مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

ولو انهدم لم يعد الطرح إلا بإذن مستأنف.

ويصحّ الصلح على الوضع بعد تعيين الخشب ووزنه وطوله.

وليس للشريك التصرف في المشترك إلا بإذن شريكه.

______________________________________________________

والمهدّم ، فلا يتوجّه أنه سبب ومالك الخشب مباشر ، على انه إذا كان جائزا ، فله ان يجبر مالك الجدار بحكم الحاكم بدفع ماله اليه فيكون هو المباشر فتأمّل.

قوله : «ولو انهدم إلخ» لعل دليله أنّ الاذن انما كان للوضع على هذا الجدار الخاصّ ومعلوم أنّه ليس مع العود بعد الانهدام ذلك الجدار بعينه فلا يشمله الاذن.

ولا فرق في ذلك بين ان يكون البناء الثاني بآلات المهدوم (المنهدم خ) أم لا (أو لا خ) وظاهر التذكرة ، عدم الخلاف عندنا في ذلك الحكم ، وان الخلاف في القسم الأوّل للشافعي فقط وأنه يوافقنا في الثاني.

ونقل في شرح الشرائع قولا آخر للشيخ في المبسوط موافقا له ، وموافقته للمشهور في قول آخر ، ولمّا ذكر الشيخ ره القول الأول من غير تردد طرحوا قوله الآخر ، ويمكن ان يكون للرجوع عن ذلك القول فلا ينافيه ما فهم من التذكرة ، فتأمّل.

قوله : «ويصح الصلح إلخ» عموم أدلة الصلح (١) ، وجه صحّة الصلح على وضع الخشب على جدار الغير مع شرائطه المعتبرة في المعاملات مطلقا مع زيادة تعيين المدّة والخشب ، ووزنه وطوله.

ولا يبعد اعتبار تعيين المحلّ الذي يوضع عليه طولا وعرضا وعمقا.

وجهه رفع الجهالة والغرر كما اعتبره في غيره ، ولا يبعد الاكتفاء بالمشاهدة فتأمّل.

قوله : «وليس للشريك إلخ» وجه تحريم تصرف الشريك في الجدار

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١ و ٢ و ٣ من كتاب الصلح ج ١٣.

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

المشترك وغيره بغير اذن شريكه ، ظاهر من العقل (١) والنقل.

وقد استثنى منه مواضع كثيرة ، مثل القسمة وحال الضرورة ، والامتناع من حقوق الغير ، فتأمّل.

وقد عمّم التصرف في التذكرة وغيرها ، وقال : لم يكن لأحد الشركاء التصرف فيه بشي‌ء من وجوه الانتفاعات حتى ضرب الوتد فيه ، وفتح روزنة (الكوة خ) ، بل وأخذ أقلّ ما يكون من ترابه ليترب به الكتاب ، بدون اذن جميع الشركاء فيه (الى قوله) : نعم يجوز الانتفاع منه بل ومن جدار الغير بما لا يقع المضايقة فيه كالاستناد اليه واسناد المتاع اليه (عليه خ) إذا لم يتضرر به لأنه بمنزلة الاستظلال بجدار الغير والاستضاءة بسراجه ولو منع المالك (مالك الجدار خ) من الاستناد ، فالوجه التحريم ، لأنه نوع تصرّف بإيجاد الاعتماد عليه ، ولو بنى في ملكه جدارا متصلا بالجدار المشترك أو المختص بالجار بحيث لا يقع ثقله عليه جاز ولم يكن للآخر الاعتراض ، هذا كلامه.

ويفهم من شارح الشرائع أنه فهم هو أيضا عدم المنع من الاستظلال والاستضاءة أيضا حيث قال في دليل جواز الاستناد لأنه بمنزلة الاستضاءة والاستظلال بجداره ثم قال :

نعم لو منع المالك والشريك من ذلك كلّه حرم وفاقا للتذكرة ، لأنه نوع تصرف إلخ.

والظاهر ان (أنه خ) ليس له المنع عنهما إذا كان موضع الظلّ والضوء ممّا

__________________

(١) اما العقل فواضح لقبح التصرف في مال الغير بغير طيب نفسه واما النقل فلقوله تعالى «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» وقوله صلّى الله عليه وآله : لا يحلّ مال امرئ مسلم الّا عن طيب نفسه وغيرهما من الآيات والروايات.

٣٦٢

ولو انهدم لم يجبر الشريك على العمارة الّا ان يهدمه بغير اذن شريكه أو بإذنه بشرط الإعادة.

______________________________________________________

يجوز جلوسه فيه وهو موضع النزاع وصرّح به في شرح الشرائع وهو ظاهر وغير مفهوم من التذكرة.

بل يمكن جواز الاستناد حينئذ مع المنع أيضا وعدم جواز المنع ، إذ لا يسمّى هذا تصرّفا عرفا بحيث يوجد دليل لمنعه من العقل والنقل.

والأصل ، وعموم ما يدلّ على جواز الانتفاعات بالمباحات الا ما أخرجه الدليل ، مؤيّد ، ولأنه كالاستظلال والاستضاءة.

وكأنه لذلك استقرب في الدروس عدم المنع على ما نقله في شرح الشرائع معلّلا بانتفاء الضرر وان كان في كبراه منع ، والاحتياط معلوم.

بل يمكن جواز أخذ أقلّ ما يكون من ترابه لقضاء العادة بعدم المضايقة فيه مثل الاستناد ، بل يمكن ان يتصوّر الضرر في الاستناد دونه ، ويفهم ذلك ممّا تقدم.

وفي دليله ودليل الدروس اشارة اليه ، ويؤيّده أنّهم يجوّزون الصلاة ونحوها في ملك الغير باذن الفحوى فافهم واحتط.

