مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الله عليه وآله من طريق العامّة انه قال : قال كل قرض يجرّ منفعة فهو حرام (١).

فدليل الحكم ، الإجماع ، والكتاب ، والسنّة (٢) في الجملة ، ولا يضرّ عدم صحّة سندها.

وهذا مؤيّد للأكثرين القائلين بدخول الربا في غير البيع ، وانه يعمّ جميع المعاوضات.

فقول المصنف بالاختصاص بالبيع والقرض محلّ التأمّل ، إذ إخراج القرض عن غير البيع واختصاصه بالتحريم بعيد ، ولا يمكن فهمه من الآية ،

الا ان يقول : بكونه ربا أو ان دليله غير الآية ، ولهذا يحرم القرض مع الزيادة وان لم يكن ربويا (٣) وانه لم يصح اشتراط الصحيح والجيّد عوض المكسّر والردي بخلاف الربا.

فهذا الفرق سبب ترك المصنف ، القرض في باب الربا وتخصيصه بالبيع.

ولا ينبغي إدخاله في تعريفه عنده والفرق بجواز الأجل فيه مع كونه ربويّا بخلاف القرض فتأمّل.

فمع اشتراط الزيادة ، تصير الزيادة والإقراض والاقتراض حراما.

وكذا التصرف في المقرض (القرض خ) مع العلم فيكون مضمونا كالمغصوب.

وأما مع عدم التصرف وعدم التقصير (٤) ، فان كان عالما بالتحريم ، والمقرض جاهلا وما رده اليه ، ولا أعلمه ، ولا خلّي بينه وبينه فيمكن ان يكون كذلك.

__________________

(١) راجع سنن البيهقي : ج ٥ ص ٣٥٠ ، وكنز العمال : ج ٦ ص ٢٣٨ الرقم ١٥٥١٦ وغيرهما من المصادر.

(٢) يريد بها النبوي المشار إليه.

(٣) يعني وان لم يكن مكيلا أو موزونا.

(٤) يعني وعدم التفريط في حفظه كما سيجي‌ء التصريح به من الشارح قده.

٦١

حتى (لو خ) شرط الصحيح عوض المكسّر ولم يفد الملك.

______________________________________________________

واما مع الاعلام ورفع اليد ، والتخلية ، وإظهار ما يدل على البدل ، بان وضعه عنده ، فالظاهر انه ليس بضامن ، وكذا مجرد الاعلام ، والقول ، (خذه).

وكذا مع علم المقرض أيضا مطلقا سواء أظهر أم لا.

وأما إذا كان المقترض جاهلا مع كونه عالما فالظاهر أيضا عدم الضمان ، ويمكن مع جهله أيضا.

ولا شك في الضمان مع التصرف والإفراط والتفريط وهو ظاهر.

وأشار بقوله : (ولم يفد الملك) إلى أنه إذا كان القرض حراما لم يصر ملكا للمقرض ، بل يبقى على ملك صاحبه ، وسكت عن الضمان وعدمه.

ويحتمل التفصيل الذي ذكرناه.

ويحتمل الضمان مثل القبض بالبيع الفاسد ، لما تقرر عندهم كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

ونقل عن ابن حمزة هنا انه امانة (١) وضعّفه.

ويمكن حمله على ما قلناه من صورة جهل المقترض ونحوه.

ففي ضعفه تأمّل للأصل وعدم التفريط ، وشمول دليل عذر الجهل ، وعدم ثبوت ما تقرر عندهم بالدليل وليس بإجماع لوجود الخلاف في الجملة فتأمّل.

وأمّا اشتراط الزيادة وصفا مثل ان يشترط الصحيح عوضا عن المكسور ، فنقل عن الشيخ وجماعة جوازه ، وكأنه مثل اشتراط الجيّد عوض الرديّ للأصل.

وعدم ظهور دخوله تحت الربا ، وعدم دليل آخر من إجماع ونحوه.

وخبر العامّة (٢) ليس بصحيح ، ومعارض بما في حسنة محمد بن مسلم قال :

__________________

(١) قال في الوسيلة : ص ٢٧٣.

(٢) يعني ما تقدم نقله بقوله ره : روي عنه صلّى الله عليه وآله من طريق العامّة انه قال : كل قرض يجر منفعة فهو حرام.

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضا ويعطيه الرهن إما خادما ، وإمّا آنية ، وإمّا ثيابا فيحتاج إلى شي‌ء من منفعته فيستأذنه (فيه كا) فيأذن له؟ قال : إذا طابت نفسه فلا بأس ، قلت : ان من عندنا يروون أن كلّ قرض يجرّ منفعة فهو فاسد ، قال : أو ليس خير القرض ما جرّ منفعة (١).

بل هذه ترد رواية العامّة ، وفي قوله عليه السلام : (إذا طابت نفسه فلا بأس) بعد قول السائل : (فيأذن له) إشارة الى ان مجرد الاذن ظاهرا مع عدم طيب النفس لا يكفي ، فإنه قد يستحيي أو يخاف من طلب القرض ، فافهم.

ورواية محمد بن عبدة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القرض يجرّ المنفعة؟ فقال : خير القرض ، الذي يجرّ المنفعة.

ورواية أبي الربيع ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل أقرض رجلا دراهم فردّ عليه أجود منها بطيبة نفسه وقد علم المستقرض والقارض انه انما أقرضه ليعطيه أجود منها؟ قال : لا بأس إذا طابت نفس المستقرض (٢).

وهذه أدلّ ، وفيها المبالغة المتقدمة فافهم.

وقد استدل في شرح الشرائع له ، بصحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل يقرض الرجل ، الدراهم الغلّة فيأخذ منه (منها خ) الدراهم الطازجيّة طيّبة بها نفسه؟ قال : لا بأس به ، وذكر ذلك عن علي عليه السلام.

