من هدى القرآن - ج ١١

السيّد محمّد تقي المدرّسي

من هدى القرآن - ج ١١

المؤلف:

السيّد محمّد تقي المدرّسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار محبّي الحسين عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-5648-14-9
ISBN الدورة:
964-5648-03-3

الصفحات: ٥٤٩

والاجتماعي وغيرهما ، وينصر المؤمنين ويهدي المستضعفين إلى الحق ، وأي طموح أعظم من هذا الطموح؟!

إن سليمان كان يعرف انه نبي ويسير على الحق ، لهذا سأل الله الملك والقوّة لتحقيق اهداف رسالته. ومن يطلع على حياته يجدها جهادا من أجل إعلاء كلمة الله ، ولعلّ الاشارة إلى الجياد في هذه السورة المباركة تهدينا إلى هذه الحقيقة. وفي سورة النمل حيث انتهت القصة بإسلام بلقيس وقومها صورة من حياته المليئة بالجهاد.

الثالث من آداب الدعاء أن ينتهي بالثناء والحمد لله وذلك بذكر أسمائه الحسنى وفي مقدّمها اسم «الوهاب» الذي ذكره أكثر الأنبياء في دعواتهم ، قال تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١)

[٣٦] وقد استجاب الله لدعوة نبيه ، بتمييز ملكه بما لا يتكرر مستقبلا.

(فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ)

فهي تجري كيفما يريد ، وأينما يريد.

وجاء في تفسير علي بن إبراهيم حديث مأثور عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال :

«خرج سليمان بن داود من بيت المقدس ومعه ثلاثمائة الف كرسيّ عن يمينه عليها الانس ، وثلاثمائة الف كرسي عن يساره عليها الجن ، وأمر الطير فأظلتهم ،

__________________

(١) الأعراف / (١٨٠).

٣٦١

وامر الريح فحملتهم حتى ورد ايوان كسرى في المدائن ، ثم رجع فبات بإصطخر ، فاضطجع ثم غدا فانتهى إلى مدينة بركاوان ، ثم أمر الرياح فحملتهم حتى كادت اقدامهم يصيبها الماء ، وسليمان على عمود منها ، فقال بعضهم لبعض : هل رأيتم ملكا قط أعظم من هذا أو سمعتم به؟ فقالوا : ما رأينا ولا سمعنا بمثله ، فناداهم ملك من السماء ثواب تسبيحة واحدة في الله أعظم مما رأيتم» (١)

[٣٧] وإلى جانب الريح أخضعت له الشياطين وكانت مهمتهم البناء والاعمار وكانوا يستخرجون المعادن من البحار.

(وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ)

وليس بالضرورة أن يكون المقصود من الغوص المعنى المتعارف فقط ، وهو النزول إلى قعر البحر للصيد واستخراج الطاقات الكامنة فيه ، بل تنسحب الكلمة كما كلمة البناء على المعنى المتقدم أيضا.

[٣٨] وكان سليمان يوزع المهام على الشياطين ، فيعملون كيفما يريد ، ومن يتمرد فانه يجازى بالسجن.

(وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ)

ويبدو من الآية أن الشياطين كانوا يصفدون جماعات جماعات فيقرن بعضهم بعضا ، ويحتمل أنّهم كانوا يعتقلون كل فرد مع قرنائه في المعصية والمخالفة. المهم أن سليمان بهذه السيطرة والهيمنة على الجن نسف الأفكار الجاهلية حول ألوهيتها.

__________________

(١) نور الثقلين / ج (٤) / ص (٤٥٩).

٣٦٢

[٣٩] وفي نهاية الدرس يشير ربّنا إلى ملك سليمان فيقول :

(هذا عَطاؤُنا)

ويفوضه فيه يتصرف كيفما بدا له.

(فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ)

أي أعط للناس مما تملك أو أمنعهم ، ولا أحد يحاسبك وهذا أعلى مراتب التفويض.

[٤٠] ويختتم الدرس بحقيقة هامة ، هي أن أهم مما يملكه الإنسان في الدنيا ، قربه من الله وثوابه عنده.

(وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ)

وكلمة أخيرة :

من أبعاد رسالة القرآن الكريم تصحيح رؤي البشر تجاه الرسل ورسالاتهم ، ذلك أن الشيطان يثير الوساوس في مصدر الإصلاح ، وينبوع الفضائل (الرسل ورسالاتهم) فاذا به يلصق التهم بالأنبياء لأسقاط شخصياتهم في أعين الناس ، ويحرف قيم الدين وقد يجعلها بتأويلها سببا للضلالة.

والله سبحانه يبعث بين الحين والآخر رسالة ورسولا لتجديد ما درس من معالم دينه الحق لكي لا تزول فرصة الهداية للناس.

وهكذا حرّفت أهواء بني إسرائيل التوراة والإنجيل ، وأوّلت النصوص حول القيم ، ولفقت التهم حول الأنبياء عليهم السلام. وانزل الله كتابه المجيد تبيانا

٣٦٣

لكل شيء وتنزيها لمقام الرسل عليهم السلام. وهكذا نجد في القرآن بيانا لقصص الأنبياء ـ خصوصا تلك التي نقلت على غير وجهها ـ ثم تفسيرا حسنا لموارد الغموض من حياتهم عليهم السلام.

ومما يؤسف له : انّ طائفة من المفسرين راحوا ينقلون الأحاديث الإسرائيلية ويخوضون في اعراض الأنبياء خوضا وبالتالي ينقضون ما عقده القرآن ، ويخالفون ما أراده ، ويسيرون تماما بعكس اتجاهه. بينما كان ينبغي أن يلتزموا بأدب القرآن في الحديث عن الرسل ، الذي يتجلى في سورة الصافات وص بأحلى صورها.

٣٦٤

وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (٤٨) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (٥٠) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (٥١)

___________________

٤٤ [ضغثا] : ملء الكف من الشماريخ والحشيش.

[ولا تحنث] : الحنث هو نقض العهد المؤكّد بالحلف.

٣٦٥

وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (٥٢) هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (٥٣) إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (٥٤)

___________________

٥٢ [أتراب] : أقران على سن واحد ليس فيهن عجوز ولا هرمة ، وقيل أمثال في الحسن ومقدار الشباب ، وقيل أتراب في أعمار أزواجهن.

٣٦٦

أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ

هدى من الآيات :

في مواضع أخرى من القرآن تعرضت الآيات لقصة أيوب (ع) بمناسبة الحديث عن الصبر ، (الجانب المعروف من حياته (ع)) ، حتى لقد شاع المثل «صبر أيوب» ، أمّا في هذه السورة فان القصة تأتي في سياق الحديث عن العلاقة السليمة بالسلطة والثروة والعافية ، هذه النعم التي ينبغي أن لا تستعبد البشر ، فلا يستبد به الغرور إذا رزق منها شيئا ، ولا يقتله اليأس إذا زويت عنه.

وما تلتقي فيه قصة سليمان وأيوب عليهما السلام ، أنهما يهدياننا الى تجسيد للنفس الربانية التي لا تبطر بالنعمة والملك كنفس سليمان ، ولا تيأس إذا فقدت متع الدنيا كنفس أيوب عليهما السلام. وبالرغم من ان هذين المثلين من حياة شخصيتين الّا أنهما ـ في الواقع ـ شخصية واحدة ، حيث المؤمن هو الذي يتعالى على زينة الدنيا متطلعا الى رضوان ربه ، فيشكر حينما يظفر بها ، ويصبر حينما تفوته.

٣٦٧

لقد كان أيوب ذا مال وأهل كثير وسمعة طيبة بين الناس ، وهو يسخر كل ذلك من أجل عمل الصالحات ، فاذا به يفقد ماله وأهله ، ويصاب في جسده بمرض استقذره الناس بسببه ، وأبعدوه عن قريتهم خوفا من العدوى ، فتركه كل من حوله ، ولم تبق معه الا زوجته الوفية رحمة بنت يوسف بن يعقوب عليهم السلام ، والتي ضربت مثلا في الصبر مع زوجها والوفاء له ، إذ كانت تعمل في البيوت وتخدم الناس لتأتي له بالطعام والشراب.

