مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٥

١
٢

كتاب القضاء

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب القضاء

وفيه مقاصد :

الأوّل

في صفات القاضي وآدابه

وفيه مطلبان :

الأوّل

يشترط فيه البلوغ ، والعقل ، والإيمان ، والعدالة ،

______________________________________________________

كتاب القضاء

قوله : «وفيه مقاصد : الأول في صفات القاضي إلخ». لقضاء ولاية عامة بالنيابة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام ، عموما أو خصوصا.

وله شروط وخواص وأحكام ، تعلم ان شاء الله.

فمنها أمور يشترط اتصاف القاضي بها وهي : البلوغ والعقل.

دليلهما الإجماع ، وان الصبي والمجنون لا ولاية لهما لأنفسهما ، فكيف يكون لغيرهما.

٥

وطهارة المولد.

والعلم.

______________________________________________________

والإيمان : أي كونه اثنى عشريا ، وهو أيضا إجماعي عندنا ، وتدل عليه أيضا الأخبار الآتية.

ولأن العدالة كما سيجي‌ء شرط ، وغيره ، غير عدل ، بل فاسق ، بل ما كان ينبغي ذكره اكتفاء بالعدالة عنه ، إلّا انهم أرادوا التصريح والتنصيص ، فلا يحتمل أن يكون المراد مجرد الإسلام كما ذكره في شرح الشرائع.

واما اشتراط العدالة : فلأن المأمون في أمور الدين والدنيا للمكلفين ، والنائب مناب الذي يشترط عصمته ، لا يمكن غير عدل ، وهو ظاهر.

ولأنها شرط الفتوى ، وهو شرط في القضاء.

ولأنها شرط في الشاهد ، ففيه بالطريق الأولى. ولكونه واجب الاتباع ، ووجوب قبول قوله ، والفاسق ، بل غير العدل ليس كذلك ، للعقل والنقل ، فتأمّل.

وطهارة المولد : فكان دليله الإجماع ، وتنفر الأنفس ، وعدم الانقياد ، واشتراطها في الشاهد ، فتأمّل فيه.

والعلم : المراد به العلم ، أو الظن بما يقضى ، بشرط أن يكون مستفادا من الأدلة المعتبرة عقلا ، أو نقلا ، ممن له ملكة استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من الأصول والأدلّة.

حاصله ، اشتراط كون القاضي عالما بالحكم والقضاء في حال القضاء ، مع كونه مجتهدا ، وهو معلوم في الأصول.

لعل دليلهم عليه الإجماع ، والاعتبار ، والآيات (١) ، والأخبار.

__________________

(١) قال الله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الآية : سورة النساء : ٥٨. وقال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مثل خبر أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال ، قال : قال (لي ـ كا) أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام : إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم ، فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه (١).

ولا يضر ضعف السند به وبغيره (٢) ، لموافقته للعقل ، وقبول الأصحاب إياه.

فيه دلالة على تجزّؤ الاجتهاد والفتوى ، وتجويز القضاء للمتجزّئ ، فافهم.

وصحيحة معاوية بن وهب في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال : أي قاض قضى بين اثنين فأخطأ سقط أبعد من السماء (٣).

ورواية أبي بصير قال : قال أبو جعفر عليه السّلام : من حكم في درهمين فأخطأ كفر (٤).

والظاهر ان المراد بالخطإ هنا ، غير خطإ القاضي بالحق بعد السعي والاجتهاد ، إذ لا بأس به حينئذ ، وهو ظاهر ، ولما تقرر في الأصول والفروع.

ولانه روى أصبغ بن نباتة انه قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام : ان ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فهو على بيت المال (مال المسلمين ـ ئل) (٥) فتأمل.

وصحيحة أبي عبيدة قال : قال أبو جعفر عليه السّلام : من افتى الناس بغير

__________________

شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا) الآية : سورة المائدة : ٨.

