مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا الإيثار ، ويكفي في ذلك إيثار أمير المؤمنين عليه السلام : المسكين واليتيم والأسير ، على نفسه وولده وزوجته وأمته مع كونهم صائمين وشدة حاجتهم وإمكان رفع حاجتهم بأقلّ ممّا أعطاهم.

فإنه نقل في التفاسير انه عليه السلام استقرض من يهودي ثلاثة أصوع من شعير وطحنت فاطمة عليها السلام كلّ ليلة صاعا واختبزت خمسة أقراص بعددهم فأعطاهم ايّاها وتركهم بلا عشاء وما ذاقوا كلّهم الّا الماء في هذه الثلاثة الليالي ، وفي النهار كانوا صوّاما فنزلت فيهم سورة هل أتى بمدح عظيم لم ينله ، الّا هم وبهم (١).

قال في مجمع البيان : وليس ذلك مخصوصا بهم ، بل كلّ مؤمن يفعل ذلك ، ينال ذلك (٢).

وفي فعله صلوات الله عليه وآله على ما نقل ونزول هل أتى أحكام ذكرنا في مجمع برهان القرآن وذكرت فيه بعض الآيات الآخر مثل «لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا» (٣) ، «وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ» (٤).

وأشرت الى بعض الأخبار أيضا ، مثل ما روي صحيحا في وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام : يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها ثم قال : اللهمّ فأعنه (وذكر منها) بذلك مالك ودمك دون دينك ثم قال عليه السلام : أما الصدقة فجهدك حتى تقول أسرفت ولم تسرف (٥).

__________________

(١) تفسير البرهان ج ٤ ص ٤١٤ طبع السالك حديث ٩ لكن ليس فيه انها عليها السلام طحنته كل ليلة صاعا ، نعم هو مستفاد من مجمع البيان للطبرسي ره.

(٢) عبارة المجمع هكذا : وهي جارية في كل مؤمن فعل ذلك لله عزّ وجلّ. فلاحظ المجمع ج ٥ ص ٤١٥ طبع مطبعة صيدا (سوريا).

(٣) آل عمران ـ ٩٢.

(٤) البقرة ـ ١٧٧.

(٥) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب الصدقة ج ٦ ص ٢٦٣.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا سرف في الخيرات مشهور ، والآيات والأخبار الدالة على الإنفاق والترغيب والترهيب على تركه ، لا يعدّ ولا يحصى كثرة (١).

وذكرت حمل قوله تعالى «وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ» (٢) إلخ فارجع اليه (٣) ، هذا.

ولكن قال العلّامة في التذكرة : وصرف الأموال في وجوه الخير كالصدقات ، وفكّ الرقاب ، وبناء المساجد والمدارس ، وأشباه ذلك ، ممّن لا يليق به ـ كالتاجر وشبهه ـ تبذير وبه قال بعض الشافعية لأنه إتلاف للمال قال الله تعالى «وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ» إلخ.

وهي صريحة في النهي عن ذلك ، ودليله ليس بتامّ ، على انه لو كان الدليل تامّا لدلّ على كون مثل ذلك إسرافا بالنسبة الى كلّ أحد فيمكن كونه خاصا به عليه السلام في ذلك الوقت ونحوه ، والا يلزم المنع من الإيثار الذي دلّت على ذلك الاخبار والآيات كما تقدم ، ومثل قوله تعالى «وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ» (٤) ، أي حاجة في وصفهم ، وهو أعرف قدّس الله سرّه.

وأيضا لو لم يظهر لقوله : (مع بلوغه) هنا فائدة إلّا ان يكون إشارة إلى كثرة المال بحيث يبقى ما يحتاج اليه فمعناه صرف المال في الخيرات ليس بتبذير بشرط بلوغ المال ذلك بمعنى كون ذلك فاضلا عمّا يحتاج اليه أو المراد كونه لائقا بحاله فيصير مثل ما اختاره في التذكرة مع إجمال.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ و ١٢ و ١٣ و ١٤ و ١٥ و ١٦ و ١٨ و ١٩ و ٢٠ و ٤٠ و ٤١ و ٤٨ و ٥١ و ٥٢ من أبواب الصدقة ج ٦.

(٢) الاسراء ـ ٣٩.

(٣) يعني ارجع الى كتاب مجمع برهان القرآن.

(٤) الحشر ـ ٩.

٢٠٢

وصرفه في الأغذية النفيسة غير الملائمة لحاله (بحاله خ) تبذير.

ولو طعن (١) في السن غير رشيد لم يزل الحجر.

______________________________________________________

واما ما ذكره في شرح الشهيد (٢) فغير واضح ومخالف لمذهب المصنف (٣) في الجملة من الأمور الضروريّة ، مثل أداء الديون مع الطلب ودفع حاجة النفس والزكاة والخمس أو بلوغ الصرف الى الخير واصابته يعني لا يكون القصد الّا لله فيكفي تأكيدا لقصد القربة فقط ونفي الرياء والسمعة ، والمن والأذى وسائر المضيّعات التي قليلا مّا ينفكّ عنه العبادة.

ويؤيّده وجود لفظة (في الخير) في بعض النسخ أو يكون المراد بلوغ الرشيد الصارف يعنى ليس بسرف بشرط بلوغه.

ويؤيّده عدم الخير في الخبر في نسخة ويكون إشارة إلى ردّ من يقول بعدم ذلك فتأمّل.

