مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٩

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٩

المؤلف:

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي


المحقق: الشيخ محمّد باقر الخالصي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تقرأ الحمد عشر مرّات أو ثلاثاً أو مرّة وإنّا أنزلناه كذلك ، وهذا الدعاء ثلاث مرّات أو مرّة : اللهمّ إنّي أستخيرك .. إلى آخر ما ذكره أوّلاً في الذكرى من دون تفاوت إلّا في قوله : إن كان الّذي قد عزمت عليه ، وفي «الذكرى» : إن كان الأمر الفلاني كما سمعت. وفي «الوافي» أيضاً : ثمّ تقبض على السبحة وتنوي إن كان المقبوض وتراً كان أمراً وإن كان زوجاً كان نهياً ، أو بالعكس (١). وقد يستفاد من هذا ما يأتي الإشارة إليه.

وأمّا الاستخارة بالقيام إلى الصلاة فقد قال أبو العباس : أن ينظر إذا قام إلى الصلاة إلى ما وقع في قلبه فيأخذ به (٢). وقد عقد له باب في «الوسائل (٣)» وذكر فيه خبر اليسع.

وإمّا الاستخارة بالأخذ من لسان المشاور فقال أبو العباس : هو أن يستشير بعض إخوانه ويسأل الله أن يجري له على لسانه الخيرة ويفعل ما يشير عليه (٤). قلت : أورد الصدوق في كتاب «معاني الأخبار والفقيه» بإسناد إلى هارون بن خارجة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا أراد أحدكم أمراً فلا يشاور فيه أحداً من الناس حتّى يشاور الله عزوجل. قلت : وما مشاورة الله عزوجل؟ قال : تبدأ فتستخير الله عزوجل أوّلاً ثمّ تشاور فيه ، فإذا بدأ بالله تعالى أجرى الخير على لسان من أحبّ من الخلق (٥). ورواه في «المقنعة» مرسلاً عن الصادق (٦). وورد أيضاً : أنه إذا أراد أحدكم أن يشتري أو يبيع أو يدخل في أمرٍ فيبتدئ بالله ويسأله الخيرة فيقول : اللهمّ إنّي اريد كذا ، فإن كان خيراً لي في ديني ودنياي وآخرتي

__________________

(١) الوافي : باب صلاة الاستخارة ج ٩ ص ١٤١٧ ١٤١٨.

(٢) الموجز الحاوي (الرسائل العشر) : في الاستخارة ص ١٠٣.

(٣) سائل الشيعة : ب ٦ من أبواب صلاة الاستخارة ج ٥ ص ٢١٦.

(٤) الموجز الحاوي (الرسائل العشر) : في الاستخارة ص ١٠٢.

(٥) معاني الأخبار : باب مشاورة الله ص ١٤٤ ح ١ ، من لا يحضره الفقيه : باب صلاة الاستخارة ح ١٥٥٠ ج ١ ص ٥٦٢.

(٦) المقنعة : في صلاة الاستخارة ص ٢١٦.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وعاجل أمري وآجله فيسّره لي ، وإن كان شرّاً لي في ديني ودنياي فاصرفه عنّي ، ربّ اعزم لي على رشدي وإن كرهته وأبته نفسي ، ثمّ يستشير عشرة من المؤمنين ، فإن لم يصبهم وأصاب خمسة فليستشر الخمسة مرّتين ، وإن كان رجلان فكلّ واحد خمساً وإن كان واحداً فليستشره عشراً (١).

وأمّا الاستخارة بالدعاء المجرّد فقد رواه الشيخ بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام قال : ما استخار الله عبدٌ قطّ مائة مرّة في أمرٍ عند رأس الحسين عليه‌السلام فيحمد الله ويثني عليه إلّا رماه الله تعالى بخير الأمرين (٢). وروى معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه‌السلام : ما استخار الله عبدٌ سبعين مرّة بهذه الاستخارة إلّا رماه بالخيرة ، يقول : يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين ويا أحكم الحاكمين صلّ على محمّدٍ وأهل بيته وخر لي في كذا وكذا (٣). وروى ناجية عنه عليه‌السلام : إذا أراد شراء العبد أو الدابّة او الحاجة الخفيفة أو الشي‌ء اليسير استخار الله فيه سبع مرّات ، فإذا كان أمراً جسيماً استخار الله فيه مائة مرّة (٤).

هذا وفي خبر إسحاق بن عمّار : ولتكن استخارتك في عافية فإنّه ربما خير للرجل في قطع يده وموت ولده وذهاب ماله (٥).

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ب ٤ من أبواب صلاة الاستخارة ح ٥ ج ٦ ص ٢٥٦ ، البحار : ج ٩١ ص ٢٥٢ ح ٣.

(٢) ظاهر عبارة الشارح أنّ الخبر ممّا رآه نفسه في كتب الشيخ رحمه‌الله وأنّ الشيخ رواه بإسناده ولكنّا لم نعثر عليه في كتبه المعدّة للرواية كالتهذيب والاستبصار والمصباح والمبسوط. نعم ، رواه ابن طاوس رحمه‌الله في فتح الأبواب المؤلّف في الاستخارة بإسناده إلى جدّه أبي جعفر الطوسي وهو بإسناده إلى الحسن بن علي بن فضّال عن صفوان الجمّال عن ابي عبد الله عليه‌السلام ، ورواه شيخنا الحرّ في الوسائل عن فتح الأبواب أيضاً فراجع فتح الأبواب : ص ٢٤٠ ، والوسائل : ج ٥ ص ٢٢٠ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب صلاة الاستخارة ح ٣ ج ٥ ص ٢١٤.

(٤) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب الاستخارة ح ١ ج ٥ ص ٢١٣.

(٥) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب الاستخارة ح ٦ ج ٥ ص ٢٠٥.