(١) الوسائل باب ١ من أبواب صفات القاضي حديث ٥ ج ١٨ ص ٤.

(٢) وسنده كما في الكافي هكذا : الحسين بن محمّد ، عن معلى بن محمّد ، عن الحسن بن علي ، عن أبي خديجة.

(٣) الوسائل باب ٥ من أبواب صفات القاضي حديث ٤ ج ١٨ ص ١٨.

(٤) الوسائل باب ٥ من أبواب صفات القاضي حديث ٥ ج ١٨ ص ١٨.

(٥) الوسائل باب ١٠ من أبواب آداب القاضي حديث ١ ج ١٨ ص ١٦٥.

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه (١).

وهي تدل على الأعم من المطلوب.

ومثلها حسنة عبد الرحمن بن الحجاج قال : كان أبو عبد الله عليه السّلام قاعدا في حلقة ربيعة الرأي ، فجاء أعرابي فسأل ربيعة الرأي عن مسألة ، فأجابه ، فلما سكت قال له الأعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ولم يردّ عليه شيئا فأعاد المسألة عليه فأجابه بمثل ذلك ، فقال له الأعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام : هو في عنقه ، قال أو لم يقل ، وكل مفت ضامن (٢).

وحسنة أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه السّلام : من حكم في درهمين بغير ما انزل الله عزّ وجلّ فهو كافر بالله العظيم (٣).

وهو صريح القران (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٤) وفي أخرى (هُمُ الظّالِمُونَ) (٥) وفي أخرى (هُمُ الْفاسِقُونَ) (٦).

والروايات الدالة على ذلك ، وعلى عدم الرجوع إلى حكام الجور ، وغير أصحابنا ، كثيرة جدا ، ومستفيضة ، بل يمكن دعوى تواترها.

منها رواية داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله

__________________

(١) الوسائل باب ٤ من أبواب صفات القاضي حديث ١ ج ٨ ص ٩.

(٢) الوسائل باب ٧ من أبواب آداب القاضي حديث ١ ج ١٨.

(٣) الوسائل باب ٥ من أبواب صفات القاضي حديث ٢ ج ١٨ ص ١٨.

(٤) المائدة : ٤٤.

(٥) المائدة : ٤٥.

(٦) المائدة : ٤٧.

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فيتحاكما (فتحاكما ـ ئل) إلى السلطان وإلى القضاة ، أيحل ذلك؟ فقال عليه السّلام : من تحاكم إليهم في حق أو باطل ، فإنما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا ، وإن كان حقه ثابتا ، لأنه أخذ بحكم الطاغوت ، وقد امره الله تعالى أن يكفر به. قال الله تعالى «أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» (١) قال : فكيف يصنعان؟ قال : ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكما ، فإني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل (لم يقبله ـ خ يب) منه فإنما بحكم الله استخفّ ، وعلينا ردّ ، والراد علينا الراد على الله فهو على حدّ الشرك بالله ، قلت : فان كل واحد منهما اختار رجلا ، وكلاهما اختلفا في حديثنا (حديثكم ـ خ)؟ قال : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر ، قال : فقلت : فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا ، ليس يتفاضل كل واحد منهما على صاحبه؟ قال ، فقال : ينظر ما كان من روايتهما في ذلك الذي حكما ، المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه. وانما الأمور ثلاثة : أمر بين رشده فيتبع ، وأمر بين غيه ، فيجتنب ، وأمر مشكل ، يرد حكمه إلى الله عزّ وجلّ وإلى الرسول صلّى الله عليه وآله : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات ، وهلك من حيث لا يعلمه ، قلت : فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال : ينظر فيما وافق حكمه حكم الكتاب

__________________

(١) النساء : ٦٠.

