من هدى القرآن - ج ١١

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١١

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-14-9
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٤٩

من عذاب الدنيا ، من صيحة واحدة تصيبكم كما أصابت قوم المرسلين في أنطاكية ، من غرق أو حرب أو أيّ بلاء آخر.

(وَما خَلْفَكُمْ)

من عذاب الآخرة الذي لا يبقي ولا يذر.

وفي الحديث المأثور عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ أنّه قال :

«اتّقوا ما بين أيديكم من الذنوب ، وما خلفكم من العقوبة» (١)

(لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

فإذا اتقيتم العذاب باجتناب المعاصي فإنّ ذلك يوفّر لكم فرصة رحمة الله.

[٤٦] ولكنّهم يعرضون لجهلهم بربهم ، ولا ينتفعون بالآيات التي تترى عليهم ، وكلّها تنطق بضرورة التقوى.

(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ)

وهل تنفع الآيات من يعرض عنها؟

[٤٧] ويضرب السياق الأمثال لإعراضهم عن آيات التقوى ، والمعاذير التي يلقونها أمام من يأمرهم بها ، فحين يؤمرون بالإنفاق على الفقراء ، تراهم يزعمون أنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد خلق بعض الناس أغنياء وبعضهم فقراء ، بعضهم

__________________

(١) نور الثقلين / ج (٤) / ص (٣٨٩).

١٤١

سادة والبعض عبيدا ، فلا ينبغي السعي لردم الفجوة بين الطبقات ، أو لتحقيق المساواة بين الناس. هكذا يبرّرون استئثارهم بالخيرات في كل عصر ، فالمستكبرون يزعمون أنّ تخلّف البلاد المستضعفة شأن مفروض عليهم من الله ، أمّا تقدّمهم الاقتصادي فإنّه من أنفسهم ، والطبقات المترفة تزعم أنّ غناهم آت من سعيهم ، أمّا فقر الآخرين فهو من ربهم.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ)

وسواء كان القائل هو الله ، أو المؤمنون الناطقون عن ربّهم ، فإنّ إجابتهم واحدة وهي الرفض ، ولكن ألا يعلمون أنّ ما بأيديهم من الغنى هو ـ في الواقع ـ رزق الله ، ولو شاء الله لمنعهم منه؟ أو لا ينظرون الى أنّ توزيع المعادن على أقطار الأرض تمّ بأمر الله ، وأنّ خصوبة الأرض كانت بأمر الله ، وحتى توفر المناخ المناسب لنموّ الصناعة كان بإذن الله؟ ولو تدبّر كلّ غنيّ في الأسباب الخفيّة لنموّ ثروته لرأى يد الغيب وراءها ، فأولى بهم الإنفاق ممّا رزقهم الله ، ما دام الله يأمر به ، وهو الذي استخلفهم فيما رزقهم ليبتليهم به. ألّا يرون أنّ كلّ شيء في عالم الإنسان يوحي بأنّه جاء لهذه الدنيا لكي يمتحن؟ فقد جعل الله امتحان الفقير بالغني ليرى هل يصبر ، وامتحان الغني بالفقير ليعلم من ينفق ومن يبخل ، وافتتن العالم بالجاهل وأمره بأن يعلّمه كما ابتلى الجاهل بالعالم وأمره بأن يتعلّم منه ، وجعل الحكّام فتنة للناس وافتتن الناس بحكامهم وقال عزّ من قائل : «وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً» (٢).

ولكنّ الكفّار زعموا أنّ غناهم وعدم الفقراء أمر حتمي من عند الله.

(قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا)

__________________

(٢) الفرقان / (٢٠).

١٤٢

وهكذا خاطب الكفّار الذين آمنوا لأنّهم الذين أمروهم بالإنفاق ، ولأنّهم المؤمنون بالله ، فكان الأحرى بهم ـ حسب زعمهم ـ أن يؤمنوا بالقدر ، فقالوا :

(أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ)

ولم يقولوا أننفق ، لأنّهم منعوا عن الفقراء حتى الطعام الذي هو حق كل حي ، فكيف بالإنسان الكريم عند ربه.

