مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الثمن انفسخ العقد فيطالب الضامن بالثمن ان قلنا البيع : ينفسخ عن أصله ، فهو كظهور الفساد بغير الاستحقاق ، وان قلنا : ينفسخ من حينه فكالردّ بالعيب وأراد بقوله : (بغير الاستحقاق) ظهور الفساد من أصله بسبب غير كون المبيع مستحقا بأن فقد شرط من شروط صحّة البيع ، وبقوله : (فكالرد بالعيب) الإشكال الذي تقدمه.

قال : ولو خرج المبيع معيبا فردّه المشتري ، ففي مطالبته الضامن ، عندي إشكال.

وقال بعده أيضا : فإن كان المشتري ردّ بعيب كان موجودا حال العقد رجع على البائع ، وفي رجوعه على الضامن الاشكال السابق هذا.

قال في شرح الشرائع : واعلم أنّ في التذكرة بنى حكم تلف المبيع قبل القبض ، على أنّ التلف هل يبطل العقد من حينه أو من أصله فعلى الأوّل لا يتناوله الضمان ، وعلى الثاني يتناوله فيطالب الضامن ، وفيه نظر لأنا وان حكمنا بكونه مبطلا من أصله ، لكن هذا حكم لا حق للضمان ، فان المبيع حالته كان ملكا للمشتري ظاهرا وفي نفس الأمر ، فلا يتناول الضمان الثمن لأنه لم يكن لازما للبائع مطلقا ، وانما التلف الطاري كان سببا في حكم الله تعالى كعود الملك الى صاحبه من أصله (انتهى).

هذا الكلام غير واضح أما أوّلا فلما مرّ أنّ المصنف في التذكرة ما قال بعدم تناول الضمان على التقدير الأوّل ، بل استشكله كما فهمته ، فكأنه يريد الجواز وهو بعيد.

واما ثانيا فلأنه إذا حكم على البطلان من أصله ، وكونه حينئذ من أصله إلى المشتري ، ما يفهم ملكا للبائع من حين العقد الى حين التلف ، فان معني كونه ملكا له الى الآن ترتّب آثار الملكيّة عليه وكونها له مثل النماء الحاصل ونحوه ، فإذا

٣٠١

ولو طالب بأرش عيب سابق ، رجع على الضامن.

______________________________________________________

كان هذا كلّه له في نفس الأمر وكان البيع صحيحا في نفس الأمر لا معنى لبطلانه من أصله ، لأن البطلان في أصله معناه عدم ترتّب تلك الآثار عليه وكونها لمالكه الأوّل.

فكونه الى الآن ـ في نفس الأمر ، والظاهر ، وعند الله وفي حكمه (حكم الله خ) ثم العود في نفس الأمر وفي حكم الله تعالى إلى الأوّل في جميع الأزمنة ممّا لا يجتمعان على ما نفهمه والذي نفهمه. انه إذا قيل : انه يبطل من أصله ، انما يكون ذلك بان يكون صحّة البيع غير معلومة ، بل تكون معلّقة بالبقاء الى حين القبض فكأنّ البقاء الى القبض شرط من شروط صحّة العقد ، وعدمه مانع ، أو أنّ ذلك كاشف على ما يجوّزونه في أمثاله ، وما نفهم غير ذلك ، وهو اعرف ، ولكن المصنف أعلم.

قوله : «ولو طالب إلخ» سبب رجوعه الى الضامن ثبوت الأرش في الذمّة وقت الضمان بخلاف الثمن ، فإنه انما يثبت بعده بالفسخ الطاري كما تقدم فهو يحتاج (محتاج خ) الى الفسخ ثم يثبت حينئذ ، وهذا هو الفرق بينهما فتأمّل.

وفيه تردد لما تقدم ، ولان ضمان عهدة الثمن لا يشمله الا ان يكون مقصودا ومعلوما بينهما سواء ذكر ما يدل عليه بخصوصه أم لا.

ويحتمل كون هذا هو وجه تردد الشرائع حيث قال : لان استحقاقه ثابت عند العقد وفيه تردد.

وقال شارحه : ومحصّل (١) التردد ، والاشكال يرجع الى ان الأرش هل هو ثابت بالعقد وانما يزول بالفسخ والرجوع الى الثمن ، أو أنّ سببه وان كان حاصلا لا يثبت الا باختياره وتظهر الفائدة فيما لو لم يعلم بالعيب أو علم ولم يطالب فهل تبقى

__________________

(١) في المسالك : ومحصّل الاشكال يرجع إلخ.

٣٠٢

ولو خرج بعضه مستحقّا رجع على الضامن به ، وعلى البائع بالباقي.

والقول قول المضمون له في عدم تقبيض الضامن.

ولو شهد للضامن ، المضمون عنه قبلت مع عدم التهمة.

______________________________________________________

ذمة من انتقل عنه المعيب مشغولة بالأرش أم لا؟ (١).

والظاهر الأوّل ، فإن عدم ثبوت شي‌ء مع عدم العلم بعيد ، إذ يلزم ذهاب مال من المشتري من غير عوض ، وهو بعيد خصوصا مع علم البائع بالمعيب وكتمانه.

فالظاهر أنّ النقص في ذمته ، ولكن لمالكه انما يثبت المطالبة مع العلم وعدم الرضا بالعيب وعدم الفسخ ، وإذا فعل أحدهما يسقط ، فلو علم ولم يطالب يحتمل السقوط وان قلنا : انه ثابت في الذمّة فكونه فائدة ، تحتاج الى قيد فتأمّل.

قوله : «ولو خرج إلخ» وجهه واضح ممّا تقدم.

