مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

ولا يباع دار سكناه ، ولا عبد خدمته ، ولا فرس ركوبه إذا كان من أهلها ، ولا ثياب تجمّله.

______________________________________________________

وفيها تأمّل إذا لم يكن من أهل أن يؤاجر فتأمل فإنه يمكن التخصيص.

قوله : «ولا يباع دار سكناه إلخ» قد مرّ البحث عن ذلك كله ، فتذكر وتأمل.

لا دليل على الكل (١) بخصوصه الّا ان يكون إجماعا ، نعم موجود في دار السكنى (٢) ، فكأنهم فهموا من باب الموافقة.

وهو مشكل ، بل يمكن من باب الموافقة فهم عدم جواز ذلك الا ما ثبت بالدليل فإنه قد يثبت أنه لا يخلّى له سوى قوت يوم القسمة وليس العبد والدابة وثياب التجمل أكثر احتياجا من قوت الغد بل العكس فينبغي الاقتصار على ما ثبت بالدليل وإخراج الغير في الديون سيّما ثياب التجمل وعبد الخدمة والدابة إلا مع الضرورة الكلية بحيث لا يعيش بدونهما (بها خ) أو لمرض أو شق (يشق خ) مشقة لا تتحمل ، ومع ذلك الاحتياط والاولى في الأخير البيع وتحمل المشقة الا ان يؤل الى المرض أو الهلاك.

واولى من ذلك التبديل إذا تمكّن من تحصيل ما يكفى ورفع الباقي الى الديان.

والظاهر انه لو تبرّع وأعطاها في الدين يجوز ويبرء فتأمّل.

__________________

(١) المراد انه لا دليل على كل واحد بخصوصه لا انه لا دليل على واحد واحد بقرينة الاستدراك.

(٢) راجع الوسائل باب ١١ من أبواب الدين ج ١٣ ص ٩٤ ولكن في حديث ١ منه (صحيح الحلبي) عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لا تباع الدار ولا الجارية في الدين وذلك انه لا بدّ للرجل من ظلّ يسكنه وخادم يخدمه ـ وهو صريح في استثناء العبد والجارية أيضا.

٢٨١

«المقصد الرابع»

في الضمان ، ومطالبه ثلاثة.

______________________________________________________

«المقصد الرابع في الضمان»

قوله : «في الضمان إلخ» اعلم أن الضمان لفظ مشترك عند الفقهاء بين المعنى الأعم من الضمان بالمعنى الأخصّ ، والحوالة ، والكفالة ـ وبين الأوّل ـ منها.

والأعم هو التعهد على وجه خاصّ نفسا كان أو مالا ، لمن له في ذمته شي‌ء أم لا ، فان كان نفسا ، فهو الكفالة ، وان كان مالا فان كان في ذمته شي‌ء فهو الحوالة والا فالضمان بالمعنى الأخص المشهور.

الّا أن الضمان إذا أطلق ـ بغير قيد ـ يتبادر منه المعنى الأخصّ لكثرة تداول هذا المعنى مع كونه فردا من العامّ ، وإذا أريد منه قسمان آخران بخصوصهما يحتاج الى القيد ، مثل ضمان النفس (أو خ) ، وضمان لمن في ذمته شي‌ء.

هذا هو مراد الأصحاب مثل صاحب الشرائع وغيره من قولهم : ان الضمان الخاصّ هو المسمّى بالضمان بقول مطلق ، لا انه مفهوم كلّي صدقه على كل فرد فرد حقيقة.

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن هذا الفرد الخاصّ لا يحتاج الى قيد وقرينة ، بخلاف الفردين الآخرين ليرد عليه الإشكال بأن إطلاق الكلّي على كل فرد فرد حقيقة والاحتياج إلى القرينة ، ينافي الحقيقة ، ويجاب بان المنقسم إليهما ـ بحيث صارا فردين له بطريق الحقيقة ـ هو مطلق الضمان وذلك لا ينافي كونهما مجازين بالنظر الى الضمان المطلق الذي هو قسيمهما.

والحاصل انه فرق بين الشي‌ء المطلق ، وبين مطلق الشي‌ء ، ومثله في تقسيم الماء الى المضاف والمطلق وتعريفه (١) بعدم صدقه عليه مطلقا على (٢) انه لم يرد لأن إطلاق الكليّ على افراده باعتبار خصوصه وشخصه ، مجاز وان كان باعتبار وجوده فيها وارادة ذلك حقيقة ، فإطلاق الإنسان على زيد مثلا بإرادة خصوصه وشخصه مجاز ، وباعتبار كونه إنسانا وإرادته ، حقيقة وهو ظاهر ومصرّح به في محلّه.

ثم ان الجواب (٣) أيضا غير مفهوم لأنّ المنقسم هو الضمان المطلق ، لأنّهم قالوا : الضمان كذا وكذا ، ولا شك أنه مطلق فلا بدّ من صدقه حقيقة على أفراده على ما قاله ، وكذا المنقسم هو الماء المطلق ، لا مطلق الضمان والماء ولو باعتبار وجوده مع القيد المتقدم وهو ظاهر.

وقد يتوهم أنّ المقسم (المنقسم خ) لا بدّ من صدقه على الأقسام فيجي‌ء الاشكال ويجاب بما ذكرناه (٤) ، وبأنّ (ولأن خ) الصدق ـ بمعنى تحققه ـ مسلّم ولا شك في تحققه حينئذ ، واما بمعنى إطلاق لفظه عليه فلا ، وهو أيضا واضح فتأمّل.