قال في التذكرة : الطازجيّة بالطاء غير المعجمة والراء المعجمة والجيم هي الدراهم الجيّدة (٣).

__________________

(١) أورده والذي بعده في الوسائل باب ١٩ حديث ٤ ـ ٥ من أبواب الدين والقرض.

(٢) أورده والذي بعده في الوسائل باب ١٢ حديث ٤ ـ ٥ من أبواب الصرف من كتاب التجارة.

(٣) إلى هنا عبارة التذكرة.

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كان (١) الغلّة يقابلها أو المكسورة لما قوبل الطازجيّة بها في حسنة الحلبي (٢) ثم قال : (٣) ولا يخفى بعدها عن الدلالة (على المدعى خ).

ولا يخفى ان فيما ذكرناه دلالة.

وفيها أيضا دلالة في الجملة من جهة العموم وعدم التفصيل ، ومثلها كثير.

مثل صحيحة يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد الله (جعفر ـ قيه) عليه السلام عن الرجل يكون لي عليه جلّة من بسر فيأخذ (فآخذ ئل) منه جلّة من رطب مكانها وهي أقل منها؟ قال : لا بأس ، قلت : فيكون لي جلّة من بسر فيأخذ (فآخذ ئل) (مكانها ئل) جلّة من تمر وهي أكثر منها؟ قال : لا بأس إذا كان معروفا بينكما (٤).

يحتمل ان يكون قوله عليه السلام : (إذا كان إلخ) إشارة إلى رد ما نقل التذكرة عن بعض العامّة : انه إذا كان الزيادة معروفا بينهما لا يجوز أخذها ، لأن كونها معروفا بمنزلة الشرط ، فإن العادة نازلة منزلة القول به والشرط أو أنه إذا كان معلوما يعطون ذلك مع العلم والمعرفة.

نعم يمكن حملها على ما إذا لم يشترط جمعا بين الأدلة ، فان في كثير من الروايات إشارة الى عدم الجواز مع الشرط.

مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا أقرضت ثم

__________________

(١) هذا من كلام الشارح قده.

(٢) لم نعثر على حسنة الحلبي المشتملة على لفظ الطازجيّة نعم هذه اللفظة في صحيحة يعقوب بن شعيب كما سمعت وحسنة الحلبي هكذا : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا أقرضت الدراهم ثم جاءك بخير منها فلا بأس ان لم يكن بينكما شرط ـ التهذيب باب القرض وأحكامه حديث ٢ وأورده في الوسائل باب ١٢ حديث ٣ من أبواب الصرف وباب ٢٠ حديث ١ من أبواب الدين والقرض.

(٣) يعني صاحب شرح الشرائع في المسالك ج ١ ص ٢١٩.

(٤) الوسائل باب ٩ حديث ٧ من أبواب السلف.

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

جاءك (أتاك كائل) بخير منها فلا بأس ان (إذا كا) لم يكن بينكما شرط (١).

وحسنته أيضا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عددا ، ثم يعطي (يقضي خ ل ئل) سودا (وزنا يب) وقد عرف انها أقل ممّا أخذ وتطيب نفسه ان يجعل له فضلها؟ فقال : لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط ، ولو وهبها له كلها كان أصلح (٢).

وفيها دلالة على ان الزيادة هبة مستأنفة يجري فيها أحكامها ، ولا يحتاج إلى صيغة على حدة ، بل يكفي الإعطاء بطيب النفس لا عوضا فيجري فيه أحكام المعوّضات كما هو مقتضى الأصل والقواعد.

وقد تردد فيه في شرح الشرائع ، ثم رجّح ما رجحنا ، وقال : ولم أقف فيه على شي‌ء.

ولعلّه أوجه خصوصا مع الشك في انتقال الملك عن مالكه على وجه اللزوم فتأمّل فيه.

وتدل عليه أيضا رواية محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط الّا مثلها ، فإن جوزي أجود منها فليقبل ، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابّة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقه (٣).

كأنّها صحيحة ، ولا يضرّه اشتراك محمد بن قيس ، لان الظاهر انه البجلي الثقة لانه روى عنه يوسف بن عقيل (٤) ، وقال النجاشي انه وعاصم بن حميد

__________________

(١) أورده والذي بعده في الوسائل باب ١٢ حديث ٣ ـ ٢ من أبواب الصرف.

(٢) كلها صلح ـ كان.

(٣) الوسائل باب ١٩ حديث ١١ من أبواب الدين والقرض.

(٤) وسندها كما في باب القرض حديث ١١ من التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن يوسف بن عقيل ، عن محمد بن قيس.

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يرويان عنه.

وقد ذكرنا وأثبتنا مرارا ان الذي روى عنه عاصم ، هو البجلي الثقة.

وأيضا قال النجاشي والمصنف في الخلاصة وغيره : ان البجلي له كتاب ، ونقلا عن القميّين أن ليوسف بن عقيل كتابا ، وقالا : الظاهر أنّ الكتاب لمحمد بن قيس ، فإنه تلميذه وينقل عنه ، وما ذكر أحد أن لمحمد بن قيس ـ الضعيف أبي أحمد الذي يروي أيضا ، عن أبي جعفر عليه السلام ـ كتابا ، وكذا للممدوح مع عدم ثبوت ، نقله عن الإمام عليه السلام.

وهذه صحيحة صريحة في المنع والتحريم عن الزيادة الوصفيّة ، وعدم جواز أخذ عارية للقرض ، وقد تقدم الجواز في الانتفاع بالرهن في حسنة محمد بن مسلم (١) ، فيحمل على الشرط وعدمه كما هو الظاهر من الأدلّة.