قوله : «والقول قول إلخ» دليل القول قوله مع يمينه ظاهر ، وهو انه منكر ، كأنه انما ذكره.

لقوله : «ولو شهد للضامن إلخ» يعني انه لو شهد للضامن بتقبيضه إيّاه ، وأدائه ما ضمن تقبل شهادته مع تحقق شرائط الشهادة ، منها : عدم التهمة بجرّ نفع مثل ان ضمن باذنه فيه وفي الدفع فإنه حينئذ مع الدفع يرجع اليه فلا نفع له فيها فلا تهمة.

واما التهمة بأن يكون ضامنا بغير اذنه وادّعى الدفع كذلك أو مع كونه معسرا وعلم المضمون له ، فإنه حينئذ يجرّ نفعا ، بسقوط الحقّ عن نفسه.

__________________

(١) الى هنا كلام المسالك ثم قال : وقد تقدم في باب السلم لهذه المسألة مزيد بحث (انتهى).

٣٠٣

ولو كان فاسقا وحلف المضمون له أخذ من الضامن ما حلف عليه ، ورجع الضامن بما أدّاه أوّلا.

ولو لم يشهد رجع بما أداه ثانيا ان لم يزد على الأوّل.

ويخرج ضمان المريض من الثلث.

______________________________________________________

ولو لم يكن متصفا بشرائط الشهادة ـ بأن يكون فاسقا وحلف المضمون له على عدم الأداء والقبض ـ يأخذ من الضامن ما حلف عليه ورجع الضامن على المضمون عنه بما ادّعى أدائه أوّلا وشهد به المضمون عنه ، لا بما حلف كائنا ما كان ، لاقرارهما بأنّ المأخوذ ثانيا بالحلف ظلم ، وليس بسبب الضمان.

ولو لم يكن اعترف المضمون عنه بالأداء أوّلا كان الرجوع عليه مع شرائطه بما أدّاه ثانيا ، لانه الثابت الذي يستحق به الرجوع ، ولكن بشرط ان لا يكون زائدا على الأول ، لأنه لم يستحق تلك الزيادة باعترافه ، لان الضامن يقول : ان الثاني مأخوذ ظلما ، وهو ظاهر.

قوله : «ويخرج إلخ» يعني إذا ضمن المريض ومات في مرضه ذلك ، يكون الحق المضمون معتبرا من الثلث فيصرف الى المضمون له ما يسعه دون الزائد.

هذا (١) ـ مع القول بان التبرعات من الثلث وعدم الاذن في الضمان المستلزم لعدم الرجوع ، أو معه لكن ما وجد مال يمكن الاستيفاء منه مثل أن مات الأصل معسرا وعدم تجويز الورثة ـ ظاهر لا غير ، ولعله المراد فتأمل.

__________________

(١) قوله قدس سره : (هذا) مبتدأ وخبره قوله : (ظاهر).

٣٠٤

«المطلب الثاني في الحوالة»

______________________________________________________

«المطلب الثاني في الحوالة»

قوله : «المطلب الثاني إلخ» قال في التذكرة : الحوالة (١) تحويل الحق من ذمة إلى ذمة ، وهي عقد وضع للإرفاق ينفرد (٢) بنفسه وليست (٣) بيعا عند علمائنا اجمع (إلى قوله) (٤) وهو عقد جائز بالنص والإجماع.

والنص (٥) ، ما روي بطريق العامّة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله انه قال : مطل الغنى ظلم ، وإذا اتبع على ملي فليتبع (٦) ، وفي لفظ آخر : وإذا أحيل على ملي فليحتل وقال (٧) : معنى (اتبع) هو معنى (أحيل) قاله صاحب الصحاح.

ومن طريق الخاصّة رواية منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام قال : سألته عن الرجل يحيل على الرجل ، بالدراهم أيرجع عليه؟ قال : لا يرجع عليه (ابدا ئل) الا ان يكون قد أفلس ، قبل ذلك (٨).

والتعريف والروايتان يدلان على عدم اشتراط شغل ذمّة المحال عليه في تحقق الحوالة كما شرطه الأكثر ، وجعلت قسيمة للضمان بالمعنى الأخصّ بذلك الاعتبار كما مرّ بان يقال : التعهد بالنفس الكفالة ، وبالمال فان كان الذي يجعله

__________________

(١) الحوالة مشتقة من تحويل الحق إلخ (التذكرة).

(٢) منفردة بنفسه (التذكرة).

(٣) وليست بيعا ولا محمولة عليه عند علمائنا إلخ (التذكرة).

(٤) يعني في مسألة أخرى مستقلة قال : مسئلة الحوالة عقد إلخ.

(٥) قوله قده : (والنص إلخ) منقول من التذكرة بتقديم وتأخير.

(٦) سنن أبي داود ج ٣ ص ٢٤٧ باب في المطل الى قوله : (فليتبع) وراجع عوالي اللآلي ج ٤ رقم ٤٥ مع ذيله.

(٧) يعني (في التذكرة).

(٨) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من كتاب الضمان ج ١٣ ص ١٥٨.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

في العهدة ـ وهو الموجب للعقد ، والمحوّل ان كان مشغول الذمّة ، فهو الحوالة والا فهو الضمان بالمعنى الأخص.

وقد يقال : ان كان المحوّل مشغول الذمة ، فهو الحوالة ، والا فهو الضمان ، أو ان كان التحويل من ذمة المحوّل فهو الحوالة وان كان الى ذمته فهو الضمان ونحو ذلك.

ونقل في التذكرة الإجماع على اشتراط شغل ذمّة المحيل كما سيجي‌ء ، وفي قوله : (١) (تحويل الحق) اشارة اليه.

