مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

ولو وكّله في شراء نفسه من مولاه صحّ.

______________________________________________________

وكّل عن نفسك.

وبالجملة الظاهر ذلك ، لان صاحب المال إذا أذن بتوكيل من يوكّل في بيع ماله انه يوكّله عن نفسه ، ولأنه ثبت بذلك توكيله واذنه في فعل الثاني ذلك الموكّل فيه فعزله ومنعه عن ذلك يحتاج الى دليل ، والأصل عدمه والاستصحاب يفيده.

فتأمل فيه فإنه لا يجري ذلك فيما تقدّم ، وأيضا ، الظاهر انه في كلّ صورة يجوز له أن يوكّل ، سواء كان مع تصريحه به أو سكوته مع فهم جوازه بالقرائن كما يشعر به قوله : (وإذا جوزناه آه) فتأمل.

قوله : «ولو وكله في شراء نفسه من مولاه صحّ» أي لو وكّل شخص عبد غيره في شراء نفسه من مولاه صحّ الشراء.

دليله ، العمومات مع عدم مانع ، إذ ليس إلّا كونه مبيعا ولا يصلح لذلك.

وكأنهم أرادوا به ردّ قول بعض الشافعيّة بعدمه ، وينبغي ان يكون باذن السيد كأنه يفهم ذلك بصدور الإيجاب عن السيّد مخاطبا إيّاه وكأنّ ذلك كاف ، وإذا كان القبول مقدّما يمكن أن يكون رضا السيّد وقبوله الدالّ على رضاه بالإيجاب والإذن كافيا.

على أنّه قال في التذكرة : في توكيله في قبول النكاح بغير اذن سيّده وجهان (الى قوله) : والحقّ ذلك (اي الجواز) ان لم يمنع شيئا من حقوق السيّد وانما لم يجز قبوله لنفسه لما يتعلّق به من المهر ومؤن النكاح آه (١).

فكأنه لا يعتبر اذن السيد في أفعاله إلّا فيما يضرّه فتأمّل ، والأصل دليل مع عدم الدليل وكذا تأمّل في الاكتفاء بما ذكر فيما تقدم ، لأنه قد يقع بعض الصيغة مع

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

٥٠١

وللحاضر ان يوكل في الطلاق كالغائب على رأي.

______________________________________________________

عدم العلم بالإذن فتأمل.

قوله : «وللحاضر ان يوكّل في الطلاق كالغائب على رأي» الرأي إشارة إلى خلاف الشيخ رحمه الله فإنه لم يجوّز التوكيل في الطلاق إذا كان الزوج حاضرا في بلد التوكيل وإيقاع الطلاق فيه.

ودليله الجمع بين الأخبار ، مثل رواية زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا تجوز الوكالة في الطلاق (١) ـ مع ضعف سندها.

ومثل صحيحة سعيد الأعرج ، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل جعل أمر امرأته الى رجل فقال : اشهدوا أني قد جعلت أمر فلانة إلى فلان فيطلّقها أيجوز ذلك للرجل؟ قال : نعم (٢).

وغيرها من الروايات ، والرواية تمنع الوكالة مطلقة.

ونقل في الاستبصار قولا عن ابن سماعة (٣) بعدم جواز التوكيل في الطلاق مطلقا ، فلو كانت هذه الرواية (٤) حجّة صحيحة معمولة فمذهبه هو الصحيح ويخصّص بها العمومات.

وردّه الشيخ في الاستبصار وحمل رواية المنع على الحاضر وروايات الجواز على الغائب لصحيحة (بصحيحة خ) محمد بن عيسى (الى قوله) (٥) : وأمرني ان أطلّقها عنه وأمتعها بهذا المال وأمرني أن اشهد على طلاقها ، صفوان بن يحيى وآخر

__________________

(١) الوسائل باب ٣٩ حديث ٥ من أبواب مقدمات الطلاق ج ١٥ ص ٣٣٤.

(٢) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب مقدمات الطلاق ج ١٥ ص ٣٣٣.

(٣) وقال ابن سماعة : ان العمل على الذي ذكر فيه انه لا تجوز الوكالة ولم يفصّل ، وينبغي ان يكون العمل على الاخبار كلها حسب ما قدمناه ـ الاستبصار ج ٣ باب ١٦٦ الوكالة ص ٢٧٩. وابن سماعة هذا يراد الحسن بن محمد بن سماعة ويظهر من هذا النقل انه كان ـ مضافا الى كونه محدثا ـ ذا رأي أيضا.

(٤) يعني رواية ابن سماعة وقوله قده : (فمذهبه) يعني مذهب ابن سماعة.

(٥) سينقل الشارح قده تمامها بعيد هذا.

٥٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

نسي محمد بن عيسى اسمه والآمر أبو الحسن عليه السلام وهو غائب وهذه جعلها الشيخ دليلا على الجمع وردّ مذهب ابن سماعة (١) ، وهو كما ترى.

وهذه الرواية تدل على عدالة صفوان بل محمد بن عيسى أيضا.

قال : بعث اليّ أبو الحسن ـ الرضا ـ عليه السلام رزم ثيابا (٢) وغلمانا ودنانير ، وحجّة لي ، وحجّة لأخي موسى بن عبيد ، وحجّة ليونس بن عبد الرحمن وأمرنا أن نحج عنه وكانت بيننا مائة دينار أثلاثا فيما بيننا فلما ان أردت أن أعبي الثياب رأيت في أضعاف الثياب طينا فقلت للرسول ما هذا؟ فقال : ليس يوجّه بمتاع الّا جعل فيه طينا من قبر الحسين عليه السلام ثم قال الرسول : قال أبو الحسن الرضا عليه السلام : هو أمان بإذن الله وأمر بالمال بأمور في صلة أهل بيته وقوم محاويج (لأبويه لهم (٣)) وأمر بدفع ثلاثمائة دينار الى رحيمة (رحيم يب صا) امرأة كانت له وأمرني ان أطلّقها عنه وأمتّعها بهذا المال وأمرني أن أشهد على طلاقها صفوان بن يحيى وآخر نسي محمد بن عيسى اسمه (٤).