فلو لا الحمل ، بل ولو لا هذه الرواية لكان قول الشيخ والجماعة قويا بما تقدم مع عدم نصّ صحيح في المنع في الوصف ، لأنّ الأخبار المتقدّمة إنما دلّت بالمفهوم على البأس مع الشرط ، وهو أعم من الكراهة والتحريم فكان الحمل على الكراهة أولى فتأمّل.

ثم إن ظاهر الاخبار المتقدمة وجوب أخذ الأجود ، ذكره في التذكرة وليس ببعيد ، وعدم الأخذ بعيد ، وتكليف المقترض بغير الأجود منفيّ بالأصل ، وبأنه فضل ماله وزيادة بلا مانع ، فيجب القبول ، ولدخوله تحت مثل المال ، ولما تقدّم من الوجوب في السلف.

نعم يمكن المنع في الزيادة العينيّة ، وهنا أيضا لا ينبغي مع عدم المنّة (٢) ،

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١٩ حديث ٤ من أبواب الدين والقرض.

(٢) لا ينبغي امتناع المقرض من أخذ الزيادة العينيّة إذا لم يكن هناك منّة من المقرض على المقترض ، بل يكون للقابل منّة على المعطي منّة من حيث صيرورته سببا لتحقق الإعانة على البرّ.

٦٦

ولو تبرّع المقترض بالزيادة جاز.

______________________________________________________

بل قد يكون المنّة له لو قبل خصوصا إذا تعسّر تعيّن الحق بغير زيادة لفقد الكيل أو الوزن ولم يقبل أن يأخذ ما يحتمل حقّه ، ويبرء عن الزيادة لو كانت.

ويدلّ على استحسان القبول حسن القضاء والاقتضاء (١) ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو تبرّع المقترض بالزيادة جاز» قد عرفت جوازها له ويمكن فهم استحبابها.

ويدلّ عليه ما روي عن العامّة : ان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم اقترض قرضا من رجل بكرا ، فقدمت عليه إبل الصدقة ، فأمر أبا رافع ان يقضي الرجل بكره ، فرجع أبو رافع فقال : لم أجد فيها الّا جملا خيارا رباعيّا ، فقال : أعطه إيّاه ، ان خير الناس أحسنهم قضاء (٢).

وقد دلّ عليه أيضا ما تقدّم ، من استحباب حسن القضاء والاقتضاء.

وجميع ما يدلّ على حسن الإحسان (٣) ، دليله ، بل دليل استحباب حسن

__________________

(١) الوسائل باب ٤٢ من أبواب آداب التجارة وباب ١٦ من أبواب الدين والقرض وفيه ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ان الله تبارك وتعالى يحبّ العبد يكون سهل البيع ، سهل الشراء ، سهل القضاء ، سهل الاقتضاء.

(٢) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٢٢٤ باب من استسلف شيئا من كتاب المساقاة رقم ١٦٠٠ ومتن الحديث هكذا : عن أبي رافع : ان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ، استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع ان يقضي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال : لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا فقال : أعطه إياه ان خيار الناس أحسنهم قضاء (انتهى) وفي تعليقة للعلامة النووي أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف الدمشقي الشافعي المتوفى حدود سنة ٦٧٧ (كما في الكنى ج ٣ ـ ٢٢٥) : على صحيح مسلم عند نقل الحديث هكذا : البكر ، الفتى من الإبل كالغلام من الآدميين ، خيارا رباعيّا يقال : جمل خيار ، ناقة خيارة ، أي مختارة ، والرباعي من الإبل ما اتى عليه ست سنين ودخل في السابعة حين طلعت رباعية ، والرباعية بوزن الثمانية ، السن التي بين الثنية والناب (انتهى).

(٣) لا حاجة الى ذكر موضع ما ذكره الشارح قدس سرّه بعد كون أصل الحكم عقليا مؤيدا بالنقل ، فراجع أبواب فعل المعروف من كتاب الأمر بالمعروف من الوسائل ج ١١ ص ٥٢١.

٦٧

وكل مضبوط بما يرفع الجهالة من الأوصاف يصحّ إقراضه.

______________________________________________________

القبول أيضا ، (١) ، وقد يجب القبول كما مرّ فتأمّل.

قوله : «وكل مضبوط إلخ» إشارة إلى تعيين ما يجوز إقراضه واقتراضه.

قال في التذكرة : يجوز اقتراض المثلي إجماعا.

قيل : المراد به ما يتساوي اجزائه في القيمة والمنفعة وان تفاوت بعض أوصافه.

والظاهر ان المراد ، غالبا وفي أكثر الافراد ، وفي كل صنف بالنسبة إلى مثله لا مطلقا ودائما والا فالحنطة مثلا قد تتفاوت افرادها وأصنافها ، فإن قيمة سنّ الجمل (الحمل خ) ليس كقيمة غيره وهو ظاهر ، والغلبة أيضا غير منضبطة ، وبالجملة تحقيقه لا يخلو عن إشكال فتأمّل.

وسيجي‌ء في باب الغصب له مزيد تحقيق فانتظر.

والقميّ ان كان ممّا يمكن ضبط وصفه ـ وهو الذي يجوز بيعه سلفا ـ فالظاهر جوازهما (٢) فيه أيضا من غير خلاف كما يظهر من التذكرة (٣).

وان لم يمكن ضبطه ولا يجوز بيعه سلفا فظاهر المتن عدم جوازهما فيه حيث ذكر الضبط وقيّد الصحّة (فيه خ) به بالأوصاف بحيث يرفع الجهالة ، وهو الذي يجوز بيعه سلفا.

