مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والظلمة فيلزم أن يكونوا سفهاء لا يجوز معاملاتهم ومناكحاتهم وأخذ عطاياهم ، وزكواتهم وخمسهم فإنهم سفهاء بإجماع الأمّة على ما فهمناه عن التذكرة.

مع أنّهم صرّحوا وأطلقوا جواز معاملاتهم ومناكحاتهم وقبول جوائزهم ، وقالوا : انها مكروهة.

بل يمكن أن يقال : صرف المال في العنب بان يعمل خمرا ، وفي الخشب بان يعمل صنما ونحو ذلك أيضا صرف في المحرّم فيكون فاعله سفيها لا يجوز معاملته ، ومناكحته ، مع انهم جوزوا ذلك وقالوا بكراهتها.

ولا شكّ أن صرفه ـ ولو كان قليلا من الإطعام ـ للرياء والسمعة وغير ذلك من الأغراض الغير الصحيحة شرعا ، حرام فيكون موجبا للسفه ، ومن الذي يخلو عنه من أرباب الأموال؟ فيلزم عدم جواز أخذ العطيّة بل الزكاة والخمس عنهم فتأمّل.

وبالجملة ، التنزه عنه متعسر جدّا ، فإنه لو لم يعامل السفيه ، فإنه يعامل من يعامله ويصعب ذلك أيضا بأنهم قالوا : ان الرشد شرط فلا بدّ من تحقّقه ليعمل بالمشروط ، فمن جاء الى سوق كيف يعرف ذلك ، بل كيف حصول الرشد الابتدائي الذي هو شرط بالإجماع.

فالظاهر انهم يبنون على الظاهر ويتركون الأصل ، فإن حال الإنسان انه لم يفعل حراما ولا يصرف ماله فيه ، ويكون حافظا لما له غير مضيّع له ، ولهذا إذا طلب منه بأقلّ ممّا يسوى يعرض عن ذلك ولا يبيعه بوجه.

ولعل هذا المقدار كاف للعلم بالرشد المطلوب في جواز المعاملة والمناكحة ، فكأنّهم بنوا على ذلك.

ولهذا ما نقل الامتناع والتفحّص عنهم صلوات الله عليهم وأمرهم به ولا من أحد من العلماء المدينين (المتدينين خ) ذلك ويكون الاختبار والتفحّص الابتدائي

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

لتسليم المال ، للنص والإجماع والاستصحاب مع عدم الظهور والتحقق.

ويمكن تخصيص كون الصرف في المحرّمات سفها ، بما إذا لم يكن له غرض صحيح في نظر أهل الدنيا في صرف المال ، ولكن كلامهم خال عن ذلك ، الله يعلم (الله خ) والموفق للعلم والمزيل للجهل.

واما الذي يدلّ على عدم الاشتراط ، وان مجرد السفه كاف فهو أنه معلوم أنّ علّة عدم جواز تصرفه هو مجرد السفه وعدم صلاحيته للتصرف في ماله لذلك ، ولهذا يمنعه الحاكم ولو لا ذلك لما يمنعه.

والفرق بينه وبين المفلّس ظاهر ، فإنه صالح للحفظ ، والغرض الباعث ، حفظ مال الديان لطلبهم ذلك فيحتاج الى زاجر كما انه إذا امتنع عن أدائه لا بدّ من حاكم يأخذه فافهم.

وأنه كاف في الابتداء ففي الاستدامة كذلك لعدم الفرق ظاهرا وظهور العلّة.

وانه لو جوز له المعاملة يضيّع ماله في الحال ويعطي ما يسوى أضعاف درهم بدرهم ، وهو ضرر عظيم.

فالظاهر نفيه شرعا وعقلا وسدّ باب تصرّفه لئلّا يؤل الى ذلك كما فعل في أمثاله.

وان ظاهر قوله تعالى «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» الآية (١) عام بحسب ظاهر اللفظ في كلّ سفيه.

ولأنّ تعليق الحكم بالمشتق يفيد عليّة مبدء الاشتقاق ، ولهذا يتبادر أنّ العلّة هو السفه.

__________________

(١) النساء ـ ٥.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا يفهم من قوله تعالى «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» (١) أن مجرّد السفه هو علّة المنع لا غير ، وأنّه يزول المنع من التصرف بمجرّد زواله ، وأنّه لا دخل لحكم الحاكم ولا دخل لخصوصيّة كونه في ابتداء الحال.

وظاهر قوله تعالى «فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ» (٢) ، ان مجرد السفه موجب لعدم الإملال والإملاء والتصرف ، وثبوت الولاية من غير اشعار بذكر حاكم ولا ابتداء حال.

لأن معناه ـ على ما في الخلاف والمنتهى وغيرهما ـ (سفيها) محجورا عليه لتبذيره وجهله بالتصرف ، ناقص العقل مبذرا ، (أو ضعيفا) ، أي صبيّا أو شيخا مختلا ، أو لا يستطيع أن يملّ هو (بنفسه لخرس أو جهل باللغة) ، (فليملل وليّه) الذي يلي أمره من وصّى ان كان سفيها أو ضعيفا ، أو وكيلا ان كان غير مستطيع ، أو ترجمان يمل عنه وهو يصدقه.

وينبغي ان يزاد في الأوّلين ، الأب أو الجدّ والحاكم ويعبّر عن الكلّ بالولي ، لا بالوصيّ ، وهو ظاهر.

فيجب ان تحمل (٣) على ظاهرها ويخصّص بها عموم جواز التصرف والتسلّط وأدلّة صحّة سائر التصرفات.