ويمكن أيضا أن يقال : بجواز البناء المتصل مع وقوع ثقله على جدار الغير ما لم يخرج عن ملكه بوجه أصلا.

وفيما تقدم من جواز التصرف في ملكه وإن تضرّر به الغير ، دلالة واضحة عليه ، وكأنه مراد التذكرة أيضا فتأمّل.

قوله : «ولو انهدم لم يجبر إلخ» وجهه ، الأصل وعدم الدليل ، والإجماع المنقول في التذكرة قال :

إذا استهدم الحائط اجبر صاحبه على نقضه لئلا يتأذى به أحد سواء كان المالك واحدا أو أكثر ، ولو كان لاثنين فنقضاه لاستهدامه أو لغيره أو انهدم الجدار

٣٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بنفسه ، لم يجبرا على بنائه ولم يجبر أحدهما لو امتنع عند علمائنا (إلى قوله) : والفرق بينه وبين القسمة ظاهر فإن للإنسان ، الاختصاص بالتصرف في ملكه وانما يتم بالقسمة ، فتأمّل.

واما إجباره على العمارة إذا كان الهدم بغير اذن الشريك أو كان مع اذنه بشرط أن يعيد العمارة ، فوجه الأوّل انه ضامن فعليه الخروج منه وهو بإصلاح ما خربة واعادة ما هدمه ، ووجه الثاني ، أظهر وهو ، المسلمون عند شروطهم (١).

وفي الأول تأمّل لأن ضمان المثل انما يكون في المثلي والجدار قيّمي لا مثلي كذا قيل.

وكأنه مأخوذ من التذكرة ، قال فيها : لو هدم أحد الشريكين ، الجدار المشترك من غير اذن صاحبه ، فان كان (٢) لاستهدام وفي موضع وجوب الهدم ، لم يكن عليه شي‌ء وان كان ممّا لا يجب هدمه أو هدمه وهو معمور لا يخشى عليه السقوط ، فقد اختلف قول علمائنا قال بعضهم : يجبر الهادم على عمارته وإعادته الى ما كان عليه أوّلا والأقوى لزوم الأرش على الهادم ، لأنّ الجدار ليس بمثلي.

ولا يخفى ان الإعادة غير بعيد فيما أمكن المماثلة في الجملة وان كان الجدار قيميّا باصطلاحهم الّا ان العرف قد يقضي بالمماثلة في بعض الجدران وعدم دقة فيها إذا كان المطلوب ، الحائل والمانع ولا يريدون في أمثال ذلك غير ذلك المماثلة في الجملة ، فليس ببعيد ، الاكتفاء في أمثاله بهذا المقدار ، فان العقل يجد أن لا تكليف في أمثاله الّا بالمثل وهو المظنون.

ويؤيّده أن الأرش بعيد ، فإنه قد لا يسوى بعد الهدم إلا بشي‌ء قليل جدّا ،

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٦ من أبواب أحكام العقود ج ١٢ ص ٣٥٢ وعوالي اللآلي ج ٢ ص ٢٥٨.

(٢) في نسخة فإن كان الاستهدام في موضع إلخ.

٣٦٤

وللجار عطف أغصان شجرة جاره الداخلة إليه ، فإن تعذر قطعت.

______________________________________________________

والجدار الصحيح يكون له قيمة كثيرة ، بل المناسب على القول بالأرش أن يراد.

به ما يحتاج في تعميره بمثل ذلك التعمير السابق.

وفيه أيضا تأمّل ، إذ قد يتفاوت العمل والأجرة كثيرا ، فتأمّل.

كأنّ ما ذكرناه هو الذي نقله في شرح الشرائع عن الدروس ، بعد نقله وجوب الإعادة مطلقا عن الشيخ رحمه الله ، قال : والأرش هو مختار العلامة في القواعد مع أنه قطع في التذكرة بوجوب الإعادة.

وفصّل الشهيد في الدروس ، فأوجب إعادته ان أمكنه المماثلة كما في جدران بعض البساتين والمزارع والا فالأرش وفيه مناسبة إلا انه خارج عن القواعد الشرعية إلخ.

والخروج عن القواعد لوجه إذا لم تكن مأخوذة من النص الصريح ، لا بأس به ثم ان الذي في التذكرة ما نقلته ، وما رأيت ما نقله من القول بالإعادة ، نعم هو قوله هنا فتأمّل.

قوله : «وللجار عطف إلخ» دليل جواز عطف أغصان شجر الجار عن ملكه سواء حصل منه ضرر أم لا ، وسواء كان في الأرض أم في الهواء فالعروق والجدار والتراب مثلها ، وسواء أمكن إعلام المالك بسهولة ويفعل أم لا وأمكن حينئذ الحاكم أم لا ، وسواء كان الموضع مشتركا بينهما أم لا ـ أن (١) للمالك إفراغ ملكه عن مال الغير.

والأصل ، مثل إخراج دابّة الغير عن ملكه ، مع ان الدابّة يحتمل تلفها.

وعدم وجوب إقرار مال الغير في ملكه بلا سبب شرعيّ ويحتمل توقفه على

__________________

(١) خبر لقوله قده : دليل جواز إلخ.

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مطالبة المالك وعدم فعله كما هو ظاهر أكثر العبارات غير المتن لئلا يلزم التصرف في مال الغير بغير ضرورة.

ويحتمل وجوبه على المالك كما هو ظاهر الشرائع ، فمع الامتناع يجبر ، قال في التذكرة : لا يجبر ، لأنه من غير فعله ، وهو يدلّ على عدم الوجوب ، ولكن قال بعده : (ويحتمل إلزامه كما إذا مال حائطه).