الا أنه عليه السلام بقي صابرا شاكرا لله على النعمة ، وما زاده الابتلاء الّا صبرا ، ورجاء للفضل في الدنيا والآخرة. وهكذا يكون المتقون كما وصفهم سيدهم علي (ع) فقال :

«نزّلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء» (١)

ولعل السبب في ثبات شخصية المتقين واستقامتها أنهم يستمدون مقوماتها من الرسالة الالهية الثابتة لا من الظروف والعوامل المادية المتغيرة.

أما زوجة أيوب (ع) الوفية ـ والتي لم تكن بعصمة الأنبياء مع مكانتها وايمانها ـ فقد جاء لها إبليس متمثلا في هيئة البشر ، وقال لها إنني طبيب ماهر وأستطيع أن أداوي زوجك ولكن بشرط واحد ، هو أن يقول لي بعد شفائه أنني شافيته ، فقبلت حبا في زوجها النبي ، فجاءت مسرعة وأخبرت أيوب بالأمر فغضب عليها ، وحلف يمينا أن يضربها مائة جلدة.

وهكذا أتم أيوب امتحانه ودعا ربه فاستجاب له ، وخفف عن زوجته حين أمره بأن يأخذ ضغثا ويضربها به وأعاد عليه أهله وماله ومكانته وأبقى ذكره لنا

__________________

(١) نهج البلاغة / خطبة (١٩٣) / ص (٣٠٣).

٣٦٨

منارا وهدى.

بينات من الآيات :

[٤١] يمكن للشيطان أن يمس الإنسان بالسوء في جانبي الحياة «المعنوي والمادي» ولكن ذلك لا يكون بالجبر والإكراه ، لان البشر حر ومختار ، انما يضغط عليه وقد يمسه من ذلك شيء من التعب والألم. وإذا تحدى الإنسان ذلك واستقام رغم المشقة فانه ينتصر على إبليس لأنه كما وصفه القرآن : (لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (١). وفي موضع آخر تنقل لنا الآيات تصريحا عن الشيطان نفسه. تقول الآية : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢)

إن كون الإنسان من المؤمنين لا يعني أنه لا يتعرض الى وساوس إبليس وضغوطه ، وحتى الأنبياء تعرضوا لضغوطه ومحاولاته الدائمة للاغواء ، الا أنهم لم يستجيبوا له ولو ألحق بهم الأذى والمشقة. وهكذا كانوا قدوة للبشرية.

قال بعض المفسرين (كالرازي في تفسيره الكبير) : إن أنبياء الله أرفع من أن يمسهم الشيطان بالنصب والعذاب ، فلا يصح إذن أن ندعي بأن الحال وصل بأيوب (ع) الى حد استقذره الناس لمرضه. والحقيقة أن هذا الأمر جائز في مجال الامتحان لأنهم عليهم السلام بعثوا قدوات للبشرية ، وليس صحيحا أن نبعد النظرة

__________________

(١) النحل / (١٠٠ ـ ١٠١).

(٢) إبراهيم (٢٢).

٣٦٩

الواقعية عن حياتهم ، فنأوّل الآيات في ذلك الى غير مضامينها. فننفي تعرض يوسف للسجن ، وموسى للاهانة ، ونبيّنا للاذى ، حتى قال عن نفسه :

«ما أوذي نبي مثلما أوذيت»

مع أن ذلك هو من صميم حياتهم وعنوانا عريضا في تاريخهم الرسالي ، باعتبارهم أنبياء!

ولو راجعنا آيات القرآن والأحاديث لوجدناها تؤكد على أنّ الأنبياء هم الاولى بالبلاء ، بل أنهم لم يصلوا الى هذا المقام الرفيع الا من خلاله. وقد روي عن الرسول (ص) وقد سئل : أي الناس أشد بلاء؟ أنه قال :

«الأنبياء ثم الصالحون الأمثل ثم الأمثل فالأمثل من الناس» (١)

نعم إن الشيطان لا يتسلط على عقول الصالحين وقلوبهم ، أما الجوانب المادية من حياتهم فهو قادر على سلبهم إياها لو أراد الله امتحانهم فيها ، كما ابتلى في ذلك نبيّه أيوب (ع).