فوجد الدليل على السفه غير حال الابتداء ، والضرر يندفع بما ذكرناه من جواز العمل على الظاهر ، وتجويز كون مجرد الحكاية (٤) كافيا للظن بالرشد المجوّز للمعاملة.

__________________

(١) النساء ـ ٦.

(٢) البقرة ـ ٢٨٢.

(٣) يعني الآية.

(٤) في بعض النسخ المخطوطة : وتجويز كون مجرد المؤانسة في المعاملة كافيا إلخ وعليه يكون إشارة إلى قوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) إلخ.

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وانه مشترك الورود لعدم الاشتراط في الابتداء بالإجماع ومعارض بالضرر الذي ذكرناه.

وكأنه لذلك جزم المحقق الثاني والشهيدان بأنه مانع ، بل نجد عبارات الأصحاب كلّها في جميع الأحكام في البيع ، والإجارة ، والوقف ، والوصيّة ، والهبة ، وغيرها ، مشحونة باشتراط الرشد من القابل وغيره.

فيبعد جدّا حملها على الرشد والسفه ابتداء ، لأنهم يطلقون ويعممون ويفرّعون عليه الفروعات الكثيرة بحيث يفهم عدم النزاع في ذلك كما في اشتراط البلوغ والعقل في سائر الأحكام.

ويبعد حملها على أنّ السفه مانع مع حكم الحاكم ، وهو ظاهر.

ويمكن أن يؤيّد الأوّل (١) بأنّ هذا حكم على خلاف العقل والنقل كتابا وسنّة وإجماعا فيختصّ (فيقتصر خ) على محلّ اليقين والوفاق وهو في الابتداء وتسليم المال ، وكذا مع حكم الحاكم.

والقياس باستخراج العلّة في أمثاله ، ليس بحجّة ، وكذا الضرر المذكور في الآية الأولى (٢) مخصوصة (٣) بالابتداء وتسليم المال على ما قالوه.

هذا على تقدير تسليم أنّ المراد بالسفهاء ، المبذّرون ، وب (الأموال) (٤) (أموالهم) أضيفت إلى الأولياء ، وانهم المراد ب (كم) بقرينة (وارزقوهم).

وقيل : المراد أموال المخاطبين وقد أمروا بان لا يسلموا أموالهم إلى السفهاء

__________________

(١) يعني بالأول كفاية السفه ابتداء في المنع بان يقال : كون الإنسان البالغ العاقل المختار ـ كما هو المفروض ـ ممنوعا من التصرف في أمواله على خلاف العقل إلخ.

(٢) يعني قوله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ).

(٣) هكذا في النسخ والصواب (مخصوص).

(٤) يعني كون المراد من قوله تعالى (أَمْوالَكُمُ) أموالهم.

٢٢٤

ولا يزول الا بحكمه.

______________________________________________________

لينتفعوا مثل (نسائهم) و (أطفالهم) بل يرزقهم منها ولا يسلّمها إليهم ثم يرزق منهم وهو الظاهر من الآية ، وفي بعض الاخبار أيضا اشارة اليه ، ويعلم التفصيل من مجمع البيان (١).

والثانية (٢) مخصوصة بعدم الإملال والوليّ فيه ، لا مطلقا.

على أنه قيل : المراد بالسفيه ، الجاهل بالإملاء ، وقيل : الطفل ، وقيل : الأحمق ، قاله في مجمع البيان.

ويحتمل غير ذلك أيضا.

ويحتمل كونه في الابتداء والمحجور عليه بحكم الحاكم ، ولهذا قال في الخلاف : المحجور عليه فتأمّل واحتط إن أمكنك فإن المسئلة من المعضلات المحتاجة إلى دفعها لأنها ضرورية واقعة في كلّ وقت.

ثمّ ان الظاهر أنه إذا قيل : أنّ السفه المانع من التصرف يثبت من دون حكم الحاكم ، فالظاهر أنّ زواله كذلك ، لانه السبب وبزواله يزول المسبب ويؤيّده : (فإن آنستم) فإنه كالصريح في زواله بزوال السفه من دون حكم الحاكم.

وأيضا ، الظاهر عدم الفرق بين الابتداء والانتهاء ، وفي الابتداء مجمع عليه وظاهر لما مرّ.

واما إذا قيل : انه لا يثبت الّا بحكم الحاكم ، فيحتمل زواله بمجرّد زوال السفه ، لان حكم الحاكم كان مشروطا بوجوده ، فلما عدم لا يمكن ثبوته ، ويبعد بقائه

__________________

(١) في المجمع ج ٣ ص ٨ طبع مطبعة العرفان صيدا (سوريا) : وقد عنى بقوله : أموالكم ، أموالهم كما قال : ولا تقتلوا أنفسكم أي لا تؤتوا اليتامى أموالهم وارزقوهم منها واكسوهم ، عن سعيد بن جبير (الى ان قال): وقد روي أنه سئل الصادق عليه السلام عن هذا فقيل كيف يكون أموالهم أموالنا؟ فقال : إذا كنت أنت الوارث له (انتهى) ولعل الشارح قده أشار بقوله وفي بعض الاخبار إلخ) الى هذا والله العالم.

(٢) أي الآية الثانية وهي قوله تعالى «فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ» إلخ ما تقدم.

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

من دون الشرط سيّما على القول بأن البقاء يحتاج إلى العلّة ، وان علته علّة الحدوث.