والظاهر وجود الفرق ، ولهذا يوجبون عليه هدمه وان لم يكن في ملك أحد الا ان يفرض في موضع لا يمكن فيه الضرر فتأمّل.

والأول ليس ببعيد لما مرّ إلا في نحو الدابة التي يجب حفظها فتأمّل فيها أيضا.

والأصل دليل قويّ ، وعلى التقادير في جميع الصور يلاحظ الأسهل وما لا ضرر فيه بوجه ، ثم الضرر اليسير وهكذا فمهما أمكن العطف لا يقطع ، وإذا ارتفع بقطع أمر قليل لا يتعدى ، وان اندفع بقطع العروق لا يوقد النار تحته لأنه أضرّ على ما قيل.

ويؤيد الجواز مطلقا ـ كما يفهم من المتن ـ ، ما سبق أن للمالك التصرف في ملكه أيّ تصرف شاء وان حصل الضرر على الجار ، وما روي في التذكرة في العرق ، من قوله صلّى الله عليه وآله : ليس لعرق ظالم حق (١) ، والتفصيل الذي أشرنا إليه ، محتمل فتأمّل.

وقال في شرح الشرائع : وتجب المبادرة على المالك بإخراج شجره وترابه وحائطه عن ملك الغير لوجوب تخليص مال الغير عن شغله بماله ، فتأمّل.

ومعلوم جواز الصلح على إبقائها مع تقدير المدّة ومقدار الزيادة أو انتهائها

__________________

(١) عوالي اللآلي ج ٢ ص ٢٥٧ رقم ٦.

٣٦٦

ويجوز إخراج الرواشن ، والأجنحة ، والميازيب إلى النافذة مع انتفاء الضرر وان عارض مسلم.

______________________________________________________

وسائر الشرائط المتقدّمة ، سواء ضمّ اليه الجدار ونحوه ممّا يجوز بيعه ، أو لا.

ويفهم من التذكرة الإجماع حيث قال : (عندنا) ونقل الخلاف عن الشافعي ويمكن (١) مجي‌ء خلاف الشيخ انه فرع البيع حينئذ : ولا يصحّ بيع الهواء وحده لعدم إمكان التسليم ، وذكره في شرح الشرائع ، فتأمّل فيه.

قوله : «ويجوز إخراج الرواشن إلخ» دليل جواز إخراج جميع ما ذكره في المتن في جداره ـ إذا كان في الطريق النافذة بشرط عدم الضرر بالمارّة بأن يكون عاليا مثلا ـ هو الأصل وجواز تصرف المالك في ملكه أيّ تصرّف كان مع عدم المانع. وان عارضه مسلم آخر بالمنع ، سواء كان غرضه ان يخرج هو من جداره أم لا. وله أيضا إخراجه وان استوعب الطريق بذلك.

وان حصل المظلمة أو ضرر آخر حينئذ ، يجب إزالة الثاني ، لأنه حصل منه وان كان الضرر يزول بإزالة الأوّل أيضا حينئذ ، صرّح به في التذكرة وشرح الشرائع.

ولعل الخلاف عند بعض علمائنا كالشيخ ، مع معارضة مسلم.

قال في التذكرة : الطرق النافذة ، الناس كلّهم فيها شرع سواء يستحقون للممر (للمرور خ) وليس لأحد ان يتصرف فيه بما يبطل المرور فيه أو ينقصه أو يضرّ بالمارّة من بناء حائط فيه أو دكّة أو وضع جناح أو ساباط على جدار إذا أضرّ بالمارّة (٢) ولو لم يضرّ بالمارّة بأن كان عاليا لا يظلم فيه الدرب جاز وضع الجناح والساباط من غير مانع عند بعض علمائنا.

ثمّ استدلّ عليه بعمل الناس الى الآن من غير نكير ، وبالقياس على

__________________

(١) في نسخة : (ولكن يجي‌ء خلاف الشيخ إلخ).

(٢) في التذكرة بالمارّة إجماعا.

٣٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستطراق ، وبوضع النبيّ صلّى الله عليه وآله بيده الميزاب في دار العباس (١).

ثم قال : وقال الشيخ رحمه الله وأبو حنيفة : لا عبرة بالضرر وعدمه ، بل ان عارضه فيه رجل (من المسلمين) نزع ووجب قلعه وان لم يكن مضرّا به ولا بغيره ، والا ترك ، لانه بنى في حق غيره بغير اذنه فكان له مطالبته بقلعه كما لو بنى دكّة في المسلوك (٢).

ثم أجاب بمنع القياس ووجود الفارق بالضرر وعدمه.

ويمكن ان يقال : ليس لأحد في هذا الطريق ملك ولا حقّ عام ، بل الناس شرع في الانتفاع به أيّ انتفاع كان ما لم يمنع عن الانتفاع المطلوب الموضوع له وان كان غير المرور أو المرور في بعض الأوقات ، فليس لأحد المنع مطلقا كما قلناه ، نعم له ان يسبق بالبناء فأيّهما فعل ليس للآخر منعه الا مع الضرر فيترك ، للضرر كما مرّ.

وأيضا لو كان حقا مثل سائر الحقوق ، فكان ينبغي عدم جواز التصرف بالمرور أيضا إلا بإذن الجميع ، لأنه مشترك وقد مرّت المبالغة في عدم جواز التصرف في المشترك إلا بإذن شريكه حتى القليل من ترابه.

والظاهر عدم الخلاف في ذلك ، بل في جواز جميع ما تقدّم إلا إذا منعه وعارضه بعض المسلمين ، وظاهر عباراتهم في التقييد بالمسلم أن ليس للكافر ذلك ، مع ان له أيضا حق المرور صرّح به في التذكرة.