قال الامام الصادق (ع) :

«ان الله عزّ وجلّ يبتلي المؤمن بكل بليّة ، ويميته بكل ميتة ، ولا يبتليه بذهاب عقله ، أما ترى أيوب كيف سلط إبليس على ماله وولده وأهله ، وعلى كل شيء منه ولم يسلط على عقله ، ترك له ليوحد الله به» (٢)

والقرآن في هذه السورة يدعو النبي الأكرم (ص) ، وكل مؤمن يسير في خطه الى

__________________

(١) بح ج / (١٢) / ص (٣٥٥).

(٢) المصدر / ص (٣٤١).

٣٧٠

تذكر الأصوات من تاريخ الرسل والرسالات ، وأن تكون حاضرة في ذهنه أبدا ليستعين بذكرها على مواجهة مصاعب الحياة ومشاكلها من أجل الاستقامة في طريق ذات الشوكة.

(وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ)

الذي كان في نعيم من الدنيا ، ثم انتقل منه الى الفقر والمرض ، لكنه استقام بعبوديته لله ولم يكفر ، لأنه كأي مؤمن مخلص ينظر للحياة بنور الله ، فهو لا يضره إن فقد كل نعيمها وبقي له الايمان ، كما لا يجد لها طعما لو جمعت له لذاتها ولكنه فقد جذوة الايمان من قلبه وعمله. وقد تجلت عبودية أيوب (ع) في الغنى بشكره ، وفي الفقر بصبره واستقامته.

(إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ)

أي اذكر من حياة أيوب هذا الموقف العظيم حين دعا ربّه في الضرّاء ، وهذا الموقف عظيم لان من الصعب على الإنسان وهو تتوارد عليه الضغوط والمشاكل من كل جانب أن يخلص توجّهه الى ربّه الأحد ، فهو حينما يجد مس الفقر والجوع ربما يعتقد بأن الغني أو الحاكم هو الذي ينقذه من هذه الورطة ، وحينما يحوطه المرض غالبا ما يتصور بأن علاجه عند الطبيب لا بسببه ، وهكذا يقع في الشرك ، لكن أيوب تجاوز كل ذلك وحافظ على ايمانه وتوحيده الخالص.

[٤٢] ولم يكن البلاء الذي تعرض له أيوب بسبب ذنب عمله ، فهو معصوم مطهر عن المعصية ، وما أراد الله من ابتلائه :

«الا رحمة ليعظم له الثواب ، وجعله عبرة للصابرين ، وذكرى للعابدين في

٣٧١

كل بلاء نزل ، ليأنسوا به بالصبر ورجاء الثواب» (١)

فلما أتم الله الابتلاء وأظهر صدق نبيّه ومعدنه رفعه عنه ، وعوضه عما فقده بما هو خير منه ليعرفنا ربّنا بأن العاقبة للمتقين الصابرين.

(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ)

قال الامام الرضا (ع) :

«فركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيها فاغتسل فأذهب الله تعالى عنه كل ما كان به من البلاء» (٢)

[٤٣] وبالاضافة الى إشفائه من الأمراض والعلل التي لحقت بجسمه ، ردّ الله عليه ما فقد من الأهل سواء الأبناء أو الأقرباء.

(وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ)

أي تضاعفوا فاذا كانوا عشرين صاروا أربعين ، وقد حملت هذه الآية على عدة تفاسير :

الاول : أن أهله ماتوا فأحياهم الله ، وأضاف إليهم مثلهم.

الثاني : أن الله عوضه عمن مات من أهله ببنين وبنات آخرين.

الثالث : أن أهله تفرقوا عنه لما أصابه من بلاء ، فجمعهم الله له وعطف قلوبهم عليه.