ولأن الظاهر والأصل عدم الحجر على أحد عقلا ونقلا الّا ما ثبت بالدليل ، وثبوته مع وجود السفه ، وحكم الحاكم لدليل ، لا يقتضي وجوده بعده أيضا ولا دليل غيره فتأمّل.

وبالجملة ، الظاهر عدم توقف زواله الى حكم الحاكم وان قيل بتوقف وجوده عليه ، لما تقدم ، وأنه أظهر من عدم توقف ثبوته على حكم الحاكم لما تقدم من وجود الدليل على الثاني دون الأول.

ويؤيّده أنه قد يعسر اعلام الحاكم فيحصل الضرر بالمنع عن تصرفه في ماله مع عدم المانع الحقيقي ـ أي السفه.

فجزم المصنف ـ بعدم زواله الا بحكم الحاكم مع إشكاله في ثبوته بدونه ـ محلّ التأمّل.

الا ان يقال : المراد كذلك ـ أي على اشكال ـ أو يقال : انه مبني على عدم ثبوته الا بالحكم ، وهو بعيد من العبارة ومحلّ التأمّل أيضا لما عرفت.

ولكن يؤيّده ما قال في التذكرة : فإذا طرء عليه السفه ثم عاد رشيدا فان قلنا : ان الحجر عليه لا يثبت الا بحكم الحاكم فلا يرفع الا برفعه.

الّا أنّ الملازمة غير ظاهرة وقد مرّ بيانه فإنه لا دليل على الثاني ، ولا يلزم من الأوّل.

ولأنّ العلّة هو السفه فلا يبقى المعلول بعد زوالها ، ولحصول الضرر مع عدم السبب ـ أي السفه.

فكأنه لعدم ظهور الملازمة جزم في التحرير بتوقف الثبوت على حكمه وتنظر في الزوال.

ولكنّه بعيد أيضا لما مرّ.

٢٢٦

وإذا بايعه انسان بعد الحجر كان باطلا ، فيستعيد العين.

______________________________________________________

وكذا يبعد اختيار اللمعة ، وهو عدم توقف الثبوت على حكم الحاكم وتوقف زواله عليه على ما نقل في شرح الشرائع لما مرّ فافهم.

ويمكن قول ثالث في أصل المسألة لو لم يكن خرق إجماع ، وهو أنه قد يكون ممنوعا بمجرّد السفه من التصرف فيما لا مصلحة له في ذلك التصرف أصلا ، بل يكون مضرّا مثل الغبن الفاحش وشراء المحرّمات وصرف الأموال بلا عوض ، وفي غير الأغراض الصحيحة ، لا مطلقا ويكون ممنوعا عنه مطلقا بحكم الحاكم أو لا يكون له ذلك ، فتأمّل.

ثمّ انه ذكر في التذكرة : إذا ثبت هذا ، فكلّ من صار محجورا عليه بحكم الحاكم فأمره في ماله الى الحاكم ، ومن حجر عليه بغير حكمه فأمره في ماله إلى الأب أو الجدّ للأب.

كأنه يريد مع وجودهما ، وإلّا فالوصي ان كان ، والا فالحاكم.

على ان دليل الكليّة غير ظاهر ، بل هي أيضا ، فإن المجنون بعد البلوغ والرشد أمر ماله الى الحاكم على المشهور ، مع ان ثبوت حجره ليس بحكم الحاكم ، بل بمجرد الجنون.

وكذا المملوك ان قلنا بأنّ له مالا ، حجره ليس بحكمه ، مع أنّ أمر ماله إلى مولاه.

وأمر مال المرتد الغير الفطري إلى الحاكم على الظاهر وحجره ، ليس بحكمه على ما ذكره قبل هذه الكليّة ، وكأنه يريد الخاص ، وهو اعرف قدس الله سرّه.

قوله : «وإذا بايعه انسان إلخ» قد علم أنّ السفيه إذا حجر عليه يكون ممنوعا من جميع التصرف المالي بالكلّيّة ، سواء صادف العين أو الذمّة ، ومن بعض غير المالي أيضا مثل النكاح وان كان هو أيضا يؤل إلى المالي.

وكأنه لا خلاف فيه بين الأمّة إلا قول ضعيف عن الشافعي في الشراء في

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الذمّة على ما نقل في التذكرة ، فلا يجوز التصرف في ماله باذنه أيضا.

بل يمكن تحريم أصل المعاملة ومجرد إيقاع صورة البيع والشراء معه مثلا خصوصا على تقدير اعتقاد صحته ، بل كاد ان يكون كفرا مع علمه بعدمها.

فإذا وقع مال منه بيد الإنسان اختيارا أو بغيره يجب ردّه الى وليّه ، فلو بايعه انسان بعد الحجر فلا شك في بطلان البيع عالما كان أو جاهلا ، فان اشترى منه متاعا أو أخذ ثمن مبيعه منه ، يجب ردّه إلى الولي فإن تلف في يده يكون ضامنا.

ولا شكّ في ذلك مع علمه ، بل يكون حينئذ هو أيضا مسرفا فيؤخذ من وليّه.

وأما مع الجهل فكأنه كذلك ، لتقصيره فإنه كان ينبغي أن لا يعامل حتى يعرف ، ولان على اليد ما أخذت حتى تؤدي ، ولان ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، وهو كالمجمع عليه عندهم ، ولأنّ التلف سبب ، من جنس خطاب الوضع فتأمّل.

