من هدى القرآن - ج ١١

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١١

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-14-9
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٤٩

قال الإمام الباقر (ع) :

«عذاب واصب أي دائم موجع ، قد وصل الى قلوبهم» (٢)

[١٠] والشياطين يسعون جهدهم للحصول على بعض المعلومات من السماء من أجل إضلال أهل الأرض بها ، بعد تضمينها الأفكار الباطلة ، وما عند الكهنة والمنجّمين من الأخبار الصائبة هو من هذا النوع ، فهم يجلبون ثقة الناس بهم ، من خلال الجزئيات الصحيحة حتى يثقون بكل ما يصدر عنهم من الباطل.

(إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ)

وفي الآية وآيات أخرى مشابهة دلالة على أنّ الشياطين تتمكّن من الحصول على بعض الأخبار ، من خلال مغامراتها المستمرة.

كما نستوحي من الآية وآيات أخرى أيضا في القرآن أنّ حديثا يدور لدى الملأ الأعلى عما يجري في الدنيا ، متى ينزل المطر ، متى تحدث الزلازل ، و... و... ولا ريب أنّ للظواهر الواقعة مستقبلا إرهاصاتها ودلالاتها ، ولعل الحاسة السادسة ، والنظر المغناطيسي ، والانتقال التلقائي ، والتنبّؤات الصحيحة ، والأحلام ، وحتى بعض أبعاد السحر والكهانة والعرافة و... و... تدل على وجود مبشّرات ومنذرات قبل وقوع الحوادث.

أمّا الذين يزعمون بأنّهم يتبعون الجن والشياطين فإنّهم خاطئون ، لأنّ الجن أساسا لا يملكون من علم الغيب شيئا ، حيث يمنعهم حرس السماء من ذلك.

[١١] وبعد هذه المقدمة البليغة التي حطّمت أسطورة الشرك بالجن ، والتصوّر

__________________

(٢) نور الثقلين / ج (٤) / ص (٤٠٠).

٢٠١

بأنّها آلهة من دون الله ، يخلص السياق الى تساؤل من شأنه أن يهزّ نفوس الكفار والمشركين وعقائدهم من الأعماق ، ويبعثهم على التسليم للرسالة وعقائدها الصائبة لو أرادوا ذلك.

يقول تعالى :

(فَاسْتَفْتِهِمْ)

أيّها الرسول واسألهم. والاستفتاء هو استطلاع الرأي ...

(أَهُمْ)

يعني الكفار والمشركين ...

(أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ)

ولتفسير هذه الآية ثلاثة أوجه :

الأول : أنّ المعني بالتساؤل هم الملائكة ، ولا يملك الإنسان إجابة سوى الاعتراف بتفوّقها الذاتي عليه من حيث القوة ، فهي أقوى حتى من الجنة ، التي يتصوّرها الإنسان لضعفه أنّها آلهة ، فهي من جهة القياس أولى بادّعاء الالوهية والتمرّد على الله ، لكنّنا نجدها خاضعة له مسلمة لأمره ، فلما ذا إذن هذه النزعة نحو الربوبية في بعض بني البشر أو التكبر ، وهم ضعفاء في الخلقة حيث عنصرهم الطين اللازب؟!

الثاني : إنّ المقصود بالخلقة الشديدة هم الجن ، وما داموا أضعف من مقاومة قدرة الله وعذابه فلما ذا يشرك البعض بهم ، وهذا الأمر يستوجب العذاب الأليم

٢٠٢

الذي لا تحتمله أبدانهم الطينية الضعيفة؟!

الثالث : إنّ الآية تشير الى سائر خلق الله في الكون ، كالسماوات والأرض والكواكب حيث تتجلّى آثار قدرة الله ، التي دفع التشكيك فيها بالإنسان الى الكفر بالبعث ، فإذا ما تفكّر الإنسان في خلقها وثق بقدرة ربه ، وبالتالي آمن بيوم البعث ، وهذا أظهر الوجوه فيما يبدو لي.