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهناك استخارة اخرى (١) متعارفة عند جملة من أهل زماننا ينسبونها إلى مولانا القائم صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ، وهي أن يقبض على السبحة بعد قراءة ودعاء ويسقط ثمانية ثمانية ، فإن بقي واحد فحسنة في الجملة ، وإن بقي اثنان فنهي واحد ، وإن بقي ثلاثة فصاحبها بالخيار لتساوي الأمرين ، وإن بقي أربعة فنهيان ، وإن بقي خمسة فعند بعض أنّها يكون فيها تعب وعند بعض أنّ فيها ملامة ، وإن بقي ستة فهي الحسنة الكاملة الّتي تحبّ العجلة ، وإن بقي سبعة فالحال فيها ما ذكر في الخمسة من اختلاف الرأيين أو الروايتين ، وإن بقي ثمانية فقد نهي عن ذلك أربع مرّات. وهذه لم نجدها في كتب الأصحاب قديمها وحديثها فروعها وحديثها ، وقد يمكن استفادتها من الاستخارة المروية عن الصادق والقائم عليهما‌السلام حيث خيّر هناك بأن يجعل الزوج عبارة عن افعل أو بالعكس ، لأنّه قد يفهم من قوله : تقبض على السبحة وتنوي إن كان المقبوض وتراً كان أمراً أو بالعكس ، وإنّ المدار على نيّة القابض ، فلو نوى إن كان المقبوض زوجاً فنهي واحد أو زوجين فنهيان أو ثلاثة أزواج فهي في أعلى مراتب الحسن ، وهكذا احتمل أن يكون مشمولاً للخبر المشار إليه.

وفي «الحدائق» وفي هذا الباب استخارة غريبة لم أقف عليها إلّا في كلام والدي قدّس الله تعالى روحه ، قال من كتاب السعادات : خيرة مروية عن الإمام الناطق جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام : يقرأ الحمد مرّة والإخلاص ثلاثاً ويصلّي على محمّدٍ وآله خمس عشرة مرّة ، ثمّ يقول : اللهمّ إنّي أسألك بحقّ الحسين وجدّه وأبيه وامّه وأخيه والأئمة التسعة من ذُرّيته أن تصلّي على محمّدٍ وآل محمّد وأن تجعل لي الخيرة في هذه السبحة وأن تريني ما هو أصلح لي في الدين والدنيا ، اللهمّ إن كان الأصلح في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فعل ما أنا عازم عليه فمرني وإلّا فانهني إنّك على كلّ شي‌ء قدير ، ثمّ تقبض قبضة من السبحة وتعدّها

__________________

(١) لم نجد لهذه الاستخارة قائلاً في كتب القوم ولا مأخذاً إلّا ما أشار إليه الشارح في المقام ، فراجع.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله إلى آخر القبضة ، فإن كان الأخير سبحان الله فهو مخيّر بين الفعل والترك ، وإن كان الحمد لله فهو أمر ، فإن كان لا إله إلّا الله فهو نهي. وقال : إنّ في هذه الاستخارة الشريفة تقسيم الأمر المستخار فيه إلى نهي وأمر ومخيّر ، وأكثر الاستخارات إنّما تضمّنت الأمر والنهي ، بل هذه الرواية أيضاً تضمّنت ما يقتضي الانحصار فيهما لقوله عليه‌السلام «فمرني وإلّا فانهني» ولم يذكر التخيير في الدعاء وذكره في آخر الرواية ، ثمّ أخذ في بيان وجه الجمع فجمع بأنّ الأمر والنهي هنا ليسا على نحوهما في العبادات من البلوغ إلى حدّ الوجوب والتحريم حتّى يمتنع التخيير ، ثمّ قال : إنّ الروايات المنحصرة في الأمر والنهي ، فالظاهر أنّ الأمر فيها ما يشمل الراجح والمساوي بأن يراد به القدر الأعمّ أعني الأمن من الضرر ، سواء كان فيه مصلحة أو عدم مشقّة أو انتفاء المفسدة فقط ، وأنّ الأمر في هذه الاستخارة نصّ فى رجحان الفعل والنهي نصّ في مرجوحيّته فجاز التخيير بمعنى مساواة الفعل للترك (١).

قلت : الأمر وافعل في الأخبار على حسب ما نواه المستخير ، فإن نوى الأرجح كان معنى افعل والأمر أنّه أرجح ، وكذا إن نوى الرجحان كان معنى الأمر وافعل أنّه راجح ، وكذا إن نوى عدم الضرر كان معنى الأمر وافعل أنّه غير مضرّ ، والنهي ولا تفعل يتبعه ويجري في خلافه على هذا المجرى ، والأدعية في الأخبار (٢) تدلّ على ذلك فالحظ دعاء السبحة وغيره من الأدعية. وعلى هذا فإن استخار مثلاً على الأرجحيّة فخرج له نهيٌ فله أن يستخير في ذلك الأمر بعينه على الراجحيّة أو عدم الضرر ، وهكذا والأمر واضح.

هذا ويحكى عن مولانا الشريف ملّا أبي الحسن العاملي في «شرحه على المفاتيح» وعن الشيخ سليمان البحراني في «الفوائد النجفية» أنّهما تعرّضا لحال الاستنابة في الاستخارة ، فقال : الأوّل منهما : لا يخفى أنّ المستفاد من جميع ما مرَّ

__________________

(١) الحدائق الناضرة : في صلاة الاستخارة ج ١٠ ص ٥٢٩ ٥٣١.

(٢) وسائل الشيعة : ب ٨ من أبواب صلاة الاستخارة ج ٥ ص ٢١٩.

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ الاستخارة ينبغي أن تكون ممّن يريد الأمر بأن يتصدّاها هو بنفسه ، ولعلّ ما اشتهر من استنابة الغير على جهة الاستشفاع. وذلك وإن لم نجد له نصّاً إلّا أنّ التجربات تدلّ على صحّته ، انتهى. وأمّا الثاني فقال : فائدة في جواز النيابة عن الغير في الاستخارة : لم أقف على نصّ خاصّ في جوازها ، ويمكن الاستدلال على ذلك بوجوه ، ثمّ ذكر وجوهاً عشرة قد اعترف بالطعن في أكثرها وأقربها إلى الاعتبار وجوه أربعة : الأوّل : أنّ كلّ ما يصحّ مباشرته يصحّ التوكيل فيه ، وليس هذا من المواضع المتفق على استثنائها ولا من المختلف فيها. والثاني : أنّ علماء زماننا مطبقون على استعمال ذلك ونقلوا عن مشايخهم نحو ذلك ، ولعلّه كافٍ في مثل ذلك. الثالث : أنّ الاستخارة مشاورة لله ولا ريب أنّ المشاورة تصحّ النيابة فيها كما في استشارة عليّ بن مهزيار للجواد (١) عليه‌السلام. ورابعها : أنّ مشاورة المؤمن نوع من أنواع الاستخارة وقد ورد في رواية عليّ بن مهزيار ما هو صريح في النيابة فيها ، ولا فرق بين هذا النوع وغيره (٢) ، انتهى.