واما ماله الذي صار للسفيه بالعقد الفاسد ، فان كان موجودا ، لا شكّ في أنه له فيأخذه هو أو وليّه ، وان تلف ـ مطلقا أتلفه أم لا ـ فالظاهر عدم الضمان ، سواء كان قبّضه إيّاه أو قبضه هو بنفسه ، لانه بالعقد المملك والتسلّط على تملّكه ، ضيّعه المالك هو بنفسه.

هذا أيضا مع العلم ظاهر ، ومع الجهل تأمّل خصوصا إذا لم يكن مقصّرا في التفحّص ، بل في صورة العلم أيضا تأمّل لأنه صار سفيها أيضا.

ولكن الظاهر عدم الضمان ، لما مرّ ان لم يكن الذي تلف عنده عالما بالحال.

بل الذي يختلج في الخاطر هو ضمانه مع علمه بعدم صحّة هذا العقد وعدم صحّة التسلّط الا ان يكون المسلم عالما وقبّضه إيّاه فتأمّل فان في كلامهم إجمالا كالمتن.

٢٢٨

ولو تلفت وكان القبض باذن المالك فلا رجوع ، وان زال الحجر ، وان كان بغير اذنه رجع عليه.

ولو أتلف ما أودعه (ع ـ خ ل) فالوجه عدم الضمان.

______________________________________________________

قوله : «وان زال الحجر» إشارة إلى خلاف بعض الشافعيّة انه إذا أتلفه بنفسه ضمن بعد رفع الحجر عنه ، قاله في التذكرة ، ثم قال : «ولا بأس به».

ووجه عدم البأس غير واضح ، بل الظاهر هو البأس موافقا للأصحاب والمصنف هنا وسائر كتبه حتى التذكرة قبيل هذا.

والتفصيل ـ بأنّ القبض ان كان باذن المالك فلا يضمن وبغيره ضمن كما هو في المتن أيضا ـ غير واضح ولهذا ما فصّل في التذكرة.

والظاهر عدم الفرق بين البيع وسائر المعاوضات حتى القرض إذا سلّطه عليه مالكه بما يجوز الهلاك ظاهرا ، ولكن يضمن جميع ما أتلفه مع عدم تسلّط مالكه وهو ظاهر ومصرّح به في التذكرة.

قوله : «ولو أتلف ما أودعه (ع ـ خ)» وجهه معلوم ممّا تقدم ، وهو أنّ المودع هو المضيّع ، لأنه سلّط وسلّم المال الى غير أهله ، وكذا العارية ونحوها ممّا لا يجوز له الإتلاف ولا تسلّطه عليه للإتلاف بوجه.

ولكن اختار في التذكرة الضمان في أمثالها ممّا سلّم اليه من غير تسليط إتلاف ، قال : والأقرب عندي أنّه يلزمه الضمان ان أتلفه أو تلف بتفريطه ، لان المالك لم يسلّطه وقد أتلفه بغير اختيار صاحبه فكان ضامنا.

والظاهر ذلك ، لعموم دليل الضمان ، وكونه سفيها وتسليم مالكه إيّاه لا يستلزم عدم الضمان ، لانّ له أهليّة الضمان والحفظ ، لانه عاقل بالغ الّا أنّه يسامح في ماله وذلك غير قادح في أهليته ، فلا يستلزم كون المالك هو المضيّع كما في الصور الأول ولهذا يجوز توكيله.

٢٢٩

ولو فك حجره فعاد بتبذيره (تبذيره خ) ، عاد الحجر.

والولاية في ماله الى الحاكم ، وفي مال الطفل والمجنون إلى الأب أو الجدّ له ، فان فقدا فالوصيّ ، فإن فقد فالحاكم.

______________________________________________________

ولا يقاس بحال (على خ) المجنون والصبيّ في انهما لا يضمنان بتلف الوديعة والعارية ، لأنهما مسلوبا الأهليّة شرعا للخطاب والحفظ ، مع تسليط المالك.

على أنّه قد يقال بالضمان على تقدير فرض التمييز (التميز خ) التام ، مثل ما يكون عند البلوغ وجعله من باب خطاب الوضع خصوصا إذا أتلفاه فتأمّل.

قال في التذكرة : وحكم المجنون والصبي ، كما قلناه في السفيه ، في وجوب الضمان عليهما إذا أتلفا مال غيرهما بغير اذنه أو غصبا فتلف في يدهما (أيديهما خ) ، وانتفاء الضمان عليهما فيما حصل في أيديهما باختيار صاحبه كالبيع والقرض ، واما الوديعة والعارية إذا دفعهما صاحبهما إليهما فتلفتا فلا ضمان عليهما فإن أتلفاهما ، فالأقرب انه كذلك ، ولبعض العامّة وجهان إلخ.

قوله : «ولو فك حجره إلخ» الظاهر أنه هكذا كلما زال فيزول ، وكلما عاد فيعود وهو ظاهر ، ونقل عليه إجماع علمائنا في التذكرة ، بل إجماع الصحابة ، وقول أكثر العامة ونقل عن زفر ، وأبي حنيفة عدم الحجر عليه ، قال : وهو مروي ، عن ابن سيرين والنخعي ، لأنّه مكلّف فلا يحجر عليه كالرشيد ، ولانه يصحّ طلاقه فيصحّ عقوده.

وأنت تعلم ما فيه من القياس الباطل أصلا وخصوصا هنا ، للفرق بين الرشيد والسفيه والمالي وغيره وهو واضح ، ولهذا فرق العلماء بينهما ، بل أبو حنيفة واتباعه أيضا حيث أثبتوا الحجر أوّلا ، وهو منصوص ومجمع عليه ، وان العلّة المقتضية للحجر باقية ، فيجب وجود معلولها ، على ان القياس فيما يقابل النص غير مقبول ، وانه لو صحّ لزم عدم الحجر رأسا ، وهو ظاهر.