قوله : «وصرفه في الأغذية إلخ» كأنه لصدق الإسراف (٤) والتبذير (٥) المنهي عنه ولعله لا خلاف فيه حينئذ.

قوله : «ولو طعن في السن إلخ» ووجهه ظاهر ، وهو ظاهر الكتاب من

__________________

(١) طعن في السن ، شاخ (المنجد).

(٢) وهو الشهيد الثاني في شرح الشرائع (المسالك) فراجع المسالك ج ١ ص ٢٤٨ عند قول : المصنف (اما السفيه إلخ).

(٣) يعني به المحقق صاحب الشرائع.

(٤) قال الله تعالى «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا» الانعام ـ ١٤١ وقال عزّ وجلّ «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا» الأعراف ـ ٣١ وقال عز من قائل «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا» الفرقان ـ ٦٧ وقال جلّ وعلا «وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا» النساء ـ ٦ وقال جلّ وعزّ «إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ» غافر ـ ٢٨ وغيرها من الآيات.

(٥) قال الله عزّ وجلّ «وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً» الاسراء ـ ٢٦ وقال جلّ وعزّ «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ» الاسراء ـ ٢٧.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

تعليق الإعطاء على إيناس الرشد (١) ، فما لم يؤنس لم يعط وكان السن ما كان.

ويدلّ عليه الاستصحاب ، فإنه دلّ على عدم الإعطاء حتى يزول وما زال بدليل أصلا فبقي.

ويدلّ عليه الأخبار (٢) أيضا ولا يحتاج الى ذكره الّا انهم رحمهم الله يذكرون ذلك إشارة إلى ردّ أبي حنيفة ، فإنه قال في الخلاف : عند أبي حنيفة : ينتظرون الى خمس وعشرين لأنّ مدّة بلوغ الذكر عنده بالسن ثماني عشر سنة فإذا زادت سبع سنين ـ وهي معتبرة في تغيّر أحوال الإنسان لقوله عليه السلام : مروهم بالصلاة لسبع ـ دفع اليه ماله ، أونس منه رشد أو لم يونس ، وعند أصحابنا لا يدفع إليه ابدا الّا بايناس الرشد.

وضعف ما اختاره أبو حنيفة ودليله واضح ، وكونه مخالفا للعقل والنقل أوضح.

اما من جهة العقل فإنه يقتضي عدم زوال الحجر الّا مع زوال موجبه ، وهو عدم البلوغ وعدم الرشد ، ولا دخل للسن في ذلك فان الغرض حفظ المال وذلك لم يمكن الّا معهما.

وامّا من جهة النقل فإن الآية (٣) والاخبار دلّتا على اشتراط إيناس الرشد فكيف يعطى بدونه.

على ان دليله يقتضي الإعطاء ـ بل البلوغ ـ في رابع عشر.

وان الغرض عدم إيناس الرشد فكيف يقول بتغيّر الحال وان سلّم مطلق

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» النساء ـ ٦.

(٢) الوسائل باب ٤ من أبواب مقدمات العبادات.

(٣) هي قوله تعالى «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» النساء ـ ٦.

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

التغيّر فلا يستلزم الإعطاء وهو ظاهر.

وان الخبر لا دلالة له على ما قاله أصلا فكأنّه لذلك اختار أصحابه خلاف ما اختاره.

ثمّ إنّه لا فرق بين الذكر والأنثى في هذا الحكم عند علمائنا أجمع قاله في التذكرة وادّعى فيها أيضا الإجماع على استقلال المرأة في التصرف في مالها بعد البلوغ وهو ظاهر العقل.

ولكن ورد في بعض الأخبار الصحيح (١) عدم جواز عتقها وإعطائها من مالها من غير اذن زوجها.

فكأنّها محمولة على تأكّد استحباب الاستيذان أو على إطلاق (مالها) على (ماله) تجوّزا أو تقتضيه الأدلّة أيضا.

واعلم انه لا بدّ من الاختبار لثبوت الرشد بما يناسب حال الصبيّ كما دلّ عليه قوله تعالى «وَابْتَلُوا» فإنه الامتحان والاختبار ، والإجماع والأخبار (٢) أيضا يدلان عليه.

قيل في كيفيّته ، أن ينظر فيما يلائمه من التصرفات والأعمال ، فإن كان من أولاد التجار فوّض اليه البيع والشراء لا بمعنى ان يبيع ويشتري ، بل يماكس في الأموال على هذا الوجه أو يدفع اليه المتاع ليبيعه ويراعي الى ان يتم المساومة ثم يتولّاه الولي ونحو ذلك ، فإذا تكرّر منه ذلك وسلم من الغبن والتضييع وإتلاف شي‌ء من المال وصرفه في غير وجهه ، فهو رشيد.

وان كان من أولاد الأكابر الذين يصانون عن مباشرة البيع فاختباره ممّا

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١٥ حديث ١ من كتاب النذر ج ١٦ ص ١٩٨.

(٢) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب مقدمات العبادات ج ١ ص ٣١ وباب ١ و ٢ من كتاب الحجر ج ١٣ ص ١٤١.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يناسب حال أهله بأن يسلّم اليه نفقته لمدّة معيّنة لينفقها في مصالحه أو في مواضعه بأن يستوفي الحساب على معاملته ونحو ذلك.

وان كان أنثى لم تختبر بهذه الأمور ، لأنّ وضعها لم يكن لذلك ، وانّما تختبر بما يلائم عادة أمثالها من الاعمال كالغزل والخياطة.