أنظر الى مدى إمعانهم في البخل ، والإعراض عن التقوى؟ بلى. الله يطعم من يشاء من رزقه الواسع ، ولكنّه جعل رزق هؤلاء الفقراء على أيديكم ، لينظر كيف تعملون ، وهو القائل – حسب حديث قدسي ـ :

«المال مالي ، والفقراء عيالي ، والأغنياء وكلائي ، وخيرهم خيرهم لعيالي»

ثم أنّ ربنا سبحانه أكرم بني آدم فجعلهم أحرارا في الدنيا ، ووفّر في الأرض ما يزيد على رزقهم ، إلّا أنّ كسل البعض عن السعي بأفكار جاهلية ، واستئثار البعض برزق الآخرين تحت مظلة من القوانين الجائرة ، هما السببان الرئيسيان لانتشار الفقر ، ومن أساليب محاربة الفقر نبذ الثقافة الجاهلية ، وإصلاح الأنظمة الجائرة ، والإنفاق واحد من أهمّ السبل لمحاربة الفقر لأنّه علاج فوري ، ووسيلة مستقبلية أيضا لتوزيع الثروة وتدويرها وتحريك الطاقات بها.

ولكن الكفّار جمّدوا الثروة ، وزعموا أنّها حقّهم الإلهي بل قالوا لمن أمرهم بالإنفاق :

(إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)

لأنّكم تريدون تغيير سنن الله ، وجعل الفقراء أغنياء ، وهم قد خلقوا فقراء.

١٤٣

وترك السياق لقارئ القرآن الحكم على هذه العقلية ، ولا ريب أنّه يحكم عليها بالضلال المبين ، ولذلك احتار المفسرون في معرفة قائل هذه الكلمة ، فمنهم من قال : إنّهم الكفّار ، ومنهم من قال : بل هم المؤمنون قالوها للكفار ، وقال بعضهم : بل الله قالها للكفّار.

والظاهر أنّها كلمة الكفّار للمؤمنين ، ولكنّها تردّ عليهم بطبعها ، فبمجرد أن يقول المجنون للذي يأمره بالحكمة : إنّك مجنون ، نعرف أنّ المتكلم بنفسه مجنون. أليس كذلك؟ هكذا نعرف ضلالة الكفار بمجرد أنّهم يقولون لمن يأمرهم بالإنفاق : إنّك في ضلال مبين ، كلّا ... إنّهم هم في ضلال مبين!

[٤٨] من التبريرات النفسية التي يتشبّث بها الكفّار هو استبعاد الجزاء زمانيا ، ونجد في آيات الذكر ردّ هذه الشبهة بكلمات بليغة نافذة ، فالجزاء ليس لعبا حتى يستخفّ به ، إنّه الساعة التي ثقلت فيّ السموات والأرض ، فما ذا ينتظرون؟ وبهم يستهزءون؟

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ)

وبالرغم من أنّ كلمة «متى» أصلا للاستفهام ، إلّا أنّها هنا جاءت للاستنكار بدليل قولهم :

(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)

فهم كانوا يتوقّعون جزاء عاجلا بعد أن أنذروا بالعذاب ، وأمروا باتقاء ما بين أيديهم من عذاب الدنيا ، وما خلفهم من عذاب الآخرة.

[٤٩] إنّ النفس البشرية لا ترى بطبعها إلّا ما أمامها من الحقائق المشهودة ،

١٤٤

ولا تتأثّر بالمستقبل البعيد حتى ولو كان من الحقائق المعلومة يقينا ، وبضغط من الشهوات العاجلة ، وبوساوس إبليس تعرض النفس عن الغيب للشهود ، وعن المستقبل للحاضر ، ولا بد من تصوير الغيب ، وإبراز مشاهد من المستقبل حتى تهتّم النفس بها ، ولعل منهج القرآن في تصوير مشاهد البعث والجزاء باستثارة قوة الظن والخيال يتم لهذه الغاية ، فهو ليس مجرد أسلوب في البيان ، بل هو منهج علمي لإصلاح النفس ، وإيجاد التوازن بين قوة الشهود وحقائق الغيب ، وإنّما المؤمنون الذين يستشرفون المستقبل ، وينظرون الى الغيب بقوة الظن ، ويستثيرون كوامن الخوف والرجاء بالتذكرة الذاتية.

