في علي (ع) (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) ... الاية» قال : فأتيت عليا ـ عليه السلام ـ وقت المغرب فوجدته يصلّي ويقرأ إلى أن طلع الفجر ، ثم جدّد وضوءه وخرج إلى المسجد وصلّى بالناس صلاة الفجر ، ثم قعد في التعقيب إلى أن طلعت الشمس ، ثم قصده الناس فجعل يقضي بينهم إلى أن قام [الى] صلاة الظهر ، فجدّد الوضوء ثم صلّى بأصحابه الظهر ، ثم قعد في التعقيب إلى أن صلّى بهم العصر ، ثم كان يحكم بين الناس ويفتيهم إلى أن غابت الشمس.

[١٠] وبعد أن ينجز السياق إقرار الإنسان بأنّه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، يشرح صفات وجزاء الذين يعلمون ويصوغون شخصيتهم بما يعلمون

__________________

(١) نور الثقلين / ج (٤) ص (٤٧٨).

٤٤٩

وذلك بالايمان والتقوى والإحسان والهجرة (عند الضرورة) والصبر.

(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ)

والتقوى تجنب المهلكات ، وعاقبتها الفلاح ، والفوز بالجنة ، وأمّا الإحسان فعاقبته السعادة في الدنيا أيضا ، ومعناه أن تكون صبغة حياة الفرد العطاء للآخرين ، وقد بلغ الأنبياء ـ عليهم السلام ـ ما بلغوه من شرف الرسالة بالإحسان. أمّا الهجرة عند الضرورة فهدفها المحافظة على الاستقلال والحرية ، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فهو لباب التوحيد وجوهر الإخلاص ، ودرع الاستقلال ، وأجره عند الله لا يبلغه العادون فهو بلا حساب.

هكذا روى الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ عن النبي (صلّى الله عليه وآله) :

«إذا نشرت الدواوين ، ونصبت الموازين ، لم ينصب لأهل البلاء ميزان ، ولم ينشر لهم ديوان ، ثم تلا هذه الآية» (١)

[١١] بالرغم من أنّ الهجرة قائمة إلى يومنا هذا إذا تعرضنا للضغوط ، وافتتنا في ديننا ، إلّا أنّه يلزم في بعض الأحيان التحدي.

وهكذا يأمر الله نبيّه بأن يعلن للناس جميعا إخلاصه لربه ، ورفضه للأنداد ، مما يعني التمرد على سلطات الجبّارين وإمرة المترفين وقيادة الجهلاء.

__________________

(١) نور الثقلين / ج (٤) ص (٤٨١).

٤٥٠

(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ)

وهذا أمر الله ، فلا قداسة ولا شرعية ولا حرمة لهذه السلطات الفاسدة لأنّ الله لم يأمر بها ، بل أمر برفضها حيث قال لرسوله :

(مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)

مسلما له وحده ، خاضعا لمناهجه وشرائعه فقط ، وما دام ذلك أمر الله فإنّ المؤمن بالله يتحمّل كل أذى في سبيل تطبيق هذا الأمر الإلهي ، والله يعينه عليه ، ولا يقدر على تجاوزه دون التعرض لغضب الله وعذابه.

[١٢] وما دام الأمر من الله فلا يستمد شرعيته من الناس فسواء أآمن الآخرون أم كفروا ، وافقوني على تمردي ضد الأنداد أم خالفوني فإنّي أواصل دربي.

(وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ)

أسبقهم إلى التسليم لله ، دون النظر إلى الآخرين ، كما قال السحرة بعد أن آمنوا : (لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ* إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ). (١)

بالرغم من أنّهم لم يكونوا فعلا أوّل المؤمنين ، فقد آمن لموسى ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئه ، ولكنهم فتحوا الطريق لغيرهم كي يؤمنوا.

[١٣] (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)

وهذا بالغ ذروة الإنذار حيث يخشى رسول الله عذابا عظيما فكيف بنا.

__________________

(١) الشعراء / (٥٠ ـ ٥١).

٤٥١

[١٤ ـ ١٥] (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي* فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ)

أمّا أنا فاعبد الله مخلصا له ديني ، فاعبدوا ما شئتم.