قوله : «والولاية في ماله الى الحاكم إلخ» قد ادّعى إجماعنا في التذكرة على

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم جواز تصرف السفيه في ماله وان بلغ وطعن في السن ، وفي المجنون أظهر قد مرّ ضابطة التذكرة (١) مع التأمّل وقال هنا : إن ولاية السفيه في ماله الى الحاكم.

الظاهر انه يريد السفيه الذي طرء سفهه على رشده بعد البلوغ ، فان الظاهر أنه قبل ذلك الى الأب والجدّ له كما صرّح به بعض الأصحاب ، واليه أشار في الضابطة وان قال في شرح الشرائع أنّ المشهور أنه للحاكم مطلقا فيمكن ان يحمل على ظاهره.

ويؤيّده انه مختار التذكرة ، ولكن نقل عن احمد ما قلناه ، ثم قال : لا بأس به فتأمّل.

وكأنه يريد ب (الطفل والمجنون) من لم يبلغ ويرشد ويعقل فيكون البالغ الغير الرشيد أيضا داخلا فيه ويكون ولايته للأب أو الجدّ له ، ويكون ولاية المجنون ـ العارض جنونه بعد عقله ورشده وزوال حجر الأب والجدّ عنه ـ الى الحاكم أيضا.

والوجه أنه قد ثبت ولايتهما قبله ، كأنه للإجماع المنقول في التذكرة ، كأنه إجماع الأمّة ، وكذا على عدمها لغيرهما من الام وسائر الأقارب ، وأنّ من قال بغيره ، خرق الإجماع ولا نجد دليلا غيره صريحا ، فالاستصحاب يقتضي بقائها حيث لا دليل على زوالها.

وأما العارض بعد الزوال فلا دليل لثبوتها لهما فيكون للحاكم كسائر الولايات.

ولعلّ دليل ولاية الحاكم على من لا وليّ له أنه لا بدّ من وليّ وليس أحد أحقّ منه ، ولا يساويه للعلم والتقوى ، وفي غيره مفقود ، ولأنّ العلماء ورثة

__________________

(١) وهي قوله ره : كل من صار محجورا عليه بحكم الحاكم فأمره في ماله الى الحاكم الى آخر ما تقدم آنفا.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

الأنبياء (١) ولا شك ان ذلك لهم ، ولأنه نائب لوليّ الأصل وهو الإمام عليه السلام ، وكأنّه لا خلاف في الحكم ، الله يعلم ، ونقل عليه الإجماع في شرح الشرائع.

والظاهر انه لا خلاف في ثبوتها للحاكم في الجميع إذا عدموا أو سلب صلاحيّة الولاية عنهم ، بل إذا غابوا أيضا ، والوجه ما تقدم.

بل الظاهر ثبوت ذلك لمن يوثق بدينه وأمانته بعد تعذّر ذلك كلّه.

ويدلّ عليه قوله تعالى «وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (٢).

وحكاية فعل الخضر عليه السلام فافهم (٣) ، والخبر الصحيح الدالّ على جواز بيع مال الطفل عند عدم الوصيّ (٤) من غير قيد تعذر الحاكم ، ولا شكّ أنّه أولى مع إمكانه ، والا فالظاهر ان لغيره ذلك كما في مال ولده.

ولا يبعد ذلك في المجنون والسفيه أيضا على تقدير ثبوت حجره ، لعدم الفرق ، وللضرورة ، ولحكاية الخضر عليه السلام ، وفهم ان العلّة في مال اليتيم هو الحسن ، ولقوله تعالى «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» (٥) ، فيمكن ذلك في مال الغائب أيضا فافهم.

ثم اعلم ان ظاهر أكثر العبارات خالية عن اشتراط العدالة في الأب والجدّ ، نعم في القواعد وشرحه (٦) إشارة الى ذلك ، والأصل يقتضي العدم ، وكذا

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ٣٢ باب صفة العلم وفضله إلخ حديث ٢.

(٢) الإسراء ـ ٣٤.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى حكاية عن من أمر موسى على نبينا وآله وعليه السلام بالتعلم منه (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) الآية» الكهف ـ ٨٠.

(٤) راجع الوسائل باب ١٦ حديث ٢ من أبواب عقد البيع ج ١٢ ص ٢٧٠.

(٥) التوبة ـ ٩١.

(٦) لعلّه ناظر الى قوله قده في القواعد ـ بعد عدّ الأولياء الذين منهم الأب والجدّ ـ : وانما يتصرف الولي

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

في الوصيّ ، ويؤيّده جواز التوكيل ، ومضاربة مال ولده وبضاعته مع عدم اشتراطها.

قال في التذكرة : ينبغي كون المضارب والمباضع لليتيم أمينا وكون السفر الى موضع أمان فلا يكون في البحر.

وعمومات الروايات الدالة على إجراء أحكام الوصيّ من غير اشتراط عدالته.

نعم في الخبر الصحيح ـ المشار إليه ـ اشارة اليه حيث قال : عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : ان رجلا من أصحابنا مات ولم يوص فرفع أمره الى قاضي الكوفة فصيّر عبد الحميد بن سالم القيّم بماله ، وكان رجلا خلّف ورثة صغارا ومتاعا وجواري ، فباع عبد الحميد ، المتاع ، فلمّا أراد بيع الجواري ، ضعف قلبه في بيعهن ولم يكن الميّت صيّر اليه وصيته وكان قيامه بها بأمر القاضي لأنهن فروج ، قال محمد : فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السلام فقلت : جعلت فداك يموت الرجل من أصحابنا فلا يوصى الى أحد وخلّف جواري فيقيم القاضي رجلا منا لبيعهن أو قال : يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهنّ فروج ، فما ترى في ذلك؟ فقال : إذا كان القيم مثلك ومثل عبد الحميد ـ أي ابن سالم ـ فلا بأس (١).