والسياق هنا يصوّر جانبا من مشاهد الهلاك ثم النشور والجنة والنار.

(ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ)

إنّهم يستعجلون العذاب ، ويقولون : متى هذا الوعد؟ بلى. ولكنّهم ينتظرون بذلك أمرا عظيما ، إذا جاء لا يمكن ردّه أو تأجيله ، فإنّما هو صيحة واحدة لا ثانية لها ، لأنّها القاضية ، وهي تعمّهم بالأخذ بغتة في وقت تراهم يخوضون في جدليّاتهم التي لا تغني شيئا.

والإنسان يتمنّى ـ عادة ـ لو يغيّر الحقائق بالجدل ، زاعما أنّه لو نفى شيئا فإنّه ينتفي أو أنّه لو أسكت صاحب الحق فإنّ الحق يزول ، كلّا ... فحتى في حالة جدالهم وخصامهم تأخذهم الصيحة.

[٥٠] والمباغتة سريعة الى درجة أنّها تمنعهم من أن يخلّفوا وصيّتهم ، بالرغم من أنّهم لا يعودون الى أهلهم فهم أحوج ما يكونون الى التوصية.

(فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً)

١٤٥

بأيّ شكل كانت التوصية قولا أو إشارة ، وإذ لا يستطيعون حتى التوصية وهي أسهل الأشياء ، وأشدّها ضرورة ، فهم لا يستطيعون ـ بالطبع ـ إصلاح ما أفسدوه من واقعهم!

(وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ)

فهم ليسوا على سفر سرعان ما يعودون منه حتى لا يحتاجوا الى وصية.

ويبدو أنّ الآيات تصوّر مشهد العذاب الدنيوي المتمثل في الهلاك بالصيحة ، مثل ما أصاب الذين كذبوا بالمرسلين الثلاثة في القصة الماضية.

وقال البعض : إنّها تصوّر قيام الساعة ... والساعة أدهى وأمرّ ، وجاء في الحديث عن الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ :

«تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتى تقوم ، والرجل يرفع أكلته الى فيه ، فما تصل الى فيه حتى تقوم! والرجل يليط حوضه (٣) ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم» (٤)

ولعل الحديث القرآني يشمل الجزاء بصفة عامة في الدنيا بعذاب الاستئصال أو في الآخرة عند قيام الساعة.

[٥١] ويمكث الكفّار في قبورهم ما شاء الله ، حتى ينفخ في الصور الملك الكريم إسرافيل ، وبمجرد النفخ تراهم يسرعون الى ربهم حيث وضع الميزان العادل.

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ)

__________________

(٣) يسوّي حوضه بالطين حتى لا يتسرب منه الماء.

(٤) نور الثقلين / ج (٤) / ص (٣٨٨).

١٤٦

ونجد في بعض الآيات أنّهم عند النفخ قيام ينظرون ، بلى. فهم قيام في لحظة ، ولكن سرعان ما يتحركون حيث يريد الله.

ونقل عن الرغب في مفرداته : إنّ النسل في الأصل الانفصال ، وإنّما سمّي ولد الإنسان نسلا لأنّه ينفصل عنه. ولعلنا نستوحي من هذا أنّ القبر يضحى كرحم الأم ينسل منه أبناء آدم نسلا.

[٥٢] وهنالك يعترف هذا الإنسان الخصيم الذي استهزأ بكلّ المرسلين ، وأعرض عن كلّ الآيات ، وينادي بالويل لنفسه ، ويزعم أنّه كان نائما ، ويتساءل : أيّة قدرة استطاعت بعثه من محلّ نومه بعد طول الرقاد؟!

(قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)

وهنالك يأتيه النداء من الملائكة :

(هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ)

إنّه الله الذي أنجز وعده ، ليرحم عباده المؤمنين ، «إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا».

ويمكن أن يكون القائل هم الكفّار ، فيكون اعترافا منهم بوعد الله ، ويمكن ألا يكون لهذه الكلمة أساسا قائل خاص بل يكون مقتضى المقام هذا المقال ، سواء وجد قائل أم لم يوجد.

(وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)

الذين أنبأوا عن الرحمن وعده.

إنّ سورة يس قلب القرآن ، وهو يعبّر عن ضمير الخليقة ، الذي يتمثل في رحمة

١٤٧

الله ، ولعله لذلك تتكرر كلمة «الرحمن» فيها.

[٥٣] بصيحة أهلك القوم جميعا ، وبصيحة ابتعثوا جميعا ، وبصيحة يحضرون في مقام الحساب عند ربهم.

(إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ)

ويبدو أنّ التعبير هنا يوحي بما يوحيه قوله ـ سبحانه ـ في خاتم السورة : «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» ولكن هذا التعبير جاء في مقام الشدة فناسب الحديث الصيحة ، وهي تدل على سرعة نفاذ أمره ، وأنّ كلّ شيء مستجيب لإرادته.

[٥٤] هنالك يتجلّى العدل الإلهي الذي قامت به الخليقة جميعا ، فلا يظلم أحد شيئا ، بل حتى جزائهم إنّما هو ذات أعمالهم التي تتجسد ، فإن كانت صالحة فهي الجنات والفواكه وحور العين ، وإن كانت الأخرى فعذاب شديد.

(فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً)

والله ليس بظلام للعبيد ، لا في ذلك اليوم ولا في أيّ يوم ، بلى. إنّه أعطى الحرية المحدودة للناس في الدنيا ليبتليهم بها فظلموا أنفسهم ، ولو لا أنّه جعل دار البقاء (الآخرة) وجعل فيها جزاء وافيا للظالم والمظلوم لما سمح لأحد بظلم أحد حتى في الدنيا ، لأنّه ليس بظلّام للعبيد ، وأساسا إنّنا نعرف وجود الدار الآخرة من خلال معرفتنا بأمرين : أوّلا : إنّ الله عزيز رحيم فلا يمكن أن يظلم بحضرته أحد من عباده دون أن يغيثه ، ثانيا : إنّه قد يدع الظالم يوغل في ظلمه في الدنيا فنعرف أنّ هناك دارا أخرى يجازي فيها الظالم وينتصر منه للمظلوم.

١٤٨

(وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

فإن كان هنالك جزاء سيء فهو أعمالكم التي تجسّدت. أرأيت الذي يشرب ماءا قذرا فيمرض ، هل ظلمه الطبيب الذي نهاه وحذّره من العاقبة ، أم أنّ مرضه هو ذات الماء القذر الذي شربه؟

[٥٥] أمّا أصحاب الجنة الدين فازوا بصحبة الجنة وامتلاكها ووراثتها في الدنيا بأعمالهم ، فهم في شغل عما يجري في الطرف الآخر عند أهل النار فلا يحزنهم شيء ما ثمة ولا يفزعهم.

(إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ)

والشغل بذاته نعمة لأنّه ينشّط الجسم ، وينفس عن النفس ، إلّا أنّ الإشتغال بما يفكّه أعظم نعمة وأشدّ راحة.

[٥٦] بماذا يشتغل هؤلاء في الجنة ، وكيف يقضون ساعاتهم التي لا تنتهي ، ولماذا لا يملّون ...؟

يبدو أنّ أعظم اللذات الجسدية والروحية الإشتغال بالأزواج المطهرة ، لأنّه إنس معنوي ، وسكن روحي ، ولذّة جسدية مركّزة.

(هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ)

فهم في ظلال يحسون بالسكن ، وهم على الأرائك يستريحون بلا تعب ، وهم متكئون لأنّه لا يشغلهم شيء يتحفّزون لأدائه ، فهم في كامل الراحة ، وقد روي عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قوله (عن صفة أهل الجنة) :

١٤٩

«والمؤمن ساعة مع الحوراء ، وساعة مع الآدميّة ، وساعة يخلو بنفسه على الأرائك متكئا ينظر بعض المؤمنين إلى بعض» (٥)

[٥٧] وبعد لذّة الإنس مع الأزواج في مقعد مريح تأتي لذّة الطعام ، وأفضل الطعام ما يتفكّه به الفرد بعد قضاء حاجته الضرورية من الطعام ، لأنّ أصحاب الجنة لا يعدمون الطعام حتى يحسّوا بالجوع ويتألّموا به حينا من الوقت مثلما البشر في الدنيا.

(لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ)

فكل ما تشتهيه أنفسهم يجدونه أمامهم.

[٥٨] وأعظم النعم جميعا نعمة الحضور عند ربّ الرحمة الحنّان الكريم ، فأيّ نعمة أسمى من الجلوس عند المليك المقتدر ، وتلقّي السلام القولي منه ، بالاضافة الى حالة السلام التي يعيشون فيها ، ذلك ان حالة الأمن والسكينة والسلام الفعلي هي من نعم الجسم غالبا بينما السلام القولي نعمة للروح أيضا.

(سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)

[٥٩] ولا يشترك في مهرجان النعم المتنوعة أولئك المجرمون ، الذين يفصلون عن النعم ، وأيّ حرمان أعظم من طردهم عن مائدة الكريم حقّا؟! أيّ ربّ رحمن وأيّ مائدة غنية؟! يا للخسارة الكبرى خسارتهم.

(وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ)

جاء في تفسير علي بن إبراهيم حول هذه الآية :

__________________

(٥) المصدر / ج (٤) / ص (٣٩٠).

١٥٠

إذا جمع الله الخلق يوم القيامة ، بقوا قياما على أقدامهم حتى يلجمهم العرق ، فينادون : يا ربّ حاسبنا ولو إلى النار ، قال فيبعث الله عزّ وجلّ رياحا فتضرب بينهم ، وينادي مناد : «امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ» فيميّز بينهم ، فصار المجرمون في النار ، ومن كان في قلبه الإيمان صار إلى الجنة (٦)

__________________

(٦) المصدر / ص (٢٩٠).

١٥١

أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ

___________________

٦٢ [جبلا] : خلقا.

٦٦ [لطمسنا] : أي لأعميناهم ، يقال طمس على عينه إذا محاها حتى لم يبق منها أثر.

٦٧ [لمسخناهم] : قلب الصورة إلى خلقة مشوّهة كما المسخ إلى قردة وخنازير.

١٥٢

عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠)

___________________

٦٨ [ننكسه في الخلق] : ننكّس قواه وخلقته فيصير بعد القوة ضعيفا ، وبعد العقل خرفا ، وبعد النضارة ذابلا ، وبعد العلم جاهلا ، وهكذا فهو راجع الى حالة الطفولة والضعف.

١٥٣

وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ

هدى من الآيات :

لقد أكّد الله عهده مع بني آدم بألّا يعبدوا الشيطان لأنّه عدو مبين ، وأن يخلصوا عبادتهم لله ربّ العالمين ، ليكونوا على صراط الله المستقيم ، (ودليل عداوة الشيطان أنّه :) أضلّ خلقا كثيرا (حتى ظهر انحرافهم وهلكوا وأمسوا عبرة لنا) ولكنّ الناس لم يكونوا يعقلون ذلك (ثم استحقوا بعد العذاب في الدنيا النار ، وقيل لهم :) ادخلوا جهنم ، وأصلوا بنارها ، وهنالك (لا يمكنهم الجدل بل :) يختم الله على أفواههم ، ويستنطق أيديهم ، ويشهد عليهم أرجلهم بأعمالهم.