وأيضا ظاهر تقييدهم بالمارّة أنه لو حصل ضرر بغير المارّة مثل الإشراف على بيوت الجار أو جناح الغير بالظلمة وغيرها ، لا يمنع ذلك من إخراجه.

وجهه أنّ الأصل وعموم ما يدل على جواز التصرف فيما خلقه الله تعالى يدل

__________________

(١) مسند احمد بن حنبل ج ١ ص ٢١٠.

(٢) في التذكرة : أو وضع الجناح في سلك غيره والقياس ممنوع إلخ.

٣٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

على جواز ذلك كلّه ، خرج مع الضرر بالمارّة بالإجماع ، وب (لا ضرر ولا ضرار) (١) بقي الباقي تحته.

ويؤيّده ان الممنوع هو التطلع على عورات الناس ، لا التمكن منه ، وأنه يجوز مثل ذلك في ملك نفسه كما مرّ ، وفي الملك المباح غير الطريق ، فان الظاهر أن لكلّ أحد أن يبني في ملك مباح وان حصل العلوّ والتسلّط على جاره صرّح به في شرح الشرائع وهو مؤيّد لعدم منع المعارض ، فتأمّل.

ولكن قال في التذكرة : لو تضرّر جاره بالإشراف ، فالأقرب ان له المنع ، لانه قد حصل به الضرر بخلاف ما لو كان الوضع في ملكه فإنه لا يمنع وان حصل الضرر مع الاشراف ، لأنّ للإنسان التصرف في ذلك كيف شاء (الى قوله) : ولست أعرف في هذه المسألة بخصوصها نصّا عن الخاصّة ولا عن العامّة ، وانما صرت الى ما قلت عن اجتهاد ، ولعلّ غيري يقف عليه أو يجتهد فيؤدّي اجتهاده الى خلاف ذلك.

وهذا انصاف منه رحمه الله واجازة للغير في خلافه ، ولا شكّ انه أحوط ل (لا ضرر ولا ضرار) ولمّا كان في دلالته على ما نحن فيه خفاء ـ فإنه مجمل والضرر واقع في الشرع كثيرا وليس بمعلوم مقدار الممنوع منه ـ قال : ولست أعرف إلخ.

وقال فيها أيضا : الضابط في التضرر وعدمه ، العرف ويختلف بحال الطرق ، فان كان ضيّقا لا يمرّ فيه الفرسان والقوافل وجب دفعه بحيث يمرّ المارّة تحته منتصبا والمحمل مع الكنيسة (القتب خ) المنصوبة على رأسه على البعير لانه يتفق ذلك وان كان نادرا ولا يشترط الزيادة عليه وان كان متسعا يمرّ فيه الجيوش (الى قوله) : وان يتمكن الفارس من الممر تحته ورمحه منتصب لا يبلغه لانه قد يزدحم

__________________

(١) عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢٠ وص ٣٨٣ وج ٢ ص ٧٤ وج ٣ ص ٢١٠.

٣٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الفرسان فيحتاج الى ان ينصب الرماح وقال بعض الشافعيّة : لا يقدر بذلك لأنه يمكنه وضع الرمح على عنقه بحيث لا ينال رمحه أحدا وليس بجيّد لان ذلك قد يعسر (١).

هذا إذا كان الطريق للجيوش والفرسان الكثيرة ، لا يبعد اعتباره ، إذ قد يتفق ولا يندفع بالندور ، ولا بإمكان إمالته على وجه لا يبلغهم ، إذ قد لا يمكن ذلك لكثرة الفرسان أو لا يميل فيضرّ بالفرس أو الراكب ، وبه يندفع كلام الشافعي ، ولا شكّ أنه أحوط ومع العادة يجب فتأمّل.

ثم قال : لو أظلم الطريق بوضع الجناح أو الروشن أو الساباط ، فان ذهب الضياء بالكليّة منع إجماعا لأنه يمنع السلوك فيه ، وان لم يذهب الضياء جملة ، بل بعضه ، فالوجه المنع ان تضرر به المارّة ، والا فلا.

والظاهر ان المراد بذهابه أو نقصه أعم من ان يكون في بعض أوقات المرور أو كلّه ليلا أو نهارا بالنسبة الى كلّ أحد أو بعضه مثل ضعيف البصر مع العادة ، والضرر أعم من أن يكون للتعثر منه أو لتلف شي‌ء من المارّة وغير ذلك.

والظاهر أنه لا يندفع بوضع السراج ، إذ قد لا يذهب الكليّة ، وقد ينطفئ في الأثناء وقد ينسى أو قد يموت الواضع ولا يفعل غيره وهو ظاهر.

وبالجملة ، الخلاص من ضرر الساباط ونحوه مشكل ، فالترك أولى ويشكل صحّة العبادات على ذلك السطح لوجوب ازالته ، ولاحتمال كون هذا التصرف منهيّا ، بل صحّة عبادات واضعه في غير هذا المحل أيضا في سعة الوقت إذا كانت منافية للإزالة لأنه غاصب حقا مضيّقا مأمورا بإزالته ، بل يشكل صحّة عبادات كل من يقدر على إزالته المنافية لها فإنه يجب عليه من باب الأمر بالمعروف.

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

٣٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا شكّ أنها لا تصحّ مع صحّة المقدمتين ، كون الأمر بالشي‌ء مستلزما للنهي عن ضدّه الخاصّ ، وكونه مفسدا للعبادة ، وقد مرتا مرارا ، وهو مذهب جماعة من العامّة والخاصّة فتذكّر وتأمّل.