هكذا يتحدى الرسول بأمر الله أولئك الجاهلين الذين اتخذوا أهواءهم آلهة فعبدوا ما شاؤوا ، وهذا هو خلاصة الإخلاص وصفوة التوحيد ، وحين يبلغ المرء هذا المستوى الأرفع من الإخلاص لا يخشى أحدا ولا يخضع لشيء فإنّه :

أوّلا : يضمن حريته التامة ، واستقلاله الشامل ، لأنّ الأعداء لن يجدوا فيه ثغرة يستعبدوه من خلالها ، فلا المال والجاه والثناء يغريه ولا السجن والتهجير والإعدام يخيفه.

ثانيا : إنّه يضمن استقامته على الطريق دون تعب ، لأنّ النفس يؤلمها مخالفة الناس ، وملامتهم وجراحات ألسنتهم ، أمّا هو فقد تعالى بإذن الله عن لومة اللائمين ، ولدغات الجاهلين.

ثالثا : لا يكون شنآنه وبراءته من الناس بعصبية أو ظغينة ، بل لفرط حبه لله وحبه للناس فهو يستقبل من يئوب إلى الحق بترحاب ، وهكذا لا يستمرئ الاعتزال ، ولا يجعل بينه وبين الناس حجابا من الكبرياء والعصبية.

(قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ)

نعم. يخسر الإنسان في ذلك اليوم كلّ شيء ، نفسه حيث لا يتمتع شيئا ، ويخسر أهليه فلن يراهم في ذلك اليوم إذا كانوا مؤمنين ، ويحرم من شفاعتهم ، لأنّه لا

٤٥٢

تنفع الشفاعة إلّا لمن ارتضى ، وإن كانوا معه في جهنم ، فلكل امرء منهم شأن يغنيه ، ويا لها من خسارة كبري.

[١٦] وبعد ذلك يبيّن الله لنا عذاب أولئك الذين خسروا أنفسهم وأهليهم ، أنهم يعيشون في ظلل النار في أسفل طبقاتها ، ولعل في هذه إشارة إلى ما في الدنيا فما في الآخرة تجسيد للدنيا ، فقد كانوا واقعين تحت الحجب ، من حجب الشهوات ، الى حجب الثقافة الجاهلية ، والخضوع للطاغوت.

(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ)

إنّه محاط من فوقه ومن أسفل منه بالنار ، وربما كان قوله : «وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ» دلالة على أنّ هناك من هم أسفل منهم في النار مثل أصحاب التابوت وغيرهم.

(ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ).

اتقوا عذابي وغضبي ، وتجيب الآيات التاليات كيف نجتنب غضبه.

٤٥٣

وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ (٢٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١)

___________________

٢١ [يهيج] : يجف الزرع وييبس ، من هاج أي ثار ، فكأن البنان يثور عن حالة الأولى.

٤٥٤

فَبَشِّرْ عِبادِ

هدى من الآيات :

يستمر السياق في بيان نموذجين من الناس ويقارن بينهما لنعرف أنهما ليسوا سواء في الجزاء ، ولكي نزداد وعيا بهما فعبر مقارنة النور بالظلام نتبصّر بحقائقهما ، وقد نزل القرآن مثاني يفرق أبدا بين الحق والباطل ، الصلاح والفساد.

وحين شرح الله صفات القانتين ـ وهم أئمة الهدى ـ وميّزهم عن أصحاب النار من أئمة الكفر ، عاد إلى بيان أشياعهما ، فهناك من يجتنب الطاغوت ، ويستمع القول فيتبع أحسنه ، وهناك من حقّت عليه كلمة العذاب.

ويذكّرنا الدرس بالعقل الذي هو لبّ الإنسان ، والذي يهدي به الله قوما فيجعلهم من أصحاب الجنة لهم غرف من فوقها غرف ، ويوقظ العقل بآيات الله في الخليقة حيث يذكّرنا بالدورة النباتية التي تبدأ بنزول الغيث ، واختزان الماء في الينابيع ، وإخراج الزروع المختلفة ، وتنتهي بالحطام.