(وإنّ نعمة الهداية من الله كما نعمة العين والأذن والإحساس) ولو شاء الله لأمحى أعينهم حتى يتبادروا الى الصراط فلا يبصرونه ، أو يمسخهم وهم في مكانهم حتى لا يقدرون على التقدم أو العودة.

(وشاهد آخر على أنّ الهدى من الله العقل الذي يسلبه الله ممّن يعمّر حتى يعود

١٥٤

طفلا) فمن بلغ من العمر أرذله نكّسه الله في الخلق. أفلا يعقلون؟

(وكذلك الرسالة من الله وهي ليست شعرا) فالله لم يعلم نبيّه شعرا ولا ينبغي له (فالشعر يحتوي على ثقافة باطلة وغامضة ، وهي تبرير وتكريس للواقع الفاسد ، بينما الكتاب بخلاف ذلك كلّه) فما جاء الرسول إلّا بالذكر (الذي تصدّقه الفطرة والعقل) وقرآن مبين (واضح لا غموض فيه) وهو نذير لمن كان له قلب حي (فهو تحدّ للفساد والطغيان) وهو بالتالي حجة على الكافرين.

بينات من الآيات :

[٦٠] حينما نشر الله ذرية آدم في صورة (ذر) وقال لهم : ألست بربّكم؟ فقالوا : بلى ، أخذ منهم عهدا بعبادته ، ورفض الأنداد من دونه.

وهكذا عند ما فطرهم على معرفته ، وأودع ضمائرهم عقولا تهديهم الى ربهم.

ثم بعد ذلك بعث إليهم رسله منذرين ومبشرين ، يستأدونهم ميثاقه ، ويستثيرون عقولهم بالتذكرة به سبحانه ، وكان في ذلك عهد الله الى بني آدم بعبادته ، وترك عبادة الشيطان ، ولكن هل يمكن أن تجتمع عبادة الله مع عبادة الشيطان؟

كلّا ... فلا بدّ من رفض الشيطان لتتمّ عبادة الرحمن.

(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ)

أين هو الشيطان؟ إنّه يجري مع ابن آدم مجرى الدم ، ولكنّ القلب ينتبه بإذن الله وبما ألهمه الربّ من فجوره وتقواه الى وجوده ويميّز وسواس الشيطان عن وحي العقل.

١٥٥

وعند ما يعقد الإنسان العزم على محاربة الشيطان يتميّز في قلبه أكثر فأكثر نداء الغواية عن فطرة الهداية.

ثم يأتيه الوحي عبر رسل الله ورسالاته لتتمّ الحجة عليه ، فإذا بنداء الرحمن في قلبه يلتقي بندائه على لسان النبي وكتاب الله الذي أرسل به.

وهكذا يمتلك كل شخص مقياسين لمعرفة الشيطان. الاول : ما بقلبه من العقل ، والثاني : ما أوحي به الرسل.

(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)

يسعى الشيطان لخداع البشر بأنّه صديقه ، وأنّ ما يشير إليه من الضلالة محض نصيحة ، وقد يسترسل البعض معه بحجة أنّهم خدعوا به ، ولكن ربّنا يقول : إنّه عدو واضح ، ولا عذر لأحد في اتباع عدوّه ، إلّا إذا خدع نفسه ، وسرّ عداوته أنّه يأمر بما يعلم الإنسان أنّه مضر.

أولا يأمر بالإسراف والتبذير ، وبالفحشاء والمنكر ، وبالاعتداء والظلم والبغي ، مما يستقبحه البشر؟! لا أقل عند ما يصدر من الآخرين ، ومما يرفض أيّ عاقل نسبته إليه.

كلّنا نعرف أنّ مآسي البشرية آتية من الظلم والعدوان والاستئثار والبخل والكسل والاختلاف ، ونحن جميعا نعرف أنّ ذلك هو من وحي الشيطان. أفلا نتخذه عدوا؟!