والثانية (٢) تدلّ على أنّها ناقلة وان الغنى شرط في المحال عليه وقت الحوالة.

ولا يبعد اقامة علم المحتال بالإعسار مقام الغنى كما قاله الأصحاب ، وقد مرّ في الضمان.

وانه لازم فقوله : (٣) (جائز) معناه عدم التحريم ، ولهذا قال في التذكرة : الحوالة عقد لازم فلا بدّ فيها من إيجاب وقبول كغيرها من العقود ، والإيجاب كل لفظ يدل على النقل (والتحويل ـ كره) مثل أحلتك وقبّلتك واتبعتك ، والقبول ما يدل على الرضا نحو رضيت وقبلت ، ولا تقع معلّقة بوصف ولا شرط ، بل (٤) لا بدّ من كونها منجزة لأصالة البراءة وعدم الانتقال ولا يدخلها خيار المجلس لأنه مخصوص (٥) بالبيع ، والحق (٦) جواز خيار الشرط لقولهم عليهم السلام : كل شرط

__________________

(١) يعني قوله العلامة في التذكرة ـ كما تقدم.

(٢) يعني رواية منصور بن حازم.

(٣) يعني العلامة في التذكرة كما تقدم نقله.

(٤) في التذكرة : بل من شرطها التنجيز فلو قال : إذا جاء رأس الشهر أو ان قدم زيد فقد أحلتك عليه لم يصحّ لأصالة إلخ.

(٥) في التذكرة : لأنه مختصّ بالبيع وليست بيعا عندنا.

(٦) في التذكرة : وهل يدخلها خيار الشرط؟ منع منه أكثر العامة والحق جواز دخوله لقولهم إلخ.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يخالف الكتاب والسنة فهو جائز (١) (٢).

دليل كونها لازمة مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) ، والمسلمون عند شروطهم (٤).

واما اشتراط الإيجاب والقبول ، فدليله غير ظاهر ، ومجرد نونها عقدا لازما لا يستلزمه ، وهو ظاهر ، وعموم أدلة جوازها يفيد عدم الاشتراط.

ويؤيّده الأصل ، وكونها شرعت للإرفاق فيناسبها المساهلة والمسامحة ، وما تقدم في الضمان وهو ظاهر من الروايتين.

وأيضا الظاهر جواز المعاطاة بالطريق الاولى.

وبالجملة ، الظاهر عدم الاشتراط الا ان يكون مجمعا عليه.

وكذا الكلام في عدم جوازها معلّقة ويؤيد العدم ، المسلمون عند شروطهم.

وهو دليل دخول خيار الشرط فيها مع ما ذكره ، وهو مؤيد لعدم اشتراط التنجيز.

واعلم ان المصنف حذف ـ قيد شغل ذمة المحال عليه ـ من التعريف ، لانه يقول بعدم اشتراطه كما سيجي‌ء ، فلا يحتاج الى العذر بأنه عرّف المشهور أو المجمع عليه ـ كما احتاج اليه صاحب الشرائع.

ولا يرد عليه ما هو أصعب منه ، وهو انه يصدق على الضمان بالمعنى الأخص ، إذ المراد كما هو الظاهر ، التحويل عن ذمة المحوّل الذي هو المحيل.

على انه ليس بأصعب ، لان التعريف بالأعم جائز عند المتقدمين بخلاف الأخص فإنه غير جائز عند أحد.

__________________

(١) إلى هنا عبارة التذكرة.

(٢) راجع الوسائل باب ٦ من أبواب الخيار من كتاب التجارة ج ١٢ ص ٣٥٢ وباب ٢٠ وباب ٢٩ و ٣٦ و ٣٨ و ٣٩ و ٤٠ من أبواب المهور ج ١٥.

(٣) المائدة ـ ١.

(٤) عوالي اللآلي ج ٢ ص ٢٥٨ رقم ٨ وغيره من المواضع الكثيرة.

٣٠٧

ويشترط رضا الثلاثة.

______________________________________________________

فقول شارح الشرائع : (حذف العلامة القيد محاولا لإدخال ذلك الفرد ، فوقع فيما هو أصعب منه) محلّ التأمل.

هذا في بيان ماهيتها.

واما شروطها فهي أربعة (الأوّل) رضاء الثلاثة (١).

ودليله ما نقل في التذكرة من إجماعنا على اشتراط رضاهم جميعا.

وجعل دليلا على كماليتهم ، فان الرضا بدون الكمال لا اعتبار به ويكفي رضا المحال عليه مقدما ومؤخرا.

وبالجملة لا نزاع في رضا المحيل والمحتال ، لأنهما طرفا العقد بالإجماع واما المحال عليه فمعلوم أيضا اشتراط رضاه إذا لم يكن مشغول الذمة ، واما معه فقد نازع فيه في شرح الشرائع مع نقله الإجماع عن الشيخ وعدم نقل الخلاف محتجا بأنها كالوكالة (وكالة خ) وبيع ما في ذمته.

والفرق بين الوكالة والبيع والحوالة واضح ، وعلى تقدير عدمه فيحتمل كون الفارق هو الإجماع.

وبالجملة الإجماع المنقول عن الشيخ والمفهوم من التذكرة حيث قال : وأصحابنا شرطوا رضا الثلاثة ، وفي موضع آخر : (ويشترط عندنا رضا المحال عليه ثم نقل الخلاف عن بعض العامّة فقط مع عدم ظهور الخلاف والأصل والاستصحاب وكونها على خلافه فيختصر على محلّ الوفاق واليقين والتفاوت بين الناس في المعاملات ، يدفع النزاع (٢).

والبحث في جواز صدورها عن المميّز والسفيه بإذن الولي ، كما تقدم.