[١٢] ومشكلة الإنسان تجاه الحقائق الكبيرة أنّه لا يستوعبها إلّا إذا اتصف بسعة الأفق والتعقّل ، وكلما كان العقل كبيرا كان صاحبه أقدر على اكتساب المعرفة ، وعقل الحقائق ، والإمام علي (ع) يقول :

«يا كميل ابن زياد : إنّ القلوب أوعية فخيرها أوعاها» (٣)

والعاقل حينما يصغي للحقائق أو يشاهدها يتعجّب منها ولكنه يصدّقها ، فلا يكذبك لو قلت له بأنّ الدلفين يستخدم الآن في عمليات التجسّس أو أنّ العلم الحديث اخترع جهازا فلق به رأس البعوضة. أمّا الجاهل فهو لا يكذّب الحقائق وحسب ، بل ويستهزئ بصاحبها ، ويسخر منه ، وقد يوصمه بالجهل والجنون ، وفي الوقت الذي يدل موقف الإعجاب على نموّ العقل ، وسعة الصدر ، واستيعاب الحقيقة ، فإنّ موقف السخرية دليل على ضيق الأفق ، وجمود الفكر ، والقرآن يصف الرسول بالإعجاب ، بينما يصف الكفار والمشركين بالسخرية.

(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ)

[١٣] ومن شواهد تحجر قلوبهم ، وجمود عقولهم ، أنّهم لا ينتفعون بالذكر ، وقد يتعمّدون التغافل عن الحقيقة.

__________________

(٣) نهج البلاغة / ح (١٤٧) / ص (٤٩٥).

٢٠٣

(وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ)

والتذكير هو إثارة معلومات الإنسان في ذاكرته ممّا يدلّ على أنّ عقل الإنسان يحتوي على حقائق كثيرة لو استثاره صاحبه.

[١٤] وهؤلاء ليس فقط لا يعودون الى ذاكرتهم إذا استثيرت ، إنّما يرفضون الانصياع للحق مع ظهور الآيات والشواهد عليه ، وأعظم من ذلك جرأة على الله أنّهم يستثيرون الناس للسخرية على الحق.

(وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ)

وقد تكون في الآيات إشارة الى ثلاث مراحل يمر بها هؤلاء في رفضهم للحق : الأولى : السخرية بالحق لمجرد رؤيته ، والثانية : قسوة القلب ، وهي نتيجة للسخرية حيث تتراكم عليه الحجب ، فلا يعود صاحبه قادرا على التفاعل مع التذكرة ، ومطابقة الحق الخارجي مع الفطرة البشرية والعقل ، والثالثة : محاربة الحق ومحاولة صدّ الناس عنه.

[١٥] ومن أجل أن يبرّر هؤلاء كفرهم بالحقيقة ، ويضلون الناس عنها يلجأون الى إثارة الشبهات حول الحقائق ، الشبهة الأولى حاولوا من خلالها تشكيك الناس في أصل الرسالة.

(وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)

واختاروا تشبيهها بالسحر ، لأنّه أقرب الأمور وأشبهها للحق ظاهريا ، ومن قصة النبي موسى (ع) يتضح لنا أن حبال السحرة خيّلت للناس أنّها تسعى ، إلّا أنّ الفرق بين السحر والحق أنّ السحر لا واقع له ، بينما الحق واقع قائم.

٢٠٤

[١٦] والشبهة الثانية قالوا : كيف يبعث الإنسان بعد أن يصير ترابا وأعضاء ممزّقة؟! لأنّهم يريدون حياة لا مسئولية فيها ، وهذا الاعتقاد يلتقي مع عبادتهم للجن وسائر الشركاء الذين يعبدونهم ليرفعوا عنهم المسؤولية بالشفاعة.

(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)

[١٧] ثم يضيفون استهزاء وسخرية :

(أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ)

الذين تلاشوا في التراب؟!