قال في شرح الشرائع : وجوب إزالتها لا يختص بواضعها وان كان الأمر فيه آكد لكونه غاصبا فإن إزالتها رفع المنكر فيجب على كل من قدر المعاونة عليه بالقول والفعل ويأثم تارك السعي مع قدرته كما في كل منكر.

قال في التذكرة : إذا وضع الجناح أو الروشن أو الساباط في الدرب المسلوك على وجه يضرّ ، وجب عليه ازالته ، وعلى السلطان إلزامه بذلك.

لعلّ في قوله (١) : (المعاونة) وفي قول التذكرة : (عليه) (٢) و (على السلطان إلزامه) إشارة إلى أنه لا يكلّف الغير بالإزالة فإنها تكليف شاقّ وفيها صعوبة فلا يكلّف غير الفاعل ، وانما الواجب ازالته على الواضع ، وعلى الغير إلزامه وإعانته بحيث يزيل ذلك لا الإزالة بنفسه وان لم يتمكن ، فالظاهر وجوب دفعه بإعطاء الأجرة عن بيت المال.

نعم لا شكّ في جواز الإزالة كما في بعض العبارات ، وكلام التذكرة مشعر به حيث قال : (على السلطان إلزامه) وما قال : (يجب إزالته).

والظاهر أنه لا يجب على الغير ارتكاب الإزالة خصوصا مع المشقّة ، للأصل ، ولأنه إذا حفر بئرا في الطريق ، فالظاهر عدم وجوب طمّه على الغير ، بل الواجب المنع وتكليف الفاعل به فتأمل.

والظاهر ان الفرق بين الساباط وبينهما (٣) ، أن في الساباط لا بد ان يصل

__________________

(١) يعني شارح الشرائع في العبارة المذكورة.

(٢) يعني في قوله : وجب عليه.

(٣) يعني الروشن والجناح.

٣٧١

وفتح الأبواب فيها.

______________________________________________________

الخشب الى الجدار المقابل فلا بدّ من كونه مأذونا فيه أيضا ، وهو ظاهر بخلافهما ، واما بينهما ، فيمكن بكون العمارة على أحدهما دون الآخر أو وضع الخشب فوقه أو بوضع الا عمدة وعدمها والأمر في ذلك هيّن.

ثم قال في التذكرة (١) : ولو صلحه الإمام على وضعه أو بعض الرعيّة على شي‌ء لم يجز لأنّ ذلك بيع الهواء منفردا وهو باطل ، والهواء لا ينفرد بالعقد ، بل يتبع الدار كالحمل مع الأمة (٢).

كأنه يريد على مذهب الشافعي (٣) ، إذ لا معنى له على مذهبنا وهو ظاهر ، ولانه قال هنا : ان كان مضرا لم يجز أخذ العوض عنه كبناء دكّة في الطريق ، وان لم يكن مضرّا كان جائزا ، ولانه قال : ـ بعد هذا في مسألة ـ : لو أخرجت أغصان شجرة لو صالحه على إبقائه على الهواء صحّ عندنا خلافا للشافعي ، ولانه ليس يفرغ للبيع عنده.

فقوله : (وان عارض مسلم) إشارة إلى خلاف الشيخ وأبي حنيفة حيث قالا : لا عبرة بالضرر وعدمه ، بل ان عارضه رجل من المسلمين نزع ووجب قلعه وان لم يكن مضرّا بغيره ، لانه بنى في حق غيره بغير اذنه ، فكان له مطالبته بقلعه.

وهذا يدل على انه ملك له ، وهو غير ظاهر ، بل انما لكل أحد الاستطراق لا غير فليس لأحد منع ما لا يضرّ بذلك الانتفاع فقولهم : (انه ملك للمسلمين) مجاز ومسامحة.

قوله : «وفتح الأبواب فيها إلخ» أي يجوز فتح الأبواب وان كانت مستجدّة في النافذة مطلقا ، سواء كان لتلك الدار باب آخر إليها أو الى غيرها ،

__________________

(١) يعني عقيب قوله : (وعلى السلطان إلزامه) كما تقدم.

(٢) هكذا في النسخة ولعلّ الصواب (مع أمّه).

(٣) فإنه ذهب الى جواز الصلح على الهواء تبعا لا منفردا.

٣٧٢

ويمنع مقابله من معارضته وان استوعب الدرب.

ولو سقط فسبق مقابله لم يكن للأوّل منعه.

______________________________________________________

نافذة ومرفوعة أو لم يكن.

(ويمنع مقابله عن معارضته) يعني الذي في مقابله لو منعه عن استجداد الباب يمنع عنه إذ ليس له ذلك ، فإنه ليس له إلا الاستطراق وهو حاصل فهو وغيره سواء في عدم جواز المنع (وان استوعب الدرب) اي صار بحيث لم يبق له موضع يفتح بابا آخر.

ولو سقط هذا الباب ، بان وقع الحائط الذي هو فيه مثلا فسبق المقابل الى فتح باب من ملكه ، والفرض انه لا يسع الّا بابا واحدا ، فليس للأوّل منعه وهو ظاهر.

كما انه إذا أراد فتح باب وفتح غيره قبله ، فإنه موضع مباح للكلّ فكلّ من يتصرف فيه (به خ) فهو أحقّ ، ولا دليل على ثبوت الأولويّة بالأوّليّة ، مع احتماله ، فإنه ليس بأقل من التحجير في المباحات ، فتأمّل.