فلا ينافيه اختيار جواز الحوالة لمن برأ ذمّته ـ كما فعله في الشرائع ـ لأنه

__________________

(١) يعني تعريف الماء المضاف بعدم صدق الماء المطلق.

(٢) يعني أصل الإيراد بقوله : بان إطلاق الكلي إلخ.

(٣) المذكور بقوله : ويجاب بان المنقسم إلخ.

(٤) وهو قوله قده فيما تقدم : لأن إطلاق الكلي على أفراده إلخ.

٢٨٣

(الأول) يشترط في الضامن جواز التصرف ، والملائة ، أو علم المضمون له بالإعسار.

فلا يصح ضمان الصبيّ.

______________________________________________________

اختار القسمة على المشهور ثم بيّن ما عنده من المسألة من جريان الحوالة في بعض أقسام الضمان ، فلا يرد اعتراض شارحه ، ولا يحتاج الى جوابيه (١).

وهما انه اختار أوّلا القسمة على الإجماع ، وأنّه قسّم باعتبار بعض أقسام الحوالة.

مع عدم ظهورهما ، إذ الظاهر من القسمة هو التغاير وحصر اسم كل قسم فيما ذكر له ، ومعلوم عدم الإجماع في حصر الحوالة والضمان على القسمين المذكورين ولا يظهر معنى القسمة باعتبار بعض الافراد.

وقد خرجنا مما أردنا ، لخروج شارح الشرائع رحمه الله.

ثمّ اعلم ان الضمان له أركان خمسة ، الضامن والمضمون ، والمضمون له ، وعنه ، والصيغة.

أما الضامن فيشترط فيه جواز التصرف المالي ، وملائته ، أو علم المضمون له بالإعسار (بإعساره خ) بمعنى انه إذا كان المضمون له جاهلا به ـ ثم علم إعساره بمعنى عدم وجود ما يؤديه فاضلا عن المستثنيات في الدين حال الضمان لا حال العلم ـ له الفسخ ، ولا يلزمه مقتضى الضمان وله طلب ماله عن المضمون عنه والظاهر انه لا خلاف في ذلك.

فلا يصح ضمان الصبي الغير المميّز ، وقد مرّ البحث في بيع المميّز مع اذن

__________________

(١) فإنه رحمه الله ـ بعد بيان الاشكال بما قرّره الشارح قده هنا ـ قال ما هذا لفظه : ويمكن دفع الإشكال بأن التقسيم جار على محلّ الوفاق أو باعتبار القسم الآخر للحوالة ، وهو متعهد مشغول الذمة للمحيل ليكون هو أحد الأقسام الثلاثة خاصّة ، وكون المشترك ذا جهتين بحيث يصحّ ضمانا خاصا وحوالة يسهل معه الخطب (انتهى) المسالك ج ١ ص ٢٥١.

٢٨٤

ولا المجنون.

ولا المملوك بدون اذن المولى.

ومعه يثبت في ذمته لا في كسبه.

______________________________________________________

الوليّ فإنه يأتي هنا ، وكأن المشهور عدم الجواز.

ولا المجنون ، بل الغافل ، والساهي أيضا ، الظاهر بالإجماع وخبر رفع القلم (١).

والظاهر ان السفيه المحجور عليه لسفهه وتبذيره كذلك وقد صرّح به في التذكرة وغيرها وهو ظاهر ممّا تقدم.

وشرطهم ذلك (تلك خ) (٢) في الضامن وغيره من الأمور مطلقا ، يدل على عدم اشتراط العدالة في ذلك مستديما ، والا ، ينبغي ان يقال : ويشترط العدالة.

وأيضا يدل على عدم اشتراط حجر الحاكم ، والا ينبغي تقييد ذلك بان الضمان لا يصح مع حجر الحاكم ، وكذا النكاح ، والطلاق ، والعتق ، وغيرها وهو ظاهر فتأمّل.

ولا المملوك بدون اذن مولاه ، وهو على تقدير عدم تملكه (٣) ظاهر ، ومعه يمكن الجواز ان لم يكن محجورا عليه في ماله وقد تقدم أن ظاهر كلامهم أنّه محجور عليه فتأمّل.

واما مع اذنه ، فالظاهر أنّه لا شكّ في صحته ولزومه مع علم المضمون له بالمملوكيّة ، وحينئذ مع إطلاقه يمكن وجوب الأداء من كسبه ، لأن الاذن في

__________________

(١) الوسائل باب ٣٠ حديث ٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ج ٥ ص ٣٤٤.

(٢) يعني ان اشتراط جواز التصرف المالي في الضامن وعدم كونه سفيها يدل على عدم اشتراط العدالة فيه إلخ.

(٣) يعني على القول بعدم صيرورة المملوك مالكا شرعا بمقتضى قوله تعالى (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) ، ظاهر.

٢٨٥

الا ان يشترط كما لو شرط الضمان من مال بعينه.

______________________________________________________

الضمان اذن في لوازمه ومنه الأداء ، فلما لم يصرّح كونه من مال المولى ولا في ذمّته فينصرف الى الظاهر وهو الكسب.

والظاهر انه مع عدم القرينة ينصرف الى ذمّته ، لانه قابل لذلك فيتبع به إذا أعتق.

هذا غير بعيد مع علم المضمون له بهذا والا فيمكن سماع دعوى أنه تخيّل أنّ ذمّة العبد هو ذمّة المولى ، ولهذا رضى ، بل يمكن ذلك في الكسب أيضا فتأمّل.