وظاهر ان القاضي هو قاضي الجور.

وفيه إشارة إلى عدالة محمد وعبد الحميد بن سالم في الجملة ، وجواز العمل بالظن ، وأنه إذا وافق الحق يجوز ولا يشترط العلم أوّلا.

فتأمّل فإن اشتراط العدالة ـ بمجرد هذا والخبر الآتي ـ مشكل.

نعم قد تكون معتبرة في الناظر لهما وفي وصيّ الوصيّ إذا كانت وصايته

__________________

بالغبطة ، فلو اشترى لا معها لم يصح ويكون الملك باقيا للبائع (انتهى) إيضاح الفوائد في حل إشكالات القواعد ج ٢ ص ٥٢ طبع المطبعة العلميّة ـ قم.

(١) الوسائل باب ١٦ حديث ٢ من أبواب عقد البيع بطريق الشيخ رحمه الله.

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

شاملة للوصيّة ، وفي مطلق الوصيّ إشكال مع حكمهم بإجراء أحكام الوصايا في الأخبار الكثيرة (١) جدّا من غير تفصيل وصدق الآية الشريفة (٢) ، بل عزل غير العدل تبديل منهي عنه في ظاهرها فتأمّل ، وكذا في الخبر الصحيح (٣).

وفي وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام ـ أيضا ـ اشارة اليه حيث قال : وان حدث بالحسن والحسين عليهما السلام حدث فان الآخر منهما ينظر في بني عليّ فان وجد فيهم من يرضى بهداه وإسلامه وأمانته فإنه يجعله اليه ان شاء (٤) ـ أي الأمر ـ في ماله بعده والأمر الذي اوصى به في أمواله.

ولكن فيه تأمّل مّا فتأمّل.

ولا يبعد اعتبارها إذا لم يكن وصي ولا شك مع شرط الموصى إياها للخبرين (٥).

ولا شك أنّ مراعاة العدالة أحوط ولا ينبغي الترك وان احتمل الجواز وقوي فيمن يوثق بديانته فيما فوّض إليه إذا أوصى اليه لما مرّ من الآية (٦) وظهور الاخبار (٧) وان كان مجهولا أو يحصل منه بعض الفسوق مثل كذب أو غيبة في بعض الأحيان.

والظاهر عدم الفرق بين الوصي والأب والجدّ له في ذلك في النظر وان كان في عباراتهم ، الفرق بين الوصي وبينهما موجودا فتأمّل وسيجي‌ء تحقيق المسألة

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٣٢ و ٢٣ و ٢٤ و ٥٠ من كتاب الوصايا ج ١٣.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» البقرة ـ ١٨٠.

(٣) يعني صحيح محمد بن إسماعيل المتقدم.

(٤) الوسائل باب ١٠ قطعة من حديث ٤ من كتاب الوقوف والصدقات.

(٥) يعني خبري ابن بزيع ووصيّة أمير المؤمنين عليه السلام.

(٦) يعني قوله تعالى «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ إلخ».

(٧) المشار إليهما آنفا.

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في بحث الوصيّة ان شاء الله.

ثم اعلم انه قال الشهيد الثاني في شرح الشرائع : وامّا السفيه فإطلاق المصنف يشمل من تجدّد جنونه بعد الرشد ومن بلغ سفيها وهو أشهر القولين في المسألة ، ووجهه على ما اختاره سابقا من توقف الحجر بالسفه على حكم الحاكم ورفعه عليه ظاهر فيكون النظر اليه ، وقيل : ان بلغ سفيها فالولاية للأب والجدّ إلخ.

وهو غير ظاهر لأنّ الظاهر أنّ القول بثبوت الحجر على السفيه انما يتوجه في سفه حادث بعد البلوغ والرشد ، فإنه لا نزاع على الظاهر في دلالة الآية الشريفة على ثبوت الحجر والمنع في الصبي والسفيه ابتداء من دون حكم الحاكم.

وكذا في انه يزول بزوال اليتم والسفه ، لقوله تعالى «حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ» ، ولهذا سلمت الدلالة على ذلك في شرح الشهيد ، ومنعها على الاستدامة ، وهو مفهوم من مواضع من التذكرة.

قال فيها : فإذا بلغ الصبي لم يدفع اليه ماله الّا بعد العلم برشده ويستديم التصرف في ماله من كان متصرفا فيه قبل بلوغه ، أبا كان ، أو جدّا أو وصيّا أو حاكما أو أمين حاكم ، فان عرف رشده انفك الحجر عنه ودفع المال اليه وهل يكفي العلم بالبلوغ والرشد في فك الحجر عنه أم يفتقر الى حكم الحاكم وفكّ القاضي؟ الأقرب الأوّل ، لقوله تعالى «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا» ، ولزوال المقتضي للحجر وهو الصبيّ وعدم العلم بالرشد فيزول الحجر ولانه حجر لم يثبت بحكم الحاكم فلا يتوقف زواله على ازالة الحاكم كحجر المجنون فإنه يزول بمجرد الإفاقة ، ولأنّه لو توقف على ذلك لطلب الناس عند بلوغهم فكّ الحجر عنهم من الحكام ولكان ذلك عندهم من أهم الأشياء إلخ.