قال في التذكرة : لو وضع جناحا لا ضرر فيه أو روشنا كذلك وهدمه المالك أو جاره قهرا وتعديا ثم وضع الجار روشنا أو جناحا في محاذاته ومدّ الى مكان روشن الأوّل ، جاز وصار أحقّ به لأن الأوّل كان يستحق ذلك لسبقه اليه ، فإذا زال وسبقه الثاني إلى مكانه كان أولى ، كرجل جلس (حبس خ) في مكان مباح كمسجد أو درب نافذ ثم قام عنه أو أقيم فإنه يزول حقه من الجلوس ويكون لغيره الجلوس في مكانه وليس للأوّل إزعاجه وان أزعج الأوّل فكذا هنا ، ومنع منه بعض الشافعيّة لما (١) حاصله ان يزول بالإعراض عن الجناح لا بالهدم والانهدام كالجالس

__________________

(١) من قوله قده : لما حاصله الى قوله للأولويّة منقول بالمعنى وعبارة التذكرة هكذا : لان الجالس في الطريق المسلوك الواسع إذا ارتفق بالقعود لمعاملة الناس لا يبطل حقه بمجرد الزوال عن ذلك الموضع وانما يبطل

٣٧٣

ولا يجوز جميع ذلك في المرفوعة إلّا بإذن أربابها وان لم يكن مضرّا.

______________________________________________________

في المكان للأولويّة.

ثم قال : ونحن نمنع الحكم في الأصل والأولويّة وسيأتي (١).

والذي يتخيّل أولويّة قول بعض الشافعيّة ، إذ لا شكّ في حصول الأولويّة والأصل بقاؤها ، ومعلوم زوالها بالإعراض لا غير ، والظاهر انه ليس بأقل من التحجير ، ويفهم من القواعد انه إذا أزال التحجير قهرا يمكن عدم زوال أولويّة المحجّر.

وبالجملة ، الحكم ليس بمنصوص ولا مجمعا عليه عليه الظاهر ، فليس ببعيد قول بعض الشافعيّة ولا شكّ أنه أحوط.

قوله : «ولا يجوز جميع ذلك في المرفوعة إلا بإذن أربابها وإن لم يكن مضرّا» الظاهر ان المراد بالمرفوعة ، التي لا تنتهي إلى طريق آخر أو موضع مباح يجوز استطراقه بل يكون منتهيا الى ملك الغير أو المباح لغير الاستطراق ، سواء كان مسدودا بحائط أو نحوه أو لم يكن ، بل يكون منتهيا الى ما لا يجوز التعدي والاستطراق بعده ول (أربابها) من له باب نافذ فيها على وجه شرعيّ يجوز استطراقه فيها لا من كان حائطه فيها.

ودليل عدم جواز هذه الأمور كلّها هو ان هذا الزقاق ، أرضه وهواه ملك لأهله فلا يجوز التصرف فيه إلا بإذنهم حتى نصب الميزاب بحيث يشغل شيئا من الهواء.

واما إجراء الماء عن سطحه وحائطه بحيث يجري عليه ويجي‌ء إلى الزقاق ، فالظاهر انه يجوز ، لما تقدم أن لكلّ احد التصرف في ماله أيّ تصرف كان وان كان

__________________

بالسفر والاعراض عن الحزنة على ما يأتي فقياسه ان لا يبطل بمجرد الانهدام والهدم بل يعتبر إعراضه عن ذلك الجناح ورغبته عن اعادته ونحن نمنع إلخ.

(١) في التذكرة : (على ما يأتي ان شاء الله تعالى).

٣٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

سببا لضرر غيره ، فله جعل سطحه وحائطه بحيث لا يبقى فيه الماء ، بل يذهب منه حيث أمكن ولكن للآخر أيضا منعه من ان يدخل ملكه فيفعل ، وكذا لأرباب الزقاق منع الماء من أن يجي‌ء اليه فلهم ذلك بكلّ ما يجوز فتأمّل ، والأحوط ، الاستئذان.

هذا ، والقول ـ بأن المرفوعة ملك لأربابها ولا يجوز لأحد ، التصرف فيها إلا بإذنهم ومعه يجوز وان أضرّ بالمارّة ـ هو المذكور في التذكرة وغيرها.

ولكن لي ـ في كون هذا الزقاق ملكا ـ تأمّل الا ان يعلم ذلك بوجه شرعيّ ولو بدعوى الملكيّة لغير المعلوم الفساد ، بشرط ان لا يكون مستنده إلا مجرد الاستطراق ، فإن الذي علم من التصرف بالاستطراق ، استحقاقهم ذلك.

ولما كان أكثر الطرق والاستطراق ، يحصل في غير الملك ، ما لم يعلم منه الملكيّة التي هي منفيّة بالأصل ، إذ لا فرق بين المسلوك والمرفوع في الحصول الا ان المتردّدين في الأول أكثر.

وقد ذكر في التذكرة ان سبب التنازع أمور ، مثل ان يسبّل أحد ملكه أو بنى قرية في مباح فخلّوا منها شارعا ، أو يبني واحد حائطا وآخر في محاذاته وخلّوا بينهما دربا ، وشي‌ء منهما ليس بملك لصاحب الحائط وان سدّ آخره ومجرّد السد معلوم ، انه ليس بملك أيضا ، فلا فرق بين المرفوعة والمسلوكة ويفهم من شرح الشرائع في مسألة يجوز للداخل حصول الملك في المباحات. كأنه لبناء البيت والسقف فتأمّل.

ويؤيد عدم الملكيّة ما قال في التذكرة أنه محدود بسبع (أو خمس ولو كان مملكا لجاز لهم ما يتفقون بعد البناء ، وقال : هذا لمن تشاحّ عليه أهل الدرب المتقابلة ولا عبرة لغيرهم ، ولو اتفقوا على الوضع أضيق) في الابتداء ـ جاز وليس لأحد الاعتراض عليهم وطلب التوسعة فيه ، وانه إذا وضعوه على حدّ السبع لم يكن لهم بعد

٣٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك تضييقه ، ولو وضعوه على أوسع من السبع ، فالأقرب ان لهم ولغيرهم الاختصاص ببعضه.