واما إذا شرط من كسبه أو في ذمّته أو غير ذلك ، فلا شك أنّه يلزم بلوازم الشرط كما لو شرط الضامن بنفسه أداء المال من مال معيّن ، فالظاهر صحته وأنّه لا نزاع فيه ، ويؤيّده عموم أدلّة العمل بالشروط (١).

ثم ان الظاهر انه حينئذ يلزمه الأداء من ذلك المال بعينه مهما كان فلو زاد له شي‌ء ، يأخذ من المضمون عنه ، وكذا لو تلف من غير تقصير ، بل معه أيضا ، فإن الظاهر ان الضمان هنا غير ناقل وان كان مذهب الأصحاب في غير هذه الصورة أنه ناقل.

ويدلّ عليه رواياتهم ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء؟ فقال : إذا رضي به الغرماء فقد برأت ذمّة الميّت (٢).

ومثل موثقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون عليه دين فحضره الموت فيقول (قال خ ئل) وليّه : عليّ دينك قال : يبرءه ذلك وان لم يوفّه وليّه من بعده ، وقال : أرجو أن لا يأثم ، وانّما إثمه على الذي يحبسه.

__________________

(١) عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٣٥ رقم ٨٤ وص ٢٩٣ رقم ١٧٣ وج ٢ ص ٢٥٧ رقم ٧ وج ٣ ص ٢١٧ رقم ٧٧.

(٢) أورده والذي بعده في الوسائل باب ١٤ حديث ١ و ٢ من أبواب الدين ج ١٣ ص ٩٨.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وهما مع غيرهما ، يدلّان على مشروعيّة الضمان مجملا واما الآيتان فلا.

وهما (١) ، (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) ، لعدم الصراحة في كون هذا القول بعد قول المعطي ب (حمل بعير) مع انه جعالة ، ومذهب من قبلنا ، وهي غير لازمة فالضمان منها محل التأمّل ، وكذا حجيّة شرع من قبلنا وان لم يكن (٢) إجماعيا فلا ينفع قول البعض به كما قال في التذكرة.

وقوله تعالى «سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ» ، والاولى تدل على اعتبار رضا الغريم.

وغيرها (٣) ـ مثل موثقة إسحاق وما في بعض الأخبار من طرق العامّة (٤) ، والخاصّة (٥) من قبول الضمان عن الميّت ثم صلاته صلّى الله عليه وآله بعد الامتناع منها قبل الضمان ـ يدلّ على عدم الاشتراط لعدم القيد ، والسكوت بمجرّد قول الضامن : (عليّ ذلك) ، مثل ضمان أمير المؤمنين عليه السلام وأبي قتادة (٦).

ولكن ينبغي ذلك ، فإنه ينتقل حقّ صاحب حق من ذمّة إلى أخرى فيملك ما كان لا يملك ويخرج عن ملكه ما كان يملك ، وكون ذلك من غير رضاه بعيد مع التفاوت بين الناس في المعاملات.

ويمكن حمل ما يدلّ على العدم على العلم بالرضا.

وان الضامن بحيث يقبله كل أحد وأحسن من الذي في ذمّته وان كان

__________________

(١) يعني الآيتين وهما قوله تعالى «وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ» يوسف ٧٢ وقوله تعالى «سَلْهُمْ إلخ» القلم ٤٠.

(٢) يعني حجيّة شرع من قبلنا في كل ما كان إجماعيا فهو والا فهو محلّ التأمل.

(٣) قوله قده : (وغيرها) مبتدا وقوله قده : (يدل على عدم إلخ) خبره.

(٤) راجع سنن أبي داود ج ٣ ص ٢٤٦ ، باب في التشديد في الدين رقم ٣٣٤٣.

(٥) راجع الوسائل باب ١٤ من أبواب الدين ج ١٣ ص ٩٨ وباب ٢ حديث ٢ من كتاب الضمان ج ١٣ ص ١٥٠.

(٦) راجع الوسائل باب ٣ حديث ٢ و ٣ من كتاب الضمان.

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لا مال له مثل أمير المؤمنين عليه السلام (١).

وما نقل في التهذيب والفقيه : أنّ بعض غرماء عبد الله بن الحسن عليه السلام ما قبل ضمان عبد الله بن جعفر مع كونه مليّا لأنه مطول (٢) وقبل ضمان علي بن الحسين عليهما السلام مع كونه فقيرا (٣) ، لانه صدوق (٤).

وهذه وأمثالها تدل على ان الإعسار غير مانع مطلقا فتأمّل ، وعلى علم النبي صلّى الله عليه وآله بذلك أو أنه وليّ المؤمنين يفعل ما يريد لهم ، وكذا أهل البيت (عليهم السلام) أو يكون مخصوصا بالميّت الذي لا رجاء له مطلقا.

وهي تدلّ على عدم اشتراط صيغة بخصوصها ، بل يكفي ما يدلّ على انه يعطي وقبل ذلك ويؤيّده عموم أدلة (المسلمون عند شروطهم) وصدق الضمان فلا يشترط القبول من المضمون له ، بل يكفى ما يفيد العلم برضاه ، ولا المقارنة ، وكونه عقلا لا يستلزم ذلك ، وهو ظاهر ، مع انه قد ينازع في كونه عقلا عند الشارع بالمعنى المطلوب.

وكذا أصل البراءة مع عدم العلم الّا مع القبول والاتصالى ، وسائر شرائط العقود اللازمة ، لأنّه لا يحتاج الى العلم بل يكفي الظن المأخوذ من الدليل الشرعي.