وأيضا قيل : لمّا كان الرشد ملكة فلا يتحقّق الا بتكرّر الفعل.

والظاهر الذي نفهمه ان الضابط هو حصول العلم أو الظن المتاخم له بأنه ضابط لماله ولا يصرفه إلّا في الأغراض الصحيحة عند العقلاء بالنسبة الى حاله بأيّ شي‌ء كان ولا يعيّن لذلك أمر وشي‌ء فلا يتعيّن في أولاد التجار ، البيع ، ولا في غيرهم عدمه ، بل إذا علم أو ظن ظنّا متاخما للعلم من أيّ شي‌ء كان يحصل الرشد.

وانه لا يحتاج إلى إيقاع البيع ، لا من الوليّ ولا من غيره.

وانه قد لا يعرف ذلك أولاد التجار ويعرفه غيرهم لعدم علمهم وان كان أولاد الأكابر قد يعرفون البيع ولا يعرفون غيره ، بل ينبغي كونهم بحيث لو كان المال بيدهم لا يضيّعونه ولا يصرفونه في غير الأغراض الصحيحة وأنّهم ان أرادوا البيع ونحوه لا يفعلونه من غير تحقيق ، بل يصبرون الى ان يحقّقوه ثم يفعلوه حتى لا يتغابنوا فيه وذلك كاف.

ولا يحتاج الى العلم السابق والمعرفة السابقة ، ولا كونه صنعة أبيه ولا حصول الملكة بتكرار الفعل ، بل لا بدّ من حصول العلم بتلك الملكة الآن بهذه الافعال.

وان صرف مال أولاد الأكابر في مصالحهم مشكل قبل حصول العلم بالرشد والاختبار (مثل بيع الاختبار خ).

ولأنّه قد يكون الاختبار قبل البلوغ كما صرّح به في التذكرة الا انه قال بصحّته حال الاختبار واستثناه من عدم صحّة تصرفات غير البالغ.

وفيه تأمّل ولهذا قال من قبل : يبيعه الولي.

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنّه قد لا يعرف صرفه في مواضعه ولكن إذا اعطى يحفظه حتى يتحقّق ذلك فيفعل سواء كان بيعا وشراء أو صرفا في مصالحه.

وأيضا لا نكلّف المرأة بالصناعة ، إذ المقصود العلم بعدم تضييع المال وحفظه وعدم صرفه في غير الأغراض الصحيحة ، لا اكتسابه وعدم تضييع وقتها وتحصيل المال فينبغي اختبارها بشراء آلات الغزل والخياطة والنساجة وإعارتها واستيجارها واستيجار المغزلات وحفظ متاع البيت من التضييع بأن تحفظ عن الفارة والسنور وغيرهما ممّا يضيعه ، ووضعه في محلّ لا يضيع غالبا وأمثال ذلك.

قال في التذكرة : انما تختبر بان يفوض إليها ما يفوض الى ربّه البيت من استيجار المغزلات وتوكيلها في شراء القطن والكتان والإبريسم والاعتناء بالاغتزال والاستنساج ، فإذا كانت ضابطة في ذلك حافظة للمال الذي هو في يدها مستوفية لما استأجرت من الإجراء ، فهي رشيدة.

وبالجملة الغرض حصول العلم أو الظن المذكور بأيّ شي‌ء كان ، وأنّ الاختبار ينبغي كونه قبل حتى لا يلزم تأخير الإعطاء والمنع عن ماله.

ولأنّ الآية تدل عليه ، لأنه سمّاه حينئذ باليتيم وذلك ـ حقيقة ـ انما يكون قبل البلوغ ، ولأنه جعل غاية الابتلاء ، هو البلوغ.

ولكن ظاهر قوله تعالى «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (١) يدلّ على دفع المال بعد إيناس الرشد بلا فصل ، فلو كان قبل البلوغ لزم وجوب الإعطاء بعد الرشد قبل البلوغ وهو منفيّ بالإجماع.

ولا يبعد صدق اليتيم على البالغ القريب من زمان عدمه باعتبار ما كان وهو شائع ذائع.

__________________

(١) النساء ـ ٦.

٢٠٧

(الثاني) الجنون ، ويمنع من التصرفات أجمع الى ان يكمل عقله ولو كان يعتوره أدوارا صحّ تصرفه وقت إفاقته.

______________________________________________________

وأيضا معلوم أنّ الابتلاء لم ينته الى حين البلوغ فكأنّه مقيّد بعدم الرشد أيضا بقرينة قوله «فَإِنْ آنَسْتُمْ» أو أنّ المراد من «ابْتَلُوا» هو عدم إعطاء المال والتقدير ابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ورشدوا.

ويمكن أيضا تقدير (فبلغوا) بعد قوله «آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» أيضا فيكون الاختبار مقدما فلا يبعد جواز الأمرين بجواز التقديرين ، ولكن الظاهر الأول فتأمّل.

وان الظاهر صحّة المعاملات والتصرفات التي وقع في حال الاختبار ، مع ظهور كونه رشيدا حينئذ إذا كان بالغا لحصول الشرائط إلى نفس الأمر ، بل عند المعامل أيضا فيدخل تحت عموم أدلّة صحّة البيع ونحوه وهو ظاهر.

ولأنه تصرف صدر من أهله في محلّه.

وإذا كان الابتلاء قبل البلوغ فالظاهر عدم الصحّة بناء على قوانينهم.

ويحتمل الصحّة كما قاله البعض وكما في التذكرة لظاهر الآية.