قلت : ليس في أخبار الاستخارة في «الوسائل (٣)» ذكر عليّ بن مهزيار وإنّما الموجود في الموضعين اللذين أشار إليهما عليّ بن أسباط (٤) وقد كتب إلى الجواد عليه‌السلام يستشيره في بيع ضيعته ، فأمره بالاستخارة ، وليس نصّاً فيما أراد ، والموضع الآخر هو أنّ الحسن بن الجهم (٥) سأل لابن أسباط وهو حاضر أبا الحسن عليه‌السلام فقال : ما ترى له .. الحديث.

وأجاب (وقال خ ل) في «الحدائق» : لا ريب أنّ الاستخارة بمعانيها ترجع إلى الطلب وأنّ من طلب حاجةً من سلطان عظيم الشأن فإنّ الأرجح والأنجح في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب صلاة الاستخارة ح ٧ ج ٥ ص ٢١٥.

(٢) الحدائق الناضرة : في صلاة الاستخارة ج ١٠ ص ٥٣٢ ٥٣٣.

(٣) بل هو موجود في الوسائل راجع التعليقة السابقة برقم ٢.

(٤) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب صلاة الاستخارة ح ٨ ج ٥ ص ٢١٥.

(٥) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب صلاة الاستخارة ح ٤ ج ٥ ص ٢٠٥.

٢٦٥

ويستحبّ صلاة الزيارة والتحيّة والإحرام عند أسبابها.

______________________________________________________

حصولها هو أن يوسّط بعض القريبين إلى حضرة ذلك السلطان في سؤالها ، والنيابة في استخارة الله عزوجل من هذا القبيل (١).

وليعلم أنّه في «الوسائل (٢)» روى عن الطبرسي بإسناده إلى صاحب الأمر عليه‌السلام خبراً ظاهره أنّه لا استخارة بالخواتيم بأن يكتب في أحدهما افعل وفي الآخر لا تفعل. وقد ورد في الأخبار أنّه لا يتكلّم في أثناء الاستخارة (٣) وأن يوتر في الاستخارة (٤) ، ولعلّ معناه أنّه يقطع في دعائه بالخيرة على وتر كأن يقول ثلاثاً أو خمساً : أستخير الله برحمته خيرة في عافية أو نحو ذلك.

[الثامن عشر : صلاة الزيارة والتحيّة والإحرام]

قوله قدّس الله تعالى روحه : (ويستحبّ صلاة الزيارة والتحيّة والإحرام عند أسبابها) وهي الزيارة للنبيّ أو الائمّة صلوات الله عليهم ودخول المساجد والإحرام بالنصوص والإجماع كما في «كشف اللثام (٥)». وفي «الغنية» صلاة الزيارة للنبيّ وأحد الائمّة صلوات الله عليهم ركعتان عند الرأس بعد الفراغ من الزيارة ، فإذا أراد الإنسان الزيارة لأحدهم وهو مقيم في بلده قدّم الصلاة ثمّ زار عقيبها ، ويصلّي الزائر لأمير المؤمنين عليه‌السلام ستّ ركعات ركعتان له وأربعة لآدم ونوح عليه‌السلام (٦). وفي «إشارة السبق» أنّه يبتدئ بهما قبل الزيارة إذا كانت عن بُعد ، وإلّا بعدهما عند رأس المزار

__________________

(١) الحدائق الناضرة : في صلاة الاستخارة ج ١٠ ص ٥٣٣.

(٢) وسائل الشيعة : ب ٣ من أبواب صلاة الاستخارة ح ١ ج ٥ ص ٢١٢.

(٣) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب صلاة الاستخارة ح ٧ ج ٥ ص ٢١٥.

(٤) وسائل الشيعة : ب ٧ من أبواب صلاة الاستخارة ح ١١ ج ٥ ص ٢١٨.

(٥) كشف اللثام : في صلاة الزيارة .. ج ٤ ص ٤١١.

(٦) غنية النزوع : في صلاة الزيارة ص ١٠٩.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لمن حضره (١).

واعلم أنّ أقلّ نافلة الزيارة ركعتان تهدى للمزور ، ووقتها بعد الدخول والسلام ، ومكانها مشهده وما قاربه ، وأفضله عند الرأس بحيث يجعل القبر على يساره ، ولا يستقبل شيئاً منه ، نصّ على ذلك كلّه الشهيد الثاني (٢) ، ونصّ على بعض ذلك غير واحد (٣).

__________________

(١) إشارة السبق : في صلاة الزيارة ص ١٠٧.

(٢) الروضة البهية : في نافلة الزيارة ج ١ ص ٦٩٥.

(٣) كما في الذكرى : في صلاة الزيارة ج ٤ ص ٢٨٧.

٢٦٧

المقصد الرابع

في التوابع

وفيه فصول :

الأوّل : في السهو

وفيه مطالب :

(الأوّل) ما يوجب الإعادة :

______________________________________________________

(المقصد الرابع : في التوابع وفيه) خمسة (فصول :)

(الأوّل : في السهو) قال في «كشف اللثام (١)» : السهو هو الغفلة ولذا يشمل الشكّ ، قلت : قد يجب على المكلّف معرفة معنى السهو والشكّ والظنّ لتباين أحكامها واختصاص العمل بكلّ معنى بحكمةٍ خاصّة.

فالظنّ (٢) عبارة عن ترجيح أحد المجوّزين في الذهن ترجيحاً غير مانع من النقيض ، ثمّ لمّا كان عبارةً عن ذلك وكان للترجيح مراتب داخلة بين طرفي شدّة في الغاية وضعف في الغاية كان قابلاً للشدّة والضعف ، وطرفاه العلم الّذي لا مرتبة بعده للرجحان والجهل البسيط.

وأمّا السهو فقد اختلف فيه المتكلّمون ، فذهب المحقّقون (٣) إلى أنّه عبارة عن

__________________

(١) كشف اللثام : في توابع الصلاة ج ٤ ص ٤١٥.

(٢) كما في كشف المراد : في المقصد الثاني المسألة الحادية والعشرون ص ٣٤٣.

(٣) منهم الطوسي في تجريده ، راجع كشف المراد : المقصد الثاني المسألة الحادية والعشرون ص ٣٤١.

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم العلم بعد حصوله عمّا مَن شأنه أن يكون عالماً محتجّين بأنّ الواحد منّا لا يجد من نفسه أمراً زائداً على فقدان العلم حالة السهو ، فلا يكون معنىً وجودياً ، وإلى نحوه ذهب الفقهاء (١) فقالوا على ما قيل : إنّه عزوب المعنى عن القلب بعد خطوره بالبال. وهو بهذا المعنى مرادف للنسيان عندهم ، ويأتي له معنى آخر. وذهب آخرون (٢) منهم الجبائيان إلى أنّه ليس بعدم ملكة العلم وإنّما هو معنى من المعاني قائم بالنفس يضادّ العلم ، ثمّ اختلفوا ، فذهب بعضهم تارةً أنّه مقدور للعباد ولكنّه لا يصدر عنهم لفقد الدواعي ، وتارةً إلى أنّه غير مقدور عليه أصلاً ، وهو ظاهر قول الجبائيين.