٤٥٥

بينات من الآيات :

[١٧] من هو الطاغوت؟

كلّ من فرض نفسه زورا على الآخرين يعتبر طاغوتا ، إذ قد يطغى المرء في حدود نفسه فلا يعبد الله ويتجبّر ويتكبّر ، ويسمّى طاغيا ، ويقول عنه الرب : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى).

وقد يتجاوز حدود ذاته إلى الآخرين ، فيحاول منع الناس عن عبادة الله ، ويدعوهم إلى عبادته ، فيكون قد بالغ في الطغيان ، فيسمى ب (الطاغوت) لأنّ هذه الصيغة تعني المبالغة ، كما نقول ملكوت مبالغة في الملك ، وجبروت مبالغة في السيطرة ، والرحموت مبالغة في الرحمة.

وما هي عبادة الطاغوت؟

قليل من الشعوب الخاضعة لحكم الجبابرة كانت تزعم أنّهم آلهة فيسجدون لهم تعظيما ، إنّما كان يستسلم أكثرهم للطاغوت رهبا ورغبا ، أو استرسالا ، وهكذا اعتبر طاعتهم لها عبادة وخضوعهم سجودا.

قال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ (حسب رواية أبي بصير) وهو يخاطب المؤمنين :

«أنتم هم ، ومن أطاع جبارا فقد عبده» (١)

وكيف يجتنب الطاغوت؟

__________________

(١) المصدر / ص (٤٨١).

٤٥٦

الطاغوت حقيقة قائمة في كلّ مكان تقريبا ، فإنّى تولّيت وجدت سلطة شيطانية مفروضة ، وشبكة فاسدة من أنصاره وتابعيه ، والمؤمن هو الذي يجتنب هذا الوضع ، ويطهّر نفسه من تأثيراته الفاسدة ، فهو إذا يثور على الطاغوت ، ويتحدّاه حتى لا تشمله سيئاته ، وهذا بعض معاني الاجتناب ، ولكن آثار الطاغوت السلبية تنتشر في كل مكان ، وتصيب المؤمنين برذاذها شاؤوا أم أبوا ، فهذه أنظمته الاجتماعية والاقتصادية ، وتلك أفكاره الجاهلية تملأ المحيط الذي يعيشه المؤمنون ولا بد أنهم يخضعون لها حينا من الأحيان.

فما ذا يصنعون؟

إنّ عليهم الإنابة إلى الله في كلّ حين ، فكلّما هزمتك ضغوط السلطة الفاسدة نفسيّا ، وملت إليها أو خضعت لقوانينها ، أو مالأتها خشية بطشها أو رغبة عطائها فلا بد أن تعود إلى طهرك ، وتتوب إلى الله متابا ، لتكون لك البشرى على لسان نبيّك المرسل.

(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى)

ويدخلك الله في حصن عبوديته.

(فَبَشِّرْ عِبادِ)

[١٨] لا يفرض الطاغوت على الناس هيمنته حتى ينشر بينهم فلسفته ، فهو كمدخنة كبيرة تنفث دائما تيارا من الدخان الأسود فتلوّث الأجواء.

إنّ أجهزة إعلامه السلطويّة تبثّ بين الناس الأفكار الشركية التي تبعدهم عن

٤٥٧

ربهم ، وتشيع فيهم أفكارا باطلة تسلبهم ثقتهم بأنفسهم ، وتفرّق كلمتهم وتضعهم في هالة من الأمنيات ، وتشيع فيهم أنه مرهوب الجانب ، وقراراته صائبة ، وهو رجل إلهيّ مقدّس.

كما أنّها تبث فيهم العصبيّات العرقية والقبلية والقومية ، وتحمد إليهم أصنام التراث وأنصاب المصالح المادية.

وحول الطاغوت يتحلّق طائفة من تجّار الدين والعلم ، يوحون إليه بالمكر ، ويزيّنون له باطله ، ويلمّعون للناس وجهه.