__________________

(١) المحيل ، والمحال له ، والمحال عليه.

(٢) قوله قده : يدفع خبر لقوله : الإجماع المنقول.

٣٠٨

وملائة المحال عليه ، أو علم المحتال بالإعسار.

والعلم بالمال وثبوته في ذمّة المحيل.

______________________________________________________

(الثاني) ملائة المحال عليه وقت الحوالة أو علم المحتال بإعساره.

ودليله أيضا ، الإجماع المفهوم من التذكرة ، ورواية المنصور المتقدمة (١) ، قال في التذكرة : وهي نص في الباب ثم قال :

ولا يشترط استمرار الملائة ، بل لو كان المحال عليه مليّا وقت الحوالة ورضى المحتال ثم تجدد إعسار المحال عليه بالمال بعد الحوالة ، يكره للمحتال الرجوع على المحيل إلخ. بل (٢) لو كان معسرا ورضي به ومات معسرا في الحالين ضاع ماله وليس له رجوع على المحيل لما ثبت بإجماعنا أنّ الحوالة الصحيحة ناقلة كالضمان.

(الثالث) ثبوت المال في ذمّة المحيل للمحتال والعلم بتعيينه للثلاثة ، ونقل على الثبوت ، الإجماع ، فإنه لو لم يكن المحيل مشغول الذمة لم تصح الحوالة ولم تتحقق ، بل لو أحال على شخص حينئذ ، فإن كان غير مشغول الذمة ، فحاصله وكالة بصيغة الحوالة وهي جائزة بكل لفظ للقرض منه ، وان كان مشغولا فوكالة في الاستيفاء.

واما العلم به ، فهو ليعلم ما يعطى وما يؤخذ.

وفي التعيين تأمّل يعلم مما تقدم في الضمان ، ولعله لا خلاف في الاشتراط هنا.

وترك المصنف هنا الشرط الرابع ، وهو كمال الثلاثة ، لظهوره وذكره في أمثاله.

__________________

(١) تقدم آنفا موضعها.

(٢) من قوله قده : (بل لو كان معسرا (الى قوله) كالضمان منقول بالمعنى ، إذ لم نجد هذه العبارة في التذكرة فراجع وتتبع.

٣٠٩

ولا يجب قبولها على الملي.

وهي ناقلة ويبرأ بها المحيل وان لم يبرئه المحتال.

______________________________________________________

قوله : «ولا يجب إلخ» يعني لا يجب قبول الحوالة على المحتال وان احاله على غنى باذل ، لما تقدم من شرط الرضا ، لعدم انتقال حق شخص عن ذمّة إلى أخرى إلّا برضاه ، ودليله (١).

قوله : «وهي ناقلة إلخ» وقد مرّ ، وهو انه مجمع عليها وقد نقل ذلك في التذكرة في مواضع ولازم النقل برأيه المحيل وان لم يبرءه المحتال.

ونقل عن الشيخ (٢) قولا بعدمها لحسنة زرارة ـ لإبراهيم ـ (٣) الصريحة في أنه لا يبرء الا بإبراء المحتال.

ولمّا كانت غير صحيحة ومخالفة للإجماع بأنّها ناقلة ـ وهي مستلزمة للبراءة ـ مع مخالفتها لبعض الأخرى ، مثل رواية منصور (٤) ، ورواية عقبة بن جعفر (٥) صريحة في عدم الرجوع بعد الرضا ، فلا بدّ من تأويلها إمّا على عدم الرضا بالحوالة ، أو عدم العلم بالإعسار ونحوه وان كان بعيدا.

__________________

(١) قوله : «ودليله» مبتدأ وخبره قوله وهي ناقلة.

(٢) قال الشيخ ره في باب الكفالات والضمانات والحوالات ص ٣١٦ من النهاية : ما لفظه : ومتى لم يبرء المحال له بالمال ، المحيل في حال ما يحيله كان له أيضا الرجوع عليه ايّ وقت شاء (انتهى).

(٣) في الكافي : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل (الحلبي يب) ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل آخر فيقول له الذي احتال : برئت ممّا لي عليك؟ فقال : إذا أبرأه فليس له ان يرجع عليه وان لم يبرئه فله ان يرجع على الذي أحاله ـ الوسائل باب ١١ حديث ٢ من كتاب الضمان ج ١٣ ص ١٥٨.

(٤) راجع الوسائل باب ١١ حديث ٣ من كتاب الضمان.

(٥) في التهذيب : الحسن بن محمد بن سماعة ، عن عقبة بن جعفر ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن الرجل يحيل الرجل بالمال على الصيرفي ثم يتغيّر حال الصيرفي أيرجع على صاحبه إذا احتال ورضي؟ قال : لا ـ الوسائل باب ١١ حديث ٤ من كتاب الضمان ج ١٣ ص ١٥٨.

٣١٠

ولا يشترط سبق شغل ذمّة المحال عليه.

ولو احاله على فقير ورضي عالما لزم ، وكذا على ملي ثم افتقر.

ويصحّ ترامي احوالات ودورها.

ولو أدّى المحال عليه ثم طالب المحيل فادّعى شغل ذمته ، فالقول قول المحال عليه.

______________________________________________________

قوله : «ولا يشترط سبق شغل ذمّة المحال عليه» إشارة إلى ردّ الشرط الخامس الذي شرطه البعض كما أشير اليه ، والظاهر عدمه لما تقدم مع عدم دليل واضح عليه.

قوله : «ولو احاله على فقير إلخ» قد مرّ وجهه وهو ظاهر.