وفي هذه الرواية فوائد (منها) استحباب جعل تربة الحسين عليه السلام في

__________________

(١) فإن الشيخ نقل أوّلا روايات جواز التوكيل ثم نقل رواية المنع وهي رواية زرارة المتقدمة ثم قال : فلا ينافي (يعني ما رواه زرارة) الأخبار الأولة (يعني الأخبار الدالة على الجواز) لأن هذا الخبر محمول على انه إذا كان الرجل حاضرا في البلد لم يصح توكيله في الطلاق والاخبار الأولة نحملها على جواز ذلك في حال الغيبة لئلا تتناقض الأخبار ثم قال وقال ابن سماعة إلخ ما نقلناه آنفا ـ راجع الاستبصار ج ٣ باب الوكالة في الطلاق ص ٢٧٨.

(٢) رزم ثياب ـ الاستبصار.

(٣) ليست هذه الجملة في الاستبصار والوسائل نعم في التهذيب : (لا مؤنة لهم) بعنوان النسخة وهو الصواب يعني قوم محاويج الذين لا مؤنة لهم ينفقونها.

(٤) الوسائل باب ٧٠ حديث ٦ من أبواب المزار ج ١٠ ص ٤١٠ وباب ٣٩ حديث ٦ من أبواب مقدمات الطلاق ج ١٥ ص ٣٣٤ والاستبصار ج ٣ ص ٢٧٩ حديث ٧ من باب الوكالة في الطلاق والتهذيب باب أحكام الطلاق ج ٢ ص ٢٦١.

٥٠٣

وللحاكم ان يوكل عن السفهاء.

ويكره لذوي المروات مباشرة الخصومة ، بل يوكلون من ينازع.

______________________________________________________

المتاع لحفظه وانه أمان ، واستحباب إخراج الحجّة لمن كان حيّا وتعددها ، وجواز الطلاق غائبا ، وعدم اشتراط الخلو عن الحيض حينئذ حيث ترك ، وجواز العمل بالخط مع الرسول ، وتقسيم المال على مقتضى الكتابة والتصرف في مال الغير ، بل عدم الاحتياج إلى صيغة للحجّة (للحج خ) فيصح جعله ، وعدالة الجماعة ان اشترط في الأجير للعبادات ، العدالة.

ويشعر باشتراط العدالة في الطلاق وصلة الرحم بالمال وإيصال المال الى المحتاجين وتمتيع المرأة.

والظاهر الاكتفاء بالطلاق بقوله ، واشتراط الشاهدين في الطلاق.

والظاهر هو المذهب المشهور وهو مختار المتن لعموم أدلّة الطلاق ، فإنه يصدق على طلاق الموكل مع الحضور ، وانّه طلاق ، وأنّه ممّا يقبل النيابة في الجملة.

ولعموم أدلّة جواز التوكيل المتقدمة فإنها عامّة ، مثل صحيحة سعيد الأعرج (١) ، فإن ترك السؤال والتفصيل دليل العموم ، على ما بيّن في موضعه ، مع ضعف رواية المنع (٢) وندور القول بمضمونها ، بل لا يبعد دعوى إجماع الأصحاب على ما تركه ، وانما الشيخ حملها على الحاضر ، وهي أعم من ذلك والقرينة ضعيفة أيضا فتأمل.

قوله : «وللحاكم ان يوكّل عن السفهاء» وقد مرّ ، وكأن دليله الإجماع.

قوله : «ويكره لذوي المروّات إلخ» دليل الكراهة العقل والنقل ، مثل ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : للخصومة قحما ، وان الشيطان

__________________

(١) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب مقدمّات الطلاق ج ١٥ ص ٣٣٣.

(٢) راجع الوسائل باب ٣٩ حديث ٥ من أبواب مقدّمات الطلاق ج ١٥ ص ٣٣٤.

٥٠٤

(الثاني) الوكيل ، ويعتبر فيه البلوغ والعقل.

______________________________________________________

ليحضرها واني اكره أن أحضرها (١).

والقحم بضم أوّلها وفتح ثانيها المهالك ، ولكن الظاهر من الدليل كراهة الخصومة مطلقا ، لعلّ عدمها لغير ذوي المروّات ، لعدم اعتدادهم بالمكروهات وما قيل فيهم وما يقولون ولعدم تضييع الحقوق إذا (ان خ) لم يكن احد يخاصمه ، ويمكن أن يكون مكروها لهم أيضا الا انهم ما يبالون ، فتأمّل.

قوله : «الثاني الوكيل إلخ» الركن الثاني هو الوكيل ، لعل دليل اشتراط بلوغه وعقله يفهم ممّا تقدم ، وكذا البحث في الصبيّ المميّز مع الرواية المسوّغة لتصرفاته في المعروف والوصيّة (٢).

وما نجد منه مانعا مع التميز والمعرفة التامّة بان يوقع عقدا بحضور الموكّل ، وان يكون وكيلا في إيصال الحقوق إلى أهلها.

ويؤيّده ما ذكره في التذكرة : وقد استثني في الصبي الإذن في الدخول الى دار الغير والملك وفي إيصال الهديّة (٣).

فإنه إذا جاز التصرف في مال الغير واكله بمجرد قوله ويكون قوله في ذلك معتبرا ، ففي مثل ما قلناه بالطريق الاولى.

ثم قال : وفي اعتبار عبارته في هاتين الصورتين للشافعيّة وجهان (٤).

الّا ان يقال : هناك قرينة دالّة على الاذن من غير قوله ، فليس الاعتداد بمجرد قوله ، فكأنه من باب الخبر المحفوف بالقرائن ولكن تجويزهم عامّ غير مقيّد بما قلناه فتأمّل.

ثم نقل عن أبي حنيفة جواز توكيل الصبي ان عقل بغير اذن الوليّ ،

__________________

(١) لم نعثر عليه في كتب الحديث بهذه العبارة وان كان مشهورا في الكتب الفقهيّة.