وعبادة الشيطان لا تعني السجود له ، إنّما طاعته بوعي ، والتسليم التام لإغوائه.

١٥٦

وتتجسّد عبادة الشيطان في طاعة أوليائه من سلاطين الجور ، وطغاة السلطة والثروة.

ويقول الفخر الرازي في قوله : «لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ» معناه : لا تطيعوه ، بدليل أنّ المنهي عنه ليس هو السجود له فحسب ، بل الانقياد لأمره والطاعة له ، فالطاعة عبادة ، لا يقال : فنكون نحن مأمورين بعبادة الأمراء حيث أمرنا بطاعتهم في قوله تعالى : «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» لأنّا نقول : طاعتهم إذا كانت بأمر الله لا تكون إلّا عبادة لله وطاعة له ، وأضاف : وإنّما عبادة الأمراء هو طاعتهم فيما لم يأذن الله فيه. (١)

[٦١] رفض عبادة الشيطان تهيأ لعبادة الله ، بل مجرد الكفر بالأنداد عبادة الله ، كما أنّ من ضيّع عبادة الرحمن وقع في شرك الشيطان ، لذلك قارنت الآيات بين رفض هذه والالتزام بتلك ، كقوله سبحانه : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى» (٢)

وهنا يقول ربّنا :

(وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ)

واستقامة الصراط نابعة من أن الله الذي رسمه لنا تعالى عن الميول التي تضلّل البشر يمنة ويسارا ، وعن الجهل الذي يتطرّف صاحبه ناحية الإفراط أو التفريط.

ومن أبرز مظاهر الاستقامة في الصراط أنّ المؤمنين يؤيّدون على السير فيه ، متحدّين ضغوط الهوى والشهوة والسلطة والثروة والتزييف والتلبيس بإذن ربهم.

__________________

(١) التفسير الكبير للفخر الرازي / ج (٢٦) / ص (٩٦).

(٢) البقرة / (٢٥٦). المصدر.

١٥٧

ولعل الفرق بين القويم والمستقيم يكن في أنّ المستقيم يوحي بأنّ صاحبه يستقيم عليه متحدّيا عوامل الانحراف.

وعبادة الله تعني طاعته ، وطاعته لا تتجزأ ، فمن صلّى دون أن يؤتي الزكاة ، أو خضع للإسلام في شؤونه الشخصية دون نظامه الاقتصادي والسياسي ، فإنّه لا يعبد الله ، بل إنّه يعبد الشيطان.

إنّ جذر الشرك بالله هو الاستسلام أمام الضغط أنّى كان مصدره ، وهذا يخص فقط موارد الضغط ، وإنّما المؤمن الذي يتحدّى الضغط ، أمّا من جعل القرآن عضين فقال : نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، وأراد أن يؤمن فقط بما يتفق ومصالحه ، وأمّا عند ما تضرب مصالحه يذهب معها فإنّه بالذات الذي يحاربه القرآن.

فالقرآن لا يواجه إلّا قليلا أولئك الذين يكفرون بالدين رأسا ، وإنّما يحادد في الأكثر أولئك الذين يشركون بالله ، فيخضعون لشهواتهم وسلاطينهم والمترفين ، ويخدعون أنفسهم بعبادة الله فيما لا تتنافى ومصالحهم وشهواتهم وكبرائهم.

[٦٢] عند ما يتعظ المرء بتجارب غيره يهتدي الى الطريق ، وإنّما ينتفع بها من يعقلها ويجعلها وسيلة لإثارة دفائن عقله ، وكوامن فطرته.

وإنّ من أظهر الحقائق التي يعقلها من شاء الهدى هي : أنّ بعض الناس في ضلال ، فأنّى ذهبت ، وأيّ شخص سألت ، قال لك : إنّ بعض الناس على خطأ ، ولكن لا تقودهم هذه الحقيقة الى معرفة حقيقتين أخريين هما : أولا : إنّه كما أضلّ الشيطان كثيرا من الناس كذلك يضلنا فلنحذر منه ، وثانيا : ماذا كانت عاقبة الضالين. أو ليس الهلاك؟! فلما ذا لا نعتبر بذلك؟!