[١٨] فيجيبهم الله على لسان نبيه (ص) إذ يترفّع عن مخاطبتهم تحقيرا لهم وإصغارا ، وهكذا لا نجد في القرآن ولا أيّة واحدة ، تشتمل على خطاب مباشر من الله للمشركين والكفار على صعيد الدنيا :

(قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ)

أي ساجدين مستسلمين للإرادة الإلهية ، حيث تنتهي الحياة الدنيا وحرية الإنسان تباعا لها ، ولا يبقى هناك إلّا العمل والحساب ، حيث تتجلّى المسؤولية التي لا محيص منها تجليّا تامّا.

٢٠٥

فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧) إِنَّكُمْ

٢٠٦

لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩)

٢٠٧

وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ

هدى من الآيات :

يحدثنا السياق في هذه المجموعة من الآيات عن جوانب من اليوم الآخر ، حيث الصيحة العظيمة فإذا بالظالمين قيام ينظرون وينتظرون عذاب الله. وهناك تتجلّى المسؤولية ، التي طالما تهرّبوا منها في الدنيا ، فتسقط تبريراتهم التي زعموا بأنّهم قادرون على جعلها وسيلة للتخلص من جزاء أعمالهم.

والتي من بينها إلقاء المسؤولية واللوم على الآخرين ، إذ يدّعي البعض بأنّه كان مكرها ومجبورا من قبل السلطات أو القوى الاجتماعية.

ومن أبرز أدلّة المسؤولية في الدنيا وجود الجزاء ، فالذي يركب سفينة ثم تغرق يكون مسئولا بنسبة معينة عن غرقها ، مهما برّر الأمر بغفلة ربّانها مثلا ، وهكذا لو كنا في مجتمع يحكمه الظالم ثم سكتنا عنه فشملنا الذل والبلاء ، فإنّ ذلك دليل مسئوليتنا عن الوضع ، حتى لو برّرنا بثقافة الجبر أو فلسفة الانتظار.

٢٠٨

ولكي يعمّق القرآن شعورنا بالمسؤولية ، ولا يدع التبريرات تحجبنا عن هذا الأمر الخطير ، والأساسي في حياة البشر ، يصوّر لنا مشاهد من يوم القيامة ، ويثير فيها جانبا من التبريرات ، التي يتشبّث بها الظالمون آنذاك ، مع ردّها ردّا قاطعا ، وكلّ ذلك في صورة حوار بينهم وبين الله والملائكة ، وإنّما يرينا السياق هذه المشاهد من الآخرة لكي تنعكس على حياتنا الدنيويّة في صورة إحساس نفسي وعمليّ عميق بالمسؤولية.

بينات من الآيات :

[١٩] (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ)

الزجرة تعبير آخر عن النفخة ، وهي صوت يصدره أحد الملائكة بإذن الله فيميت الناس أو يبعثهم للحياة ، كيفما أراد تعالى ، وقد يفهم من ذلك أن انبعاث الحياة في الأرواح والعظام الميتة بحاجة الى تفاعلات سريعة جدا ، وهذا ما توفّره الزجرة ، التي تبعث الناس أحياء وفي كامل وعيهم للحساب ، وإذا كان الإنسان في الدنيا يخلق جاهلا ثم يتدرّج في المعرفة ليصل الى حد من الكمال ، فإنّه يوم البعث وبعد الزجرة ينهض بقوة كاملة ، ووعي تام.

[٢٠] وأول نظرة يلقيها الظالمون الى ما حولهم ، تكفيهم علما بمصيرهم ، حيث الويل والثبور ، وقد كانوا محجوبين عن هذه الحقيقة في الدنيا ، بسبب ذنوبهم وتكذيبهم بالرسالة الإلهية.

ومن طبيعة البشر أنّه لا يعترف بوقوعه في الخطأ والهلكة إلّا قليلا ، وفي اللحظات التي ييأس ويفقد فيها أدنى أمل بإمكانية التبرير.

فالظالمون إذن يحاولون أن لا يعترفوا بخطئهم أو ضعفهم ، وهلكتهم في الدنيا ،

٢٠٩

ولكنّهم يومئذ لا يملكون سوى الاعتراف ، ونبذ التبريرات التي تشبّثوا بها في الدنيا للفرار من المسؤولية.

(وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ)

والدين هو مجموع الفروض والواجبات التي فرضها الله على الناس ، كإقامة الصلاة والعدل و... و... وبالتالي فإنّ الدين هو المسؤولية ، وقد تهرّب هؤلاء منها ولم يتحمّلوها ، لكنّهم وجدوها يوم البعث هي الحاكمة ، فعلموا بأنّهم هالكون وخاسرون ، وقد يكون معنى الدّين هنا خصوص الجزاء.

[٢١] ويؤكّد لهم المنادي من قبل الله ـ وهو أحد الملائكة ـ هذه الحقيقة ، وأنّ هذا اليوم ليس للجزاء وحسب ، إنّما هو يوم الجزاء العادل ، الذي يفصل فيه بين أصحاب الجنة وأصحاب النار.

(هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)

وفي الآية إشارة صريحة بأنّ التكذيب هو الذي دفع بهؤلاء الى عدم تحمّل المسؤولية ، بل الى الظلم والجور ، فمن الطبيعي أنّ الإنسان الذي يشعر بأنّه لا يجازى على أعماله السيئة سوف يتمادى فيها ، ومن هذا المنطلق يكون الإيمان بالآخرة حجر الزاوية في توازن فكر وسلوك الإنسان.

[٢٢ ـ ٢٣] ثم يأمر الله بجمع العاصين الى بعضهم ، وإدخالهم النار ، وهم ثلاثة أنواع :

١ ـ الظالمون ، وهم الذين يظلمون أنفسهم ويظلمون الآخرين.

٢ ـ الآلهة المزيفة التي يعبدها الظالمون من دون الله ، كالأصنام الجامدة ،

٢١٠

والأخرى المتحركة ، أمثال الطغاة ، وأصحاب المال ، وعلماء السوء.

٣ ـ الأزواج ، وقد قال بعض المفسرين : إنّ المقصود بالكلمة ظاهرها وهي الزوجة ، وهذا يعني أنّ الزوجة لا يمكنها أن تبرر عدم تحمّل المسؤولية بأنّ زوجها لا يقبل أو لا يسمح لها بذلك ، وإلّا فإنّها سوف تلقى العذاب وتدخل معه الى النار.

وثمّة تفسير آخر للكلمة وهو : إنّ المقصود بالأزواج هم الأشباه والنظائر ، ويعني ذلك أنّ كل جماعة تتجانس مع جماعة أخرى في عملها فإنّها تحشر معها ، كالخمّارين والنمّامين فإنّهم يحشرون مع أمثالهم.

ويبدو أنّ الأزواج هم النظائر المكمّلة لبعضها ، ويقال لمثنى الحذاء والنعل زوج ، لأنهما يتكاملان ويؤلّفان شيئا واحدا ، ومن هنا فإنّ كلمة الأزواج تشمل أولئك الذين يسكتون عن الظلم ويرضون بأفعالهم ، لأنّ الظلم زائدا السكوت عنه والرضى به يتكاملان ويلدان واقع الظلم والتخلّف والإرهاب ، وإذا صح هذا التفسير فإنّ القرآن يقسّم الناس الى ثلاث فئات :

الأولى : أئمة الظلم والجور وما يرمز لهم من الأصنام الجامدة.

الثانية : أتباع أئمة الظلم ، وأشياعهم الذين ينفّذون الظلم مباشرة ، كالجند وأجهزة الاستخبارات والاعلام و... و...

الثالثة : الساكتين عن الطواغيت وأعوانهم من سائر الناس ، وهؤلاء جميعا يجمعون ويساقون الى النار بأمر الله إذ يقول يوم القيامة :

(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ* مِنْ دُونِ اللهِ)

٢١١

ونستلهم من هذه الآية ـ كما من آيات عديدة أخرى ـ أنّ أعظم ما يسأل عنه الناس يوم القيامة الولاية ، فهم مسئولون عن القيادة التي كانوا يتبعونها ، والآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله ، كالطاغوت السياسي والثقافي والاقتصادي ، وبالتالي النظام الاجتماعي الذي كانوا يخضعون له.

(فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ)

ولعلنا نفهم من قوله تعالى : «فاهدوهم» أنّ الذين تقدّم ذكرهم يحشرون الى جهنم عميانا عمى ماديا ، تجسيدا للعمى المعنوي الذي اختاروه لأنفسهم في الدنيا ، وفي ذلك قوله تعالى : «وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً» (١) ، فهم بحاجة إذن الى من يدلّهم على صراط النار ، ويهديهم الى حيث يستقرّ بهم المصير.

[٢٤] ولكن هل ينتهي كل شيء؟ كلّا ... إنّما يوقف هؤلاء للحساب ، والحساب أبرز تجليات العدالة الإلهية والمسؤولية البشرية ، فمن جانب يدخل العصاة الجحيم وهم قانعون بعدالة الله ، وأنّ هذا المصير جاء نتيجة لعملهم لا نتيجة لظلم ، ومن جانب آخر يصلون الى اليقين بالمسؤولية التي أنكروها في الدنيا.

(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)

عن أفكارهم ، وأقوالهم ، وأعمالهم ، وقبل كلّ ذلك عن إمامهم وخطّهم الديني والسياسي العام.

[٢٥] وأول الأسئلة التي توجّه إليهم :

__________________

(١) الإسراء / (٧٢).

٢١٢

(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ)

فمن عادة الإنسان في الدنيا أنّه يقدم على الظلم وعموم الخطيئة اعتمادا على الآخرين ، فالشرطي الذي يعتقل المجاهدين يعتمد على مسئول فرقته ، وهذا الآخر بدوره يعتمد على مدير الشرطة ، وهكذا دواليك ، ويشكل الجميع شيئا واحدا هو جهاز ما يسمّى بالأمن أو الحزب الحاكم الذي يعتمد أفراده في الظلم على بعضهم.

وهؤلاء تتقطّع بهم الأسباب والروابط يوم القيامة ، كما تقدّمت بذلك الآية الكريمة ، وهذه الفكرة ليس تنفعنا على صعيد ذلك اليوم وحسب حيث نطّلع على مشهد منه ، بل يجب علينا في الدنيا ـ وانطلاقا من هذه المعرفة ـ أن لا نظلم أحدا اعتمادا على أحد.

[٢٦] إنّ من نعتمد عليهم في ظلمنا لن ينفعونا بشيء في الآخرة ، بل لن ينفعوا أنفسهم ، إذ سيستسلمون أمام الإرادة الربانية ، التي طالما تمرّدوا عليها بجهلهم في الدنيا ، وهذه إشارة الى حاكميّة الرب المباشرة في ذلك اليوم.

(بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ)

ومن لا يستسلم لإرادة الله باختياره فإنّه يخضع لها بالرغم منه.

[٢٧] ولأنّ الظلمة وأعوانهم اعتادوا على حياة التبرير ، ولعلّها أنقذتهم من الجزاء في بعض المواضع من الحياة الدنيا ، فإنّهم يحاولون التشبّث بها في الآخرة أيضا ، طمعا في التنصّل من المسؤولية ، ومن ثم الهرب من الجزاء والعدالة الإلهية ، وأنّى لهم ذلك؟

والقرآن يصوّر تجليّا للتلاوم ، ومحاولة التبرير ، من خلال عرضه الرائع لحوار يدور

٢١٣

بين المستضعفين والمستكبرين ، التابعين والمتبوعين.

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ)

وهم التابعون ...

(عَلى بَعْضٍ)

وهم المتّبعون وأئمة الظلم ـ حسبما يبدو ـ ...

(يَتَساءَلُونَ)

من أجل معرفة المسؤول عن الظلم ، وبالتالي عن المصير السيء الذي صار إليه الجميع ...

[٢٨] أمّا المستضعفون فقد خاطبوا المستكبرين :

(قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ)

هنا يحاول التابعون رفع المسؤولية عن كاهلهم بعذرين :

الأول : قالوا إنّنا لم نكن نبحث عن الكفر والظلم ، ولا نسعى إليهما إنّما أنتم الذين حملتم الوزر إلينا ، فكنتم تأتوننا ولم نكن نأتيكم.