(٢) لاحظ الوسائل باب ٤٤ من كتاب الوصايا ج ١٣ ص ٤٢٨.

(٣) الى هنا عبارة التذكرة.

(٤) إلى هنا عبارة التذكرة.

٥٠٥

والإسلام ان كان الغريم مسلما.

ولا يشترط الإسلام ان كان الغريم كافرا.

______________________________________________________

وقال (١) : انه غلط لانه غير مكلّف فلا يصحّ تصرفه كالمجنون ، فلعله إجماع عند الأصحاب والّا فدليله غير ظاهر فتأمل.

قوله : «والإسلام ان كان الغريم مسلما» يعني يشترط كون الوكيل مسلما إذا كان وكيلا على المسلم ، سواء كان الموكّل مسلما أو كافرا ، قال في التذكرة : عند علمائنا أجمع لقوله تعالى «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» (٢).

هذا غير بعيد فيما يحصل التسلّط والسلطنة ، مثل ان يكون وكيلا على المسلم باستيفاء حق عنه أو مخاصمة ونحو ذلك واما إذا كان وكيلا لأن يوقع عقدا لمسلم على آخر أو يعطيه دينا ونحو ذلك ، فما نجد مانعا منه الّا ان يكون هذا إجماعيّا لأن لفظة (على المسلم) و (الغريم) من عبارات الأصحاب ، وظاهر الآية لا يدل على ذلك فتأمّل.

فالظاهر الجواز بناء على الأصل وعموم أدلّة الوكالة وعدم الدليل على المنع.

قوله : «ولا يشترط الإسلام ان كان الغريم كافرا» اي لا يشترط الإسلام في مطلق الوكالة أو يكون مقيدا بقوله : (إذا لم يكن الغريم مسلما) ، ويؤيّده (٣) ، ما يوجد في بعض النسخ (ان كان الغريم كافرا).

قال في التذكرة : ويكره ان يتوكّل المسلم للذمّي عند علمائنا أجمع (٤) ،

__________________

(١) يعني العلامة في التذكرة.

(٢) النساء ـ ١٤١.

(٣) الظاهر أن المراد انه لم توجد هذه الجملة في بعض النسخ وهذا يؤيّد كون المراد انه لا يشترط الإسلام في مطلق الوكالة فعلى هذا يحتمل ان تكون لفظة (ما) نافية ، والله العالم.

(٤) الى هنا عبارة التذكرة.

٥٠٦

وينبغي ان يكون فاهما ، عارفا باللغة.

ولا تبطل بارتداد الوكيل.

ولا يصحّ نيابة الوكيل المحرم في المحرّم عليه كعقد النكاح وشراء الصيد.

______________________________________________________

ويؤيده ما يجده العقل من النقص حيث يكون تابعا ومأمورا له باختياره وعدم ضرورته.

قوله : «وينبغي ان يكون فاهما عارفا باللغة» قال في التذكرة : يستحب ان يكون تام البصيرة فيما وكل فيه ، عارفا باللغة التي يحاور بها ، واليه أشار هنا بقوله : (وينبغي) أي يستحب اختيار وكيل موصوف بهذه الصفة ، أو يستحب لمثل هذا الشخص ان يتوكّل ، ولعل وجهه ما يظهر ، ولكن ليس بمعلوم كون الاستحباب هنا بمعنى المتعارف المطلوب ، منه الرجحان الأخروي فتأمّل.

قوله : «ولا تبطل بارتداد الوكيل» وجهه ظاهر إذا كانت الوكالة فيما يصح للكافر والمرتد ابتداء لانه كما لا يضر ابتداء لا يضرّ حدوثه ، وهو ظاهر.

وأما إذا كان فيما لا يصحّ له مثل ان يكون وكيلا على غريم مسلم ، فيمكن بطلانها حينئذ كالابتداء ولو كان الارتداد عن فطرة ، إذ ليس بواضح بطلانها حينئذ ، لأنّ عدم صلاحيّة المرتد الفطري لشي‌ء ، غير ظاهر وان وجب قتله.

قال في التذكرة : لو وكّل المسلم مسلما ثم ارتد الوكيل لم تبطل وكالته ، وقال في موضع آخر : ولو وكّل مرتدا أو ارتد الوكيل لم يقدح في الوكالة لأن الردة تنافي تصرفه لنفسه ، لا لغيره.

كأنه إشارة إلى أنّ الردة الفطريّة لا تؤثر في صلاحية التصرف للغير ، بل لنفسه فقط ، فإنه يحجر عن ماله على ما قيل كما في الفلس والسفيه وما تقدم دليله حتى يعلم البطلان.

وقوله : (لا يصح نيابة المحرم آه) كان ينبغي ذكر هذه في الركن الثالث

٥٠٧

وللمرأة ان تتوكل حتى في نكاح نفسها وطلاقها.

وللعبد أن يتوكل باذن المولى (وان كان) (حتى خ) في عتق نفسه.

وللمحجور عليه للسفه ، في المال وغيره.

______________________________________________________

ووجهه أنه لا يصحّ النيابة فيما لا يجوز فعله للنائب.

قوله : «وللمرأة ان تتوكل إلخ» دليله عموم أدلّة الوكالة مع عدم دليل مانع ، وكأنه إجماعيّ أيضا عند علمائنا ، قال في التذكرة : يجوز للمرأة ان تتوكّل في عقد النكاح إيجابا وقبولا عندنا آه.

وكأنه إشارة إلى ردّ مذهب الشافعيّة من عدم جواز توكّلها في النكاح إيجابا وقبولا ، قال في التذكرة : يجوز توكيل المطلقة الرجعيّة في رجعة نفسها وتوكيل امرأة أخرى.

قوله : «وللعبد ان يتوكل إلخ» قد مرّ مثله ، ووجهه ظاهر ، ولا مانع الّا كون ما وكّل فيه متعلّقا بالوكيل ، وليس ذلك يصلح للمانعيّة ، وهو ظاهر ، وانما البحث في اشتراط توكّله باذن المولى ، والظاهر ، العدم الّا ان يمنع بعض منافع السيّد أو يكون فيه ضرر مّا فتأمّل.