وظاهر أدلّة الإقراض والاقتراض يشمل الجميع من غير مانع ظاهر الّا

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٨٨ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٢١٢ وسنن أبي داود ج ٣ ص ٢٩٠ طبع مصر باب في قبول الهدايا ، وغيرهما.

(٢) الظاهر من إرجاع الضمير إلى الإقراض والاقتراض.

(٣) عبارة التذكرة هكذا : الأموال إما من ذوات الأمثال أو من ذوات القيم فالأوّل يجوز إقراضه إجماعا قال بعد العبارة المذكورة : واما الثاني فإن كان مما يجوز السلم فيه جاز إقراضه أيضا وان لم يكن ممّا يجوز السلم فيه فقولان تقدما (انتهى) فيظهر منه ان ما يجوز السلم فيه جاز إقراضه قولا واحدا.

٦٨

فان كان مثليّا يثبت (ثبت خ) في الذمّة مثله ، والّا القيمة وقت التسليم.

______________________________________________________

عدم دفع المثل لا حقيقة ، ولا صورة ، وليس بمانع ، لجواز دفع القيمة كما في سائر المعاوضات فتأمّل.

قوله : «فان كان مثليّا إلخ» إشارة الى ما يجب على المقترض من العوض ولا شك انه يثبت المثل في ذمّته في المثلي ، فيجب دفعه مع الوجود عرفا ، فيجب القبول على المقرض.

والظاهر أنه يجب القبول لو اعطى عين ماله بالطريق الأولى ، والا فالقيمة.

والظاهر قيمته (قيمة خ) وقت الطلب والتسليم ، فان طلب ولم يسلّم ثم حصل المثل فالظاهر أنه الواجب ، وهو يدل على انه لا يتعيّن القيمة عند الدفع ، ولا عند التعذر ، ولا عند الطلب فكأنّه ليس مراد من قيّد بالطلب.

ودليله ما أشير اليه وهو انه ما لم يطلب ولم يسلّم لم يتعيّن القيمة ـ فالى حين الطلب والتسليم ـ ليس الواجب الّا المثل وحينئذ ينتقل إليها وهو الظاهر.

وان لم يكن مثليّا ، فظاهر المصنف هنا وجماعة انه يلزم قيمة وقت تسليم القرض مطلقا.

لعلّ دليله ان القيمي إنما خرج عن ملك المالك بالعوض ، وليس له العوض إلّا القيمة لعدم المماثلة كما في سائر المعاوضات ، ولما خرج عن ملكه وقت التسليم والقبض وضمنه القابض فليس عليه الا قيمة وقت القبض والتسليم.

وقال بعض ـ كالمصنف في التذكرة ـ : انه ان كان ممّا يجوز فيه السلم فالأقرب أنه يضمنه بمثله من حيث الصورة ، والّا فالقيمة وقت القبض لأنه وقت تملّك القرض.

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

دليل الأوّل (١) صدق الاسم في الجملة ، وما روي في الأخبار أن النبيّ صلّى الله عليه وآله استقرض بكرا وردّ بازلا (٢) ، والبكر الفتى من الإبل ، والبازل الذي تمّ له ثمان سنين.

وقد مرّ أيضا انه صلّى الله عليه وآله أمر بردّ رباعيّ عوضا عن البكر (٣) ، وغيرهما من اخبار العامّة.

وظاهر ذلك انه من غير تراض ، بل يدل على وجوب قبوله ظاهرا.

وقد يمنع ذلك ، مع عدم وضوح السند والمثليّة أيضا ، ولكن ذلك مؤيّد بأن المتبادر من شرع القرض ، الرفاهيّة بالنسبة إلى المقترض ، فالتسامح فيه مرغوب ، وانه متعارف كونه بالمثل حتى فيما لا مثل له في الأكثر بين الناس مثل الخبز والحيوان.

قال في التذكرة : يجوز إقراض الخبز عند علمائنا ، وكذا قال في الحيوان وقال في الخبز : يجوز مثله عددا ووزنا.

وقد تقدّم من الفقيه في رواية السكوني ، عن أمير المؤمنين عليه السلام لا بأس باستقراض الخبز (٤).

وقال في التذكرة : إطباق الناس عليه ، ولأنّ الصباح بن سيابة سأل الصادق عليه السلام : انا نستقرض الخبز من الجيران فنردّ أصغر منه أو أكبر؟ فقال : نحن نستقرض الجوز ، الستين والسبعين عددا فيكون فيها الصغيرة والكبيرة ،

__________________

(١) وهو قوله قده : ان كان ممّا يجوز إلخ.

(٢) راجع سنن أبي داود ج ٣ باب في حسن القضاء ص ٢٤٧.

(٣) تقدم آنفا تعيين موضع نقله.

(٤) الوسائل باب ٢١ حديث ٣ من أبواب الدين والقرض والراوي غياث ولم نعثر على رواية السكوني بهذا المضمون ولم يتقدم منه قده مثل هذه الرواية من الفقيه ولم نعثر عليها في الفقيه أيضا فتتبّع.

٧٠

ولا يجب دفع العين وان كانت موجودة.

______________________________________________________

فلا بأس (١).

ولعلّ الوجه أنه مع التراضي لا يضرّ الزيادة والنقصان (أو) انهما في الخبز هيّن ويتسامح به (أو) انه لقلّة ذلك التفاوت وعدم اعتباره لا ينظر الى مثله في الشرع خصوصا في أمر يكون للمسامحة.

فلا يحتاج جواز بيع الخبز عددا الى عدم العلم بالتفاوت كما قاله في الدروس ، لوجود التفاوت غالبا وللرواية.