الثاني : ثم ادّعى هؤلاء بقولهم «عن اليمين» أنّهم كانوا مجبرين على اتباع الظلمة ، ولعل اليمين تشير الى القوة لا الى الجهة اليمنى التي تخالف الشمال ، وقد استخدم القرآن هذه الكلمة تعبيرا عن القوة ، قال تعالى : «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ» (٢) يعني القوة ، وإنّما استخدمت اليمين للتعبير

__________________

(٢) الأحقاف / (٤٤ ـ ٤٥).

٢١٤

عن القوة لأنّ قوة الإنسان تتجلّى عادة في يمينه.

[٢٩ ـ ٣٠] وأمام هذا الموقف من المستضعفين ضد المستكبرين يدافع الآخرون عن أنفسهم ، وفي دفاعهم بيان للواقع كما هو ، كما كان في اتهام أولئك إشارة لأسلوب الطغاة في تضليل الناس.

فأئمة الكفر والظلم يرفعون التهمة عن أنفسهم بأمرين ينطويان على الإشارة لقابلية الانحراف عند الإنسان :

الأول : (قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)

وحينما لا يكون الإنسان مؤمنا بعقيدة ما ، ولا ملتزما بمبدإ ما ، إنّما يعيش خور العزيمة وضعف الإرادة والفراغ الثقافي والقيادي في ذاته ، يكون عرضة للانحراف ، أولا : لأن الطغاة يستخدمون شتى ألوان الضغط عليه حتى يخضعوه لأهوائهم ، يرغّبونه ويمنّونه ثم يهدّدونه ويتوعّدونه ثم يضلّونه ويغوونه ، فكيف يصمد ـ من دون الإيمان بالله والثقة بنصره ـ أمام كل هذا الضغط؟ ثانيا : يستحيل على البشر بطبيعته أن يعيش الفراغ ، فهو إن لم يعتقد بالإسلام مثلا ويصرف ماله وطاقاته من أجله ، فإنّه سوف يعتقد بمبدإ آخر وسيصرف طاقاته في سبيله ، وفي الحديث قال الإمام الباقر (ع) :

«ما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضي الله إلّا ابتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله» (٣)

أمّا المؤمن فهو يتحدّى الإعتقادات الباطلة بإيمانه ، ويقاوم الأفكار التبريرية والثقافة السلبية بثقافته الرسالية ، ويرفض الانتماء لحزب الشيطان وقيادة

__________________

(٣) بح / ج (٧٨) / ص (١٧٣).

٢١٥

الطاغوت بانتمائه لحزب الله والقيادة الرسالية ، فيجد قوّة مادية ـ الى جانب قوته المعنوية ـ لمواجهة ضغوط المستكبرين.

الثاني : نفى المستكبرون أن تكون لهم سلطة لا تقهر على المستضعفين من أتباعهم.

(وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ)

إنّ ما يكمّل مسيرة الطغاة هو قابلية الاستغلال الموجودة عند الناس ، فالطاغوت هو عامل خارجي للظلم والانحراف ، أمّا العامل الأساسي فيكمن في الواقع السلبيّ السائد في المجتمع ، كالخوف ، والجهل ، والتفرّق ، والظلم الاجتماعي ، أمّا الله فإنّه لم يفرض سيطرة أحد من الناس بصورة تكوينية أبدا.

الثالث : المجتمع الذي يظلم بعضه بعضا ، فيأكل قويّة حقوق ضعيفة ، ويستغل الغنيّ الفقير ، ويبتز تجاره المستهلكين فيه ، يكون تربة مناسبة لنموّ الأنظمة الجائرة فيه ، لأنّ المجتمع الذي يقوم أساسا على الظلم لا يسلم فيه أحد منه ، بل سوف يتصاعد الظلم فيه حتى يبلغ قمته المتمثلة في النظام السياسي فيولي أعتى الظلمة أموره ، ويكون مصداقا للآية الكريمة : «وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً».