قوله : «ويصح ترامي الحوالة ودورها» وجه صحّة ترامي الحوالة إلى غاية ، ودورها عموم أدلة الحوالة مع عدم المانع ، وكذا الضمان وان استشكل في التذكرة.

قوله : «ولو ادى المحال عليه إلخ» وجه كون القول قول المحال عليه مع يمينه ـ إذا أدّى ما أحيل عليه ثم طالب المحيل بما أدّاه فإنها كانت باذنه فادعى المحيل شغل ذمّة المحال عليه ، وأن الحوالة انما كانت بما عليه فلا يستحق الرجوع ـ ظاهر ، لأن الأصل برأيه الذمّة وعدم الشغل وأنه منكر والحوالة جارية في المشغول وغيره.

نعم قد يشكل ذلك إذا قيل : الحوالة انما تكون مع الشغل والفرض اتفاقها بوقوع الحوالة ولا يبعد حينئذ أيضا كون القول قوله ، لما مرّ واحتمال إطلاق الحوالة ولو مجازا مع عدم الشغل.

الا ان يقال : بعدم الضمان بلفظ الحوالة في هذه الصورة أو مطلقا فقوله مستلزم للبطلان ، والأصل الصحّة فيقدم قول المحيل.

فتأمل فيه فان الظاهر تقديم قول المحال عليه مطلقا لأنه أدّى ما على المحيل

٣١١

وتصح الحوالة بمال الكتابة بعد الحلول وقبله كالمؤجل.

ولو أحال المشتري ، البائع بالثمن ثمّ ردّ بالعيب بطلت على إشكال ، فإن كان قبض استعاده المشتري من البائع وبري‌ء المحال عليه.

______________________________________________________

باذنه فيرجع اليه كما في غيره فتأمل.

قوله : «وتصح الحوالة إلخ» لا مانع منه كما في سائر الديون وقد مرّ جواز ضمانه أيضا.

قوله : «ولو أحال المشتري إلخ» وجه الإشكال في بطلان الحوالة مع بطلان البيع ، أنّ كلّ واحد منهما عقد برأسه ، ويكفي في الحوالة صحّة البيع وقت الحوالة ، لثبوت شغل ذمّة المحيل الذي هو شرط صحتها ولا يضرّه بطلان البيع بعده بالرد بالعيب فإنه فسخ طار.

وأنها فرع البيع وشغل ذمّة المحيل ، فإذا بطل الأصل وحصل البراءة تبطل الحوالة.

والظاهر أنّ بقائها تابع لبقاء أصلها وهو البيع والا يلزم عدم الرجوع الى المحتال ، ولا المحال عليه ، ولا يرجع هو أيضا على المحتال فيذهب بمال المحيل مع عدم بقاء استحقاقه ، وهو ظاهر البطلان ولعل دليل الثاني أقوى.

ثم ان كان المحتال الذي هو البائع أخذ ما أحيل به استعاده المشتري منه ، لأنّه حقّه وبري‌ء حينئذ المحال عليه فما لم يأخذه المحيل منه لم يبرء المحال عليه لفساد الحوالة.

ويمكن الفرق بين أخذه قبل بطلان البيع وبعده وهو ظاهر فتأمل.

ويمكن أيضا ان لا يكون للمحيل استحقاق الأخذ من البائع لبطلان الحوالة فيكون الطلب للمحال عليه.

وهذا أيضا غير بعيد على تقدير الأخذ بعد البطلان فيمكن عدم البراءة وعدم جواز الأخذ (أخذه خ) منه على تقدير أخذه بعد البطلان ، ولا يبرء بعده أيضا ، بل يبقى المحال عليه مشغول الذمّة للمحيل وهو مشغول الذمة للبائع ، والبائع مشغول الذمة للمحال عليه.

٣١٢

ولو أحال البائع بالثمن ثم فسخ المشتري لم تبطل.

ولو بطل أصل العقد بطلت فيهما.

______________________________________________________

ولعل المتن محمول على الأخذ قبل بطلان البيع بالرد بالعيب فتأمل ولا فرق في الرد بالعيب وغيره ممّا لا يبطل البيع من أصله بل من حينه.

قوله : «ولو أحال البائع بالثمن إلخ» وجه عدم بطلان حوالة البائع ، الأجنبيّ ، على المشتري بثمن مبيعه ـ مع فسخ المشتري البيع بالعيب ـ أنه لا يشترط شغل ذمّة المحال عليه ، فعلى تقدير بطلان البيع حينئذ لا يضرّ ويكون هو بري‌ء الذمّة ويصير من صور البري‌ء من حين البطلان مع صحتها الى حين بطلان البيع فلا يحتاج الى بقاء شغل الذمّة.

نعم قد يقال : إنما أحال هنا باعتبار شغل ذمة المحال عليه فكأنه شرط هنا وان لم يكن شرطا في الأصل فيجي‌ء فيه الاشكال المتقدم كما يجي‌ء على تقدير القول بالاشتراط وهو ظاهر.

ولعل الفرق أنها في الأولى متعلّقة بالمتبايعين وفي الثانية بالبائع والأجنبي ، فإنهما المتعاقدان ، ويفهم ذلك من الشرائع ، وقد نقل في شرحه الإجماع عن الشيخ في الصحّة هنا ، فتأمّل.

قوله : «ولو بطل أصل العقد إلخ» وجه بطلان الحوالة حينئذ ـ على تقدير بطلان البيع من رأسه في الأول ـ ظاهر ، وفي الثاني أيضا وان لم يكن الشغل شرطا ، لأنه إنما أحال على الثمن الذي في ذمته باعتقاد ذلك حين عقد الحوالة وحينئذ لا شغل فوقع الحوالة على مال باعتقاد استحقاقه مع عدمه بخلاف صورة طريان الفسخ على البيع والحوالة ، فإن الشغل ثابت حين العقد وذلك كاف ، والدوام لا يشترط ، وهذا هو الفرق بين الصورتين فتأمّل فيه.