__________________

(١) المصدر / ص (٣٦٠).

(٢) المصدر ص (٣٦٦).

٣٧٢

ولكن الروايات أكثر ما تؤكد على الرأي الاول ، ومنها قول الامام الصادق (ع) في تفسير الآية :

«فردّ عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء ، ورد عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء ، كلهم أحياهم الله تعالى له فعاشوا معه» (١)

وبعد هذا البيان يصف الله رفعه البلاء عن نبيّه بأنه ذو فائدتين :

الاولى : تعود على أيوب ذاته ، وقد أسماها رحمة فقال :

(رَحْمَةً مِنَّا)

لأيوب ، وقد تمثلت هذه الرحمة في شفائه من المرض ورد ما فقده عليه.

الثانية : تعود على عموم الرساليين والمتعقّلين ، وتتمثل في العبر والدروس التي خلفتها القصة.

(وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ)

وأهم درس يستفاد من هذه الآيات ، هو أن لا ننهزم أمام مشاكل الحياة وضغوطها ، فاذا ما بقي الإنسان قويا في نفسه ، مقاوما للآثار النفسية والروحية للازمات والمشاكل ، فانه لن يتأثر بها. وحتى يتمكن من ذلك يجب أن تكون علاقته بالحياة وما فيها قائمة على أساس انها وسيلة ، لا علاقة شيئية باعتبارها هدفا بذاتها ، وانه إذا لم يصل الى أهدافه وطموحاته من طريق ما ، فسوف يحصل عليها

__________________

(١) نور الثقلين / ج (٤) / ص (٤٦٦).

٣٧٣

عن طريق آخر. فاذا خسر وسيلته أو فشل فيها فليبق على أهدافه وإرادته ، لأنه بجهده وتحركه واستقامته قد يحصل على ما هو أفضل مما فقده ، أو فشل المرات الماضية في الوصول اليه وتحقيقه ، هذا إذا نظر للهزائم والنكسات التي تمر عليه في الحياة نظرة موضوعية ، فهي حينئذ ستزيده قوة ومناعة ضد الهزائم ، وإصرار على تسخير الحياة بصورة أفضل ، وعلى ضوء التجارب الماضية.

وهذا أيوب (ع) يزداد إصرارا على خطه في الحياة ، كلما تفاقم بلاؤه ، دون أن يستجيب الى وساوس الشيطان ، التي كانت تستهدف أضعاف إرادته والنيل من ايمانه وتقواه. ولنقرأ هذه الرواية التي نقلها العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار. قال :

وقال الحسن : «مكث أيّوب مطروحا على كناسة في مزبلة لنبي إسرائيل سبع سنين وأشهرا يختلف فيه الدوابّ ، وقال وهب : لم يكن بأيّوب أكلة إنّما يخرج منه مثل ثدي النساء ثمّ تتفقّأ ، قال الحسن : ولم يبق له مال ولا ولد ولا صديق ولا أحد يقربه غير رحمة صبرت معه تصدّق ، وتأتيه بطعام وتحمد الله تعالى معه إذا حمد ، وأيّوب على ذلك لا يفتر من ذكر الله والثناء عليه والصبر على ما ابتلاه ، فصرخ عدوّ الله إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرض جزعا من صبر أيّوب ، فلمّا اجتمعوا إليه قالوا : ما أحزنك؟ قال : أعياني هذا العبد الّذي سألت الله أن يسلّطني على ماله وولده ، فلم أدع له مالا ولا ولدا فلم يزد بذلك إلّا صبرا وثناء على الله تعالى ، ثمّ سلطت على جسده وتركته قرحة ملقاة على كناسة بني إسرائيل لا يقربه إلّا امرأته فقد افتضحت بربّي فاستغثت بكم لتعينوني عليه ، فقالوا له : أين مكرك؟ أين علمك الّذي أهلكت به من مضى؟ قال : بطل ذلك كلّه في أمر أيّوب فأشيروا عليّ ، قالوا : نشير عليك ، أرأيت آدم حين أخرجته من الجنّة من أين آتيته؟ قال : من قبل امرأته ، قالوا : فأته من قبل امرأته فإنّه لا