(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً)

١٥٨

فإذا كان الشيطان قد نجح في إضلال خلق كثير منكم فلما ذا لا يحذر منه؟!

(أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)

فهذا فريق أضلّه الشيطان ، وهداه الى سبيل البوار ، وأهلكه أمام أعينكم ، ثم لم يصبح عبرة لفريق آخر ، وهكذا استمر الشيطان يضلّ منكم فئاما بعد فئام ، دون أن يعقل اللاحقون ، ويعتبروا بمصير الغابرين.

بينما كان مقتضى وجود العقل عند البشر هو أن يستفيد منه في تحديد طريق النجاة ، وتجنّب سبل الهلاك.

ومن أبرز ما يستفيده العاقل من مصير الغابرين كيفية إضلال الشيطان لهم ، ذلك أنّ الشيطان ليس خلقا غريبا يقتحم عليك بينك حتى تتحذر منه ، كلّا ... إنّه في عروقك ، في أعماق فؤادك ، في أقرب الأصدقاء إليك ، في زوجك وأخيك ، في تربية أمّك وأبيك ، في كلمات معلمّك ، وحتى في توجيهات من نصب نفسه عالم دين ، وأولئك الذين هلكوا جاءهم الشيطان من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وشمائلهم ، وشبّه لهم ، وزيّن لهم ، وبرّر لهم بوسائل شتى ، فإذا أردنا أن نمنعه فلا بد أن نكون في أقصى الحذر والعقل.

[٦٣] إنّنا رأينا هلاك الغابرين ، ولا تزال آيات دمارهم مكتوبة على آثارهم ، ومحفورة في أفئدة الأجيال ، ولكنّ الأدهى من هلاكهم النار التي وردوها.

(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)

[٦٤] إنّهم سوف يدخلونها ، ويصطلون بنارها بسبب كفرهم.

(اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)

١٥٩

[٦٥] إنّهم كانوا يبرّرون كفرهم بأعذار واهية ، ويجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق ، ويزعمون أنّ جدالهم يغني عنهم شيئا ، ولكن في ذلك اليوم الرهيب لا يسمح لهم بالكلام ، وإنّما تنطق عليهم جوارحهم بدل ألسنتهم.

(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ)

فلا يعتذرون ولا يجادلون.

(وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)

فالأيدي والأرجل تشهد بأعمالهم ، فلا سبيل إذا الى الإنكار أو الاعتذار أو حتى الى الجدال.

ولعل الشهادة هنا تصويرية. أو لسنا قد اكتشفنا ـ بما أوتينا من علم قليل ـ كيف نستنطق أصابع اليد لنعرف المجرمين بطبع الإبهام؟ أولم نبتدع جهاز كشف الكذب المعتمد على نبضات القلب؟ أولم نهتدي الى مرتكبي الجرائم بآثارهم الخفية؟ ولا ريب أنّه كما تنعكس الأعمال على الطبيعة ، تنعكس آثارها على الجوارح ذاتها ، بيد أنّا لمّا نكتشف وسيلة لمعرفة أبعادها.

ولكن الربّ ـ سبحانه ـ يظهر الخفايا في ذلك اليوم الرهيب ، فيرى الإنسان شريطا مسجّلا على يده ورجله يعرض صورا ناطقة بكل ما جرى.

[٦٦] كيف يستنطق الربّ الأيدي والأرجل في ذلك اليوم؟ لنعد الى هذه الحياة ونتساءل : من ذا الذي رزقنا الجوارح أو ليس الله؟! فهو القادر على أن يجعل الأيدي تنطق كما جعلها هنا تبطش.

ولعل هذه هي المناسبة لتذكرة السياق بنعمة البصر والإحساس والعقل في

١٦٠