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة ، قلت : جعلت فداك أرأيت ان المفتيين غبي عليهما معرفة حكمه من كتاب وسنة ، ووجدنا احد الخبرين موافقا للعامة ، والآخر مخالفا لهم ، بأي الخبرين نأخذ؟ قال : بما خالف العامة فإن فيه الرشاد ، قلت : جعلت فداك ، فإن وافقهما الخبران جميعا؟ قال : ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم ، فيترك ويؤخذ بالآخر. قلت : فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ قال : إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (١).

هذه الرواية ـ مع عدم ظهور صحة سندها ـ : بكون داود بن الحصين (٢) واقفيا ، عند الشيخ ، وابن عقدة ، وإن كان ثقة عند النجاشي ، وبمحمّد بن عيسى ، كأنه العبيدي الذي ضعيف عند الشيخ أيضا وغيره ، وإن كان الظاهر انه ممّن لا بأس به كما يظهر من كتاب النجاشي ، وقبله المصنّف. وبجهل عمر بن حنظلة باعتبار كتب الرجال ، وإن ادعى الشيخ زين الدين في الدراية أنه علم توثيقه من موضع آخر. ومتنها أيضا لا يخلو عن شي‌ء ـ كما ترى.

مقبولة (٣) عندهم ومضمونها معمول به ، فتأمّل.

وفيها أحكام كثيرة وفوائد عظيمة : منها تحريم التحاكم إليهم ، وتحريم ما أخذ بحكمهم ، وإن كان الحق ثابتا في نفس الأمر ، وإن ذلك معنى الآية ، وتحريم ما أخذ بحكمهم في الدين ظاهر دون العين ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٩ من أبواب صفات القاضي حديث ١ ج ١٨ ص ٧٥ والتهذيب باب الزيادات حديث ٥٢.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عيسى عن صفوان بن يحيى ، عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة.

(٣) خبر لقوله قدّس سرّه : هذه الرواية.

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ويحتمل تقييد ذلك بإمكان الأخذ بغير ذلك ، فتأمّل واحتط.

والظاهر عدم الفرق في ذلك بين كون الحاكم الجائر والسلطان الظالم مؤمنا وعدمه ، بعد ان لم يكن قابلا للحم ، ومتصفا بصفات الحاكم بالحق.

ومنها كون من روى حديث أهل البيت عليهم السّلام وينظر في حلالهم وحرامهم وعرفهما ، حاكما وقاضيا ، وإن لم يكن مجتهدا في الكل ولم يرو ما روى عنه صلّى الله عليه وآله غيرهم ولم يعرف ما حرم وحلل غيرهم.

ويؤيده ما رواه أبو خديجة (سالم بن مكرم ـ ئل) قال : قال لي أبو عبد الله عليه السّلام : إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم ، فانى قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه (١).

ومن كونه حكما ، فهم كونه نائبا مناب الإمام في جميع الأمور.

ولعله به يشعر قوله عليه السّلام (وعلينا رد والراد إلخ) فافهم.

وإن الحاكم لا يكون حكمه دائما صوابا.

وانه إذا علم أن ليس ذلك حكمهم عليهم السّلام يجوز رده وعدم قبوله منه.

وإن ردّ حكمه شرك كردّ حكمهم وحكمه تعالى فتأمّل.

وإن الظاهر لا خصوصية بزمان الإمام عليه السّلام القائل ذلك ، بل بزمان إمام حاضر ، فان قوله عليه السّلام : (فإذا حكم إلخ) يدل على ذلك ، فافهم.

وانه يجوز تعدد العلماء والحكام ، وان اختلافهم ليس بمحذور.

وانه حينئذ يقدم حكم الأعدل والأفقه والأصدق في الحديث والأورع.

وان كل ذلك سبب للترجيح ، ولكن مع الاجتماع على سبيل

__________________

(١) الوسائل باب ١ من أبواب صفات القاضي حديث ٥.

١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الاختلاف ، لم يعلم الترجيح ، فيمكن ترجيح الأعدل لتقديمه في العبارة وسوق الكلام.