ثم اعلم انه قال في التذكرة : ومن المشاهير بين الفقهاء اشتراط تساوي الذمتين جنسا ووصفا وقدرا ، فلو كان له دنانير على شخص فأحاله بدراهم لم يصحّ

٣١٣

«المطلب الثالث في الكفالة»

وهي التعهد بالنفس ممن له حق.

______________________________________________________

لئلا يلزم التسلط على المحال عليه بما لا يستحق واما قدرا فلا يجوز التفاوت بمعنى الحوالة بالزائد على الناقص ، وكذا العكس ، ومع التفاوت يجوز بالمساوي ، وأما الأجل فيجوز الحالّ بالحالّ والمؤجل بمثله وبالحالّ ، والأبعد بالأنقص لا العكس ، لأنه تأجيل حالّ ، نعم لو شرط في الحوالة في الحالين عدم القبض الّا بعد أشهر مثلا يجوز لدليل وجوب العمل بالشرط.

هذا كلّه في التذكرة معنى ، وبعضه غير واضح ، مثل منع العكس مع تجويز شرط الأجل في الحالّ ، وهو تأجيل الحالّ.

على انا ما نعرف سبب منع ذلك إذا كان بالرضا فيما نحن فيه.

وأيضا غير ظاهر اشتراط التساوي جنسا الّا ان يكون مجمعا عليه ، إذ قد يجوز ذلك أيضا بالرضا ، فإنّه إذا رضي المحتال أن يأخذ من المحال عليه عوض ماله على المحيل غير جنسه الذي له عليه أو يعطي المحال عليه عوض ما عليه للمحيل الجنس الذي له عليه مع مخالفته لما عليه ، ما نجد (١) مانعا من ذلك ولا تسلّط ، ولا جبر على المحال عليه ، ولا على غيره.

فلعلّ مقصودهم غير ما صوّرناه ، وكأنه يشعر به دليلهم.

ويعلم من ذلك عدم اشتراط كون الحق مثليّا ، بل يجوز كونه قيميّا أيضا خلافا للشيخ على ما نقل في شرح الشرائع.

«المطلب الثالث في الكفالة»

قوله : «المطلب الثالث إلخ» عقدها عقد شرع للتعهد بنفس من عليه

__________________

(١) جواب لقوله قده : إذا رضي المحتال إلخ.

٣١٤

ويشترط رضا الكفيل والمكفول له.

______________________________________________________

مال لمن عليه.

دليل مشروعيّته الإجماع المنقول في التذكرة وبعض الأخبار.

قال في التذكرة : لا بد فيه (١) من صيغة دالّة على الإيجاب والقبول فيقول الكفيل : كفلت لك بدن فلان ، أو أنا كفيل بإحضاره ، أو كفيل به ، أو بنفسه ، أو ببدنه ، أو بوجهه ، أو برأسه ، لأنّ ذلك معبّر به عن الجملة.

ثم قال : والوجه (٢) عندي جواز الكفالة بالرأس ، والكبد ، وسائر الأعضاء التي لا يمكن الحيوة بدونها ، لانه يمكن الإحضار بإحضار الشخص ولا يمكن بدونه فيصرف اليه ولم يجوّزه بعض الأصحاب.

والتفصيل بالقصد وعدمه غير بعيد فتأمّل للأصل ، ودليل الحوالة.

والبحث في اشتراط الصيغة والمقارنة كما تقدم في الضمان والحوالة.

قوله : «ويشترط رضا الكفيل والمكفول له» دليل اشتراط رضا الكفيل ، ظاهر مع انه نقل في التذكرة الإجماع على ذلك وعدم الخلاف لأحد.

وكذا المكفول له الا انه خالف فيه احمد ، وهو غير مسموع ، لأنه مخالف للإجماع والعقل ، فان الحق له ، وهو طرف العقد فكيف يصحّ بدون رضاه.

واما المكفول فلا يشترط رضاه ، قال في التذكرة : تصحّ الكفالة وان كرهها المكفول عند علمائنا (اجمع خ).

ولكن نقل عن الشيخ قولا بالاشتراط واختاره (٣) هنا وفي ير.

__________________

(١) في التذكرة : لا بدّ في العقد من صيغة إلخ.

(٢) الظاهر انه نقل بالمعنى وعبارة التذكرة هكذا : ولو كفل رأسه أو كبده أو عضوا لا يبقى الحيوة بدونه أو بجزء شائع فيه كثلثه أو ربعه ، قال بعض علمائنا : لا يصحّ ، إذ لا يمكن إحضار ما شرط مجردا ولا يسرى العقد إلى الجملة وقال بعض الشافعيّة : تصح الكفالة ، لأنه لا يمكن إحضار ذلك المكفل إلا بإحضار كلّه وهو الوجه عندي (انتهى).

(٣) ان عاد ضمير الفاعل في قوله قده : (اختاره) الى المصنف فغير موافق للنسخ التي عندنا من الإرشاد

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وضعفه ، بالشهرة بل بالإجماع الذي يشعر به ما نقلناه عن التذكرة ، وبان الكفيل بمنزلة الوكيل للمكفول له في الإحضار ، ولا يشترط اذنه في التوكيل.

وانما قيل : بمنزلة الوكيل ، لانه يجوز له الإحضار ولا يجب عليه الحضور ما لم يطلبه المكفول له منه ، وإذا طلبه يجب الحضور ، سواء كان بنفسه أو بالكفيل أو بغيره ادّعى عليه الإجماع في شرح الشرائع ، فإن صحّ فلا بأس بعدم الاشتراط.