قوله : «والمحجور عليه للسفه والفلس إلخ» دليله أيضا عموم أدلّة الوكالة مع عدم ما يصلح للمانعيّة ، وهو كونهما محجورا عليهما في الجملة ، إذ لا يستلزم منع التصرف في مال نفسه ، منعه في مال غيره ، إذ قد يلاحظ مال الناس دون مال نفسه ، والأصل عدم الدليل ، دليل حتى يثبت المنع.

وهذا مؤيّد لاعتبار عبارة السفيه وتصرّفه ، وانه ليس بمسلوب القابليّة كالمجنون والصبيّ.

وقد يقال : يمكن كون تسليم المال اليه سفها ، إذ قد يضيع ولا يمكن أخذ

٥٠٨

«الثالث فيما تصح فيه الوكالة»

وله شرطان ، ان يكون مملوكا للموكّل ، وقبوله للنيابة.

______________________________________________________

البدل منه وان قيل : يأخذه من ماله في الجملة على ما مرّ تفصيله ، فيكون ذلك مستلزما إمّا بإضاعة ماله أو مال الوكيل فتأمل فانا ما نجد قائلا بالمنع.

قوله : «الثالث فيما تصحّ فيه الوكالة إلخ» هذا هو الركن الثالث ، ذكر المصنف هنا له شرطين وزاد في التذكرة ثالثا ، وهو ان يكون ما به التوكيل معلوما ولو إجمالا وهو ظاهر فكأنه لذلك تركه.

(أما الأوّل) فهو كون ما وكّل فيه مملوكا للموكل ، الظاهر ان مرادهم بكون التصرف فيه مملوكا له ، كونه ممّا يمكن له التصرف فيه عقلا وشرعا ولا يكون ذلك ممنوعا عنه لا عقلا ، ولا شرعا.

ثمّ اعلم أن ظاهر عبارة التذكرة أن المراد به ثبوت ذلك للموكل من وقت التوكيل الى وقت الفعل حيث قال بعد قوله : (يشترط فيما يتعلّق به الوكالة ان يكون مملوكا للموكل (الى قوله) : وهو أصحّ وجهي الشافعيّة) الثاني انه صحيح ويكتفى بحصول الملك عند التصرف ، فإنه المقصود من التوكيل ، وقال بعض الشافعية : الخلاف عائد الى أن الاعتبار بحال التوكيل أم بحال التصرف.

قال المحقق الثاني : فمن شرط صحّة الوكالة ، ان يكون التصرف مملوكا للموكّل في وقت صدور عقد التوكيل ، والظاهر ان ذلك متفق عندنا وللشافعيّة خلاف.

والظاهر ان مراده ما تقدم ، ولكن هنا إشكال ، لأن الظاهر انهم يجوّزون التوكيل للطلاق للموكّل في طهر المواقعة وفي الحيض أيضا ، وأيضا يجوّزون التوكيل في تزويج امرأة وطلاقها ، قبله ، وكذا في شراء عبد وعتقه من غير نزاع.

قال في التذكرة : ولو وكله في شراء عبد وعتقه أو في تزويج امرأة وطلاقها

٥٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أو في استدانة دين وقضائه صحّ ذلك كلّه ، لان ذلك مملوك للموكّل (١).

وأيضا يجوزون التطليق الثلاثة مع رجعتين بينهما ، ومعلوم جواز عقد القراض وهو مستلزم للبيوع المتعددة الواردة على المال مرّة بعد اخرى وليس بموجود حال العقد.

وبالجملة ، لا شكّ في جواز التوكيل في أمر لا يكون بالفعل للموكل فعله ، بل بعد فعل آخر كما مثلناه وجمع ذلك مع قولهم هذا الشرط ، مشكل.

وأيضا يلزم ان يكون الاذن في مال لم يكن مالكا له لا يصحّ فيشكل الأكل والتصرف فيما جوّز لوكيله وغيره ، مثل ان يجوز له التصدق وإخراج الزكاة وغير ذلك ممّا يدخل في ملكه بعد ذلك بنحو مّا ، وكذا فيمن أباح ماله ، وما يتملك لشخص ، وفي مثل ان يقول له شخص : (انه كلما جئت ماء النهر ، اشرب وتوضأ) (وكل ما رأيت من أموالي) فيلزم عدم الصحّة إلّا في الموجود وذلك بعيد جدا ، وجواز القراض ونحوه صريح في منعه.

فهذا الشرط غير متحقق اعتباره لي ، سواء قلنا : وقت التوكيل فقط أو يستمرّ الى وقت الفعل.

وكذا الإذن في مال ، ليس بمالك الآن لا يصحّ ، وأيضا ما نجد فرقا بين قوله : (أنت وكيل في طلاق امرأة سينكحها) وعتق عبد سيشتريه أو بيعه ، وهو مصرّح بالمنع في الكتب من التذكرة والقواعد ، والشرائع ، والمتن ، وبين ما ذكرناه.

والفرق الذي ذكره في التذكرة يفهم من كلام المحقق الثاني (٢) في صحّة التوكيل بالرجوع ـ في ضمن قوله : طلق امرأتي ثلاثا ـ لأنه محمول على الطلاق

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

(٢) الاولى ان يقول : الفرق الذي يفهم من التذكرة ذكره المحقق الثاني إلخ.

٥١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرعي وهو لا يتم إلّا بالرجعة (١).