٣٧٤

يستطيع أن يعصيها وليس أحد يقربه غيرها ، قال : أصبتم ، فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصّدّق ، فتمثّل لها في صورة رجل فقال : أين بعلك يا أمة الله؟ قالت : هو ذلك يحكّ قروحه ويتردّد الدوابّ في جسده ، فلمّا سمعها طمع أن يكون كلمة جزع فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعيم والمال ، وذكرها جمال أيّوب وشبابه وما هو فيه من الضرّ وأنّ ذلك لا ينقطع عنهم أبدا.

قال الحسن : فصرخت فلمّا صرخت علم أن قد جزعت فأتاه بسخلة فقال : ليذبح هذا لي أيّوب ولا يذكر عليه اسم الله عزّ وجلّ فإنّه يبرئ ، قال : فجاءت تصرخ : يا أيّوب حتّى متى يعذّبك ربّك؟ ألا يرحمك؟ أين المال؟ أين الماشية؟ أين الولد؟ أين الصديق أين لونك الحسن قد تغيّر وصار مثل الرماد؟ أين جسمك الحسن الّذي قد بلى وتردّد فيه الدوابّ؟ اذبح هذه السخلة واسترح ، قال أيّوب : أتاك عدوّ الله فنفخ فيك وأجبته ، ويلك أرأيت ما كنّا فيه من المال والولد والصحّة؟ من أعطانيه؟ قالت : الله ، قال : فكم متّعنا به؟ قالت : ثمانين سنة ، قال : فمذ كم ابتلاني الله تعالى بهذا البلاء؟ قالت : منذ سبع سنين وأشهر ، قال : ويلك والله ما عدلت ولا أنصفت ربّك ، الا صبرت في البلاء الّذي ابتلانا الله به ثمانين سنة كما كنّا في الرخاء ثمانين سنة؟ والله لئن شفاني الله عزّ وجل لأجلدنّك مائة جلدة حين أمرتني أن أذبح لغير الله» (١)

[٤٤] وحينما حلف أن يضرب زوجته الوفيّة مائة جلدة ، أمره الله أن يجمع في يده مائة شمراخ من عدوق النخل ، ويضربها ضربة واحدة. ليرفع عنه حرج الحلف بالله من جهة ، وحتى لا تتأذى زوجته من جهة أخرى.

(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ)

__________________

(١) بح ج / (١٢) / ص (٣٦٨).

٣٧٥

يقول الامام الصادق (ع) :

«فأخذ عدقا مشتملا على مائة شمراخ فضربها به واحدة فخرج من يمينه» (١)

وقد استفاد الفقهاء من هذا التفسير للآية الكريمة وأحاديث أخرى حدا شرعيا قالوا فيه بأن الزاني إذا كان مريضا لا يحتمل بدنه الجلد ، فانّه يضرب مائة جلدة بهذه الطريقة ويسقط عنه الحد المتعارف. وفي الخبر أن رسول الله (ص) أتى برجل أحبن قد استسقى بطنه وبدت عروق فخذيه ، وقد زنى بامرأة مريضة ، فأمر رسول الله (ص) فأتي بعرجون فيه مائة شمراخ ، فضربه به وضربها ضربة وخلى سبيلهما (٢) والحبن داء في البطن يعظم منه ويتورم.

وبعد أن أمر الله أيوب (ع) بضرب زوجته كما تقدم أداء للعهد الذي قطعه على نفسه أكد له ضرورة الوفاء بالالتزامات التي يتعهد بها المؤمن تجاه ربّه فقال :

(وَلا تَحْنَثْ)

أي لا تميل الى الباطل بترك الوفاء بالقسم ومخالفته ، إذ ينبغي للإنسان المؤمن أن يفي بالتزاماته وعهوده التي يقطعها مع ربّه على نفسه ، فكثير من الناس حينما يمرضون أو يتعرضون للمشاكل ، يدعون الله أن يعينهم ويرفع عنهم ذلك ، وينذرون تقربا له أن لو رفعها سيفعلون كذا وكذا من الصالحات ، ولكنهم بمجرد أن يصحوا أو تنتهي مشاكلهم يتناسون نذورهم وتعهداتهم. ثم على الإنسان أن لا يتعهد بما لا يقدر عليه ، حتى لا يلحقه الإثم بحنثه. فهذا الامام علي (ع) يأتيه رجل نذر أن

__________________

(١) نور الثقلين / ج (٤) / ص (٤٦٦).