ولكن فيه تأمّل ، لأنه قد يريد المكفول سفرا طويلا في البحر وغيره عن موضع الكفيل والمكفول له بحيث لا يتمكن عليه أو يتمكن بمشقة عظيمة وما طلبه المكفول له منه.

وحينئذ إذا لم يجز للكفيل منعه ولا يجب عليه سماع كلامه ، يلزم على الكفيل ، الضرر ، وإذا لم يجوّزوا مثل هذا الضرر ، فالاشتراط ليس ببعيد والا فعدمه هو المتوجّه ويمكن ذلك ، لأنه ارتكبه بنفسه ، ولهذا لا يجوز للمكفول له منعه عن ذلك السفر إذا كان دينه مؤجلا بأجل قليل جدا كما يظهر من كلامهم.

وفيه أيضا تأمل فتأمّل.

__________________

مطبوعة ومخطوطة فإنه ذكر اشتراط رضا الكفيل والمكفول له من غير تعرض لرضا المكفول نفيا وإثباتا.

ومع ذلك ففي العبارة إغلاق وإجمال فإنّ العلّامة ره في التذكرة لم ينقل عن الشيخ قولا بالاشتراط بل نقله عنه في التحرير قال في باب الكفالة من التحرير ص ٢٢٤ : ما لفظه (ح) يعتبر في الكفالة رضا الكفيل والمكفول له ولا عبرة برضا المكفول وفي المبسوط : يعتبر رضاه واختاره ابن إدريس وفيه قوة (انتهى).

ويؤيده أن النسخ التي عندنا من المخطوطة والمطبوعة ضبطوا (ير) بالياء لا (ئر) بالهمزة فوقها كي أريد منها السرائر وان كان يؤيّده ما في المسالك حيث قال : واشترط الشيخ وابن إدريس في السرائر رضا المكفول أيضا لأنه إذا لم يرض الكفالة لم يلزمه الحضور مع الكفيل فلم يتمكن من إحضاره فلا يصحّ كفالته لانه كفالة بغير المقدور عليه ، وفيه نظر (انتهى).

ففي المبسوط : إذا تكفل رجل ببدن رجل لرجل عليه مال أو يدعي مالا ففي الناس من قال يصح ضمانه ومنهم من قال : لا يصح والأول أقوى (الى ان قال) : الا انها لا تصح إلا بإذن من يكفل عنه (انتهى).

وفي السرائر : كفالة الأبدان عندنا تصح الّا انها لا تصح إلا بإذن من يكفل عنه (انتهى).

٣١٦

وتعيين المكفول ، فلو كفل أحدهما أو واحدا منهما ، فان لم يحصره فالآخر بطلت.

______________________________________________________

والظاهر عدم لزوم شي‌ء على المكفول ان لم يحضره إذا كان بغير اذنه وأخذ منه ما عليه.

واما إذا كان باذنه وتعذر الإحضار وحبس وضيّق فأدّى بغير اذنه ، فيمكن ان يكون له الرجوع لا بدون الحبس قاله في التذكرة ويحتمل مع عدمه أيضا.

واما إذا أذن في الأداء فيرجع مطلقا قاله في التذكرة ، لأنه كالإذن للأجنبي بأداء دينه فإنه يلزمه ، سواء شرط الرجوع أم لا ، ولكن قال في عدم الشرط : على الخلاف.

وقد مرّ تحقيقه ، وأنه لو كان عرف أو قرينة يلزم ، والا فلا فإن الإذن أهمّ.

قوله : «وتعيين المكفول إلخ» دليله غير واضح قاله في التذكرة ونقله عن الشافعي ، قال : يشترط في المكفول التعيين ، فلو قال : كفلت احد هذين أو كفلت زيدا أو عمروا لا يصح لأنه لم يلزم بإحضار أحدهما بعينه ، وكذا لو قال : كفلت لك ببدن زيد على أني إن جئت به والا فأنا كفيل بعمرو لم يصح وكذا لو قال : ان جاء زيد فانا كفيل به أو ان طلعت الشمس ، وبذلك كله قال الشافعي ، ولو قال : انا أحضره أو أؤدي ما عليه لم يكن كفالة.

لعلّ دليل الكلّ انها على خلاف الأصل فيقتصر على محلّ اليقين.

والذي يظهر ، جواز ذلك ان كان المردّد فيهم كلّهم غرماء للمكفول له ، ولا يمنع عدم الإلزام بإحضار واحد بعينه.

وكذا عدم التنجيز ، فيمكن صحّة المعلّق بعد وقوع المعلّق عليه لعموم أدلّة صحّتها خصوصا المسلمون عند شروطهم الثابتة بالرواية الصحيحة (١) والقول به

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ١ و ٢ من أبواب الخيار من كتاب التجارة ج ١٢ ص ٣٥٣.

٣١٧

والتعبير في الكفالة بما يدلّ على الجملة كالرأس ، والبدن ، والوجه دون اليد والرجل.

وتصحّ حالّة ومؤجّلة.

______________________________________________________

للعامّة والخاصّة.

وأيضا إلزامه اما بالإحضار أو الأداء في قوله (لو قال خ ل) : (أنا أحضره إلخ) لما تقدم لعل في قوله (١) : (لم يكن كفالة) إشارة إلى صحّة ما ذكره والإلزام بأحد الأمرين الا انه ليس بكفالة فتأمّل.