وفيه تأمّل فإن الظاهر فرض الابتلاء بعد البلوغ أو تقدير البلوغ أيضا بعد الإيناس كما مرّ جمعا بين القوانين وهو ظاهر ، فإن الصبيّ الغير البالغ إذا لم يصلح لا يصلح دائما حال الاختبار وغيره ، والاختبار غير موقوف على صدور التصرف منه صحيحا حتى يقال : به هنا للضرورة ، لما مرّ.

على ان الآية لا تدل على صحّة المعاملة حال الاختبار ، وانما تدل على الابتلاء قبل البلوغ ودفع المال بعد الرشد.

قوله : «الثاني الجنون إلخ» دليل حجر المجنون ـ ومنعه عن جميع تصرفاته حتى يفيق ويزول الجنون فيصح تصرفاته حال الإفاقة وان كان ممّن يحصل له

٢٠٨

ولو ادعى وقوع البيع مثلا حالة (حال خ) جنونه فالقول قوله مع يمينه.

(الثالث) السفه ويمنع السفيه ـ وهو المبذّر لأمواله في غير الأغراض الصحيحة ـ عن التصرّف في ماله.

______________________________________________________

الجنون أدوارا ـ ، هو العقل والنقل (١) وهو ظاهر.

قوله : «ولو ادعى وقوع البيع إلخ» يعني لو ادعى المجنون المعلوم كونه مجنونا بعد إفاقته ، وقوع البيع زمان جنونه ، وأنكره المشتري فالقول قول المجنون ، لأنّ الأصل بقاء الملك على مالكه ، ولاستصحاب حال الجنون الى ان يعلم زواله وليس بمعلوم ، ولأنه أعرف بحاله.

فلا يعارض ذلك بأصل الصحّة وعدم الفساد لكثرته ، ولأنه قد يمنع كون الصحّة أصلا نعم قد يكون ظاهرا من حال المسلم.

فإن الأصل عدم البيع وعدم الصحّة ، لأنها موقوفة على الشرائط المعلومة ، والأصل في الكل هو العدم.

فلا يرد عليه ما أورده المحقّق الثاني : أنه لا أقل أن يكون هنا التردّد كما فعل المصنف في القواعد والتحرير وذلك لا يوجب أولويّة قراءة (ادّعى) بناء للمجهول بمعنى انه لو ادّعى مدع على المجنون بعد الإفاقة أنّ البيع كان وقت الجنون فالقول قول المجنون كما قاله أيضا.

لأنه خلاف ظاهر المتن وخلاف المسألة المذكورة في غير هذا المتن وان كان الحكم أوضح فتأمل.

قوله : «الثالث السفه إلخ» وجه منع السفيه عن التصرف المالية (٢)

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١ من كتاب الحجر ج ١٣ ص ١٤١ وباب ٤ من أبواب مقدمات العبادات ج ١ ص ٣١.

(٢) هكذا في النسخ كلها ولعلّ الصواب التصرف المالي أو التصرفات الماليّة.

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لنفسه ـ من دون اذن الوليّ مطلقا عينا ودينا مع إصابته المصلحة والربح أم لا ـ هو الإجماع ظاهرا وظاهر الكتاب (١) ، وقد مرّ.

والظاهر أنه غير صحيح (٢) أيضا ، لأنه ـ بعد ثبوت انه ممنوع عنه وعلة المنع عدم صلاحيته له ـ عدم الصحّة ظاهر.

واما توكّله لغيره ، فالظاهر أنه صحيح أيضا ان وقع بشرائطه للأصل وأدلّة جواز التوكل وصدور البيع ، عن أهله في محلّه مثلا ، ومنعه من التصرف في ماله لاحتمال إضاعة ماله ، لا يستلزم منعه عن مال غيره باذنه مع الأمن من التضييع ، إذ قد يسامح في ماله دون مال غيره ، وكذا في ماله بدون اذن الولي وتعيين الثمن للمبيع مثلا ، لرفع العلّة المقتضية وهي الانخداع واحتمال التضييع ، مع صلاحيته لإيقاع العقد واعتبار كلامه ، ولما تقدم وخرج ما هو مستقلّ به ، للنص (٣) والإجماع ، وبقي الباقي.

ويمكن ان يكون اجازة الوليّ أيضا كافيا على تقدير جواز العقد الفضولي ، والا فلا كما هو الظاهر.

واما حقيقة السفه ، فهي معلومة من تعريف الرشد المقابل له ، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله : وهو المبذّر أي الصارف لأمواله في غير الأغراض الصحيحة أي في نظر العقلاء غالبا بالنسبة الى حاله.

فصرف المال في المحرّمات وتضييعه مثل إلقائه في البحر ، سفه بإجماع الأمّة كما يفهم من التذكرة كما مرّ.

وكذا صرفه في الأطعمة والأشربة والمأكل والمشرب الغير اللائق بحاله

__________________

(١) وهو قوله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) الآية النساء ـ ٥.

(٢) يعني كما انه ممنوع تكليفا غير صحيح أيضا وضعا.

(٣) الظاهر ارادة عموم الآية المتقدمة.

٢١٠

فلو باع أو وهب أو أقرّ بمال أو أقرض ، لم يصحّ ، مع حجر الحاكم عليه.

______________________________________________________

بحيث يعاب على ذلك عرفا وغالبا.

والظاهر أنّ المراد عدم الرشد لا مجرد الاتفاق.