__________________

(١) في تمثيله قدس سرّه بأمير المؤمنين عليه السلام مناقشة واضحة لأنه عليه السلام لم يكن فقيرا بل يروض نفسه الشريفة مع قدرته وكفاك شاهدا ما كتبه الى عثمان بن حنيف عامله على البصرة ـ كما في نهج البلاغة ـ وهو قوله عليه السلام : ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القزّ ولكن هيهات أن يغلبني هو اى ويقودني جشعي الى تخيّر الأطعمة ، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى واكباد حرّى إلخ. ولا حظ أيضا المناقب لابن شهرآشوب ج ٢ ص ٩٣ ـ ١٠٣ في المسابقة بالزهد والقناعة.

(٢) يعني مماطل.

(٣) لعل المراد قلّة المال بالنسبة الى عبد الله بن جعفر لا الفقير الاصطلاحيّ شرعا.

(٤) راجع الوسائل باب ٥ حديث ١ من كتاب الضمان.

٢٨٨

ولا يشترط علمه بالمضمون له.

و (١) يشترط رضاه لا رضا المضمون عنه.

والضمان ناقل.

ولو أبرأ المالك ، المضمون عنه لم يبرء الضامن ، ولو ابرأ الضامن برئا معا.

______________________________________________________

والظاهر أن ما تقدم ، دليل شرعيّ وقد مرّ من المؤيّدات في باب البيع أيضا فتأمّل وتذكر ، ومعلوم (٢) عدم رضا المضمون عنه لأنه أداء دين شخص لا يحتاج الى اذنه ورضاه ، وهو ظاهر ، وعليه أدلّة وقد عرفت دليله.

وان المضمون يكفي كونه مالا ثابتا في الذمة فلا يشترط علم الضامن بكميته وكيفيّته ، وفيما مرّ كفاية ، فعلم الأركان الخمسة.

وقد عرفت ـ ما يدل على ان الضمان ناقل ـ من الاخبار ، وقد ادّعى إجماعنا عليه في التذكرة مع عدم ظهور خلافه ، فهو ثابت إلّا في ضمان العهدة والأعيان كما سيجي‌ء فتأمّل.

قوله : «ولو ابرء المالك إلخ» وجه عدم برأيه الضامن بإبراء المالك ذمّة المضمون عنه ، يعلم ممّا تقدم ، من أنه ناقل فابراء ذمّته إبراء عما ليس في ذمّته ولا يؤثر في إبراء ذمّة شخص آخر والضامن وغيره فيه سواء ، نعم يتوجه ذلك بالنسبة إلى مذهب العامّة من أنه غير ناقل فكأنّ الأصحاب يريدون الرد على ذلك.

فإطلاق قوله : (بريا) باعتبار ضمّ ذمّة الضامن والا فالمضمون عنه كان بريّا قبل إبراءه ، والإطلاق حسن باعتبار دفع توهّم أن للضامن أن يأخذ عنه ، وأنّه قد يشغل ذمّته للضامن ، إذ لو أعطى الغريم أخذ منه.

__________________

(١) قدم الشارح قدس سره توضيح هذه العبارة فيما تقدم بقوله قده ومعلوم عدم إلخ.

(٢) يعني عدم اعتبار رضا المضمون عنه.

٢٨٩

ولو ظهر إعساره تخيّر في الفسخ ، ولو تجدد بعد الضمان فلا فسخ.

ويجوز حالّا ومؤجّلا ، عن حالّ ومؤجّل.

______________________________________________________

قوله : «ولو ظهر إعساره إلخ» لو علم المضمون له ـ بعد وقوع الضمان ـ كون الضامن معسرا وقت الضمان بالمعنى المتقدم تخيّر بين فسخ الضمان فيطلب المضمون عنه ، والصبر حتى يأخذ من الضامن.

كأنه يكفي فيهما صدور ما يدل على ذلك ، واحتمل في الأول خصوص لفظ (فسخت) ونحوه ، وأنه ما لم يعلم الرضا به ، له الفسخ.

ويحتمل الفوريّة خصوصا مع العلم بالمسألة.

ولو عرض له (١) الإعسار بعد الضمان فلا خيار له فكلاهما واضح ممّا تقدم.

قوله : «ويجوز حالا إلخ» الصور أربع ، والظاهر جواز كلّها ، وأنه لا نزاع إلا في ضمان الدين المؤجّل ، حالّا لتخيّل ان الذي في ذمة المضمون عنه غير واجب حالا ، فكيف يضمن عنه حالّا.

وأيضا هو أصل فكيف يزيد الفرع عليه.

وانه خلاف الأصل فيقتصر على محلّ اليقين.

وقد عرفت جواب الأخير ، وهو العمدة ، وزيادة الفرع على الأصل بالدليل ، لا قصور فيه ، ومعلوم ان المال واجب على المضمون عنه وذمته مشغولة به وانما الأجل للطلب وجواز التأخير ، ولهذا يجوز اداؤه قبل الأجل ويجوز قبول صاحبه ، بل قد يجب ، فلا مانع ، خصوصا إذا كان بحيث لا يلزم المضمون عنه العوض ، فإنه بمنزلة أداء الدين المؤجّل ، وكذا إذا كان برضا الكل.

__________________

(١) في النسخ المخطوطة : واما لو عرض الإعسار.

٢٩٠

ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أدّى إن ضمن باذنه ، والا فلا.