والمصنف فيها قائل بأن الحجر لا يثبت على السفيه الا بحكم الحاكم ولا يزول الا بزواله كما نقلناه عنه.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة ، الظاهر أنه لا نزاع في عدم توقف حجر السفيه ، على حكم الحاكم إذا كان متصلا سفهه بعدم البلوغ كما في الجنون وعدم البلوغ ، والدليل واضح كما تقدم.

وكذا في عدم توقف زواله عنه عليه وان كان فيه خلاف ضعيف لبعض الشافعيّة مع كون قوله : (الأصح ما تقدم) على ما نقله في التذكرة ولعل قوله : (١) (الأقرب) إشارة الى ذلك.

على انه على تقدير تسليم قول المحقق ـ بالتوقف في حجر السفيه وزواله ، على حكم الحاكم ـ لا يستلزم ذلك كون الولاية له ، لجواز ان لا يثبت ولا يزول الا بحكمه مع كون الولاية والتصرف إلى الوليّ ، وانما التوقف لعدم معرفته وقصر نظره بخلاف الحاكم فإنه المجتهد الجامع للشرائط كما صرّح به هو ، كأنه أخذ هذا الاستدلال من التذكرة حيث قال :

الولاية في مال السفيه للحاكم ، سواء تجدّد السفه عليه بعد بلوغه أو بلغ منقّصا (سفيها خ) لان الحجر يفتقر الى حكم الحاكم وزواله أيضا يفتقر اليه فكأنّ النظر في ماله اليه (٢).

ولا ينبغي النظر الى الاستدلال وجعله أصلا ومذهبا فإنه إذا رجح الشي‌ء عند المستدل لأمر ، قد يستدل عليه بدليل غير صحيح وهو ظاهر لمن نظر في المختلف والمنتهى وغيرهما.

بل لا ينبغي الاعتماد على مجرد ما ذكروه ، بل وينبغي التأمّل والتفحص ، فإنه قد يرجع المستدل ويكون له ما يدل على خلاف ذلك ، ولهذا ، ما نقلناه عنه آنفا ، ينافي ظاهر هذه فقال ـ بعد هذا متصلا بالكلام الأول ـ : وقال احمد ان بلغ

__________________

(١) يعني قول العلامة ره في التذكرة ـ كما تقدم.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٨٠.

٢٣٦

ولا يمنع من الحج الواجب ويدفع اليه كفايته.

ولا من المندوب ان استوت نفقته في الحالين أو تمكّن من التكسب والا حلّله الولي.

______________________________________________________

الصبي سفيها كانت الولاية للأب والجدّ أو الوصيّ لهما مع عدمهما والّا فالحاكم ولا بأس به.

فهذا يدلّ على عدم صحّة الدليل السابق بل المدّعى أيضا فينبغي تأويل دليله الأوّل إن أمكن ، وإلّا فالحمل على الرجوع كما هو الظاهر هنا.

قوله : «ولا يمنع من الحجّ الواجب إلخ» دليل عدم منعه عن الحج الواجب ـ وان كان مستلزما لصرف المال الزائد على عدمه ـ هو عموم أدلّة الوجوب كتابا (١) وسنة (٢) وإجماعا من غير تخصيص.

ولكن ينبغي ان يسلّم نفقته ومتاعه الى من يوثق به ممن كان معه ولو بأجرة ويمكن ، ان يكون ذلك مراده بقوله : (ويدفع اليه كفايته) ، فان الدفع الى وليّه دفع اليه ، بل الدفع الشرعي اليه ، انما يكون الى وليّه ، فقول المحقق الثاني : بل يبعث معه حافظا فيدفعها اليه ، محلّ التأمّل حيث حمل كلامه على تجويزه الدفع الى السفيه الذي لا يجوز تصرّفه وتصريفه.

والظاهر عدم منعه من المندوب أيضا ، لمثل ما مرّ وان استلزم صرف المال زائدا على الحضر وقد صرّح في شرح الشرائع بعدم النص على ذلك ، بل لا دليل عليه فتأمّل.

واما الشرط الذي شرطه المصنف بقوله : (ان استوت إلخ) فمحلّ التأمّل وخصوصا بعد الشروع في الإحرام على وجهه وكان جائزا ، لعدم النهي إلا عن

__________________

(١) قال الله تعالى «وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» آل عمران ـ ٩٧.

(٢) راجع الوسائل باب ١ و ٢ و ٣ و ٦ و ٨ من أبواب وجوب الحج ج ٨ ص ٣.

٢٣٧

وينعقد يمينه ويكفّر بالصوم.

وله العفو عن القصاص بغير شي‌ء واستيفاؤه ، لا عن الدية.

ويختبر الصبي قبل بلوغه ولا يصح بيعه.

______________________________________________________

صرف المال ، وليس ذلك منه ، ولا يستلزمه ، ولكن صار إتمامه موقوفا على صرف شي‌ء زائدا على نفقته فيحلّ على تقدير عدم جواز صرف المال له على ذلك ، وهو ممنوع ، فتحليل الوليّ له بأمره بالكفارة ثم الصوم أشدّ اشكالا من الأوّل ، وهو اعرف قدّس الله سرّه.

ولعلّ وجهه أنه إحرام صحيح وهو فقير فيجب الصوم بدل الدم ، والكل في محل المنع.