(٢) المصدر / رقم (٧١).

٣٧٦

يتصدق بوزن فيل خبزا في سبيل الله ، فينهره الامام ، ويتعهد الرجل أن لا يعود لها مرّة ثانية.

وبعد ذلك يمتدح ربّنا نبيّه أيوب (ع) مركزا على أمور في شخصيته :

الاول : صبره ، حيث عرضه الله لالوان الابتلاءات فاستقام وتحمل.

(إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً)

الثاني : إخلاصه في العبادة وتوبته ، فلم يدعوه البلاء للكفر بالله ، ولا الى عبادة غيره من الشركاء المزيفين.

(نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)

يأوب الى الله ويتقرب اليه كلما ازداد بلاؤه.

جاء في تفسير القمي ، حدثني أبي عن ابن فضّال ، عن عبد الله بن بحر ، عن ابن مشكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته عن بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لاي علّة كانت؟ قال :

«لنعمة أنعم الله عزّ وجلّ عليه بها في الدنيا وأدى شكرها ، وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس عن دون العرش ، فلمّا صعد ورأى شكر نعمة أيوب (ع) حسده إبليس ، فقال : يا رب أن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة الا لما أعطيته في الدنيا ، ولو حرمته دنياه ما أدى شكر نعمة أبدا ، فقيل له : قد سلطتك على ماله وولده ، قال : فانحدر إبليس فلم يبق له مالا ولا ولدا الا أعطبه فازداد أيوب لله شكرا وحمدا ، قال : فسلطني على زرعه يا رب ، قال : قد فعلت ، فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق فازداد أيوب لله شكرا وحمدا ، فقال : يا رب سلطني على

٣٧٧

غنمه فسلطه على غنمه فأهلكها ، فازداد أيوب لله شكرا وحمدا ، فقال : يا رب سلطني على بدنه فسلطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه ، فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه الى قدمه ، فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود ، فكانت تخرج من بدنه فيردها فيقول لها ارجعي الى موضعك الذي خلقك الله منه ، ونتن حتى أخرجوه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية ، وكانت امرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله عليهم وعليها ، تتصدق من الناس وتأتيه بما تجده.

قال : فلما طال عليه البلاء ورأى إبليس صبره أتى أصحابا لأيوب كانوا رهبانا في الجبال»

الى هنا وإبليس يلاحق أيوب (ع) ليخدعه بطريقة أو بأخرى. ولما عرف إبليس أنه لم يستطع التأثير في نفس أيوب بفقد ماله وأهله وصحته ، حاول هذه المرّة التأثير عليه من خلال أصدقائه ، ويبدو من خلال هذا الحديث أن أصدقاء السوء أكثر أثرا في الإنسان من سائر علاقاته الأخرى.

«وقال لهم : مرّوا بنا الى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته فركبوا بغالا شهبا وجاؤوا ، فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه ، فنظر بعضهم الى بعض» وقد تساءلوا عن بليّته وارتابوا في أسبابها ، وهذه من طبيعة الإنسان أنه إذا رأى شخصا مبتلى اعتقد بأنه يستحق ذلك لما عمل من الذنوب ، ولكن البلاء ليس بالضرورة أن يكون لهذا السبب ، بل قد يكون للزيادة في أجر العبد وتمحيصه ثم مشوا اليه وكان فيهم شابّ حدث السن فقعدوا اليه فقالوا : يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله كان يهلكنا إذا سألناه ، وما نرى ابتلاك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تستره؟ فقال أيوب (ع) : «وعزة ربي إنه ليعلم أني ما أكلت طعاما الا ويتيم أو ضعيف يأكل معي ، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة لله إلا أخذت