والظاهر ان هذا أعم من ان يكون الطريق مرفوعا أم لا ، نعم لا بد ان يكون في المباح لا في الاملاك.

وأيضا يدل عليه ما قال في التذكرة : وهل يشترك جميعهم في جميع السكة فيكون الاستحقاق في جميعها لجميعهم ، أم شركة كل واحد يختصّ بما بين رأس السكة وباب داره (١) ، لأنّ محل تردّده ، هو ذلك المكان خاصا ، ومروره فيه دون باقي السكة ، فحكم ما عدا ذلك حكم غير أهل السكة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

ولعل الأظهر (٢) أظهر لأنه مأخوذ من التصرف والتردّد وليس الّا الى بابه ، والأصل عدم شركته مع الباقي.

والثاني (٣) لهم ، هو أن الاستحقاق في جميعها لجميعهم ، لأنهم ربما احتاجوا الى التردد والارتفاق بجميع الصحن بطرح الأثقال ووضع الأحمال عند الإخراج والإدخال.

وتظهر الفائدة ـ على أصحّ قولي الشافعي ـ في منع اشراع الجناح إلخ.

وهذا صريح في أن ليس هنا ملكيّة ، بل الاستحقاق المأخوذ من التردد والحاجة اليه.

ويدلّ عليه أيضا ما قاله فيها : هذا كلّه اعني سدّ الباب وقسمة الصحن انما هو إذا لم يكن في السكة مسجد ، فان كان مسجد قديم أو حديث ، فالمسلمون كلّهم

__________________

(١) في التذكرة بعد قوله : داره هكذا ولا تتخطأ عنه؟ المشهور عندنا اختصاص كل واحد بما بين رأس السكّة وباب داره إلخ.

(٣) الظاهر انه قده يريد أن أظهر وجهي الشافعي أظهر.

(٣) يعني الوجه الثاني للشافعيّة وهذا تتمة كلام التذكرة إلى قوله : الجناح.

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يستحقّون الطروق اليه ولا يمنعون منه ، وكذا لو جعل بعضهم داره رباطا أو مسجدا أو مدرسة أو مستراحا لم يكن لأحد منعه ولا منع من له الممرّ فيه وحينئذ لا يجوز لأحد أن يشرع جناحا ، ولا ساباطا ، ولا روشنا عند التضرّر به وان رضي أهل السكة لحق سائر الناس (١).

وهذا أصرح.

وأيضا يدلّ عليه أن كلّ أحد يدخل هذه المرفوعة من غير إذن أهلها ويجلسون فيها ويقفون ويدخلون الدوابّ ، ولو كان ملكا لما ساغ ذلك ولو لم يكن سائغا لوقع المنع منه ولو عن بعض العلماء أو الامتناع عنهم ، ولو كان لنقل ، للعادة ، بل لو كان ملكا لم يجز لأهلها أيضا ذلك كله إلّا برضاء الجميع ، لما عرفت من المبالغة في عدم جواز التصرف في المشترك ولو بأخذ تراب قليل ينشره على الكتابة ، ومعلوم ان الداخل فيها والخارج عنها لا ينفكّ عن ذلك.

ولو كان موقوفا على الاذن يلزم الضرر ، إذ قد لا يأذن الجار أو لمن له معهم شغل وعمل أو لم يكن حاضرا ، أو يكون موقوفا إلى الذهاب إليه في المرفوعة فيدور.

ويبعد الاكتفاء بالاذن بسبب العلامات مع ما تقدم ، على انه قد يصرّح واحد منهم بالمنع فيحصل الضرر والتعطيل.

قال في التذكرة : يجوز لكل احد ، الاستطراق في الطرق النافذة على اي حال شاء من سرعة وبطء ، وركوب ، وترجل ولا فرق في ذلك بين المسلم والكافر لأنها موضوعة لذلك ، واما الطرق المقطوعة فكذلك مع اذن أربابها ولو منع واحد أو منعوا بأسرهم ، فالأقرب عدم المنع لان لكلّ أحد دخول هذه الزقاق كدخول الدرب النافذة (٢).

__________________

(١) إلى هنا كلام التذكرة ج ٢ ص ١٨٣.

(٢) الى هنا عبارة التذكرة ج ٢ ص ١٨٤.

٣٧٧

ولو أحدث جاز لكلّ أحد إزالته.

______________________________________________________

وهذا صريح فيما قلناه ، ولكن قال :

وفيه إشكال ، الأقرب (١) ان جواز دخولها من قبل (٢) الآيات المستندة إلى قرائن الأحوال ، فإذا عارضه نصّ المنع عمل به واما الجلوس بها وإدخاله الدواب إليها فالأقوى المنع الا مع اذن الجميع فيه (٣).

هذا هو موافق لما قاله هو وغيره من الملكيّة ولكنها غير ظاهرة لما تقدّم.

والاعتماد على الآيات (٤) واذن الفحوى للدخول مشكل مع ما تقدم من عدم جواز التصرف في المشترك على الوجه الذي تقدّم ، فقوله الأول : (الأقرب عدم المنع) أظهر وهو يدل على عدم الملكيّة فتأمّل.

وبالجملة ، الظاهر عدمها (٥) في النافذة والمرفوعة فلا فرق ، ومعلوم عدم الملكيّة في الأولى ، إذ يبعد ملكيته لكلّ أحد حتى الكفار في أقصى الهند ، وربّ مسلم في أقصى الروم والظاهر أنه لا يقول به أحد.