______________________________________________________

نعم لا يجب على المضمون عنه ، العوض الّا بعد مضيّ ذلك الأجل فتأمّل.

وقد ادّعى إجماعنا في التذكرة وشرح الشرائع على الحكم المذكور في الأقسام الأربعة.

وإذا ثبت ذلك يتفرّع عليه جواز الضمان بزيادة أجل على أجل الأصل وهو ظاهر.

قوله : «ويرجع الضامن إلخ» عدم الرجوع مع عدم الاذن ظاهر وان أدّاه باذنه ، واما الرجوع مع الاذن في الضمان ـ مع الاذن في الأداء وعدمه ـ ففيه تأمل ، إذ الاذن في الضمان والأداء لا يدل على قبول أداء العوض بشي‌ء من الدلالات والأصل عدمه الا ان تدل قرينة حال أو مقال على ذلك كما في لزوم الأجرة على من أمر شخصا بفعل له اجرة عادة.

ولهذا قال في التذكرة : لو قال : أعط فلانا ألفا ففعل لم يرجع ، وكذا لو قال : أعتق عبدك أو ألق متاعك في البحر عند خوف الغرق وعدمه ، الا ان يضمّ اليه ما يدل على قبول العوض مثل قوله : (عنى) في الأوّلين : (وعلى ضمانه) و (عوضه) في الثالث وبهذا المقدار يلزم.

وهذا دليل على عدم اشتراط الصيغة الخاصّة ، والمقارنة وغيرهما فافهم.

ولي في اللزوم مع انضمام قوله : (عنّي) (١) أيضا تأمّل وان قالوه الّا ان ينضمّ إليه قرينة.

ويعلم من التذكرة الإجماع على الرجوع مع الاذن في مجرّد الضمان فتأمّل.

ولكن اشترط في الرجوع حضور شاهد يمكن إثبات الأداء به أو حضور

__________________

(١) يعني في قوله أعتق عبدك.

٢٩١

ولو دفع عروضا (عرضا خ) رجع بأقل الأمرين ، ولو ابرأ من بعض لم يرجع به.

وانما يصحّ إذا كان الحقّ ثابتا في الذمّة وقت الضمان ، مستقرا كان كالثمن بعد الخيار أو غيره كالثمن فيه ، ولا يصحّ قبل الثبوت وان آل اليه.

______________________________________________________

المضمون عنه.

ويحتمل الاكتفاء بإقرار المضمون له ، وعنه.

ويمكن ان يقال : الاذن في الضمان معناه لزوم العوض على الآذن للضامن بعد الأداء ففرق بين الاذن في الضمان (أو الأداء (١) مطلقا) فإن الإذن فيه بمنزلة قوله : أدّه عنى بمعنى (عليّ عوضه) فتأمّل.

قوله : «ولو دفع عروضا إلخ» لو دفع الضامن الى المضمون له عوض دينه عروضا برء الضامن ورجع في صورة ، له رجوع الى المضمون عنه بأقلّ الأمرين من قيمة السوقيّة للعروض ، وما كان في ذمّة المضمون عنه ، لان الضامن لا يستحقّ أكثر ممّا ادّى والمضمون عنه لم يؤدّ أكثر ما في ذمّته ، ولهذا لو أبرأ الضامن عن الكلّ لم يأخذ منه شيئا ، ولو أبرأ عن البعض لم يأخذ إلا ما بقي.

قوله : «وانما يصح إلخ» إشارة الى أنّ من شروط المضمون ، هو كونه مالا ثابتا في ذمة المضمون عنه ، سواء كان مستقرا وقت الضمان في ذمته كالثمن بعد مضى الخيار في ذمّة المشتري أو متزلزلا غير مستقرّ ، مثله (٢) قبله ، فلا يصحّ قبل الثبوت وان كان ممّا يؤل اليه كمال الجعالة قبل فعل ما جعل له ، وجه الكل ظاهر.

__________________

(١) قوله قده : أو الأداء مطلقا موجود في النسخ المخطوطة دون النسخة المطبوعة.

(٢) يعني مثل الثمن قبل مضى الخيار.

٢٩٢

ويصح ضمان مال الكتابة والنفقة الماضية ، والحاضرة ، لا المستقبلة.

وضمان الأعيان المضمونة كالغصب ، والمقبوض بالسوم ، والعقد الفاسد لا الأمانة ، كالوديعة.

______________________________________________________

قوله : «ويصحّ ضمان مال الكتابة إلخ» وجه صحّة الكلّ معلوم ممّا تقدّم وهو الثبوت في الذمّة كوجه عدم صحّة ضمان النفقة المستقبلة ، وهو عدم الثبوت مثل الجعالة قبل الفعل.

ولعلّه لا خلاف في الكلّ إلا في الكتابة المشروطة ، فإن للشيخ فيها خلافا ، نعم في نفقة الزوجة الماضية مبنيّة على وجوب (وجه خ) قضائها وثبوتها في الحاضرة بطلوع الفجر بشرط التمكين وعدم النشوز ، وسيأتي تحقيقه وتحقيق انها مستقرة أم لا بل تثبت بحيث لو نشزت ، له الرجوع.

واما النفقة (١) الماضية للأقارب فلما ثبت عدم القضاء ـ فإنها لدفع الاحتياج الحال والمواساة فإذا مضى ، ما بقي له محلّ ـ لم يصح ضمانه.