لعلّ مراده التفاوت الفاحش الخارج عن العادة والغالب ، بان يكون أحدهما منّا مثلا والآخر نصفه فتأمّل.

ويفهم عرفا ، أنه إذا أعطى عين ماله في جميع الصور ، يجب القبول ولا يطلب غيره الا مع التغيّر المنقّص للقيمة ، ولهذا قال في الشرائع : ولو قيل يثبت مثله أيضا كان حسنا ، مثل القيمي مطلقا.

ولكن قال الشارح : لا قائل به منّا (٢) ، ولأن الأصل عدم لزوم شي‌ء آخر غير عين المال ، ومثله عرفا ، وخرج ما لا مثل له صورة وعرفا ، ولعدم القائل بقي الباقي فكأنه لذلك رجح المصنف في التذكرة ذلك فيما يمكن ضبطه ، وله مثل والقيمة في غيره.

قوله : «ولا يجب دفع العين إلخ» دليل عدم وجوب دفع العين أن العين صارت ملكا للمقترض ، فله الاختيار في جهة القضاء.

__________________

(١) الوسائل باب ٢١ حديث ١ من أبواب الدين والقرض وصدرها هكذا عن الصباح بن سيابة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ان عبد الله بن أبي يعفور أمرني أن أسألك قال : انا نستقرض إلخ.

(٢) قال في المسالك : ما هذا لفظه : الكلام هنا في موضعين (أحدهما) ان الواجب في عوض القيمي وهو ما يختلف اجزائه في القيمة والمنفعة كالحيوان ـ ما هو؟ أقوال (أحده) وهو المشهور ـ قيمته مطلقا (الى ان قال) : (ثانيها) ما مال إليه (يعني المصنف) هنا ولعله افتى به الا انه لا قائل به من أصحابنا إلخ.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

وكأنه أشار الى دليله بقوله : (ويملكه) ، فلو أخّره متفرعا عن (١) قوله : (ويملكه المقترض بالقبض) لكان أولى كما فعل في القواعد حيث قال بعده : (فليس للمقرض ارتجاعه ، بل للمقترض دفع المثل مع وجود الأصل) (٢).

والظاهر عدم الخلاف في جواز إعطاء العين في المثلي ، ووجوب قبولها والظاهر ذلك في القيمي أيضا مطلقا وان كان لا يخلو عن اشكال ، ونقل عليه الإجماع في الدروس ، عن الشيخ ، مع وجود الخلاف ينشأ من ان العين صارت ملكا ووجب المثل أو القيمة في القيمي مطلقا ، وفي القيمي الذي لا مثل له صورة مما لا يمكن ضبط وصفه وبيعه سلما أم لا.

فان كان الأوّل (٣) لا ينبغي إيجاب أخذ العين كما في سائر المعاوضات ، وان كان الثاني ينبغي تجويز الارتجاع وعدم إلزامه بأخذ القيمة والمثل.

قال في التذكرة : إذا ردّ المقترض العين في المثلي وجب القبول ، لأنه أقرب إلى الحق من المثل ، واما في غير المثلي فيحتمل ذلك لان الانتقال إلى القيمة لتعذّر العين وقد وجدت فلزم القبول ولم يجب على المقترض دفعها ، بل له دفع القيمة ، لأنه قد ملكه بالقبض وانتقل الى ذمته القيمة ، وعلى هذا يحتمل ان لا يجب على المالك قبول العين (٤).

فتأمّل ولعلّ العرف والتبادر من القرض والتسامح فيه من جانب المقرض دليل وجوب القبول خصوصا في المثلي فإنها من افراد المثليّ ، بل أولى ، وان كون

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها مخطوطة ومطبوعة ، ولعل الصواب لفظة (على) بدل (عن).

(٢) عبارة القواعد هكذا : ويملك المقترض القرض بالقبض ، فليس للمقرض إلخ) أيضا ح الفوائد في حل إشكالات القواعد ج ٢ ص ٥ طبع قم المطبعة العلمية).

(٣) يعني ان العين صارت ملكا إلخ.

(٤) إلى هنا عبارة التذكرة مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه غير مخلّ بالمعنى.

٧٢

ويملكه المقترض بالقبض.

______________________________________________________

الواجب هو القيمة ، محمول على تقدير عدم إعطاء العين كما في المثلي فإنه يجب المثل على تقدير عدم بذل العين فتأمّل.

وأما دليل التملك ، فهو أنه عقد مملّك صدر من أهله في محلّه من غير مانع مع قصد التملك فينبغي ان يترتب عليه أثره ـ كما في غيره من العقود ـ وهو التملك والانتقال من المالك الى الغير.

ولأنّ الظاهر ان غرض المقترض ذلك وقد شرع القرض لذلك ، فإذا صدق القرض ينبغي وجود ما شرع له والمسامحة أيضا تقتضي ذلك.

ولكن هذا كلّه يقتضي التملك بمحض صدق القرض ولا يكون موقوفا على القبض ، والقول به غير ظاهر وان كان له وجه.

وظاهر المتن وغيره من بعض العبارات أنه انما يحصل بعد القبض لا بمجرّد القرض وتحققه بالإيجاب والقبول.

ويمكن ان يكون المراد هنا ونحوه ـ بالملك بالقبض ـ إذا كان مجردا عن العقد التام بالإيجاب والقبول ، ولكن صرّح في الدروس والتذكرة بالقبض بعده أيضا.

ودليل التملك بالقبض ـ لا قبله ـ أنّ الأصل عدم الانتقال وصيرورته ملكا للمقترض وخرج بعد القبض وبقي ما دونه على أصله فتأمّل.

وقيل ، بحصوله بالتصرف لا بمجرّد القبض.