فالذي له ملكة حفظ المال عن الضياع وعدم صرفه إلا في الأغراض الصحيحة اللائقة بحاله في نظر العقلاء ، رشيد ، والذي ليس له تلك سفيه ، هذا هو المفهوم من كلام أكثر الأصحاب بحسب الظاهر فهو متفق على اعتباره.

واما اعتبار ما يزيد عليه من ملاحظة إصلاح الموجود وتحصيل المعدوم والاشتغال بالاعمال التي ينبغي وقوعه (١) من أمثاله كما صرّح به في شرح الشرائع ويفهم من كلام البعض في الجملة في بيان الاختبار مثل اختبار المرأة بالنساجة ، فهو غير ظاهر الدليل والأصل ينفيه.

وظهور عدم صدق السفيه على عادم ذلك لغة وعرفا وشرعا ، وتسلّط الناس على أموالهم وعدم جواز منع الناس عن أموالهم عقلا ونقلا الّا ما خرج بدليل ، يدلّ على العدم فتأمّل.

قوله : «فلو باع أو وهب إلخ» تفريعه ظاهر بعد ثبوت ما تقدّم ، وقوله : (مع حجر الحاكم) إشارة الى أنّ ذلك ظاهر مع حكم الحاكم بسفهه ، واما بدون ذلك فيجي‌ء الإشكال في المتن ، ووجهه.

وهذا الكلام يشعر بعدم الثبوت الّا مع حكمه فتأمّل.

وامّا عدم سماع إقراره فهو بالنظر الى ظاهر الشرع وحكم الحاكم بذلك ، سواء أقرّ بثبوت شي‌ء في ذمّته بالدين أو إتلاف مال ، وقبل السفه والحجر ، أو بعده فإن إقراره حينئذ غير مسموع.

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها والصواب وقوعها.

٢١١

ويصحّ تصرّفه في غير المال كالطلاق ، والظهار ، والخلع ، والإقرار بالحدّ ، والقصاص ، والنسب.

ولا يسلّم اليه عوض الخلع.

______________________________________________________

واما بينه وبين الله فالظاهر انه مكلّف بالخروج عمّا في ذمته مطلقا ، فلا بدّ ان يسلّم ما أقرّ به الى المقرّ له خفية ويجوز له أخذه إذا كان حقا ثابتا في ذمّته قبل السفاهة وصرّح به في التذكرة.

واما إذا كان المالك سلّطه على ماله بالبيع وشبهه بعد الحجر ، فقال في التذكرة : لا يجب عليه أداء ذلك ، لأنه بتسليطه السفيه على ماله مضيع لماله ، فلا عوض له ، فكأنّه أتلفه بنفسه.

هذا ـ مع عدم علمه بسفهه ـ مشكل ، بل مع علمه أيضا فإنه على اليد ما أخذت (١) وما سلّمه اليه الّا بعوض ، بل يكون حينئذ مع علمه بعدم لزوم العوض سفيها أيضا كالمتصرف فلا يخرج ماله عن ملكه ، ولا يلزم عدم العوض بتسليطه بلا عوض ، كالهبة ونحوها فكيف على وجه العوض ، فالظاهر العوض بناء على قوانينهم ، فافهم.

قوله : «ويصح تصرفه إلخ» دليل ذلك كلّه حتى النسب ـ ولكن من دون النفقة وان كان نسبا موجبا لذلك في غير السفيه ـ الأصل والأدلّة من العمومات الدالة على جواز تلك التصرفات وعدم شمول دليل السفه لها ، وانه لا يمنع من غير الماليّة.

والضابط انه انما المنع عن التصرفات المالية لا غير.

والظاهر أنّه مجمع عليه أيضا.

واما وجه عدم تسليم عوض الخلع له ، فهو أنه تصرف ماليّ ممنوع فلا يجوز

__________________

(١) راجع عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢٤ و ٣٨٩ وج ٢ ص ٣٤٥ وج ٣ ص ٢٤٦ وص ٢٥١ ـ مع ذيلها.

٢١٢

ويجوز ان يتوكل لغيره في بيع وهبة وغيرهما.

ولو أجاز الوليّ بيعه ، صحّ.

(الرابع) الملك ، فالعبد والأمة محجور عليهما لا يملكان شيئا ولو ملّكهما مولاهما ، ولو تصرفا لم يمض إلا بإذن المولى.

(الخامس) المرض ، ويمنع المريض من الوصيّة بأكثر من الثلث ما لم يجز الورثة.

______________________________________________________

ذلك فلا يخرج عن العهدة بذلك.

قوله : «ويجوز أن يتوكل إلخ» قد مرّ دليله ، وكأنه أشار الى خلاف بعض العامّة حيث لم يجوّزه ، ولعله لا خلاف عندنا.

وكذا دليل قوله : (ولو أجاز بيعه صح) فتذكّر.

قوله : «الرابع الملك إلخ» ظاهرهم عدم الفرق في منع المملوك وحجره عن جميع التصرفات ـ بدون اذن المولى الا الطلاق ، فإنه بيد من أخذ بالساق (١) ـ بين القول بأنه يملك أم لا ، ولعلّ دليلهم الإجماع ولا نعلم ذلك.

والحكم غير واضح فيما يملكه على تقدير القول بأنه مالك ، وهو الظاهر كما مرّ فتأمّل.

هذا وظاهر المتن أنّ الحجر بسبب عدم الملك ، وانهما لا يملكان ، وأنه لا يفيد الإجازة ، بل لا بدّ من الاذن الّا ان يعمّم الاذن بحيث يشمل السابق واللاحق.