ولو علم ان المقصود (مقصوده خ) ، المفارقة بالكليّة فيقوى القول بالاستلزام حيث أجاب عن قوله (٢) : ان ذلك توكيل في تصرف لا يملكه الموكّل وقت التوكيل ، فإن الرجعة انما يملكها بعد الطلاق فحقه ان لا يصح ذلك ، بأنه ليس ببعيد ان يقال : إنّ التوكيل في مثل ذلك جائز ، لأنه وقع تابعا لغيره ونحوه ما لو وكّله في شراء شاتين وبيع أحدهما ، اما لو وكله فيما لا يملكه استقلالا كما لو وكله في طلاق زوجة سينكحها فإنه لا يصحّ ، والفرق بين وقوع الشي‌ء أصالة وتابعا كثير ، لان التابع واقع (وقع خ) مكملا بعدد الحكم بصحّة الوكالة واستكمال (واستكمل خ) أركانها وقد وقع الإيماء الى ذلك في التذكرة (٣).

فكأن الخلاف الذي سبق ، فيما إذا خصّص بيع ما سيملكه مثلا بالتوكيل اما إذا جعله تابعا لأمواله الموجودة في الحال فيجوز هذا ، كما أنّه لو قال : وقفت على من سيولد من أولادي لا يجوز ولو قال : (على أولادي ومن سيولد جاز).

وأنت تعلم أن كلام التذكرة والمحقق مشعر بعدم دليل لهم على ذلك ، بل

__________________

(١) حاصله انه لو وكّله في التطليق بقوله : طلق امرأتي ثلاثا يفهم منه التوكيل في الرجعة ، نظير أعتق عبدك عني ، فإنه يصح الطلاق ثلاثا الّا بتخلّل رجعتين فقوله قده لأنه محمول إلخ بيان كلام التذكرة وقوله قده : حيث أجاب نقل لجواب المحقق الثاني ره بقوله : ان ذلك إلخ.

(٢) من هنا الى قوله قده في التذكرة عبارة المحقق الثاني في جامع المقاصد والاولى نقل أول كلامه ره الى هنا وكذا نقل باقي عبارته قال ـ في ذيل عبارة القواعد وهي لو قال اشتر لي من مالك كر طعام إلخ ـ : ما هذا لفظه فرع لو قال : طلق زوجتي ثلاثا فهل يكون وكيلا في الرجعتين بينهما؟ لا استبعد ذلك ، نظرا الى أن الموكّل فيه ، هو الطلاق الشرعي ولا يتم إلّا بالرجعة ولو علم منه انه يريد بذلك البينونة فالحكم على ما قلنا حينئذ أقوى ، لكن يرد عليه ان ذلك توكيل إلخ.

(٣) وتمامه : في تخصيصات الموكّل في آخر الكلام ، على ما لو وكّله في شراء شاة بدينار فاشترى شاتين وباع أحدهما (انتهى).

٥١١

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم الجزم عندهم عليه ، فإنه مجرد الإمكان والاحتمال.

على ان الفرق غير واضح ، إذ جعل (١) الغير الحاضر تابعا للحاضر وفرعا له ، مع انه قد يكون الحاضر قليلا جدّا ، وانما المقصود هو غير الحاضر لاحتمال التفصي عن الاشكال من غير دليل واضح بعيد.

على ان كلامهم ناقص ، إذ الشرط غير موجود في الغائب فلا بدّ من التصرف والتخصيص في عباراتهم في الشرط.

وان قوله : (لان التابع واقع (وقع خ) مكمّلا آه) لا ينفع ، إذ كمال الوكالة في شي‌ء لا ينفع لوكالة شي‌ء آخر ، فان تمام الوكالة في الطلاق لا يؤثر من الوكالة في الرجوع ، وكذا شراء شاتين في بيع أحدهما ، وكذا التزويج في الطلاق وغير ذلك ، وهو ظاهر.

على انه ليس بتامّ في رفع جميع الإشكالات المتقدمة.

على انا ما نجد عليه دليلا أصلا من كلام المحقق سوى ما فهم من قوله : (والظاهر انه متفق عليه) فإنه يشعر بالإجماع ، وليس بواضح مع وجود ما يناقضه في كلامهم كما مرّ.

وبالجملة ، ما نجد دليلا على هذا الشرط على الوجه المذكور مع الإشكالات المتقدمة ، فلو كان دليلا عليه وعلى خلافه ـ مثل جواز التوكيل في الحيض ـ لأمكن الجمع بالتخصيص لذلك ، والقول به في الجملة.

ويدل على عدم الاشتراط حال التوكيل ، الأصل وجواز مثله ، مع عدم الدليل ، وعدم التصريح في أكثر الكتب ـ بان المراد ، الاشتراط وقت التوكيل لا وقت الفعل ، ووضوح دليل اشتراطه حال فعل الموكّل فيه.

__________________

(١) الظاهر ان قوله : (إذ جعل إلخ) مبتدأ وخبره قوله : (بعيد).

٥١٢

فلو وكله في طلاق زوجة سينكحها أو عتق عبد سيشتريه لم يصحّ.

______________________________________________________

وهو (١) ان الزوجيّة مثلا شرط للطلاق إذا طلّق بنفسه ، وكذا بوكيله ، لانه طلاق ، ولأنه فرع وقائم مقامه وليس عدم جواز توكيل المحرم في النكاح والصيد دليلا على اعتباره حال التوكيل ، لاحتمال كون ذلك لدليل خاصّ ، مثل انه استمتاع بالزوجيّة (الزوجة خ) في الجملة ، أو أنه نصّ صريح في ذلك ، أو أنه مجمع عليه ، ولو لم يكن شي‌ء منها لا ينبغي القول به أيضا وقد مرّ في بحث الحج (٢) تحقيق ذلك.

وكذا الكلام في الوقف على المعدوم وعليه وعلى الموجود والحاصل ان القول بغير دليل واضح في المسألة مشكل ، وما ذكر من الفرق (٣) ، يصلح بطريق المنع في جواب المعترض المستدل ، والقول بأنه شرط في وقت الفعل فقط ، هو مقتضى الدليل.

وإخراج (٤) ما لا يصلح (لا يصح خ) مثل التوكيل على طلاق من سينكحها وعتق من سيشتريه ، بدليل من إجماع ونحوه ان كان ، ولكن القول به أيضا مع دعوى انه متفق عليه ، ظاهر وعدم صريح القول ، بخلافه مشكل أيضا.