وان ذلك الاختلاف بسبب اختلاف روايتهما ، وحينئذ تقديم الأعدل والأورع والأصدق ، غير بعيد وان كان الآخر اعلم ، فتأمّل.

ويحتمل الأعلم والأفقه ، لانه مدار الحكم والفتوى ، ويكفي وجود العدالة المانعة عن الاقتحام.

وانه مع التساوي في العدالة بل في العلم وغيره من الصفات المرجحة أيضا ، لقوله (ليس يتفاضل واحد منهما على صاحبه) فإنه يدل على ان لا فضل بينهما أصلا ـ يرجح من حكمه موافق للمجمع عليه للأصحاب.

والظاهر ان المراد ، المجمع عليه في الرواية ، ويحتمل الفتوى أيضا ، فتأمّل.

بل يدل على ترجيح ما هو الموافق للمشهور من الرواية ، ويحتمل الفتوى أيضا على الشاذّ النادر من الرواية والفتوى ، بأن يراد من المجمع عليه ذلك ، بقرينة (ويترك الشاذ النادر الذي ليس بمشهور عند أصحابك).

ويحتمل ان يراد بالمشهور المجمع عليه ، لتكرر لفظ المجمع عليه ، والأصل كونه حقيقة ، ويؤيده قوله (فإن المجمع عليه لا ريب فيه).

وعلى التقادير : لا يبعد للمفتي ترجيح ما وافق الأكثر مع التساوي في الدليل من كل وجه ، وكذا للمقلد قبول فتوى الأكثر.

وانه لا يجوز خلاف الإجماع ، على تقدير إرادة الحقيقة ، وذلك غير بعيد على تقدير ثبوته ، بحيث يعلم أو يظن دخول قول المعصوم عليه السّلام فيه ، فتأمّل.

وانه إذا تساوى الحكم في الطرفين ، فذلك المشكل ، والحكم فيه حينئذ التوقف والرد إلى الله ، لا التخيير كما قيل ، فتأمّل.

وإن ترك الشبهات والاجتناب عنها جيّد وموجب للنجاة ، بل ان ارتكابها

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

موجب للهلاك والعقاب ، فتأمّل فيه.

وان الراوي والقاضي والمفتي لا بد ان يكون ثقة.

وان الحكم قد يكون مخالفا لظاهر الكتاب والسنة ويجوز العمل به مع عدم الخلاف بينهم في الرواية والفتوى ، وذلك مثل تخصيص الكتاب والسنة النبوية ـ ولو كانت متواترة ـ بخبر أهل البيت عليهم السّلام وإن كان واحدا.

وان ما وافق الكتاب والسنة مقدم على غيره ممّا يوافق العامة.

وانه على تقدير عدم موافقة الكتاب والسنة ، يؤخذ بما يخالف العامة ، وكان المراد الجمع بحمل ما يوافقهم على التقية ، وكون الحكم في نفس الأمر ما يخالفهم.

وانه على تقدير موافقة الخبرين لهم ، يؤخذ بما هو حكامهم وقضاتهم أميل إليه ، وكان المراد ما تقدم من الجمع والحمل على التقية ، فافهم.

وانه على تقدير الموافقة في ذلك أيضا صار من المشكلات ، فالحكم فيه ـ كما تقدم ـ التوقف وعدم الفتوى والحكم بشي‌ء.

وان ذلك منجى ، لا التحير (التخيير ـ خ) ، ولا الاقتحام ، فإنه موجب للهلكات ، فتأمّل.

ومرفوعة أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه رفعه عن أبي عبد الله عليه السّلام قال :

القضاة أربعة ، ثلاثة في النار ، وواحد في الجنة ، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة (١).

ورواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام والحكم عن ابن أبي يعفور

__________________

(١) الوسائل باب ٤ من أبواب صفات القاضي حديث ٦ ج ١٨ ص ١١.

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قالا : من حكم في درهمين بغير ما انزل الله عزّ وجلّ ممن له سوط أو عصا فهو كافر بما انزل الله على محمّد صلّى الله عليه وآله (١).