وكذا المرفوعة ، إذ السدّ ليس بمملّك وهو ظاهر.

وكلّ ما ثبت بالإجماع أو النص من عدم التصرفات في هذه الزقاقات (الزقاق خ) مثل ما يكون مضرا ، فهو ممنوع منه ، واما غيره فلا حتى يثبت من غير فرق بين المرفوعة والمسلوكة ، فتأمّل ، والاحتياط طريق السلامة ان أمكن فلا يترك قولا وفعلا ، الله الموفّق.

قوله : «ولو أحدث جاز لكل أحد إزالته» لا شك في الجواز لأهل المرفوعة ، لأنه في حقّهم ، ولأنه منهيّ ، وكذا لغيرهم من باب نهي المنكر.

وانما الكلام في الوجوب وقد مرّ البحث فيه.

__________________

(١) أقربه ـ التذكرة.

(٢) هكذا في النسخ لكن في التذكرة من قبيل الإباحات إلخ ولعلّه الصواب.

(٣) الى هنا عبارة التذكرة.

(٤) يعني العلامات.

(٥) يعني عدم الملكيّة.

٣٧٨

ويمنع من فتح باب لغير الاستطراق أيضا ، دفعا للشبهة.

______________________________________________________

والظاهر أنه لا يجب الا المنع من الأحداث والإبقاء والمعاونة على الإزالة ب (مهما أمكن) لدفع المنكر ، وأنه يجب على الإمام جبره على ذلك ، بل على كل قادر بشرائط النهي عن المنكر.

واما الإزالة المحتاجة إلى صرف المال أو التعب فليس بواضح ، والأصل ينفيه ولهذا قال هنا : يجوز (١) ، وفي التذكرة : يجب على السلطان جبره ، وما قال : (يجب ازالته على كل قادر) ، ولهذا إذا حفر إنسان بئرا في الطريق أو سوّد بابا أو سدّه بالحائط وغيره أو رمى فيه ما يعثّر أو بنى في المسجد ، يجب في (على خ) الظاهر على كلّ أحد دفع ذلك بنفسه وماله ، بل انما يكلّف به هو ، لأنه بمنزلة المشتغل بالمنكر فيجب تركه ، وعلى الناس منعه.

ولا يبعد وجوب الإزالة من بيت المال ومال المصالح العامّة لمن له التصرف ان لم يمكن الّا بالمال ، ويحتمل الوجوب على كل أحد أيضا كما يشعر به ما تقدّم من شرح الشرائع.

قوله : «ويمنع من فتح إلخ» قد علم عدم جواز فتح الباب إلا بإذن الأرباب ، ولكن اعادة تأكيدا لدفع ما يقال : أن سبب المنع هو التصرف والاستطراق ، ومجرد فتح الباب لا يستلزم ذلك.

بل هو بمنزلة الروزنة ، وانه تصرف في ملك نفسه ، وله ذلك ، لما تقدم وسيجي‌ء أيضا.

وان له أن يرفع حائطه بالكليّة فكيف بعضه الذي هو عبارة عن فتح الباب (دفعا لشبهة أنه باب فإنه قد يتردد فيه أو يؤول اليه ، ولا يمكن إثبات تجدّده لغير ذلك وخصوصا إذا مضى مدّة ومات من يعرف من الشهود فيمنع ذلك لهذه المفسدة.

__________________

(١) حيث قال المصنف ره : ولو أحدث جاز إلخ.

٣٧٩

ولا يمنع من الروازن والشبابيك.

وفتح باب بين داريه المتلاصقين إذا كان باب كلّ واحدة في زقاق منقطع.

______________________________________________________

وفي منع الغير عن التصرف في ملكه بمثله تأمّل واضح ، ولهذا قال في التذكرة في الذي لا باب له في هذا الزقاق : يمكن ان يكون (يمكّن ظ) من ذلك ، أي فتح الباب لغير الاستطراق ، لانه لو دفع جميع الجدار لم يكن لأحد منعه ، فالبعض أولى ، فالذي له باب ، بالطريق الاولى.

قوله : «ولا يمنع من الروازن والشبابيك» وجه عدم المنع ظاهر ، وهو أن لكل أحد التصرف في ملكه أي تصرف شاء ، وما فتح الروازن ونصب الشبابيك (بك خ) الا التصرف في حائط ، نعم لا بدّ ان لا ينصب الشبابيك (بك خ) بحيث يأخذ شيئا من هواء الزقاق إلا بإذن جميع أربابه ، مضرا كان أم لا ، ولا يكتفى بالآيات لما تقدم.

ولا فرق في الروازن أو الشبابيك بين أن يضر بالجار بإمكان الاطلاع على عوراته أو التسلط عليه ومنع ضوئه أو الانتفاع بضوء سراجه.

نعم للجار ان يفعل في ملكه ما يمنع ذلك ولو بنصب حائط قريبا من الروزنة بحيث يمنع الانتفاع بها بالكليّة ما لم يستلزم التصرف في ملكه ، فله ان يلصق بحائط الروزن من غير الاتكاء.

وبالجملة لكلّ احد التصرف في ملكه ولا ينظر في ذلك الى ضرر الغير لما تقدم ، وقد صرّح به في التذكرة وغيرها ، ودليله تسلّط الناس على أموالهم الثابت بالنقل والعقل (١).

قوله : «وفتح باب إلخ» أي لا يمنع من فتح باب داريه بان يكون له

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٢ و ٤٥٧ وج ٢ ص ٢٣٨ وج ٣ ص ٢٠٨.

٣٨٠