٣٧٨

بأشدهما على بدني ، فقال الشاب : سوءة لكم عيرتم نبي الله حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يسترها؟»

فتألم أيوب (ع) لذلك ، حيث رأى أقرب الناس إليه يشككون في عبادته. فقال أيوب (ع) : «يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجتي»

يعني لو كنت أنا القاضي ، لكنت أقول لهم بأنني لا أستحق هذا البلاء ولدي حجة على ذلك ، ولكن لم أقل لانني أنا العبد وأنت الربّ.

فبعث الله إليه غمامة فقال : يا أيوب أدل بحجتك فقد أقعدتك مقعد الحكم وها أنا ذا قريب ولم أزل ، فقال : يا رب انك لتعلم انه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة الا أخذت بأشدهما على نفسي ، ألم أحمدك؟ ألم أشكرك؟ الم أسبحك؟ قال : فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان : يا أيوب من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون؟ وتحمده وتسبحه وتكبره والناس عنه غافلون؟ أتمنّ على الله بما لله فيه المنة عليك؟

قال : فأخذ التراب فوضعه في فيه ثم قال : لك العتبى يا رب أنت فعلت ذلك بي ، فأنزل الله عز وجل عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان وأطرأ ، وأنبت الله عليه روضة خضراء وردّ عليه أهله وماله وولده وزرعه ، وقعد معه الملك يحدثه ويونسه ، فأقبلت امرأته معها الكسرة (وهي القطعة من الخبز اليابس) فلما انتهت الى الموضع إذا الموضع متغير وإذا رجلان جالسان ، فبكت وصاحت وقالت : يا أيوب ما دهاك؟ فناداها أيوب فأقبلت فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمه سجدت لله عز وجل شكرا ، فرأى ذؤابتها مقطوعة ، وذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ما تحمله الى أيوب (ع) من الطعام ، وكانت حسنة الذوائب ، فقالوا لها : تبيعينا ذؤابتك هذه حتى نعطيك؟

٣٧٩

فقطعتها ودفعتها إليهم ، وأخذت منهم طعاما لأيوب ، فلما رآها مقطعة الشعر غضب وحلف عليها أن يضربها مأة ، فأخبرته انه كان سببه كيت وكيت ، فاغتم أيوب من ذلك فأوحى الله عزّ وجلّ إليه «خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ» فأخذ عدقا مشتملا على مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه (١)

[٤٥] وبعد أن اختتم السياق قصة أيوب وصبره ، واستقامته امام كل الضغوط ، شفعها بالدعوة الى ذكر بعض الأنبياء والتفكير في تاريخهم لاخذ العبر والدروس منه ، إذ ينبغي للرساليين أن ينظروا في تاريخ قادتهم وإخوانهم الذين سبقوهم ، ويلاحظوا معاناتهم واستقامتهم لله ، فان ذلك يزيدهم ايمانا بخطهم الرسالي ، وثقة بأنفسهم وتحركهم واستقامة على الطريق.

(وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ)

ما يحتاجه الإنسان لبلوغ التكامل القوة والرؤية ، فبقوته يحقق ما يراه. ويبدو أن ظاهر الآية يدل على وجود الأيدي (القوة) عند الأنبياء والأبصار (الرؤية) الّا أن باطنها القوة في الايمان ، والبصيرة في الدين ، وهكذا جاء في الحديث المأثور عن الامام الباقر عليه السلام قال :

«أولوا القوة في العبادة والبصر فيها» (٢)

والجدير بالملاحظة أن ربّنا اكتفى هنا بالدعوة الى تذكر هؤلاء العظماء ، دون أن يعرض لنا مشاهد من حياتهم نعتبر بها ، وهكذا في موارد كثيرة من القرآن ، وذلك لاسباب :

__________________

(١) المصدر / ص (٤٦٦).

(٢) المصدر ص (٤٦٧).

٣٨٠