وهكذا يصبح التخلّص من دائرة نفوذ الطاغوت عملا عسيرا يحتاج إلى همة واجتهاد ، ولعلّ هذا ما تشير إليه كلمة «واجتنبوا» في الآية السابقة ، والتي تتخصّص في هذه الآية باجتناب الثقافة الطاغوتية إذ يقول ربنا :

(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)

وهكذا يصف الذين تجانبوا الطاغوت وتأثيراته الشركية بأنّهم لا يتبعون أيّ قول بل أحسنه.

ولكن كيف يتم ذلك؟

أولا : إنّ عباد الله يتعاملون مع القول الذي يعبّر عن الفكرة باهتمام منهم ، لا يسمعونه بل يستمعون اليه ، وفرق بينهما كبير ، فالسماع لا اهتمام فيه بعكس الاستماع ، وهكذا جاء في الحديث :

«كونوا نقّاد الكلام»

٤٥٨

ثانيا : إنّهم يمارسون التعقّل والتفكّر ليعرفوا أحسن الحديث ، وبذلك يميّزون بين الرديء والجيد وبين الحسن والأحسن ، فلا يكتفون بمعرفة الجيد بل يسعون لمعرفة الأحسن وفق قيم العقل والوحي ، ذلك أنّ أحسن القول هو الأصلح لدنياهم حسب هدى العقل والأنفع لأخراهم حسب هدى الوحي.

ثالثا : فإذا عرفوا الأحسن اتبعوه ، ولم يبحثوا عن العلم للعلم بل للعمل ، ولم يتعلّموا العلم لينقلوه الى غيرهم بل ليعملوا به أوّلا.

(أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)

إنّهما حجتان في حجة ، حجة الوحي وحجة العقل ، وهما تجلّيان لنور الله ، الذي أودعه بقدر في ضمير كل بشر ، وأنزله بهيّا عبر رسالاته ، وقد تجلّى هذا النور في ضمير هؤلاء لأنّهم اتبعوا أحسن القول. وهكذا هدى الله يتنزّل على قلب من يسعى إليه ويتبعه ، أو لم يقل ربنا سبحانه : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) وباطل أمنية أولئك الذين ينتظرون الهدى من دون سعي وجهاد.

واستوحي من الآية فكرة اعتبرها مفتاحا لغيب الكتاب الحكيم ، وهي : إنّ كل كتاب ربنا حسن ، إلّا أنّ الناس يختلفون في مدى الانتقاع به ، فبعضه بالنسبة الى البعض أحسن من غيره لحاجته الملحة إليه ، ومثل القرآن مثل أنواع الطعام متشابه في فائدته وروعته ولذته إلّا أنّ الناس يختلفون في انتفاعهم به.

فمثلا : آيات الجهاد تتجلّى في عصر التحديات أكثر من آيات الصبر ، بينما تتجلّى آيات الإنفاق للأغنياء بقدر تجلّي آيات العفاف للفقراء.

ومعرفة الظروف الاجتماعية والشخصية تكون بالعقل ، فهو ليس دليلا مستقلا بين الأدلة الشرعية بالإضافة الى الكتاب والسنة والإجماع ، بل هو النور الذي يعرف

٤٥٩

به الكتاب ، وبه نميّز السنة ، وبه نثق بالإجماع ، فلو لا العقل كيف نهتدي الى معاني الكتاب ، وكيف نصدّق أو نكذّب بالرواة الذين نقلوا إلينا السنة ، وكيف يعكس الإجماع لنا السنة؟

[١٩] وبعكس المؤمنين ، فإنّ غيرهم حين استسلم لضلالة الطاغوت حقّت عليه كلمة العذاب حين أضلّه الله ، وسلبه هدى عقله بعد أن أساء التصرّف معه.

(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ)

وأضلّه الله وألزمه التيه لأنّه لم ينتفع بعقله ولم يتّبع هدى ربه.

(أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ)

إنّه لا يتخلّص من النار أبدا ، لأن وسيلته الوحيدة للإنقاذ رحمة الله وهو محروم منها.

[٢٠] ذلك كان جزاء الذين اتبعوا الطاغوت. أمّا الذين اتقوا في الدنيا فهم يحبرون في الجنة.

(لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ)

وهي البيوت المرتفعة.

(مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ)

مما يشبه العمارات المبنية بإتقان ذات طوابق عديدة.

(مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)

٤٦٠