قوله : «الخامس المرض إلخ» الظاهر انه ليس بحرام ، بل معنى المنع هنا عدم مضيّ تصرفاته في أكثر من الثلث إلا بإذن الوارث.

ودليله أخبار كثيرة (٢) مع الشهرة العظيمة ، بل كاد ان يكون إجماع

__________________

(١) عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٣٤ حديث ١٣٧ ولاحظ ذيله.

(٢) راجع الوسائل باب ١٠ و ١١ و ١٢ و ١٣ من كتاب الوصايا ص ٣٦١ ـ ٣٧١ ج ١٣.

٢١٣

وفي التبرعات المنجزة ، قولان.

______________________________________________________

الأمّة ، فلا يلتفت الى الشك والشبهة.

قوله : «وفي التبرعات المنجّزة قولان» القول بلزوم المنجّزات وصحتها ، قول الشيخ في النهاية ، والشيخ المفيد ، والقاضي ، وابن إدريس رحمهم الله ، وظاهر التهذيب والفقيه.

وبعدم القبول إلّا في الثلث وهو قول ابن الجنيد والشيخ في المبسوط والمتأخرين ، والمصنف هنا نقل القولين من غير ترجيح ، وفي باب الوصيّة اختار الثاني ، ونقل عن الصدوق أيضا مع ان ظاهر كتابه الفقيه غير ذلك.

ودليل الأوّل أظهر ، وهو الأصل (١) ، والاستصحاب ، وتسلّط الناس على أموالهم عقلا ونقلا كتابا (٢) وسنّة (٣) وإجماعا ، وأدلّة صحّة الهبة (٤) والعتق والمحاباة مثلا لو فعلها حال مرضه ، والاخبار الصريحة الصحيحة وغيرها.

مثل صحيحة أبي شعيب المحاملي ـ الثقة ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الإنسان أحقّ بماله ما دامت الروح في بدنه (٥).

وصحيحة محمد بن مسلم ـ في التهذيب والفقيه ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه واوصى بوصيّة وكان أكثر

__________________

(١) يعني أن الأصل صحّة التصرفات مطلقا فلو شك فيها يقال : كانت هذه التصرفات قبل مرض الموت صحيحة فتستصحب بعده أيضا.

(٢) إشارة إلى آية التجارة عن تراض.

(٣) إشارة إلى قول النبيّ صلّى الله عليه وآله : الناس مسلطون على أموالهم ـ عوالي اللآلي ج ١ ص ٤٥٧ رقم ١٩٨.

(٤) لعله أراد إطلاق أدلّة صحّة الأمور المذكورة والا فلم نقف على خبر يدل بالخصوص على صحتها حال المرض مطلقا بل ورد ما يدل على خلافه فراجع الوسائل باب ٨ حديث ٣ من كتاب الهبات وباب ١١ حديث ٣ و ٤ و ٦ و ٩ و ١١ و ١٥ و ١٦ من كتاب الوصايا.

(٥) الوسائل باب ١٧ حديث ٨ بسند الشيخ ره من كتاب الوصايا.

٢١٤

(السادس) الفلس.

______________________________________________________

من الثلث؟ قال : يمضى عتق الغلام ويكون النقصان فيما بقي (١).

وحسنته ـ أيضا ـ عن أبي جعفر عليه السلام في رجل أوصى بأكثر من الثلث وأعتق مملوكا (مماليكه ئل) في مرضه؟ فقال : ان كان أكثر من الثلث ردّ الى الثلث وجاز العتق (٢).

فقول شارح الشرائع ـ : وعليه شواهد من الاخبار الّا ان في طريقها عمارا وسماعة (٣) وهما فاسد الرأي لكنهما ثقتان ـ محلّ التأمّل ، وغيرها من الاخبار الكثيرة (٤).

ويمكن حمل غيرها على الاستحباب ، وأنّ الأولى ترك المال للورثة والوصيّة مع عدم صحيح صريح في كونها كالوصيّة ، وسيجي‌ء في الوصيّة تحقيق المسألة وقد كتبت فيه رسالة منفردة وجمعت فيها أكثر الأدلّة وذكرت وجوها للجمع بين الأدلّة.

قوله : «السادس الفلس» ليس الغرض متعلّقا بمعناه اللغوي ، فتركت (٥).

قال في التذكرة : واما في الشرع ، فقيل : من عليه ديون لا يفي بها ماله ويشمل من لا مال له ، ومن له مال قاصر.

وقد دل على تفسيره تفسير النبيّ صلّى الله عليه وآله مفلس الآخرة حيث قال صلّى الله عليه وآله : أتدرون من المفلس؟ قالوا : يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، قال : ليس ذلك المفلس ، ولكن المفلس من يأتي يوم القيامة

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من كتاب الوصايا.

(٢) الوسائل باب ٦٧ حديث ٤ من كتاب الوصايا.

(٣) راجع الوسائل باب ١٧ حديث ٤ و ٧ و ١٠ وحديث ١ و ٢ و ١١ من كتاب الوصايا.

(٤) راجع باب ١٧ من كتاب الوصيّة وغيره.

(٥) يعني لما لم يكن متعلقا بمعناه اللغوي تركت ذكر معناه اللغوي.

٢١٥

ويحجر عليه بشروط أربعة ، ثبوت الديون عند الحاكم ، وحلولها ، وقصور أمواله عنها ، وسؤال أربابها الحجر.