فهي من المشكلات كسائرها من هذا الوجه ، والا فالظاهر هو الأوّل ، ويؤيّده عموم أدلّة الوكالة.

ويمكن اختيار وقت التوكيل أيضا وإخراج ما تقدم بالإجماع ونحوه فتأمل.

__________________

(١) يعني دليل اشتراطه ان إلخ.

(٢) راجع ج ٦ ص ٢٧٠ ـ ٢٧٤ ، وج ٧ ص ٢٩ و ٣٠.

(٣) يعني المحقق الثاني في عبارته المتقدمة بقوله ره : والفرق بين وقوع الشي‌ء إلخ.

(٤) مبتدأ وخبره قوله قده : بدليل.

٥١٣

ولو وكله فيما يتعلّق غرض الشارع بإيقاعه مباشرة كالنكاح ، والقسمة ، والعبادات ـ مع القدرة ـ إلا في الحج المندوب وأداء الزكاة ، لم يصحّ ، ولو وكّله فيما لا يتعلّق غرض الشارع بإيقاعه بالمباشرة ، صحّ كالبيع.

______________________________________________________

قوله : «ولو وكله فيما يتعلّق إلخ» إشارة إلى تحقيق الشرط الثاني ، وهو قبول فعل الموكّل فيه ، للنيابة.

قال في التذكرة : الضابط فيما يصحّ النيابة فيه وما لا يصحّ ان نقول : كل ما تعلّق به غرض الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرة لم يصحّ فيه الوكالة ، واما ما يتعلّق غرض الشارع بحصوله من مكلّف معين ، بل غرضه حصوله مطلقا فإنه يصحّ فيه الوكالة آه.

هذا ظاهر الّا انه في تحقيق ذلك الغرض تأمّل ، والظاهر انه يعلم بالنصّ الصريح ، وما يفهم من ظاهره مثل العبادات كالطهارة والصلاة الّا انه ورد النص بجواز التولية و (في ظ) الطهارة (١) مع العجز والحج الواجب (٢) كذلك ، والمندوب (٣) مطلقا.

وبالجملة ، الظاهر من الخطاب التكليفي البدني ، المباشرة بنفسه حتى يعلم جواز النيابة بدليل وأما غيره ـ مثل العقود كالانكحة والمعاملات وبعض الإيقاعات كالطلاق ـ بخلاف البعض الآخر كالنذور ـ فان الظاهر منها (٤) بحسب التأمّل

__________________

(١) لعل نظره قدس سرّه من جواز التولية في الطهارة هو قوله عليه السلام في رواية سليمان وعبد الله بن سليمان (في حديث) : فدعوت الغلمة فقلت لهم : احملوني فاغسلوني إلخ فراجع الوسائل باب ١٧ حديث ١ من أبواب التيمم ج ٢ ص ٩٨٦.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٤ من أبواب وجوب الحج ج ٨ ص ٤٣.

(٣) راجع الوسائل باب ٢٥ من أبواب النيابة في الحج ج ٨ ص ١٣٨.

(٤) يعني من العقود إلخ.

٥١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

جواز التوكيل ، ولهذا ورد النص (١) بالجواز أيضا.

ويؤيّده صدق العقود والإيقاعات فيجب الوفاء به لعموم أدلّتها ، بخلاف النذور والغصب والإيلاء والظهار وهو ظاهر.

والحاصل انه قد يعلم بالتأمّل وبالنص ، وان لم يعلم فلا يجوز ، وينبغي التأمّل في ذلك في كلّ مادّة بخصوصها.

فالظاهر جواز التوكيل في أداء الماليّات مثل إخراج الخمس والزكاة وايصالهما إلى أهلها ، فإن الظاهر ان الغرض إيصالها إلى أهلها على وجهها ولا غرض بخصوص صاحب المال وقد ورد به الشرع أيضا وقد مرّ.

فقوله (٢) : (ولو وكّله فيما يتعلّق به غرض الشارع بإيقاعه مباشرة كالنكاح ـ أي الوطي ـ والقسمة ـ أي قسمة الليل بين الزوجات بأن يكون كل ليلة عند واحدة من الأربع مثلا ـ والعبادات ـ أي البدنية ـ مع القدرة ـ أي بخلاف العجز ـ فإنه قد يجوز فيه التوكيل ، مثل الطهارة (٣) لا في مطلق العبادات شرط ، جزائه (لم يصحّ) أي لم يصحّ الوكالة في الكل.

وقوله : (الا في الحج المندوب وأداء الزكاة) مستثنى منقطع (٤) من قوله : (فيما يتعلق آه) وقع بينه وبين حكمه ، ويمكن جعله متصلا أيضا بتكلّف مّا أو يكون مستثنى من العبادات بشرط القدرة أي لا يصحّ التوكيل في العبادات مطلقا مع

__________________

(١) ورود النص في مثل عقود الأنكحة وسائر المعاملات لا يحتاج الى ذكر مواضعها فان كتب الحديث مشحونة.

(٢) يعني المصنف.

(٣) قد تقدم آنفا محلّ ذكرها.

(٤) يريد ان المستثنى منه وهو قوله في ما يتعلق غرض الشارع والمستثنى وهو الحج المندوب إلخ وحيث لم يكن داخلا في المستثنى منه فيكون منقطعا.

٥١٥

وعقد النكاح والطلاق وان كان الزوج حاضرا على رأى ، أو كان الوكيل فيه الزوجة على رأي.

______________________________________________________

القدرة إلّا في الحج المندوب وأداء الزكاة فإنه يصحّ فيهما مطلقا ، فيكون العبادة أعم من البدنيّة والماليّة.

هذا هو الظاهر من العبارة ولكن يبقى بعض الأفراد الأخر مثل أداء الخمس والنذورات والكفارات ، وكأنه أشار الى البعض وترك الباقي للظهور.

ويلزم أيضا كونها ممّا يتعلّق الغرض بمباشرته بخصوصه مع جواز التوكيل ، وهو خلاف الضابط (الضابطة ـ خ) فتأمّل.