وأمّا الشكّ فقد اختلفوا فيه أيضاً ، فذهب الجبائيان (٣) إلى أنّه معنى قائم بالنفس يضادّ العلم ، وذهب المحقّقون (٤) إلى أنّه عبارة عن سلب الاعتقاد وتردّد الذهن بين طرفي النقيض على التساوي أو تردّد الذهن في النسبة الإيجابية أو السلبية مع تصوّر الطرفين. وكذا قيل (٥) عند الفقهاء له عبارتان : إحداهما سلب الاعتقادين لثبوت شي‌ء أو نفيه ، والثانية تساوي الاحتمالين.

وليعلم أنّ السهو قد يطلق على الشكّ ، لأنّ السهو سبب في الشكّ فاطلق اسم السبب على المسبّب. والسهو والشكّ ليسا من قبيل الاعتقاد كالوهم بخلاف الظنّ ، وأسباب السهو قد تكون من العبد لتقصيره في التحفّظ.

والغفلة عدم حصول الشي‌ء بالبال وربّما يعبّر عنها بأنّها عدم التفطّن للشي‌ء ، وهي أعمّ من السهو والنسيان.

__________________

(١) منهم السبزواري في الذخيرة : في أحكام الخلل ص ٣٦٧ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : في أحكام السهو ص ٣٤٠ السطر الأول.

(٢ و ٣ و ٤) نقل عنهم العلّامة في كشف المراد : المقصد الثاني المسألة الحادية والعشرون ص ٣٤٢.

(٥) منهم الأسترآبادي في المطالب المظفّرية : في السهو ص ١٢١ س ٥ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦) ، والسبزواري في الذخيرة : في أحكام السهو ص ٣٦٧ ، والبحراني في الحدائق : ج ٩ ص ١٦٠ ، والشهيد الثاني في الروض : في السهو ص ٣٤٠ س ٣.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بيان ذلك : إنّ السهو هو الغفلة عن الشي‌ء مع بقاء صورته أو معناه في الخيال أو الذكر بسبب اشتغال النفس والتفاتها إلى مهمّاتها ، وأمّا النسيان فهو الغفلة مع انمحاء صورته أو معناه عن إحدى الخزانتين بالكلّية. وهذا مبنيّ على فرق الأوائل بين السهو والنسيان ، قالوا (١) : إنّ الأوّل زوال الصورة المدركة بالفتح عن القوّة المدركة بالكسر وثبوتها في الحافظة ، والثاني زوال الصورة المدركة عن القوّة المدركة والحافظة معاً ، ولهذا يحتاج تحصيل المنسي إلى تجشّم كسبٍ جديد.

إذا عرف هذا فليعلم أنّ الظنّ عندهم بمنزلة اليقين في أنّه لا تثبت له الأحكام الثابتة للسهو والشكّ من وجوب الإعادة أو الاحتياط أو سجود السهو أو التلافي أو غير ذلك. والمراد به في النصوص وكلام الأصحاب مطلق ترجيح أحد النقيضين فيكتفي فيه بأوّل مراتب الرجحان وهو يستلزم الاكتفاء بما هو أقوى. والسرّ في ذلك تعليق البناء في النصّ (٢) على وقوع الوهم ، والمراد به هنا الظنّ الّذي هو مطلق الترجيح ، وليس المراد به معناه المتعارف إجماعاً كما في «الروض (٣) ومجمع البرهان (٤)» فيصار به إلى المجاز وهو القدر الراجح مطلقاً أو إلى أقرب المجازات وهو أوّل مراتب الرجحان كما يعطي ذلك عبارة «المقنعة (٥) ونهاية الإحكام (٦) والدروس (٧) والذكرى (٨)» وبه صرّح جماعة من المتأخّرين (٩) ، ويزيد ذلك

__________________

(١) نقل عنهم العلّامة في كشف المراد : في المقصد الثاني ، المسألة الحادية والعشرون ص ٣٤٢.

(٢) وسائل الشيعة : ب ٧ من أبواب الخلل ج ٥ ص ٣١٦ ٣١٧.

(٣) روض الجنان : في السهو ص ٣٤٠ س ٢٢.

(٤) الموجود فى المجمع الموجود لدينا هو دعوى الاتفاق على إرادة الظنّ من الوهم لا الإجماع ، فراجع مجمع الفائدة والبرهان : في السهو ج ٣ ص ١٢٧.

(٥) المقنعة : في أحكام السهو ص ١٤٥ ١٤٦.

(٦) نهاية الإحكام : في الشك ج ١ ص ٥٣٩.

(٧) لم نعثر عليه في الدروس ، نعم نقله عنه في الذخيرة : ص ٣٦٧ س ٣٦.

(٨) ذكرى الشيعة : في الشكّ ج ٤ ص ٥٤.

(٩) منهم الشهيد الثاني في الروض : ص ٣٤٠ ، والسيّد في المدارك : ج ٤ ص ٢٦٢.

٢٧٠

كلّ من أخلّ بشي‌ءٍ من واجبات الصلاة عمداً بطلت صلاته ، سواء كان الواجب فعلاً أو كيفيةً أو شرطاً أو تركاً ،

______________________________________________________

بياناً اشتراط التساوي للاحتياط في النصوص كقوله عليه‌السلام : «واعتدل شكّه (١)» فما وقع في كثير من العبارات كعبارة «الإرشاد (٢)» وغيره (٣) من التعبير بغلبة الظنّ فمجاز بسبب أنّ الظنّ لمّا كان غالباً بالنسبة إلى الشكّ والوهم وصفه بما هو لازم له وأضاف الصفة إلى موصوفها بنوعٍ من التكلّف لا إرادة للخلاف.

وليعلم أنّه لا فرق في البناء على الظنّ بين الاوليين والأخيرتين ولا بين الرباعية وغيرها ولا بين الأفعال والركعات كما نصّ عليه جماعة (٤). وتمام الكلام يأتي إن شاء الله تعالى عند تعرّض المصنّف له.