وبالقبض هو المشهور والمعقول ، إذ في حصوله بالتصرف تأمّل ، فان في حصول التملك بالتصرف إشكالا ، لأنه ينبغي ان يكون التصرف متعقبا عن الملك فإنه موقوف على الملك فلو عكس يكون دورا.

ولا يمكن الجواب بما قاله في شرح الشرائع : (وفيه نظر واضح ، لمنع التبعيّة للملك مطلقا وتوقفه عليه ، بل يكفي في جواز التصرف اذن المالك كما في غيره من المأذونات إلخ).

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لأنّ الإذن إنما حصل من المالك بأن يكون مالكا ويكون عليه العوض لا مطلقا كما في سائر المعاوضات فإنها على تقدير بطلانها لا يجوز التصرف بأنّ الإذن قد حصل.

ولانه يشكل جميع التصرفات (١) ، لأن الوطي مثلا لا يمكن الا بالملك أو التحليل ومعلوم عدم الثاني ، فإذا لم يكن الأوّل لم يجز ، وكذا البيع ونحوه ، فإنه لا يجوز لغير ماله إلّا بالوكالة أو فضولا ان جوّز ، ومعلوم انتفائهما.

ولا يجعل حصول الملك قبل التصرف بلحظة ، كما في العبد المأمور بعتقه للضرورة ، إذ لا ضرورة هنا.

مع ان فيه ما فيه أيضا ، لأنه ليس بواضح ولا موجب له ، ولهذا ترك المحقّق الثاني ذلك التأويل فيه (٢) أيضا ، وقال : نقول : ان هذا العبد ملك للمأمور ، بالدليل الشرعي وما نعرف وقته وموجبه ، ولا يضرّ ذلك.

ونقل في شرح الشرائع ، عن الدروس : ان القائل بأن الملك يحصل بالتصرف يقول : بأنه كاشف. ويؤيّده (٣) ما ذكره في التذكرة (٤) ، القول الأول عن الشافعي ، والقول الآخر له : انه يملك بالتصرف على معنى انه إذا تصرف تبيّن لنا ثبوت الملك قبله إلخ.

وهو صريح فيه كما ترى ، ويدلّ على ان المخالف فقط هو (٥) ، وان

__________________

(١) في القرض.

(٢) يعني في العبد المأمور بعتقه ، قد ترك المحقق الثاني التأويل بحصول الملك قبل التصرف.

(٣) يعني يؤيّد ما نقله في شرح الشرائع عن الدروس من القول بكون التصرف كاشفا.

(٤) قال في التذكرة ج ٢ ص ٦ : ما لفظه مسألة قد بيّنا ان المستقرض يملك بالقبض بعد العقد وهو أحد وجهي الشافعي والقول الآخر انه يملك بالتصرف على معنى انه إذا تصرف تبين لنا ثبوت الملك قبله إلخ.

(٥) يعني الشافعي فقط.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

التصرف كاشف ولكن هذا أيضا فيه ما فيه ، لما مرّ غير مرّة ان لا محصل للكشف في الفضولي ونحوه ، على انه لا بدّ أن يرجع الى القول بالقبض ، إذ لا قول آخر ، فالنزاع لفظي ، وفي تحقق الكاشف.

وبالجملة كلا التوجيهين مؤيّد لبطلان القول بان الملك انما يحصل بالتصرف خصوصا الأخير فتأمّل ، ولهذا قيل : بان الملك بالقبض.

واعلم انه نقل في شرح الشرائع عن الشيخ ، القول بوجوب ردّ العين على تقدير طلب المقرض محتجا بأنه عقد يجوز فيه الرجوع كالهبة في موضع الجواز ، ثم قال : وهذا التعليل ظاهر في كونه متفرعا على تملّك المقترض.

وظاهر عبارة القواعد المتقدّمة يدل على عدم الخلاف حينئذ حيث فرّع عدم وجوب الرد على التملك كما تقدم ، ثم قال : (١) وجواب الاحتجاج (وجوابه ـ المسالك ـ) المنع من المساواة ، فان تملك المقترض العين يقتضي تسلّطه عليها واللازم له انما هو العوض فيتخيّر فيه ، ولا يلزم ثبوت الرجوع في الهبة بدليل خارج إلحاق غير بها.

ويمكن تعليله أيضا بالاتفاق على أن القرض عقد جائز ، ومن شأن العقد الجائز أن من اختار فسخه رجع الى عين ماله (الى قوله) : وهذا وجه (توجيه ـ المسالك ـ) حسن لم ينبّهوا عليه إلخ.

يمكن ان يقال : عبارة القواعد ومثله عبارة التذكرة أيضا مع نقل القول الذي نسب الى الشيخ هنا عن الشافعي ، وقال : هو أظهر وجهي الشافعي وما نقل الخلاف الّا عنه وقال : ان للمقرض الرجوع في العين مع وجودها وان ملك المستقرض بالقرض ثم أشار الى الاحتجاج وجوابه المذكورين فتأمّل ، بل قد نقل

__________________

(١) من قوله ره : وجواب الاحتجاج الى قوله : (لم ينبهوا) من عبارة المسالك ج ١ ص ٢٢١.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عن الدروس ـ من قبل ـ ان لا خلاف في عدم الملك بالتصرف ، وقد ذكرنا عن التذكرة انه نقله قولا عن الشافعي وقال على معنى انه إذا تصرف تبيّن لها (بها خ) ثبوت الملك قبله.