إنّ النظام السياسي هو الجانب البارز من العملة بينما جانبها الآخر هو الفكر والسلوك ، والعاديات والأعراف الاجتماعية.

والطاغوت يشعر ـ بدوره ـ أنّه قائم بسلبية مجتمعة ، ولهذا يقوم بتعميقها ونشرها.

٢١٦

(بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ)

وتفسّر هذه الآية تفسيرا عميقا الحكمة المعروفة «كما تكونون يولّى عليكم» ، وربما لذلك حذّر أمير المؤمنين (ع) في وصيته المعروفة قائلا :

«لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي عليكم شراركم» (٤)

[٣١] وهنالك لا يجد الظالمون بدّا من الاعتراف باستحقاق العذاب ، وهذا هو معنى المسؤولية في قول الله : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ» فالتبرير في الدنيا لا ينفع الإنسان في الآخرة إنّما يورده النار.

(فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ)

لقد سبقت كلمة ربنا على المستكبرين بالغواية والضلالة ، والعذاب بالنار ، ولا يمكن لمن يتحدّى رسالات ربه الاهتداء الى الحق ، لأنّ المصدر الوحيد لنور الهداية فضل الله ، ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور.

[٣٢] ثم بيّن المستكبرون أنّهم بدورهم كانوا غاوين ، وأنّ اتباع المستضعفين لهم كان يؤدي بهم الى الغواية. وهكذا يتحمّل المستضعفون كامل المسؤولية عن ضلالتهم لأنّهم اتبعوا رجالا ضالين. وهل ينتظر لمن اتبع ضالا أن يهتدي السبيل؟

(فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ)

إنّ أبسط أحكام العقل وأوضحها هو ضرورة اتباع الهداة المهديين ، وهؤلاء الذين يقلّدون أو يتبعون الضالين يحتجّ عليهم ربّهم بهذا الحكم الذي هداهم اليه العقل بوضوح شديد.

__________________

(٤) نهج البلاغة / وصية (٤٧) / ص (٤٢٢).

٢١٧

[٣٣] وردّا على تبريرات هؤلاء وأولئك يؤكّد القرآن بأنّ الظلم المشترك بين المستكبرين بجورهم ، والمجتمع بسكوته وسلبيته ، سوف يؤدّي الى المصير الواحد ، والجزاء الجامع ، وهذا بالضبط معنى المسؤولية.

(فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ)

ولعلّ الآية الكريمة تشير الى فكرة هامة ، من شأنها ـ لو فهمها الإنسان ، وتعمّق فيها ، وعمل بها ـ أن تزكّي نفسه وتربيّها على الإيمان ، وهي أن يحمّل كلّ فرد نفسه المسؤولية ويتّهمها باستمرار ، أنّى كان دور الآخرين ، وهذه من صفات المتقين الذين وصفهم إمامهم علي (ع) بقوله :

«ولقد خالطهم أمر عظيم! لا يرضون من أعمالهم القليل ، ولا يستكثرون الكثير ، فهم لأنفسهم متّهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إذا زكّي أحد منهم خاف مما يقال له ، فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم بي مني بنفسي! اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني أفضل مما يظنّون ، واغفر لي ما لا يعلمون» (٥)

ونعرف دور هذه النظرة من المؤمن تجاه نفسه إذا عرفنا طبيعة النفس البشرية التي تعيش التبرير والأعذار وتسعى للفرار من ثقل المسؤولية ، وبكلمة : لا بد أن نعرف بأنّ ذهاب الظالمين الى النار ، وتحمّلهم العذاب الأليم ، لا يعني براءتنا ، بل قد يكون دليلا على العاقبة الواحدة لهم ولنا ، إن كنّا ساكتين عنهم ، راضين عن فعالهم.

[٣٤] وحتى لا يتصوّر الإنسان بأنّ هذا الحديث ينصرف الى جماعة كانت في

__________________

(٥) نهج البلاغة / خ (١٩٣) / ص (٣٠٤).