[في بطلان صلاة من أخلّ بشي‌ء من واجباتها]

قوله قدّس الله تعالى روحه : (كلّ من أخلّ بشي‌ء من واجبات الصلاة عمداً بطلت صلاته ، سواء كان الواجب فعلاً أو كيفيةً أو شرطاً أو تركاً) بلا خلاف كما في «نهاية الإحكام (٥)». وفي «الغنية» الإجماع على بطلان صلاة من أخلّ بشي‌ء من واجباتها (٦). وفي «مجمع البرهان» كأنّه لا خلاف في الجزء والشرط في العامد والجاهل (٧). وفي «المدارك» أجمع

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ٤ ج ٥ ص ٣٢١.

(٢) إرشاد الأذهان : في السهو ج ١ ص ٢٦٨.

(٣) كجامع الشرائع : في السهو ص ١١٧.

(٤) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : في السهو ص ٣٤٠ س ٢٩ ، والمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان : في السهو ج ٣ ص ١٢٨ ، والسبزواري في ذخيرة المعاد : في السهو ص ٣٦٧ س ٣٨.

(٥) نهاية الإحكام : في الخلل الواقع في الصلاة ج ١ ص ٥٢٧.

(٦) غنية النزوع : فيما يقطع الصلاة ص ١١١.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : في الخلل ج ٣ ص ٤٧.

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

الأصحاب وغيرهم على أنّ من أخلّ بشي‌ء من شرائط الصلاة أو واجباتها عمداً بطلت صلاته. وقال : وأمّا البطلان بفعل ما لا يجوز فعله في الصلاة فلا يتمّ على إطلاقه ، لأنّ النهي إذا لم يتعلّق بنفس العبادة أو شرطها لا يقتضي فسادها وإنّما يثبت البطلان بدليل من خارج كما في الكلام والالتفات ونحوهما (١). قلت : تقدّم الكلام (٢) في ذلك وسمعت ما في «نهاية الإحكام».

وقد مثل للكيفية في «المعتبر (٣) والتذكرة (٤) والذكرى (٥) والتنقيح (٦) والرياض (٧)» بالطمأنينة ، وزيد في بعضها (٨) الجهر والإخفات وترتيب الواجبات بعضها على بعض على الوجه المأمور به. وفي «المدارك» الاقتصار على التمثيل لها بالأخير ، وقال : ما في المعتبر من التمثيل لها بالطمأنينة غير واضح. والمراد بالترك ما يحرم فعله في الصلاة كالالتفات والكلام ، وفي إطلاق الواجب عليه تجوّز (٩).

وفي «كشف اللثام (١٠)» يتضمّن تعمّد الإخلال تذكّر المصلّي عند الإخلال كونه في الصلاة الفريضة ، فمن أخلّ بالسورة أو زاد سورة متعمّداً أو تعمّد التكفير أو الكلام أو ترك الطمأنينة للغفلة عن كونه فيها لم يكن متعمّداً ، وإلّا بطلت صلاة من سلّم عمداً قبل إتمام الصلاة لزعمه الإتمام. وفي «نهاية الإحكام» لو تكلّم ناسياً

__________________

(١) مدارك الأحكام : في الخلل الواقع في الصلاة ج ٤ ص ٢١١.

(٢) تقدّم في ج ٨ ص ٣٨ ٤٨.

(٣) المعتبر : في الخلل الواقع في الصلاة ج ٢ ص ٣٧٦.

(٤) تذكرة الفقهاء : في أحكام السهو ج ٣ ص ٣٠٣.

(٥) ذكرى الشيعة : في الخلل الواقع في الصلاة ج ٤ ص ٣١.

(٦) التنقيح الرائع : في الخلل ج ١ ص ٢٥٧.

(٧) رياض المسائل : في الخلل الواقع في الصلاة ج ٤ ص ٢٠٢.

(٨) منها ذكرى الشيعة : في الخلل الواقع في الصلاة ج ٤ ص ٣١ ، والتنقيح الرائع : في الخلل ج ١ ص ٢٥٧ ، ورياض المسائل : في الخلل الواقع في الصلاة ج ٤ ص ٢٠٢.

(٩) مدارك الأحكام : في الخلل الواقع في الصلاة ج ٤ ص ٢١١.

(١٠) كشف اللثام : في السهو ج ٤ ص ٤١٥.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

للصلاة لم تبطل صلاته (١) ، ونحوه «المنتهى» وفيه : أنّ عليه علماؤنا أجمع (٢).

قلت : قد تقدّم لنا في بحث التروك في مسألة الالتفات (٣) ما له نفع تامّ في المقام ونقلنا هناك عن «النهاية والجُمل والعقود والوسيلة» بطلان صلاة من تكلّم ناسياً للصلاة وذلك لأنّه قال في «النهاية» : فإن صلّى ركعة من صلاة الغداة وجلس وتشهّد وسلّم ثمّ ذكر أنّه كان قد صلّى ركعة قام فأضاف إليها ركعة اخرى ما لم يتكلّم أو يلتفت عن القبلة أو يحدث ما ينقض الصلاة ، فإن فعل شيئاً من ذلك وجبت عليه الإعادة (٤). ونحوها «الجُمل والعقود (٥) والوسيلة (٦) والغنية (٧) والإرشاد (٨) والاقتصاد (٩) والمهذّب (١٠)» على ما نقل عنهما في الإعادة إذا تكلّم أو استدبر في أيّ صلاة كان ، بل في «الغنية» الإجماع (١١) وعن الحلبي التقي أنّه قال : إذا نقص ركعة ولم يذكر حتّى ينصرف أعاد (١٢). فقد أطلق. ونقل ذلك عن الحسن (١٣).

وفي «المبسوط» ثلاث عبارات وقد نقلنا في بحث الالتفات (١٤) منها عبارتين ، لاشتمالهما على ذكره وتركنا الثالثة لخلوّها عنه وهي قوله : ومتى اعتقد

__________________

(١) نهاية الإحكام : في الخلل الواقع في الصلاة ج ١ ص ٥١٦.

(٢) منتهى المطلب : في قواطع الصلاة ج ١ ص ٣٠٩ س ٩ ١٠ ، إلّا أنّ الموجود فيه عدم القيد بلفظ أجمع.

(٣) تقدّم في ج ٨ ص ٤٦ ٧١.

(٤) النهاية : في السهو ص ٩٠.

(٥) الجُمل والعقود : في السهو ص ٧٧.

(٦) الوسيلة : في السهو ص ١٠٩ ١١٠.

(٧) غنية النزوع : فيما يقطع الصلاة ص ١١١.

(٨) إرشاد الأذهان : في الخلل ج ١ ص ٢٦٨.

(٩ و ١٠) الناقل عنهما هو الفاضل الهندي في كشف اللثام : في السهو ج ٤ ص ٤٢٥.