قال في التذكرة : واما الزكاة فيجوز فيها النيابة في أدائها فيؤديها عنه غيره ، وكذا كلّ ما تعلّق بالمال من الصدقات الواجبة والمندوبة والخمس ، فإنه يجوز التوكيل في قبض ذلك كله وتفريقه ويجوز للمخرج التوكيل في إخراجها وتفريقها ودفعها الى مستحقها ، ويستنيب الفقراء والامام أيضا في تسلمها من أربابها.

قوله : «وعقد النكاح والطلاق إلخ» أشار بقوله : (عقد النكاح) الى أن المراد بالأول هو الوطء ، وقد مرّ البحث في الطلاق مفصلا ، وكأنه اعاده للإشارة إلى انه يمكن جعله من شرط الموكّل كما تقدم (١) ، ومن شرط الموكّل فيه أيضا وأعاد صحّة كون الزوجة وكيلا في طلاق نفسها ، للإشارة إلى الخلاف بعدم الجواز وكان ينبغي ذكره في شرط الوكيل لما ذكر جواز كونها وكيلا في الطلاق.

وكأنّ الرأي إشارة إلى قول الشيخ ، وابن إدريس بمنع صحّة توكيلها (توكلها خ) في طلاق نفسها للمنع من اتحاد المطلق وما يتعلّق به الطلاق ، وما يفهم (٢) مانعيته وعموم أدلة الطلاق ينفيه.

__________________

(١) عند شرح قول المصنف : فلو وكّله في طلاق زوجته إلخ.

(٢) نافية يعني لا يفهم مانعيّة الاتحاد بل إطلاق أدلّة الطلاق وعمومها ينفيها.

٥١٦

والمطالبة بالحقوق واستيفائها ولا يجوز في المعاصي كالسرقة والغصب والقتل ، بل أحكامها تلزم المباشر.

وفي صحّة التوكيل بإثبات اليد على المباحات كالاصطياد اشكال.

______________________________________________________

قوله : «والمطالبة بالحقوق إلخ» وجه الصحّة ظاهر ممّا تقدم ، لعلّه لا خلاف فيه كعدمها في فعل سائر المعاصي التي هي حقوق الله أو حقوق الناس ، مثل السرقة ، فإن عقابها وعوضها ، انما يلزم المباشر لا الموكّل والآذن وان كان له أيضا عقاب بالاذن (وهو ظاهر خ).

قوله : «وفي صحّة التوكيل بإثبات اليد إلخ» وجه الاشكال ، يمكن ان يكون الإشكال في ان المباحات تملك قهرا مع النيّة ، فعلى الأوّل لا تصح الوكالة وهو ظاهر ، وعلى الثاني تصحّ وهو ظاهر أيضا.

وامّا تملّك المباحات فالظاهر انها تملك بالإحياء للأخبار الصحيحة (١) الصريحة في ذلك ، والظاهر ان ذلك لا يمكن الّا عن قصد.

وكذا بالاصطياد والاحتشاش والحيازة مع القصد بمعنى صدوره واختيار مع عدم قصد التملك لغيره فلا يدخل في ملكه قهرا ومن غير اختياره قصد أم لا ، بل قصد عدمه أيضا أو كان غافلا (٢) أو ساهيا أو نائما أو سكرانا وغير ذلك.

فالظاهر انه يكفي قصده الاحتطاب مثلا لنفسه لان يبيع أو غيره.

والذي يدل عليه أنه يبعد دخول مال في ملك أحد قهرا ، فان ذلك في موضع معيّن مثل الميراث ، والأصل ينفيه أيضا ولا معنى لعدم الملكيّة أصلا فإن الله تعالى قال «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» (٣) أي للانتفاع بما فيه ومنه التملك.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١ ـ ٢ ـ ٣ و ٤ من كتاب احياء الموات ج ١٧ ص ٣٢٦.

(٢) في عدة نسخ أو ساهيا إلخ بالواو مكان (أو) والا صوب ما أثبتناه.

(٣) البقرة ـ ٢٩ والآية الشريفة هكذا «هُوَ الَّذِي خَلَقَ إلخ».

٥١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر انه لا خلاف في جواز التصرف فيه بمجرد الحيازة ، مثل تصرف الملاك ، مثل البيع والهبة ، وذلك لم يمكن الّا مع التملك ولا معنى لكون البيع مملكا ولا شي‌ء قبله يصلح له الّا الحيازة ، فذلك هو الملك ولانه يحكم بالملكيّة بوجوده في اليد مع العلم بأخذه بالحيازة ، لأنّ اليد دليل الملك شرعا مطلقا ما لم يعلم عدمه.

ولهذا يصحّ الشهادة عليه بسبب وجوده في يده ، فالشارع يحكم بأنه ملكه والفرض عدم سبب آخر له غير الحيازة فوجد حكم الشارع بأنه ملك بالحيازة.

ولأنّ الحيازة مع القصد والنيّة مملك بالإجماع (قال في شرح الشرائع خ) على الظاهر فخرج عن الأصل لذلك وبقي غيره تحته فتأمل.

والظاهر ـ وأصل أفعال المكلّف العاقل الغير الغافل مع ان الأصل عدم الغفلة فيحكم بعدمه ، مع عدم العلم ـ انه لا يصدق الّا مع القصد.

فلا يرد ان الأصل عدم التملك ، والتصرف أعم منه ، ولأنه قد يغفل أو يذهل فلا يكون مالكا أو يقال : انه يكفي عدم قصده للغير فلا يحتاج الى قصده لنفسه ، للأصل ولبعد دخوله قهرا عليه في ملكه ، وان الظاهر (١) يكفيه قصد الاحتطاب لنفسه وكونه غير غافل فان مرجعه الملك لما عرفت ، الّا ان يقصد غير ذلك. والأصل عدمه ، فيحكم ـ بظاهر الشرع ـ بالملك ويكون بينه وبين الله غير ذلك.