٢١٨

التاريخ الغابر ، بالذات وأن الإشارة إليهم كانت بالضمير الغائب «فإنّهم» يلحق القرآن حديثه عنهم بتأكيد مستقل على أنّ هذا المصير يشمل كلّ مجرم ، فعاقبة المجرم الذي يخالف سنن الله ، ويتبع هوى النفس ، ويعبد ذاته ، ويلحق الأذى بغيره ، العذاب الأليم.

(إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ)

[٣٥] من هم هؤلاء المجرمون؟ وما هي صفاتهم؟ وكيف نتقي مصيرهم الأليم؟

يناسب السياق في بيان ذلك تمهيدا لبيان من يخالفهم وهم المتقون ، لتكتمل الصورة لمن أراد النجاة ، ويحق القول على الجاحدين.

وأعظم ميزات المتقين التوحيد ، كما أنّ الشرك بالله أخطر ذنوب المجرمين ، الذين يرفضون التسليم للإله الواحد ، ويتخذون الأنداد من دون الله. إنّ رفض السلطات الفاسدة ، والأنظمة المنحرفة ، والتقليد الأعمى لرجال ضالّين ، الشرط الأول لرسالات الله.

(إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ)

فهم ليسوا على الخطأ وحسب ، إنّما ويتصورون أنفسهم على الحق ، ولو جاءهم من يبيّن خطأهم رفضوه ، وأخذتهم العزّة بالإثم ، وهذه من العقد النفسية الخطيرة التي ينبغي للإنسان اجتنابها ، ذلك أنّ المقياس في الإيمان بالله هو التسليم للحق في كلّ الأحوال متى تبيّن ، ولو خالف العرف الاجتماعي أو اعتقادات الفرد وسيرته السابقة. ولا شك أنّ اعتراف الإنسان الفرد أو الأمة بخطئه والذي قد يستتبع التغيير الجذري في الحياة أمر صعب جدا ، ولكنّه يأخذ به الى العاقبة الحسنة

٢١٩

في الدنيا والآخرة ، ومن أمثلة هذه الحقيقة على صعيد الأمم قوم يونس (ع) الذين قال الله عنهم : «فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ». (٦)

ومن أمثلتها على صعيد الأشخاص والتي تبيّن صعوبة الأمر نذكر هذه القصة المؤثرة من التاريخ ، ففي بحار الأنوار :

عن علي بن أبي حمزة قال : «كان لي صديق من كتّاب بني أميّة ، فقال لي : استأذن لي على أبي عبد الله ، فاستأذنت له ، فلمّا دخل سلّم وجلس ، ثم قال : جعلت فداك! إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم ، فأصبت من دنياهم مالا كثيرا ، وأغمضت في مطالبه ، فقال أبو عبد الله : لو لا أنّ بني أميّة وجدوا من يكتب لهم ، ويجبي لهم الفيء ، ويقاتل عنهم ، ويشهد جماعتهم ، لما سلبونا حقّنا ، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئا إلّا ما وقع في أيديهم ، فقال الفتى : جعلت فداك فهل لي من مخرج منه؟ قال : إن قلت لك تفعل؟ قال : أفعل ، قال : أخرج من جميع ما كسبت في دواوينهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدّقت به ، وأنا أضمن لك على الله الجنة ، قال : فأطرق الفتى طويلا فقال : قد فعلت جعلت فداك ، قال ابن أبي حمزة ، فرجع الفتى معنا الى الكوفة ، فما ترك شيئا على وجه الأرض إلّا خرج منه ، حتى ثيابه التي كانت على بدنه ، قال : فقسمنا له قسمة ، واشترينا له ثيابا ، وبعثنا له بنفقة». (٧)

[٣٦] ولأنّ العمل بمضامين التوحيد صعب هكذا ، نجد الكثير من الناس يستكبرون ولا يستمعون للموعظة ، وتأخذهم العزة بالإثم ، بل يتهمون صاحب الرسالة بأرخص التهم ، كما قالوا للأنبياء أنّهم شعراء (ونفوا بذلك منهم الحكمة

__________________

(٦) يونس / (٩٨).

(٧) بح / ج (٧٥) / ص (٣٧٥).

٢٢٠