ولو قيل بثبوت الحاضرة بمجرد طلوع الفجر كما في الزوجة ، فلا يبعد صحّة الضمان ولا يبعد ثبوتها في وقت الاحتياج إليها عرفا لأنها لدفع ذلك ، فيصحّ الضمان حينئذ ، فتأمّل.

قوله : «وضمان الأعيان المضمونة إلخ» عطف على ضمان مال الكتابة أي يصحّ ضمان الأعيان المضمونة التي يجب على القابض ردّها ، ولو تلفت مطلقا يضمن قيمتها.

قال في التذكرة : يجوز ضمان أعيانها ، فإنه مال مضمون عنه فجاز الضمان عنه ، ولو ضمن قيمتها ـ لو تلفت ـ فالأقوى عندي الصحة ، لأن ذلك في ذمّة القابض.

__________________

(١) واما نفقة الأقارب (في نسختين مخطوطتين).

٢٩٣

و (يصح خ) ترامى الضمان.

______________________________________________________

وفيه تأمّل لأن ضمان الأعيان المضمونة ـ كالمغصوبة والمقبوضة بالسوم على تقدير القول به والعقد الفاسد ، والمستعارة المضمونة كأحد النقدين أو المشروطة في الذمّة بمعنى ان يضمن شخص وجوب (١) ردّ العين مع البقاء أو القيمة مع التلف (أو هما خ) كالقابض ـ غير ظاهر الصحّة إذ الضمان على خلاف الأصل فيقتصر على محلّ الوفاق وتحقق المعنى المراد شرعا ، وليسا (٢) بمعلومين فيما نحن فيه ، إذ الضمان عندهم ناقل ، ووجوب الردّ لا ينتقل ، بل يجب على القابض أيضا على الظاهر ، والقيمة غير ثابتة حين وجود العين ، ولا معنى لضمان العين بدونها.

ويحتمل الثبوت لصدق الضمان عرفا مع ثبوت شرعيته مطلقا وليس بمعلوم كون ما ذكر من لوازمه أو شرائطه ، نعم غالبا انما يكون كذلك.

ولهذا قال في التذكرة : ضمان المال عندنا ناقل ، وفي ضمان الأعيان المضمونة والعهدة اشكال أقربه عندي جواز مطالبة كلّ من الضامن والمضمون عنه إلخ ـ بعد ان اختار جواز ضمان الأعيان المضمونة والعهدة.

وكأنّه لذلك تردد البعض واستشكل فتأمّل بخلاف الأمانة أي الأعيان الغير المضمونة كالوديعة ، والعارية الغير المضمونة ، والمضاربة ، وما في يد الوكيل ، وأمين الشارع ، والوصيّ ، فإنه لا يصلح ضمانها.

وقد ادّعى على ذلك الإجماع في التذكرة ، وقد مرّ ما يدل عليه أيضا في الأعيان المضمونة فافهم.

قوله : «وترامي الضمان» أي يصحّ ان يضمن ضامن شخصا ثم ضمنه آخر ، وهكذا ويسمى بالتسلسل ، ويكون حكم كل لاحق مع سابقه ، حكم

__________________

(١) هكذا في النسخة المطبوعة واما النسخ المخطوطة التي عندنا فليس فيها لفظة (الوجوب) والصواب ما أثبتناه.

(٢) يعني وجوب رد العين مع البقاء أو القيمة مع التلف ليسا بمعلومين حين الضمان إذ الضمان إلخ.

٢٩٤

ولا يفتقر الى العلم بالكميّة.

فلو ضمن ما في ذمّته صحّ ، ويلزمه ما يقوم به البيّنة.

لا ما يقرّ به المضمون عنه ، أو يحلف المضمون له بردّ المضمون عنه.

ولا يصحّ ضمان ما يشهد به عليه.

______________________________________________________

الأولين والظاهر عدم الخلاف عند الأصحاب في ذلك.

وجهه ظاهر ممّا تقدم ، وكأنهم يريدون به الرد على بعض العامّة ، والظاهر أنه يجوز دوره أيضا عندهم بخلاف العامّة.

قوله : «ولا يفتقر إلى العلم بالكميّة» وجهه معلوم ممّا تقدم وهو ظاهر.

قوله : «فلو ضمن ما في ذمته إلخ» تفريعه على ما تقدم ظاهر ، وكذا لزوم ما تشهد به البيّنة على ثبوته في ذمّة المضمون عنه وحكم الحاكم به ، وكأنّه ترك حكم الحاكم لظهوره ، ويحتمل عدم الاحتياج وسيجي‌ء ضابطة ما يحتاج الى انضمام حكم الحاكم وقد تقدم أيضا فتذكّر.

ولا يلزمه ما يقرّ به المضمون عنه ، ولا ما ثبت عليه بردّ اليمين ، لأن الإقرار والحلف لا يؤثّر في ثبوت حقّ على الغير وهو ظاهر ، وكأنه مجمع عليه إلّا ان صرّح في عقد الضمان بذلك ، فيلزم حينئذ ما يقول (١) به فقط.

قوله : «ولا يصحّ ضمان ما يشهد به عليه» يعني لو لم يعرف ثبوت شي‌ء في ذمة المضمون عنه للمضمون له وقال : ضمنت لما ثبت لك في ذمته بالشهود ونحوه ، لا يصحّ ذلك لعدم العلم بالثبوت حال الضمان ، لأنّ العلم به شرط كما يستفاد من أكثر العبارات ، مثل القواعد ، والتحرير ، والمختلف والشرائع ويؤيّده ما تقدم والعقل أيضا.