(١١) غنية النزوع : فيما يقطع الصلاة ص ١١١.

(١٢) الكافي في الفقه : في السهو ص ١٤٨

(١٣) نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة : في السهو ج ٢ ص ٣٩٧.

(١٤) تقدّم في ص ١٤ و ١٥.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّه فرغ من الصلاة لشبهة ثمّ تكلّم عامداً فإنّه لا يفسد صلاته مثل أن يسلّم الاوليين ناسياً ثمّ يتكلّم بعده عامداً ثمّ يذكر أنّه صلّى ركعتين فإنّه يبني على صلاته ولا تبطل صلاته ، وقد روي أنّه إذا كان عامداً قطع الصلاة ، والأوّل أحوط (١). وظاهر الشهيد في «الذكرى» أنّه لم يقف على هذه الرواية حيث قال : وجعله في المبسوط رواية (٢). ويلوح ذلك أيضاً من «المختلف (٣)» حيث استدلّ لمختار النهاية بأنّه تعمّد الكلام ولم يستدلّ بالرواية. وقد تتبّعت «الوسائل» في باب قواطع الصلاة وأبواب الخلل الواقع في الصلاة فلم أجد ما يدلّ على ذلك. وقال في «المبسوط» أيضا : إذا نقص ركعة أو ما زاد عليها حتّى يتكلّم أو يستدبر القبلة أعاد ، وفي أصحابنا مَن قال : إذا نقص ساهياً لم يكن عليه إعادة الصلاة ، لأنّ الفعل الّذي يكون بعده في حكم السهو ، وهو الأقوى عندي. وسواء كان ذلك في صلاة الغداة أو صلاة المغرب أو صلاة السفر أو غيرها ، فإنّه متى تحقّق ما نقص قضى ما نقص وبنى عليه ، وفي أصحابنا مَن يقول : إنّ ذلك يوجب استئناف الصلاة في هذه الصلاة (الصلوات خ ل) الّتي ليست رباعيات (٤) ، انتهى.

وما جعله في المبسوط أحوط وأقوى هو المشهور كما في «الذكرى (٥)» والأشهر كما في «النافع (٦)» وخيرة «السرائر (٧) والتهذيب (٨) والشرائع (٩) والمعتبر (١٠)

__________________

(١) المبسوط : في السهو ج ١ ص ١١٨.

(٢) ذكرى الشيعة : في التروك ج ٤ ص ١٦.

(٣) مختلف الشيعة : في التروك ج ٢ ص ٢٠١.

(٤) المبسوط : في السهو ج ١ ص ١٢١.

(٥) ذكرى الشيعة : في التروك ج ٤ ص ١٦.

(٦) المختصر النافع : في الخلل الواقع في الصلاة ص ٤٣.

(٧) السرائر : في الأحداث العارضة في الصلاة ج ١ ص ٢٣٥.

(٨) تهذيب الأحكام : ب ١٠ في أحكام السهو ذيل ح ٧٢٦ ج ٢ ص ١٨١.

(٩) شرائع الإسلام : في الخلل الواقع في الصلاة ج ١ ص ١١٥.

(١٠) المعتبر : في الخلل الواقع في الصلاة ج ٢ ص ٣٨١.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وكشف الرموز (١)» وأكثر كتب المصنّف (٢) و «الذكرى (٣) والدروس (٤) والبيان (٥) والهلالية وفوائد الشرائع (٦) والجعفرية (٧) وإرشادها (٨) وحاشيتي النافع والإرشاد (٩) والروض (١٠) والمقاصد العلية (١١) والدرّة السنية وغاية المرام (١٢) ورسالة الشيخ حسن (١٣) والمدارك (١٤) والكفاية (١٥) والمفاتيح (١٦)» وهو ظاهر «الألفية (١٧) والتنقيح (١٨) والشافية» ووافق أوّلاً مولانا الأردبيلي ثمّ إنّه نفى البعد عن التخيير بين الإعادة وعدمها (١٩). واستدلّ عليه في «كشف الرموز» بأنّه لا خلاف في أنّ الكلام ناسياً لا يوجب

__________________

(١) كشف الرموز : في خلل الصلاة ج ١ ص ٢٠٠ ٢٠١.

(٢) منها مختلف الشيعة : في السهو ج ٢ ص ١٩٤ ، ومنتهى المطلب : في الخلل ج ١ ص ٤٠٩ س ٣٠ ، ونهاية الإحكام : في الخلل الواقع في الصلاة ج ١ ص ٥٣٠ ، وإرشاد الأذهان : في الخلل ج ١ ص ٢٦٨.

(٣) ذكرى الشيعة : في الخلل الواقع في الصلاة ج ٤ ص ٣٤.

(٤) الدروس الشرعية : في المستحبّات ج ١ ص ١٨٥.

(٥) البيان : في الخلل ص ١٤٦.

(٦) فوائد الشرائع : في الخلل ص ٥٢ س ١٣ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٦٥٨٤).

(٧) الرسالة الجفرية (رسائل المحقّق الكركي : ج ١) في المنافيات ص ١١٥.

(٨) المطالب المظفّرية : في المنافيات ص ١١٦ س ٥ ٩ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

(٩) حاشية الإرشاد : في الخلل ص ٣٧ س ٢٤ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٧٩).

(١٠) روض الجنان : في الخلل ص ٣٣٥ س ٢٤ فما بعد.

(١١) المقاصد العلية : في المنافيات ص ٣٠٠ ٣٠١.

(١٢) غاية المرام : في الخلل ص ٢٨ س ٢٠.

(١٣) الاثنا عشرية : في المنافيات ص ١٠ س ٦ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٥١١٢).

(١٤) مدارك الأحكام : في الخلل الواقع في الصلاة ج ٤ ص ٢٢٥.

(١٥) كفاية الأحكام : في الخلل ص ٢٥ س ٨ ٩.

(١٦) مفاتيح الشرائع : في السهو مفتاح ١٩٨ ج ١ ص ١٧٥.

(١٧) الألفية : في المنافيات ص ٦٦.

(١٨) التنقيح الرائع : في الخلل ج ١ ص ٢٥٨.

(١٩) مجمع الفائدة والبرهان : في مبطلات الصلاة ج ٣ ص ٩٢.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الإعادة ، والتقدير أنّه تكلّم ظانّاً تمام صلاته فهو بمنزلة النسيان (١).