لا يدل (١) على ذلك ، إذ غاية ما يدل عليه انه (٢) اعتقد تفرّع عدم الوجوب (٣) على الملك ، ولمّا اعتقد أنّ ذلك هو دليل عنده ، فرّع عليه ذلك ولم يلزم أن لا خلاف لأحد فيه واعتقاد صحّة دليله ، فللمانع ان يمنع استلزام الملك ذلك ويقول بما قاله الشيخ (٤) ، ولهذا نقل في التذكرة الخلاف مع تصريحه من القائل (بالقائل خ) بالتملك بالقبض.

وأيضا ان احتجاج الشيخ بعينه ما أفاده بقوله : (ويمكن إلخ) (٥) غاية الأمر أنه فصّله ، إذ قوله : (عقد يجوز فيه الرجوع) مستدلا على جواز الرجوع بالعين ووجوب ردّها على المالك ، لا معنى (٦) له الا ما قاله وشبّهه بالهبة في انه بعد الفسخ يرجع الى العين.

وحينئذ في قوله : (لم ينبّهوا) تأمّل فلو قال : (لم يفصّلوه ولم يصرّحوا به) لكان أسهل.

وان الجواب (٧) ليس بجواب ، إذ حاصله منع المساواة وإبداء فرق بين

__________________

(١) الظاهر ان قوله قده : (لا يدل على ذلك خبر لقوله قده : (عبارة القواعد إلخ).

(٢) يعني العلامة في القواعد.

(٣) يعني عدم وجوب رد العين المقترضة على المقرض.

(٤) من قوله ره : بوجوب رد العين على تقدير طلب المقرض.

(٥) يعني صاحب المسالك في عبارته المتقدمة.

(٦) خبر لقوله قده : (إذ قوله إلخ).

(٧) يعني الجواب الذي ذكره صاحب المسالك بقوله ره : وجواب الاحتجاج إلخ ما تقدّم.

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأصل وما شبهه به ، وما كان الحجة (١) هي المساواة ، بل كونه عقدا جائزا الّا انه قال : كالهبة.

فمنع المساواة (٢) وابطالها لا يضرّ ، إذ يكفي في المطلوب كونه عقدا جائزا ، إذ خاصيّة العقد الجائز عندهم ، الرجوع الى العين وهو ظاهر مقرّر عندهم ولذلك ما صرّح به واكتفى بالمثال فحمل الشهيد الثاني ره الحجّة على غير ما يفهم وأجاب.

والظاهر ان ليس له جواب الّا ان يقال : هذا العقد الجائز خرج عن كونه مثل غيره في الاقتضاء المذكور ، إذ ظاهر الملك هو اللزوم وعدم جواز الأخذ من المالك الّا برضاه ، وخرج العقود الجائزة ـ غير القرض ـ بالإجماع على جواز فسخه بأن يكون لكلّ من المتعاقدين التصرف في عين ماله مع البقاء ، ومع التلف أخذ المثل أو القيمة.

وليس لهم على ذلك دليل إلا الإجماع ، ولا الإجماع هنا فبقي أصل لزوم الملك وعدم جواز أكل مال الغير الّا بطيب نفسه عقلا ونقلا ، ورجع جواز الفسخ هنا الى ان يكون له ان يفسخ هذا العقد في كل آن ويأخذ بدل ماله.

وقد أفاد (٣) هذا الجواب بعد هذا الاحتجاج على المشهور ، وقال : إذا

__________________

(١) يعني قوله ره : ـ نقلا عن الشيخ ـ : محتجا بأنه عقد يجوز فيه الرجوع.

(٢) التي في عبارة المسالك المتقدّمة.

(٣) يعني صاحب المسالك فإنه ره قال : ويمكن الاحتجاج للمشهور بناء على الملك بالقبض ، بأن الأصل في ملك الإنسان ان لا يتسلط عليه غيره الّا برضاه ، والثابت بالعقد والقبض للمقرض انما هو البدل ليستصحب الحكم الى ان يثبت المزيل ، ولا سند له يعتد به الا كون العقد جائزا يوجب فسخه ذلك وفيه منع ثبوت جوازه بالمعنى الذي يدعيه ، إذ لا دليل عليه ، وما أطلقوه من كونه جائزا لا يعنون به ذلك ، لانه قد عبّر به من ينكر هذا المعنى ، وهو الأكثر ، وانما يريدون بجواز تسلّط المقرض على أخذ البدل إذا طالب به متى شاء ، وإذا أرادوا بالجواز هذا المعنى فلا مشاحة في الاصطلاح وان كان مغايرا لغيره من العقود الجائزة من هذا الوجه وحينئذ فلا اتفاق على جوازه بمعنى يثبت به المدعى (انتهى).

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أرادوا بالجواز هذا المعنى فلا مشاحة في الاصطلاح.

وأنت تعلم أنه بعيد عن معنى جواز فسخ العقد الجائز ، لأن فسخ العقد معناه إبطال أثره الشرعي الذي رتب عليه الشارع قبله ، وهو كونه ملكا للمقترض بما صدر من الفاسخ ، فإذا لم يخرج العين الموجودة عن ملكه فلم يكن العقد مفسوخا ، وجواز التسلط على أخذ البدل كان مقتضى للعقد والقبض وحاصلا قبل الفسخ فليس ذلك أثره ، بل لو فرض كونه عقدا لازما لا يجوز فسخه ، كان ذلك حاصلا بلا شك فليس النزاع في أمر اصطلحوا (١) عليه حتى يسامحهم عليه أحد ، بل في ترتب الأثر الشرعي وهو ظاهر.