__________________

(١) هكذا في النسخ المخطوطة ولكن في النسخة المطبوعة بالطبع الحجري (ما تقوم به).

٢٩٥

ويلزم على ضامن عهدة الثمن ، الدرك.

______________________________________________________

قال في الشرائع : لو ضمن ما يشهد به لم يصحّ لأنه لا يعلم ثبوته في الذمّة وقت الضمان.

وقال في التحرير : ولو ضمن ما تقوم به البيّنة لم يصحّ ، لعدم ثبوته في الذمة وقت الضمان ، وكذا في القواعد والمختلف.

والظاهر منها انه يشترط العلم بوجود شي‌ء في الجملة في الذمة ، وهو ظاهر في غير ضمان العهدة ، وفيه أيضا تأمل.

وقال في شرح الشرائع : ان هذا التعليل (١) لا يخلو عن قصور ، لأنه يدل على انه لو ضمن بهذه الصيغة ، ما علم ثبوته وقته يصحّ ، وأنه لو لم يعلم وضمن كلّ ما ثبت في ذمته وقته ، لم يصح والأمر بالعكس ، فان الصحيح في التعليل ان يقال : أنّ هذه الصيغة أعم من ان يثبت في الذمة حين الضمان وبعده وانما يصح ان لو ثبت حينه لا بعده ، والعام لا دلالة له على الخاص (انتهى).

وأنت تعلم ان ظاهر التعليل ما تقدم.

وان «الأمر بالعكس» غير واضح ، إذ قد يكون العلم شرطا كما هو ظاهر العبارات.

وان العام ينصرف الى الصحيح لا غير خصوصا مع القرينة فتأمّل.

قوله : «ويلزم على ضامن عهدة الثمن ، الدرك» يعني لو ضمن أحد للمشتري الخروج عن عهدة ثمنه ، إذا سلّمه للبائع ـ أي ما يلزم البائع من جهة الثمن لقصور وقع في البيع بان علم بطلانه من أصله كخروج المبيع مستحقا لغير البائع وما رضى بالبيع على تقدير جواز الفضولي ـ يكون الضامن بمنزلة البائع ، فكلّ ما يلزمه من التبعة ـ وهو الدرك ـ يكون عليه مثل ردّ عين الثمن ونحوه.

__________________

(١) يعني قول المحقق : لانه لا يعلم إلخ.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لعل دليله عموم أدلّة الضمان والإجماع وان قيل إنّ ضمان الأعيان لا يصحّ لما مرّ مؤيّدا بالضرورة.

فإنه (١) لو لم يجوّز مثله لزم تعطيل بعض المعاملات ، فان كثيرا ما يحتاج الإنسان إلى المعاملات مع اشخاص لا يوثق معهم من تلف الثمن على تقدير بطلانها ، وبعمل المسلمين.

وأشار إليها في التذكرة قال : وهذا الضمان عندنا صحيح ان كان البائع قد قبض الثمن (الى قوله) : لإطباق الناس عليه في جميع الأعصار ، ولأن الحاجة تمسّ إلى معاملة من لا يعرف ولا يوثق بيده وملكه ويخاف عدم الظفر به لو خرج بالاستحقاق.

وكأنه لذلك قال به : من قال بعدم جواز ضمان الأعيان.

ولا استبعاد في ضمان الأعيان بمعنى جواز طلب العين ممّن في يده.

والضامن مخيّر في وجوب ردّ العين عليهما وعوضها بعد التلف بعد الضمان.

بل لا يبعد كونه ناقلا أيضا بمعنى وجوب الرد فيطلب العين عن الضامن. فيأخذها عن المضمون عنه ويردها إلى أهلها ان ثبت النقل بالدليل مطلقا والا يكون النقل مخصوصا فيما يمكن من الأموال التي في الذمّة.

قال في التذكرة : ضمان المال عندنا ناقل للمال من ذمّة المديون إلى ذمّة الضامن على ما يأتي ، وفي ضمان الأعيان المضمونة والعهدة اشكال أقربه عندي جواز مطالبة كلّ من الضامن والمضمون عنه اما الضامن ، فللضمان ، واما المضمون عنه ، فلوجود العين في يده أو تلفها فيها وفي العهدة ان شاء المشتري طالب البائع

__________________

(١) هكذا في النسخ المخطوطة والمطبوعة ولعل الصواب (وانه) بالواو.

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وان شاء طالب الضامن ، لان القصد هنا بالضمان ، التوثيق لا غير (١).

لعلّ هذا على تقدير وجود الثمن في يده وقت الضمان ، لان مع التلف لا يحتاج الى هذا فإنه داخل في الديون في الذمّة.

ويمكن مطلقا ، لما ذكره ، ولأنّ الأصل عدم النقل فلا يتعدى الى غير المتيقن.

وأيضا يمكن ان يقال : مع وجود العين أيضا ناقل لوجوب الرد وان كلّف المضمون عنه ، لان تكليفه باعتبار وجود العين عنده وتحت يده غصبا ، وكأنه أخذه من يد الضامن.

وبالجملة بالحيثيّات يتغيّر الأمور ، فمن حيث انه ضمن منه أحد ، لا يكلّف بل من جهة اليد كتعاقب الأيدي.

والحاصل انه لا دليل على كون الضمان مطلقا ناقلا ، فإن الإجماع والخبر انّما هو في غير الأعيان ، فعموم أدلّة الضمان مثل ، المسلمون عند شروطهم (٢) يشمل الأعيان أيضا.