وفي «المختلف (٢) والروض (٣)» إن خرج عن كونه مصلّياً أعاد. وقال المحقّق الثاني في «حاشيتي النافع والإرشاد (٤)» : إذا طال الزمان أعاد. وفي «التذكرة» لو فعل المبطل عمداً على وجه السهو وتطاول الفصل ظاهر كلام علمائنا عدم البطلان. ثمّ إنّه نقل عن الشافعي ومالك وأحمد استئناف الصلاة إن طال الفصل لأنّها صلاة واحدة فلم يجز بناءً بعضها على بعض كما لو انتقض الوضوء. وقال : ولا بأس عندي بهذا القول لخروجه عن كونه مصلّياً (٥). ونحو منها «نهاية الإحكام (٦)» في الاحتمال والدليل. ولعلّه يعني لخروجه عن كونه مصلّياً كما صلّى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كذا قال في «كشف اللثام (٧)». وقال : وإنّما صحّت إذا لم يطل الفصل للإجماع والنصوص واليسر وانتفاء الحرج ، وقد يتأيّد بأخبار الإعادة إذا فارق مكانه كخبر الحسن بن أبي العلاء (٨).

وقال في «الرياض» : إطلاق الأصحاب وجملة من النصوص الصحيحة وغيرها يقتضي عدم الفرق بين ما إذا طال الزمان أو الكلام كثيراً بحيث يخرج عن كونه مصلّياً أوّلاً والفرق بطول الفصل وعدمه فيعيد في الأوّل ويبني في الثاني لم يتّضح ما وجّهوه به سوى الجمع بين النصوص وما دلّ على البطلان بالفعل الكثير ، وفيه نظر ، لاختصاص ما دلّ على البطلان بصورة العمد كما مرَّ في بحثه مع نقل الإجماع على عدمه فيما نحن فيه ، ومع ذلك يردّه ظاهر الحسن أو صريحه :

__________________

(١) كشف الرموز : في الخلل ج ١ ص ٢٠١.

(٢) مختلف الشيعة : في السهو ج ٢ ص ٣٩٨.

(٣) روض الجنان : في الخلل ص ٣٣٥ س ٢٧.

(٤) حاشية الإرشاد : في السهو ص ٣٨ س ١ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٧٩).

(٥) تذكرة الفقهاء : في السهو ج ٣ ص ٣١٢.

(٦) نهاية الإحكام : في الخلل الواقع في الصلاة ج ١ ص ٥٣٠.

(٧) كشف اللثام : في السهو ج ٤ ص ٤٢٤.

(٨) وسائل الشيعة : ب ٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ١ ج ٥ ص ٣١٥.

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

«قلت : أجي‌ء إلى الإمام وقد سبقني بركعة في الفجر ، فلمّا سلّم وقع في قلبي أنّي أتممتُ فلم أزل أذكر الله تعالى حتّى طلعت الشمس فنهضت فذكرت أنّ الامام قد سبقني بركعة ، قال عليه‌السلام : فإن كنت في مقامك فأتمّ بركعة وإن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة». فتدبّر ، نعم الأحوط الإعادة كما ذكره الفارق ، بل مطلقاً كما عليه الشيخ في النهاية ومَن تبعه لكنّ بعد إتمام الصلاة كما ذكرنا وتدارك ما يلزم السهو من سجدتيه ، انتهى (١) كلامه مع تغيير ما في عبارته. وفي «الدرّة السنية» أيضاً أنّ مختار النهاية أحوط. وتمام الكلام عند تعرّض المصنّف لذلك وهذا شي‌ء جاء بالعارض.

وليعلم أنّ الظاهر أنّه لا فرق في الخلل الواقع في الصلاة بين الواجبة والمندوبة إلّا في الشكّ فإنّه يتخيّر في البناء على الأقلّ والأكثر ، سواء كان في الثنائية أو غيرها ، كذا قال المحقّق الثاني في «فوائد الشرائع» وقال : لا يجب سجود السهو في النافلة على الظاهر ، لأنّ النافلة لا تجب بالشروع فكيف يجب جبرانها؟ قال : ولا يحضرني في هذا كلام للأصحاب (٢). قلت : تقدّم لنا في السهو في صلاة العيد (٣) ما يُفهم منه فتوى الأصحاب وليلحظ ما ذكرناه في قطع (الصلاة ظ). وفي «الدروس (٤)» تبطل النافلة كما تبطل الفريضة وتفارقها في السورة والشكّ في العدد والزيادة سهواً. وزاد في «الموجز الحاوي (٥)» فيما لا يبطلها ترك الرفع من الركوع وترك طمأنينية الرفع منه ، وقد تقدّم لنا بيان ذلك. وفي «الموجز الحاوي» لو زاد سهواً في النافلة اغتفر بلا جبر وإن كان ركناً لا أن فعل تركاً واجباً أو ترك فعلاً من مشخّصات الواجب وإن لم يكن ركناً كتسبيح الركوع (٦) ، انتهى. قلت : مراده أنّه

__________________

(١) رياض المسائل : في الخلل السهوي ج ٤ ص ٢١٠ ٢١١.

(٢) فوائد الشرائع : في الخلل ص ٥٢ س ١٧ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٦٥٨٤).

(٣) تقدّم في ص ٧١٥ ٧٢١.

(٤) الدروس الشرعية : في الركوع ج ١ ص ١٧٩.

(٥) الموجز الحاوي : في الركوع ص ٨٠.

(٦) المصدر السابق : في ما لا سبب له ولا وقت ص ١٠٤.

٢٧٧

ولو كان ركناً بطلت بتركه عمداً وسهواً وكذا بزيادته إلّا زيادة القيام سهواً.

والجاهل عامد ،

______________________________________________________

ترك ذلك عمداً. وفي «المقنع» لا سهو في النافلة (١) ، انتهى.

وهذا حديث إجمالي وسيأتي في محلّه استيفاء الكلام ونقل الأقوال بما لا مزيد عليه عند قوله : والشاكّ في عدد النافلة يتخيّر.

قوله قدّس الله تعالى روحه : (ولو كان ركناً بطلت بتركه عمداً وسهواً وكذا بزيادته إلّا زيادة القيام سهواً) أي إذا لم يقترن بزيادة ركن. وقد تقدّم الكلام (٢) في ذلك كلّه ويأتي عند قوله : أو زاد ركوعاً ما له نفع تامّ في المقام.