وقريب منها رواية أبي بصير المتقدمة (٢).

ومرفوعة عبد الله بن مسكان إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله (٣).

وبالجملة انه لا بد من العلم. وقد عينوا انه لا بد من ان يكون مجتهدا مقبولا قوله وقد عرفوه في الأصول ، وذكروا شرائطه ، والعلوم التي لا بد منها فيه بما لا مزيد عليه.

ولا شك في ذلك مع وجود المجتهد.

وأما مع عدمه ، فالمشهور بل نقل الإجماع على عدم جواز الحكم حينئذ.

ولكن رأيت في حاشية على الدروس ما هذا لفظه : قال : للفقيه العدل الإمامي وإن لم يجمع شرائط الاجتهاد ، الحكم بين الناس ، ويجب العمل بما يقوله من صحة أو إبطال. وكذا حكم البينة واليمين والتزام الحق وعدمه في حال الغيبة وعدم المجتهد ، ابن فهد رحمة الله ، وكتب بعدها منقولة هذه الحاشية من الشيخ حسين بن الحسام دام فضله.

فيحتمل ان يكون مراده في المجمع عليه ، وفي المختلف فيه أيضا ، بفتوى الأعلم ، الذي لو كان حيا لكان الحكم له ، أو المتجزّى الذي اجتهد في ذلك

__________________

(١) الوسائل باب ٥ من أبواب صفات القاضي حديث ١.

(٢) الوسائل باب ٥ من أبواب صفات القاضي حديث ٥.

(٣) الوسائل باب ٥ من أبواب صفات القاضي حديث ٣ ولفظ الحديث (قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من حكم في درهمين بحكم جور ثم جبر عليه كان من أهل هذه الآية (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ). فقلت : كيف يجبر عليه؟ فقال : يكون له سوط وسجن فيحكم عليه ، فان رضي بحكمه ، والّا ضربه بسوط وحبسه في سجنه).

١٤

والذكورة.

والضبط.

والحرية على رأي.

والبصر على رأي.

والعلم بالكتابة على رأي.

______________________________________________________

الحكم ، فيعلم منه جواز الفتوى عنده بالطريق الاولى.

وظاهر الأدلة اشتراط العلم بالمسألة فيهما ، وهي العقل والنقل كتابا وسنة وإجماعا ، والاحتياط واضح لا يترك ان أمكن.

وامّا اشتراط الذكورة ، فذلك ظاهر فيما لم يجز للمرأة فيه أمر ، وامّا في غير ذلك فلا نعلم له دليلا واضحا ، نعم ذلك هو المشهور. فلو كان إجماعا ، فلا بحث ، والّا فالمنع بالكلية محلّ بحث ، إذ لا محذور في حكمها بشهادة النساء ، مع سماع شهادتهن بين المرأتين مثلا بشي‌ء مع اتصافها بشرائط الحكم.

واما الضبط ، فهو مما لا بد منه في محله لا مطلقا ، إذ ما نجد مانعا لحكم من لا ضبط له مع اتصافه بالشرائط ، وضبط حكم هذه الواقعة.

وكذا اشتراط الحرية ، ما نجد له دليلا واضحا ، بعد اتصافه بالشرائط ، واذن المولى ، ان احتاج إليه ، لفوت مصلحة له.

وكذا اشتراط البصر ، فيما لا يحتاج فيه إلى البصر.

وكذا العلم بالكتابة ، ويؤيد عدمه ، كونه صلّى الله عليه وآله أميا على المشهور ، وان احتمل انه صلّى الله عليه وآله كان أميا ثم عرف الكتابة زمان الحكم.

ولا شك في مضي حكم من جعله المعصوم حاكما ، وانما الكلام في انه هل يجوز له نصب هذه الأشخاص أم لا؟ وهل يجوز لهم الحكم في زمان الغيبة أم لا ، ان

١٥

واذن الإمام أو من نصبه.