والاحتياط معه فذلك مطلقا غير بعيد كما هو مختار المصنف في سائر كتبه فتأمّل فلا يجري في المنع ما تقدم من أنّ نقل مال عن ذمّة إلى ذمّة بريئة ، خلاف الأصل والقواعد فيختصر على المتيقن ، فتأمّل.

ثم ان الظاهر انه كلما يصحّ ضمان العهدة للمشتري يصحّ للبائع أيضا بأن خرج الثمن مستحقا ، ونحوه صرّح به في التذكرة ، ولعلّ العلّة مشتركة.

قال في التذكرة : ألفاظ ضمان العهدة أن يقول الضامن للمشتري : ضمنت لك عهدته أو ثمنه أو دركه أو خلّصتك.

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

(٢) راجع الوسائل باب ٦ من أبواب الخيار ج ١٢ ص ٣٥٢.

٢٩٨

في كلّ موضع يبطل أصل البيع كالمستحق.

لا ما يتجدد (تجدد خ) بطلانه بفسخ لعيب وغيره.

______________________________________________________

الظاهر ان المراد (مثلا) (١) فكلّ لفظ يفهم منه ما يراد من ضمان العهدة ، يصح ذلك به (٢) ، للمشتري أو للبائع.

قوله : «في كل موضع يبطل إلخ» إشارة إلى تعيين محلّ ضمان العهدة ، ولمّا (ثبت) أنّ الضمان لا بدّ فيه من ثبوت حقّ في ذمّة المضمون عنه في نفس الأمر وقت الضمان ـ بحيث يمكن تكليف غيره به في الجملة ولو كان ذلك بعد الضمان لا حينه وكان الحق استحقاق المطالبة ووجوب ردّ العين للأصل وثبوت عدم صحّة الضمان لما لا يجب عندهم كالإبراء عمّا لا يجب بوجه وكأنه لا خلاف فيه ، والعقل يساعده ـ (لزم) (٣) ان يكون محلّ ضمان العهدة كلّ موضع يكون أصل المعاملات كالبيع باطلا عن أصله ، مثل ان يظهر أحد الأمرين مستحقا أو ما (٤) حصل أحد شرائط صحته.

فإذا حصل ضمان العهدة بصيغته المتقدمة مع الشرائط لزمه حكمه إذا حرج مستحقا أو ظهر بطلان البيع من أصله بسبب آخر سواء عيّن ذلك السبب قصدا أو لفظا أم لا ، لانه مقتضاها عندهم فيحمل عليه.

ولا يلزمه شي‌ء لو تجدّد بطلان البيع بسبب متأخر أبطله حين حصوله ، سواء كان القصد ذلك أم لا ، لما تقدم من الأصل والاقتصار على موضع الوفاق وعدم صحّة ضمان ما لم يجب مثل ان فسخ المشتري البيع لعيب موجود حال البيع.

وان استشكل هذا في التذكرة بسبب تفريط من البائع ، فإنه كان يمكنه

__________________

(١) ان المذكورات في التذكرة من باب المثال لا الخصوصية فكل لفظ إلخ.

(٢) هكذا في النسخ ولعل الصواب إسقاط لفظة (به).

(٣) جواب لقوله قده : ولما ثبت إلخ.

(٤) نافية.

٢٩٩

وتلف مبيع قبل قبضه.

______________________________________________________

الأعلام وما أعلم فكأنّ الاستحقاق ثابت فيستحقّ الطلب من الضامن لذلك.

وهو أحد وجهي الشافعية ، والآخر عدمه لانه فسخ متعقّب كالتقايل.

والأصل ، وعدم تحقّقه ، مع ما في ضمان العهدة يؤيّد الثاني كما اختاره المصنف في المتن (١) وغيره.

ومجرد تفريطه لا يستلزم ضمانه أو ينفسخ بالتقايل أو بالخيار أو أخذ البعض بالشفعة ، فإنه يطالب حينئذ الشفيع بالثمن لا البائع ولا الضامن ، اما البائع فظاهر واما الضامن فإنه ضمن عهدته للبائع فإذا لم يجب عليه شي‌ء لم يجب على فرعه بالطريق الاولى قاله في التذكرة أيضا.

ولكن قال قبله ـ في ثبوت ضمان العهدة ـ : ولا فرق بين ان يخرج المبيع مغصوبا وبين أن يكون شقصا قد ثبت فيه الشفعة بيع سابق فأخذ الشفيع ذلك المبيع ، ومعلوم عدم المنافاة ، فلا تغفل.

وكذا لو بطل لتلف المبيع قبل قبضه فإنه لا استحقاق هنا وقت البيع حتى يجب على الضامن.

وبالجملة ضامن العهدة إنما ضمن لاستحقاق الموجود حال العقد فيوجد آثار الضمان معه ، مثل رجوع المشتري إليه فيما إذا بطل البيع عن أصله ، ويعدم مع عدمه ، فلا يرجع الا الى البائع لو بطل البيع بأمر حادث بعد العقد والضمان وقلنا : بان الفسخ حينئذ يبطله لا من أصله مثل التقايل والرد بالعيب.

والظاهر أنه لا خلاف في كون الفسخ حينئذ مبطلا عند الأصحاب في جميع ما يتعقّب صحّة البيع ، وقد أشار إليه في موضع من التذكرة.

وقال ـ في تلف المبيع قبل القبض ـ : فلو تلف المبيع قبل القبض بعد قبض

__________________

(١) بقوله ره : لا ما يتجدد بطلانه بفسخ لعيب.

٣٠٠