[في الجاهل]

قوله قدّس الله تعالى روحه : (والجاهل عامد) لا يعذر إجماعاً كما في «الدرّة». وفي «كشف اللثام (٣)» هو عامد حقيقةً وحكماً للعموم وخصوص قول الصادق عليه‌السلام فيما رواه الشيخ صحيحاً عن مسعدة بن زيادة في قوله تعالى : فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي أكنت عالماً؟ فإن قال نعم قال له : أفلا عملت بما علمت. وإن قال كنت جاهلاً قال : أفلا تعلّمت حتّى تعمل؟ فيخصمه ، فتلك الحجّة البالغة (٥). وفي «شرح الألفية» للكركي جاهل الحكم عامد عند عامّة الأصحاب في جميع المنافيات من فعلٍ أو ترك (٦).

__________________

(١) المقنع : في السهو ص ١١٠.

(٢) تقدّم في ج ٦ ص ٥٤٦ ٥٥٢.

(٣) كشف اللثام : في السهو ج ٤ ص ٤١٦.

(٤) الأنعام : ١٤٩.

(٥) أمالي الطوسي : المجلس الأوّل ح ١٠ ص ٩ الطبعة الجديدة.

(٦) شرح الألفية (رسائل المحقّق الكركي : ج ٣) في المنافيات ص ٣٠٣.

٢٧٨

إلّا في الجهر والإخفات و (٢) غصبيّة الماء والثوب والمكان ونجاستهما ونجاسة البدن ،

______________________________________________________

قوله قدّس الله تعالى روحه : (إلّا في الجهر والإخفات) استثناهما الأصحاب كما في «الذكرى (١) وشرح الألفيّة (٢)» للكركي. ويعذر الجاهل فيهما إجماعاً كما في «الدرّة والرياض (٣)» وإن كان العلم قبل الركوع كما في «المسالك (٤)» وقد تقدّم الكلام في ذلك (٥) مستوفىً.

وكذا لو أتمّ في موضع وجوب التقصير كما نصّ عليه الجمّ الغفير (٦). وفي «شرح الألفية» للكركي نسبته إلى الأصحاب ، وقال : إنّ ناسي الحكم كجاهله في المؤاخذة ، وأمّا في الرخصة فظاهر النصّ ثبوتها في الجهر والإخفات دون حكم السفر (٧).

قوله قدّس الله تعالى روحه : (و) في (غصبية الماء والثوب والمكان ونجاستهما ونجاسة البدن) كما نصّ على ذلك جمهور الأصحاب (٨) ، لأنّ الشرط إنّما هو الجهل بالغصبية والنجاسة لا العلم بالعدم ، لأصل

__________________

(١) ذكرى الشيعة : في الخلل ج ٤ ص ٣١.

(٢) شرح الألفية (رسائل المحقّق الكركي : ج ٣) في المنافيات ص ٣٠٣.

(٣) رياض المسائل : في الخلل الواقع في الصلاة ج ٤ ص ٢٠٣.

(٤) مسالك الأفهام : في الخلل ج ١ ص ٢٨٤.

(٥) تقدّم في ج ٢ ص ٣٨٤.

(٦) منهم العلّامة في نهاية الإحكام : في السفر ج ٢ ص ١٨٤ ، والشيخ في النهاية : في صلاة السفر ص ١٢٣ ، والشهيد الأول في ذكرى الشيعة : في صلاة السفر ج ٤ ، ص ٣٢٥. والمحقّق الأول في الشرائع : ج ١ ص ١٣٥.

(٧) شرح الألفية (رسائل المحقّق الكركي : ج ٣) في المنافيات ص ٣٠٣.

(٨) منهم ابن إدريس في السرائر : في السهو .. ج ١ ص ٢٤٧ ، والعلّامة في نهاية الإحكام : في الخلل الواقع في الصلاة ج ١ ص ٥٢٧ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد : في السهو ج ٢ ص ٤٨٨.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

العدم وانتفاء الحرج فى الدين ، بل لزوم تكليف ما لا يطاق كما في «كشف اللثام (١)». وفي «السرائر» مَن لم يتقّدم له العلم بالغصب بالمكان فلا إعادة عليه ، سواء علم قبل خروج الوقت أو بعد خروجه بلا خلاف ، وكذا الثوب المغصوب حرفاً فحرفاً (٢). وفي «الغنية» ولو لم يتقّدم له علم بالنجاسة والغصب فصلّى ثمّ علم بذلك والوقت باقٍ لزمته الإعادة ولم يلزمه بعد خروجه. وهذا حكم من سها فصلّى إلى يمين القبلة بدليل الإجماع (٣). وقد قال جماعة (٤) : جاهل نجاسة الثوب والبدن معذور بالنسبة إلى القضاء ، أمّا بالنسبة إلى الإعادة فلا. وقد تقدّم الكلام (٥) في جاهل النجاسة كما تقدّم (٦) في جاهل الغصب في بحث مكان المصلّي. وقال جماعة (٧) : لو علم الغصبيّة والنجاسة وجهل الحكم لم يعذر. وقال جماعة (٨) : ليس الجاهل بنجاسة ماء الطهارة كالجاهل بنجاسة الثوب والبدن والمكان. وفي «الدرّة وإرشاد الجعفرية (٩)» الإجماع على ذلك.

وتحقيق المقام أنّ جاهل الحكم وهو الجاهل بما اقتضاه الخطاب من وجوبٍ وحرمة ، حكمه وجوب الإعادة فيما عدا الوصفين السابقين ، لأنّه عامد. وأمّا

__________________

(١) كشف اللثام : في السهو ج ٤ ص ٤١٧.

(٢) السرائر : في السهو .. ج ١ ص ٢٤٧.

(٣) غنية النزوع : فيما يقطع الصلاة ص ١١١.

(٤) منهم الشيخ في المبسوط : في أحكام النجاسات ج ١ ص ٣٨ ، وابن زهرة في غنية النزوع : في الصلاة ص ٦٦ ، والعلّامة في القواعد : في النجاسات ج ١ ص ١٩٥.

(٥) تقدّم في ج ١ ص ٥٢٠ ٥٣٢.

(٦) تقدّم في ج ٦ ص ١٣٧.

(٧) منهم المحقّق الأوّل في شرائع الإسلام : في المكان ج ١ ص ٧١ ، والعلّامة في نهاية الإحكام : في المكان ج ١ ص ٣٤١ ، والعاملي في مدارك الأحكام : في المكان ج ٣ ص ٢١٩.

(٨) منهم الشهيد الأوّل في البيان : في الخلل ص ١٤٥ ، والمحقّق الكركي في شرح الألفيّة (رسائل المحقّق الكركي : ج ٣) في المنافيات ص ٢٩١ ٢٩٢.

(٩) الأسترآبادي في المطالب المظفّرية : في المنافيات ص ١١٤ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٧٧٦).

٢٨٠