قوله : «والتعبير في الكفالة إلخ» قد مرّ عن قريب تحقيقه ولكن يزيد هنا أن الشهيد الثاني قال : القول بعدم الصحّة في مثل الوجه والرأس والكبد لأصل البراءة وكون الأحكام متلقّاة عن الشارع ، ومجرد الصدق العرفي في الأولين ، وعدم الحيوة والإحضار إلا بالكلّ في الثاني ، لا يكفي لأنهما قد يطلقان على العضو أيضا ويصحّ إطلاقه مجازا في الثاني.

وفيه تأمّل ، لأن المتلقّاة صحّة الكفالة مجملة بحيث يصدق عليه لا صيغتها فكلّ لفظ دالّ عليها ـ ولو بقرينة العرف وعدم إمكان إحضار العضو ـ يصلح لها ، فيكون المقصود ، الكل خصوصا إذا عرفه المتكلّم والمخاطب وصرّحا به فلا مانع ، بل الظاهر الصحّة كما هو مختار الأكثر لحمل كلام العاقل على الممكن دون اللغو سيما مع تسليمه فتأمل.

قوله : «وتصح حالّة ومؤجّلة» الأصل وعموم أدلّة الكفالة دليله.

والظاهر ان لا خلاف في المؤجّل ، وقد نقل قولا عن الشيخ في التذكرة باشتراط الأجل في الكفالة والضمان وليس بواضح والشهرة تؤيّده.

__________________

(١) يعني العلامة في التذكرة.

٣١٨

وترامي الكفالات.

والإطلاق يقتضي التعجيل.

ويشترط ضبط الأجل.

فإن سلّمه الكفيل بعده تامّا بري‌ء ، والا حبسه حتى يحضره أو يؤدّي ما عليه.

______________________________________________________

قوله : «وترامي الكفالات» وجه صحّة كفالة الكفيل وهكذا ، ظاهر كما في الضمان والحوالة لأن الكفالة تقتضي حق الإحضار ، وهو ثابت للثاني والثالث وهكذا ، ولا معنى لدورها ، هنا ، ولهذا تركه.

قوله : «والإطلاق يقتضي التعجيل» وجهه انه ينصرف إلى أنّه كفيل الآن ، لانه مقتضى الكلام عرفا وهو المتبادر عند الإطلاق ، ولعله لا نزاع فيه كما في سائر العقود.

قوله : «ويشترط ضبط الأجل» هذا هو المجمع عليه عند أصحابنا ، ومستندهم الغرر الحاصل في المجهول مطلقا وغير المضبوط بحيث يقبل الزيادة والنقصان مثل ادراك الغلات ومجي‌ء القوافل.

قوله : «فإن سلّمه الكفيل إلخ» يعني لو سلّم الكفيل ، المكفول الى المكفول له في موضع التسليم وزمانه تسليما تامّا ـ بأن أحضره عنده ولا مانع من تسلّمه من كونه قويّا في ذلك الوقت وكون المكفول له ضعيفا لا يقدر عليه أو كونه في يد ظالم لا يمكنه من أخذ الحق بخلاف ما إذا كان محبوسا عند الحاكم فإنه لا يمنع ذلك وهو ظاهر وصرّح به في التذكرة ـ بري‌ء (١) الكفيل وهو ظاهر ، لأنه أتى بما وجب عليه وان لم يتسلّمه صاحب الحق.

والظاهر عدم وجوب ردّه الى الحاكم ، بل ولا الشهود الا ان يريد الإثبات

__________________

(١) جواب لقوله قده : لو سلم الكفيل.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وإسقاط مطالبته مرّة ثانية بحسب ظاهر الشرع وظلما في نفس الأمر.

والظاهر انه لو سلم نفسه أو سلّمه غير الكفيل في موضع التسليم عنه ، الحكم ، كذلك.

بل لا يبعد ذلك لو سلّمه لا عنه أيضا وان منعه في التذكرة حينئذ فتأمّل.

ويحتمل انه لو لم يسلّمه وادّى ما عليه وما يطلبه المكفول له عنه مع إمكانه وجوازه ـ مثل كون ما عليه مالا لا قصاصا مثلا ـ ، برء أيضا ويجب عليه قبوله ، وهو بمنزلة أداء المالك ، لأنّ الغرض حاصل.

ولا يسمع بعض المناقشات ، مثل ما إذا أدّى دين الغريم ، أجنبي.

نعم ان قيل هناك بعدم الوجوب يمكن هنا أيضا ذلك وان كان معه أيضا احتمال الوجوب أقوى هنا لانه يريد الخلاص من الكفالة.

وأيضا قد يتعذّر ذلك عليه.

وأيضا قد يكون تخيّل أوّلا ذلك ورضي فإلزامه بالإحضار تكليف وضرر فتأمل.

ويؤيّده أنه إذا امتنع من الإحضار لا يحبسه الى الإحضار ، بل اليه أو إلى ان يؤدّيه الحقّ المطلوب كما أشار إليه بقوله : (والّا حبسه إلخ) قال في شرح الشرائع : وهذا مذهب جماعة وذهب جماعة أخرى ، منهم العلّامة في التذكرة الى عدم وجوب قبوله فله ان لا يرضى بالحق بل يطلب الغريم ، إذ قد يكون له غرض لا يتعلّق بالأداء ، أو بالأداء من الغريم بخصوصه ، فإن الأغراض قد تتفاوت ، إذ قد يكون ماله لا يخلو عن شبهة أو يخاف انه ان ظهر مستحقا لا يقدر على أخذ بدله منه (١) ، ولأنه مقتضى الشرط.

__________________

(١) الى هنا نقل بالمعنى من المسالك مع اختلاف فراجع المسالك ج ١ ص ٢٦٣.

٣٢٠