وأيضا الظاهر انه يجوز له التملك بعد الحيازة ولو بقصد (بفعل خ ، لفعل خ) شي‌ء موقوف عليه مثل البيع فتأمّل.

والظاهر ان المميّز المتمكن من القصد ، مثل البالغ العاقل ولا حكم لفعل

__________________

(١) وحاصل مرامه قده أن هنا عناوين ثلاثة (أحدها) قصد الاحتطاب مثلا مع قصد التملك (ثانيها) قصد الاحتطاب فقط (ثالثها) قصد عدم التملك فيحكم بالملك في الأولين دون الآخر فلو شككنا انه قصد عدم الملك أم لا فالأصل عدم قصد هذا القصد فيحكم بالملك أيضا الله العالم.

٥١٨

وكذا الإشكال في التوكيل في الإقرار.

______________________________________________________

غيره مثل البهائم فتأمّل فإن المسألة من المشكلات ولهذا اختلف فيه العلماء من العامّة والخاصّة (فبعض) قال بالتملك بمجرد الحيازة بالقهر ، (وبعض) بها مع قصد التملك ، (وبعض) بها (معها خ) مع عدم نية التملك للغير.

ثم ان الظاهر حينئذ جواز التوكيل في الاصطياد والاحتطاب والاحتشاش ، وسقي الماء من البئر المباح وحيازة الماء من النهر والتحجير ، بل الإحياء أيضا على تردد فيه ، وكذا الإجارة والجعالة والتبرع ، لأنها أفعال تقبل النيابة ، وانما تقع للفاعل بالقصد وعدم قصد الغير ، ولعموم أدلّة الوكالة ، والاحتياط واضح لا يترك.

واما الالتقاط فالظاهر انه يحصل قهرا للملتقط فلا يدخله النيابة ، ويؤيده عموم الأدلة الدالة على وجود أحكام الالتقاط في الملتقط المتصرف بالفعل فتأمّل.

قوله : «وكذا الإشكال في التوكيل إلخ» وجه العدم أن الإقرار اخبار عن حق الغير في ذمّة المقر ، وإقرار الغير على ان في ذمته شي‌ء (١) لغيره شهادة عليه ، وأنّ الأصل براءة الذمة ولم يعلم كون ذلك إقرارا مثبتا في الذمة شيئا.

ووجه الصحّة عموم أدلّة الوكالة من غير وجود مانع ، والظاهر انه ممّا يدخله النيابة ، ولا ينبغي ان يقال : وجهه ان فعل الوكيل فعل الموكل ، لأنه دور ولا القياس الى التوكيل في البيع لأنه قياس ، ولا قوله تعالى «فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ» (٢) لانه غير ظاهر كونه وكيلا ، بل الظاهر من الولي غير الوكيل.

وأما تأييد (٣) ذلك بما قيل (٤) : (ولهذا لو أنكر المولّى عليه بعد زوال العذر

__________________

(١) هكذا في النسخ المخطوطة والمطبوعة والصواب (شيئا) بالنصب.

(٢) البقرة ـ ٢٨٢.

(٣) يعني تأييد ارادة الوكيل بأن إنكار المولّى عليه بعد كماله ـ بالبلوغ والعقل ـ ما عمله الولي غير موجب للمؤاخذة على الولي كما ان إنكار الموكل عمل الوكيل بعد تحققه غير مفيد.

(٤) القائل هو المحقق الثاني في جامع المقاصد ص ٤٩٠ حيث قال : وإملال الوليّ ليس إقرارا ولهذا لو أنكر المولى عليه إلخ.

٥١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لم يؤاخذ به) فغير ظاهر.

والظاهر هو الثاني وهو مذهب الشيخ والتذكرة ، لأن أصل البراءة مندفع بالدليل ، ولازم الإقرار هنا موجود ، فان قوله : (أقرّ بوكالتي) أو (وكلتك في أن تقر عن لساني أن لزيد علي ألف دينار) مثلا متضمّن مثل قولك : (ان ذلك في ذمتي ، فأخبره عني فإقرارك بمنزلة إقراري) وان كانت عبارة التوكيل إنشاء ، إذ لا معنى لقوله : (وكّلتك في ان تقول : في ذمتي لزيد كذا) الّا ان ذلك حق ، فإذا أخبرت أخبرت بما في ذمّتي فقل أنت ، وهو الظاهر ، وشرطيّة كون المقرّ من في ذمّته ممنوع ، فان وكيله مثله فتأمّل.

وحينئذ ، الظاهر ان هذا التوكيل إقرار ، قال في التذكرة : صورته ان يقول : وكّلتك لتقرّ عني لفلان ، وقال أيضا : قوله : أقرّ عني بكذا ، وقال : فان قلنا بصحّة التوكيل ينبغي ان يعيّن للوكيل جنس المقرّ به وقدره ولو قال : أقرّ عني بشي‌ء لفلان طولب الموكل بالتفسير (١).

يعني ظاهر انه على تقدير صحّة التوكيل كون هذا التوكيل إقرارا ، لما عرفت ، فان سبب كونه صحيحا انه متضمّن لإقرار على تقدير إقرار الوكيل بذلك ، بل البحث حينئذ ـ انه يصحّ التوكيل أم لا ـ عبث لا ثمرة فيه وهو ظاهر.

فاندفع وجه طرف (٢) الاشكال الآخر ، بأن الإقرار اخبار والتوكيل إنشاء فلا يكون إقرارا ، لوجود الفرق بينهما باللوازم وغيره ، فإن الأوّل يحتمل الصدق والكذب ، وله خارج بخلاف الثاني ، لما عرفت ان التوكيل في الإقرار متضمّن للخبر اللازم له فيؤخذ بذلك فتأمّل.

__________________

(١) إلى هنا عبارات التذكرة قطعة قطعة فراجع أواخر النظر الثالث من البحث الرابع من كتاب الوكالة.

(٢) إشارة إلى رد الاشكال المذكور في وجه العدم بقوله : ان الإقرار اخبار إلخ.

٥٢٠