قوله : «وينعقد يمينه إلخ» الظاهر أنّه لا مانع من انعقاد يمينه ونحوه إذا لم يكن متعلّقا بالمال ويتعيّن الصوم في كفارته حيث لا تصرف له فيه كالعبد والفقير فتأمّل فيه ويحتمل مع اذن الولي في اليمين مع المصلحة ، صرف المال فيها فتأمّل.

قوله : «وله العفو إلخ» دليله عموم أدلّة العفو وحسنه من غير اختصاص مع عدم استلزام الحجر ، المنع عنه ، فإنه قابل للإحسان والعفو ، ومقتضى الجناية ، القصاص عندهم ، وليس ذلك تصرف في المال الممنوع منه ، وكذا جواز الاستيفاء والقصاص.

واما عدم جواز العفو عن الدية ـ فيما إذا ثبت ـ لانه تصرف مالي ممنوع منه.

قوله : «ويختبر الصبي إلخ» قد مرّ البحث فيه فتذكر ، وقال في شرح الشرائع : كون الاختبار قبل البلوغ مما لا خلاف عندنا ، وكذا في الشرح.

ويدل عليه «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ» (١) ، وقد مرّ بيانه فتأمّل وقد مرّ وجه العدم أيضا.

__________________

(١) النساء ـ ٦.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واما الصحّة مع اذن الولي بإيقاع العقد فينبغي ذلك ، ومع عدمه فلا.

ويؤيّد الصحّة عموم الابتلاء (١) المأمور به ، فإنه يشمله فيدلّ على الصحّة مع عدم دليل المنع وعموم أدلة صحّة العقود فتأمّل.

وقال في التذكرة : ولو اذن له الولي لم يصحّ الا في صورة الاختبار ان قلنا بأنه قبل البلوغ على ما تقدم.

وقد اثبت فيما تقدم كون الاختبار قبل البلوغ كما في المتن فيدل على جواز تصرفه وصحّة ما فعله حال الاختبار كما هو مذهب العامّة أيضا.

ولكن ينافيه ما هنا وما ذكره قبل هذا الكلام في التذكرة ، فإنه صرّح بأنّ كيفيّة الاختبار انه يخلّيه ان يساوم ثم إذا آل الأمر إلى العقد ، فيعقد الولي دونه لان تصرفه غير نافذ فكيف يصحّ عقده ويفوض اليه ذلك وبه ردّ كلام بعض الشافعيّة.

كأنه أراد بالتصرف غير العقد كما مرّ ، فكأنه رجع أو أنّ معنى قوله : (لم يصح إلخ) إجماعا أو بغير إشكال إلّا في صورة الاختبار فان فيها خلافا واشكالا.

وقال في التذكرة هنا وقبله أيضا : فإذا وقف الحال على شي‌ء باع الولي وباشر العقد.

فالمراد (٢) بالاختبار (٣) المماكسة والمساومة ان قلنا أنه قبل البلوغ وان كان بعده فلا بحث.

ثم قال : وهل يصحّ بيع المميّز وشرائه بإذن الولي؟ الوجه عندي انه لا يصحّ ولا ينفذ.

واستدل عليه بأدلّة لا يخلو كلّها عن ضعف جدا الا قوله تعالى : «وَلا تُؤْتُوا

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتامى) إلخ».

(٢) هذا من كلام الشارح قده

(٣) يعني لفظ الاختبار في عبارة المصنف.

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» (١).

وقال : وانما يعرف زوال السفه ، بالبلوغ والرشد.

وفي دلالته تأمّل واضح ، إذ قد يعلم الرشد قبل البلوغ ، فلهذا يختبر قبل البلوغ على ما اختاره ، وأنه قد يمنع استلزام عدم إعطاء المال لهم عدم جواز العقود لهم مع اذن الولي وفرض رشده وتمييزه وصلاحيته لذلك بحيث يعرف ما يضره وينفعه ، ويحفظ ماله على ما ينبغي.

ومجرد كونه محجورا عليه بالإجماع ونحوه ، لا يدل على عدم الجواز مع اذن الولي ، فإن العبد المأذون محجور عليه مع جواز تصرفه ، وكذا السفيه البالغ.

قال في التذكرة : لو اذن الوليّ للسفيه في التصرف فإن أطلق كان لغوا ويمكن كونه حراما ، فان عيّن له نوعا من التصرف وقدّر العوض ، فالأقرب الجواز كما لو اذن له في النكاح ، لان المقصود عدم التضرّر وان لا يضرّ نفسه ولا يتلف ماله وإذا اذن له الوليّ أمن المحذور وانتفى المانع وهو أحد قولي الشافعي (إلى قوله) : لانه مكلّف عاقل والتبذير مانع الا مع الاذن (الى قوله) لو وكّله غيره في التصرفات فعندنا يصحّ لان عبارته معتبرة (إلى قوله) : وكذا عندنا يصحّ أن يقبل الهبة والوصيّة ، لحصول النفع الذي هو ضدّ المحذور إلخ.

فالظاهر جواز ذلك كلّه في المميّز المذكور ، ويؤيّده ما جوّزه الأصحاب وغيرهم من العامّة ، من دخول الدار بإذن الأطفال وأخذ الهدية منهم ، لعموم الكتاب والسنة والإجماع خرج الطفل الغير المميّز للإجماع ونحوه وبقي غيره ، ولأنّ الحاجة ماسّة اليه ، وقد يحصل الضرر بمنعه.

والعجب من المصنف رحمه الله انه استدل في التذكرة بقوله تعالى :

__________________

(١) النساء ـ ٤.

٢٤٠