______________________________________________________

حسناته أمثال الجبال ، ويأتي من قد ظلم هذا وأخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإن بقي عليه شي‌ء ـ أي من حقوق الناس ـ أخذ سيئاتهم فردّت ثم صكّ في النار (١).

هذه تدل على تحريم الغيبة ونحوها ، وكونها كبيرة ، وعلى الإحباط ، ونقل سيئات البعض الى بعض كسائر الروايات (٢) فتأمّل فيها.

ثم حجره على من له مال في الجملة في عدم تصرفه فيه وفي المتجدد بنحو الاختطاب ، وعلى من ليس له مال في الأخير فقط.

وقال في التذكرة : للحجر شروط خمسة ، المديونيّة ، وثبوت الدين عند الحاكم ، وحلولها ، وقصور ما في يده عنها ، والتماس الغرماء أو بعضهم ، وبعد حجر الحاكم يمنع من التصرفات الماليّة في الموجود والمتجدّد زمان الحجر فقط ، لا من التصرف في نفسه وسائر المعاملات الغير المتعلّقة بالمال الموجود ويتعلّق الديون زمانه بعينه فلا يجوز له التصرف فيه بوجه ومن وجد عين ماله يكون أولى بها (٣).

ولعل دليل هذه الأحكام كلّها هو الإجماع ، وكذا عدم حصول الحجر الشرعي إلا بحكم الحاكم.

ولعل لهم بعض الأخبار من العامّة أو من الخاصّة ، وما وقفنا عليه ، نعم اختصاص الديان بعين ماله يدل عليه بعض الأخبار وسيجي‌ء.

قوله : «ويحجر عليه بشروط أربعة إلخ» هي الأربعة الأخيرة المذكورة

__________________

(١) مسند احمد بن حنبل ج ٢ ص ٣٠٣ وص ٣٣٤ و ٣٧٢ وقد نقله الشارح قده بالمعنى.

(٢) راجع الوسائل : ج ٨ باب ٥٢ ص ٥٩٦.

(٣) قوله : للحجر شروط الى هنا مذكور في التذكرة متفرّقا وقد جمعه الشارح قدس سرّه ولخصّها فراجع الفصل الثاني من المقصد الثالث في التفليس من التذكرة.

٢١٦

فلو سأل هو أو تبرع به الحاكم أو كانت أمواله مساوية أو كانت مؤجّلة فلا حجر.

ويثبت حجره بحكم الحاكم به ، ويزول بالأداء ولا يشترط الحكم.

______________________________________________________

في التذكرة ، وترك الأوّل لاستغنائه عنه بثبوت الديون عند الحاكم فإنه فرع المديونيّة وأراد في التذكرة التفصيل.

قوله : «فلو سأل هو إلخ» بعد ثبوت الشرائط المقررة ، تفريع عدم ثبوته ـ بسؤال نفسه الحجر أو تبرّع الحاكم فالظاهر عدم الجواز له الا برضاه ، وعلى غير وجه الإلزام ، بل نظرا لمصلحته أو مساواة أمواله للديون بمعنى حصول الوفاء للديون الحالّة وان لم يف بالكلّ أو كان زائدا أو كانت الديون التي تستغرق المال غير حالّة مؤجّلة كلّها أو بعضها ـ ظاهر.

قوله : «ويثبت حجره إلخ» قد نقل الإجماع على عدم ثبوت الحجر المراد إلّا بحكم الحاكم ، فمع وجود جميع شرائطه ، لا يمنع من التصرفات في ماله بأسرها وليس للغرماء منعه من شي‌ء إلّا بعد الحجر ، ويفهم على ذلك ، الإجماع من التذكرة وغيرها.

ولكن استشكل في جواز رجوع من وجد عين ماله عند المفلس المعرّف قبل حجر الحاكم له ، سواء كان مبيعا أو قرضا أو غير ذلك.

ولكن ظاهر الرواية (١) من العامّة والخاصة ـ وستجي‌ء ـ عدم التوقف (٢) ، فان كانت حجّة لا بأس بالعمل بها ولا يدلّ الأصل ، ويملك (٣) المفلس بالعقل

__________________

(١) يعني قوله عليه السلام : من وجد متاعه فهو أحق به.

(٢) يعني عدم توقف رجوع صاحب المتاع الى متاعه ، على حكم الحاكم ، بحجره.

(٣) هكذا في النسخ كلها ، ولعل الصواب : (وتملّك) المصدر من التفعّل عطفا على (الأصل).

٢١٧

«المطلب الثاني في الأحكام»

والكلام فيه يقع في مقامين.

(الأوّل) في أحكام السفيه.

ويثبت حجر السفيه بحكم الحاكم لا بمجرّد سفهه على اشكال.

______________________________________________________

والإجماع على عدم الجواز بعد وجود الرواية التي هي حجّة ولا يصير سببا للتأويل والتصرّف فيهما كما فعله في التذكرة فتأمّل.

ثم ان الظاهر زوال الحجر بالأداء لزوال سببه ، فإنّ السبب هو الدين والمطالبة ، وهو ظاهر.

وأيضا انه كان ابتدائه مشروطا بوجود الدين الثابت الحال ، فكذا الاستدامة للعلّة ، وهو ظاهر فلا يظهر بقائه الى ان يحكم الحاكم بالزوال لكونه (١) كان موجودا فبحكم الاستصحاب موجود حتى يعلم الزوال ولا يعلم الّا بالحكم كأصله ، وهو ظاهر على ما أفهم.