______________________________________________________

كان ما ذكر شرطا حينئذ أيضا؟

وأما اشتراط اذن الامام ، أو اذن من نصبه مع إمكانه ، فكأنه إجماعي.

ولعل سنده مثل رواية سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : اتقوا الحكومة ، فإن الحكومة انما هي للإمام العالم بالقضاء ، العادل في المسلمين كنبي (لنبي ـ ئل) أو وصي نبي (١).

وهي حسنة في الفقيه مع زيادة قوله ، وقال أمير المؤمنين عليه السّلام لشريح : يا شريح قد جلست مجلسا ما جلسه إلّا نبي أو وصي نبي أو شقي (٢).

وهي في رواية إسحاق بن عمار في التهذيب والكافي قال ، قال أمير المؤمنين عليه السّلام لشريح : يا شريح ، قد جلست مجلسا لا يجلسه إلّا نبي أو وصي نبي أو شقي (٣).

لعلّ المراد : إن لم يكن بإذنهما فهو شقي ، أو مأذونهما داخل في الوصي.

ويشعر به حسنة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لما ولّى أمير المؤمنين شريحا القضاء اشترط عليه ان لا ينفذ القضاء حتى يعرضه عليه (٤).

واعلم ان المتبادر من عبارتهم : انه لا بد في القاضي مطلقا في حال الحضور ، من نصب الإمام ، أو من نصبه له بخصوصه ، فلا يجوز للمتصف بالشرائط الحكم ، بغير نصبه. والدليل عليه غير ظاهر ، الّا أن يكون إجماعيا.

وظاهر الاخبار المتقدمة يدل على أن كل من اتصف بالشرائط ، هو منصوب من قبله عليه السّلام ، وله الحكم مثله ، وانه ليس مخصوصا بحال الغيبة ، بل ظاهره في حال الحضور ، إذ الصادق عليه السّلام جعله حاكما ، وذلك زمان الحضور ،

__________________

(١) الوسائل باب ٣ من أبواب صفات القاضي حديث ٣ ج ١٨ ص ٧.

(٢) و (٣) الوسائل باب ٣ من أبواب صفات القاضي حديث ٢ ج ١٨ ص ٦.

(٤) الوسائل باب ٣ من أبواب صفات القاضي حديث ١ ج ١٨ ص ٦.

١٦

ولو نصب أهل البلد قضايا ، لم تثبت ولايته. ولو تراضى الخصمان بواحد من الرعية وحكم بينهما لزم (لزمهما خ ـ ل) الحكم ، ويشترط فيه ما يشترط في القاضي المنصوب عن الإمام.

______________________________________________________

الّا ان يخصص بوقت عدم إمكان الوصول إليه عليه السّلام وإلى نائبه ، وعدم إمكان نصبه بخصوصه وهو بعيد. نعم لا بد من ارتكابه ، ان قام الدليل عليه ، فتأمّل.

قوله : «ولو نصب إلخ». لو كان (فلو) كان (١) أولى ، ليكون تفريعا على ما سبقه ، من اشتراط اذنه عليه السّلام ، أو اذن من نصبه. فلا يصير شخص بنصب أهل البلاد له حاكما وقاضيا ، ولم يجز ولم ينفذ حكمه ، إذ لا بد من الاذن.

نعم لو تراضى الخصمان بواحد من الرعية ان يحكم بينهما بحكم الله ، ولم يكن مأذونا ومنصوبا بخصوصه من الامام ونائبه للحكم والقضاء وحكم بحكم موافق للحق ونفس الأمر ـ بشرط اتصافه بشرائط الحكم غير الاذن ، من الاجتهاد والعدالة ـ صحّ ذلك الحكم ، ومضى حكمه فيهما ، وليس لهما نقضه بعده.

ولا يشترط الرضا بعد الحكم على المشهور ، ولا يجوز لهما خلاف ذلك.