والذي يختلج في خلدي (٢) ، انه يبعد غفلة جماعة من العلماء العمداء عن مثل هذا ويقولون بأنّ القرض عقد جائز يجوز للطرفين فسخه ، ثمّ يدّعون بعد الفسخ عدم وجوب ردّ المال الذي فسخ ما كان يملكه ويخرجه عن ملك الأوّل (٣) إلى مالكه الأوّل مع طلبه ، وكذا عدم وجوب قبوله عليه مع الردّ عليه ، ويوجبون العمل بما اقتضاه العقد أوّلا بعد فسخه ، وهو المشهور ، بل ادّعى الإجماع على ذلك كما مرّ من نقل الدروس ذلك عن الشيخ الذي نقل هنا القول بوجوب ردّه عليه.

فليس ببعيد ، أن يكون النزاع ، فيما قبل الفسخ ، يعني إذا تحقق العقد مع الشرط وحصل المملّك الناقل ، فمع عدم طريان فسخ عليه بالتقايل ، أو من جانب واحد ، هل يجب ذلك أم لا؟ وحينئذ ، الظاهر مع المشهور ، ويضعّف خلاف الشيخ كما ضعّفوه (٤)

__________________

(١) إشارة إلى رد قول صاحب المسالك : (فلا مشاحة في الاصطلاح).

(٢) الخلد بالتحريك ، البال يقال : وقع ذلك في خلدي أي في روعي وقلبي (مجمع البحرين).

(٣) هكذا في النسخ كلها.

(٤) في عبارته المتقدمة بقوله قده : بل قد نقل عن الدروس ـ من قبل ـ ان لا خلاف في عدم الملك

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مع ان قوله الذي نقل عليه الإجماع في الدروس (١) يؤيّد الجماعة ، لأنه إذا كان قبول القيمة عليه واجبا ، فليس له طلب العين فيكون قوله ضعيفا.

وحينئذ يكون احتجاجه ضعيفا وقياسا بالهبة ولا يصلح ، والجواب بأن مقتضى القرض هو لزوم البدل ـ كما أجابوا ـ جيّدا ، لأنه يكون مع بقاء العقد وامّا مع عدم البقاء فلا معنى له كما عرفت.

ويصحّ أيضا احتجاج الشهيد الثاني للمشهور ، بأن الأصل في ملك الإنسان إلا يتسلّط عليه غيره الّا برضاه ، والثابت بالعقد والقبض للمقرض انما هو البدل فيستصحب الحكم الى أن يثبت المزيل إلخ.

فإنه لم يمكن صحته بدون ذلك ، إذ لا بقاء للثابت بالعقد بعد فسخه وزواله وهو ظاهر.

ولا يندفع بما ذكر (٢) من أنهم يريدون لجوازه (٣) تسلّط المقرض على أخذ البدل إذا طالب به متى شاء ، وإذا أرادوا بالجواز هذا المعنى فلا مشاحة في الاصطلاح إلخ (٤).

لما مرّ انه قد تقرر عندهم انه من العقود الجائزة لا اللازمة ، وهذا الجواز لازم للعقود اللازمة ، وقد مرّ تفصيل ذلك.

والظاهر ان لا حجة للمشهور الّا ما ذكرناه وان كان النزاع حينئذ يصير قليل الفائدة ، إذ للمقرض أن يفسخه ويأخذ ماله ، وللمقترض أيضا الفسخ وإعطاء العين فليس للمقرض عدم القبول.

__________________

بالتصرف إلخ.

(١) نقل عبارته برمته.

(٢) يعني ما ذكره في المسالك.

(٣) والصواب بجوازه (بالباء).

(٤) من قوله ره : من أنهم (إلى هنا) من عبارة المسالك.

٧٩

ولا يلزم تأجيل الحالّ.

______________________________________________________

الّا أنى ما أجد مفرّا غيره الّا بالخروج عن قاعدتهم في كون القرض من العقود الجائزة وتفسيرهم ذلك بما مرّ فيصح المشهور ، بما ذكره الشهيد الثاني.

وهو (١) مشكل لان الظاهر أنهم ما يقولون بذلك ، فيكون ما ذكره ضعيفا ، والا فقول الشيخ ليس الّا ، فافهم.

قوله : «ولا يلزم تأجيل الحال» يعني لو أجلّ الحالّ من الديون ، سواء كان في الأوّل مؤجّلا ، مثل ان كان ثمن مبيع نسيئة إلى مدّة فحلّ ، أو كان حالّا في الأصل بأن كان ثمنا نقدا ، فأطلق الدين على النقد أيضا ، أو بأن كان قرضا بأن قال : أجّلتك مالي (٢) عندك الى كذا وكذا ، لا يلزم ذلك.

دليله ، الأصل مع عدم موجبه ، إذ القول ليس بموجب عندهم بالإجماع عندهم ظاهرا ، بل وعد يستحبّ الوفاء به ولا كلام في ذلك عندهم.

ولكن نفهم وجوب الوفاء بالوعد من العقل والنقل الا ان عدم العلم بالقول به يمنع عن ذلك والا كان القول به جيّدا كما نقل عن بعض العامّة.

ويمكن جعله أعمّ من عدم لزوم الأجل في أصل القرض أيضا ، بأن يقال : لمّا تقرّر ان القرض حالّ في أصله ، فيمكن ان يقال : لا يلزم تأجيل الحالّ أي تأجيل ما يقتضي موجبه حلوله فلا يكون عدم لزوم الأجل في القرض بالتأجيل متروكا ، بل يكون مذكورا كما في سائر الكتب.

والظاهر أنّ دليله الإجماع والأصل مع عدم الموجب كما مرّ الّا أنّ ما قلناه ممّا يدل على وجوب الوفاء بالوعد والعقد مثل (أَوْفُوا) (٣) ، وـ (لِمَ تَقُولُونَ

__________________

(١) يعني هذا المفرّ مشكل.

(٢) بجعل (ما) موصولة يعني الذي لي عندك إلخ.

(٣) المائدة ـ ١.

٨٠