«المطلب الثاني في الأحكام»

قوله : «ويثبت حجر السفيه بحكم الحاكم إلخ» المراد ثبوت حجر السفيه بالمعنى المتقدم بعد ان صار رشيدا أو زال حجره ثم صار سفيها بحيث لو كان قبله لكان ممنوعا ومحجورا هكذا ينبغي التقييد فان الظاهر أن لا نزاع في انه يثبت (ثبت خ) الحجر على السفيه المتصل سفهه بعدم البلوغ بمجرد السفه وعدم توقفه على حكم الحاكم ، وكذا زواله بزواله من دون الحكم للآية (٢) ، بل الإجماع على ما فهم

__________________

(١) تعليل للمنفي يعني (يظهر) لا النفي يعني (لا يظهر).

(٢) يعني لإطلاق الآية وهو قوله تعالى «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» النساء ـ ٦.

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

من شرح الشهيد ، ولما سيأتي فتأمّل.

فقيل : المشهور توقفه على حكم الحاكم وحجره ، وهو مذهب المصنف في التذكرة للأصل ، وتسلّط الناس على أموالهم عقلا ونقلا (١) ، وشمول أدلّة التصرفات ، تصرفه الذي فعله في زمان سفهه ، من الكتاب والسنّة ، وصدقها عليها حينئذ ، ولعدم الدليل في الكتاب والسنّة الا على استصحاب السفه الى ان يرشد ، وأما الحادث بعده فلا ، وهذا دليل قويّ.

ويؤيده الإجماع على عدم تحقّقه في المفلّس الا بعده.

ويؤيّده أيضا ، الشريعة السهلة السمحة.

وانه ان كان مجرّد السفه حجرا يشكل المعاملات والأنكحة ، فان غالب الناس مجهول الحال أو معلوم السفاهة.

وهو ظاهر مع اعتبار العدالة ، ومع عدمه أيضا خصوصا إذا اعتبرنا ما اعتبره الشهيد الثاني حيث قال :

وقد عرفت ان الرشد لا يكفي فيه ذلك (أي إصلاح المال) بل لا بدّ من ملاحظة إصلاح الموجود وتحصيل المعدوم بالوجوه السابقة (٢) فيتحقّق بالاعمال التي ينبغي وقوعها منه وصيرورة ذلك ملكة له يعسر زوالها.

وان كان الذي قاله غير واضح ، فإن الأصل ينفيه ، مع عدم الدليل ، وعدم ذكر الأصحاب والمشقة والحرج ، وأنه منتف عن كثير من الناس مثل أهل العلم ، فالظاهر عدم اعتباره.

ولكن قد نقل الإجماع على أنّ صرف المال في المحرّمات سفه وتبذير.

__________________

(١) عوالي اللآلي ج ١ ص ٤٥٧ رقم ١٩٨.

(٢) في المسالك ـ بعد قوله : السابقة : فيكون السفه ترك ذلك فيتحقّق بترك الاشتغال بالاعمال التي ينبغي وقوعها من أمثاله ولا بدّ من تقييد صرف المال في غير الغرض الصحيح يكون ذلك ملكة له (انتهى).

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قال في التذكرة : إذا عرفت هذا فان الفاسق ان كان ينفق ماله في المعاصي كشراء الخمور ، وآلات اللهو ، والقمار ويتوسل به الى الفساد ، فهو غير رشيد لا يدفع إليه أمواله إجماعا لتبذيره لماله وتضييعه إيّاه في غير فائدة ، وان كان فسقه لغير ذلك كالكذب ومنع الزكاة (إلى قوله) : دفع اليه ماله ـ اي عند من لم يشترط العدالة.

وقال في التحرير : وان استلزم فسقه التبذير كشراء (وشراء خ) الخمر ، وآلات اللهو ، والنفقة على الفاسق ، هذا لا يسلّم إليه شي‌ء لأجل تبذيره.

كأنه يريد الفاسق من حيث فسقه والا فهو مشكل فتأمّل.

فالظاهر أنّ مراده بالإجماع إجماع الأمّة كما يظهر من هذا الموضع ومن مواضع آخر من هذا الكتاب.

والظاهر عدم اختصاصه بالابتداء ، فان الرشد شرط دائما ، نعم يحتمل تخصيص العدالة بالأوّل كما مرّ.

ويؤيّده ما قاله في التذكرة : ولو طرء الفسق الذي لا يتضمن تضييع المال ، ولا تبذيره فإنه لا يحجر عليه إجماعا.

وفي هذا الإجماع تأمّل مضى.

وقال فيها أيضا في موضع آخر : ونحن لما ذهبنا الى ان الفسق لا يوجب الحجر ، وانه لا يشترط في الرشد ، العدالة لم يثبت الحجر عندنا بطريان الفسق ما لم ينضمّ اليه تضييع المال في المحارم وغيرها فلا يمكن التخصيص بالابتداء وهو ظاهر.

ولكن يلزم الإشكال ، فإنه قلّما يخلو عنه الإنسان فإنهم يشترون ما لا يجوز أكله مثل مال الأيتام وأموال الأموات من غير أهلها ، والخمر ، وآلات اللهو والقمار ، ويستعملون الربا ، ويعطون الأموال ، الى (على خ) المغنّي واللاعب بالمحرّم من اللهو والصيد ، والى من يأخذ من أموال الناس قهرا لهم خصوصا الحكّام

٢٢٠