وهذا انما يتصور في زمان الحضور وإمكان الاستئذان ، لا حال الغيبة ، التي لا يمكن الاستئذان ، إذ حينئذ كل من اتصف بما تقدم من الشرائط ، فهو قاض وحاكم ولم يحتج إلى شي‌ء آخر غير ذلك كما تقرر عندهم.

اللهم إلّا ان يكون اعلم منه موجودا ، ويتمكن من الوصول إليه وإنفاذ حكمه ، وحينئذ يتعين ذلك ، بناء على القول المشهور من تعيين الأعلم.

وحينئذ يتصور تراضي الخصمين بواحد من الرعية ، فتأمّل.

وكان دليل نفاذ حكم من يرضى الخصمان به ـ بشرط اتصافه بالشرط المذكور ـ هو الإجماع أيضا ، وإلّا فما اعرف له دليلا بعد جعله مخصوصا بحال الحضور

__________________

(١) الظاهر أن المراد أنه لو قال المصنف (فلو نصب) بدل (ولو نصب) لكان أولى.

١٧

وفي حال الغيبة ينفذ قضاء الفقيه من علماء الإمامية الجامع

______________________________________________________

واشتراط الإذن والنصب منه عليه السّلام بخصوصه أو نائبه كذلك ، وهم اعرف.

على انه حينئذ قليل الجدوى ، إذ لا بد من كونه حال الحضور والإمكان ، على ما ذكروه.

وحينئذ يمكن على تقدير وقوعه ، استعلام احكامه عنه عليه السّلام ، وجوازه ، ولا يحتاج إلى التعب في هذا الزمان إلى تحقيق ذلك ، وتحقيق فروعه ، من انه لا بد من الرضا بعده أم لا ، وانه يجري في كل الاحكام حقوق الناس ، وحقوق الله أم لا ، ويجوز له الحبس أم لا ، ونحو ذلك ، فالاشتغال بغيره اولى. وكذا في جميع ما يتعلق بزمانه عليه السّلام ، الّا ان يفرض ذلك في زمان الأعلم (الإمام عليه السّلام ـ خ) كما تقدم ، فتأمّل.

قوله : «وفي حال الغيبة إلخ». دليله ، كأنه الإجماع ، والاخبار المتقدمة ، الدالّة على جعله عليه السّلام العالم بالأحكام قاضيا وحكما ، وان خلافه لا يجوز ، بل (الراد عليه هو الراد على الله ، وهو على حد الشرك بالله) (١) وإن لم يكن سندها معتبرا على ما عرفت ، الّا ان مضمونها موافق للعقل ، وكلامهم وقواعدهم المقررة.

ويؤيده ، انه لو لم يكن ، يلزم اختلال نظام العالم ، وبه أثبت بعض وجوب النبوة والإمامة ، فتأمّل.

ولعلّ عندهم غير تلك الاخبار أيضا ، أو علموا صدور تلك عنه عليه السّلام ، وإن كان الراوي غير ثقة ، إلّا انها عامة ، بل ظاهرة في حال الحضور ، فلا يحتاج إلى النصب بالخصوص ، لعلهم خصوا بحال الغيبة وعدم إمكان النصب والاذن ، للإجماع ونحوه.

__________________

(١) الوسائل باب ١١ قطعة من حديث ١ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ ص ٩٩.

١٨

لشرائط الفتوى.

والقضاء واجب على الكفاية.

______________________________________________________

وأما اشتراط اتصافه بشرائط الفتوى ، التي ذكروها في الأصول والفروع ، فكأنهم أخذوها من الروايات ، لقوله عليه السّلام (وعرف أحكامنا) (١) فان عرفان الاحكام بدون الاجتهاد ، لا يمكن ، ويؤيده الاعتبار.

وفيه تأمّل ، لعدم حجيّة الاعتبار ، وان ظاهر الاخبار ، انه يكفي مجرد الرواية ، وان فهمها كاف ، ولعله إشارة إلى تجزّي الاجتهاد.

وبالجملة الروايات غير ظاهرة في ذلك ، فتأمّل ، وكأنّهم يدّعون فيه الإجماع ، فتأمّل فيه.

قوله : «والقضاء إلخ». دليل وجوب قبول الولاية من الإمام حال حضوره : ـ إن لم يفهم وجوبه منه حينئذ بخصوصه ، ووجوب الحكم وارتكابه حال الغيبة ، مع عدم المانع ، كفاية ـ كأنّه الإجماع والاعتبار ، من وجوب ردّ الظالم عن ظلمه ، وانتصاف المظلوم منه ، ودفع المفاسد ، وغلبة بعضهم على بعض ، وإيصال حقوق الناس إليهم ، وإقرار الحق مقرّه ، بل انتظام النوع والمعيشة. وذلك دليل وجوب النبي والإمام عليهم السّلام.

وأما كونه كفائيا ، فلحصول الغرض المطلوب منه ، كما فهم من دليله ، فعلى تقدير الانحصار ، أو الاحتياج إلى الأكثر ، يكون الوجوب عينيا.

وكذا تحصيل هذه المرتبة على تقدير عدمها يكون عينيا بالنسبة إلى من تمكّن منها ، وذلك يتفاوت ، فلا يبعد تعيّنه على من يكون قريبا منها ، لانه حصّل أكثر ما يتوقف عليه ، وبقي القليل.

فلا يكون واجبا على من لم يتمكّن منه عادة ، بل على من تمكّن أيضا ،

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ ص ٩٩.

١٩

ويستحب للقادر عليه. ويتعين إن لم يوجد غيره.

ويتعين تقليد الأعلم مع الشرائط.

______________________________________________________

ولكن ما حصّل منها شيئا ، أو حصّل شيئا يسيرا ، أو حصّل كثيرا إلّا انه يحتاج إلى الاشتغال فيها بزمان كثير حتى يحصّلها بخلاف غيره ، وهكذا ، وذلك بعينه هو حال الاجتهاد.

نعم لا يبعد على غير المشتغلين وجوب مساعدتهم بكلّ ما يقدرون ، من تحصيل معاشهم ، والورق والدواة والقلم ، والكتب والمقابلة ، وبكلّ ما أمكن ممّا يقربه إلى المطلوب ، ولا شك في حسنه (١) ، وهو ظاهر.

قوله : «ويستحب للقادر عليه إلخ». ويستحب للقادر على القضاء ـ وقيد بالوثوق بنفسه وعدم الخروج عن الشرع ، ويمكن إدخاله في القادر ـ أن يرتكب ذلك حال الغيبة ، وأن يقبله. ويعرف الإمام حاله حال الحضور ، مع عدم معرفته عليه السّلام له حتى يجعله قاضيا ، هذا مع عدم تعيّنه لذلك بوجه من الوجوه ، فهو يكون حينئذ ممن يجب عليه كفاية ، ولا ينافيه الاستحباب العيني كما ذكروه في غير هذا المحل ، وأما على تقدير التعيين ، فيكون واجبا عينيا عليه ، وهو ظاهر.

قوله : «ويتعين تقليد الأعلم إلخ». يعني إذا كان هنا علماء متصفون بصفات المفتي والقاضي ، وفيهم من هو أعلم من غيره ، يجب على المقلدين تقليد الأعلم ، وكذا الاستفتاء عنه ، والتحاكم إليه فقط حال الغيبة ، ويجب على الإمام تعيينه خاصة أيضا حال الحضور.

ويحتمل ان يكون مراد العبارة ، الثاني ، بقرينة المبحث. فمعنى تقليد الإمام الولاية للأعلم ، جعلها قلادة له.

لعل دليله ما تقدم في خبر عمر بن حنظلة (٢) ، موافقا لأصول المذهب من

__________________

(١) يعني لو لم يجب فلا شك في حسنه.

(٢) تقدم الخبر وذكر موضعه.

٢٠