مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا على الولد الصغير فللشيخ أيضا قول بالمنع للزوم اتحاد الموجب والقابل ، ولأنه يجب عليه رعاية المصلحة من الجانبين والمماكسة مهما أمكن وذلك لم يمكن حينئذ.

ولكن الشهرة مؤيدة ، لعموم الأدلة والمنع من بطلان الاتحاد ، ولهذا يجوّز الشيخ وغيره البيع لنفسه على ولده وبالعكس وكذا الجدّ ، وهو يدلّ على بطلان المماكسة أيضا فتأمّل ولأن فعله منوط بالمصلحة للموكّل والمولّى عليه ، فمعها يصحّ ، وبدونها لا تصحّ والفرض وجودها.

وأما البيع على نفسه ـ فمع الاذن صريحا أو القرينة الدالّة على ذلك بوجه ـ فالظاهر الجواز مع المصلحة ، إذ لا مانع حينئذ إلا لزوم الاتحاد ووجوب المماكسة.

وقد عرفت انهما ليسا بمانعين ، لوجودهما في الأب والجدّ ، على انه قد يسامح في ماله ويلاحظ جانب الموكّل فمتى علم رضاه واذنه يجوز ذلك كما انه لا يجوز لو علم عدم رضاه واذنه به فلا اعتبار بخلاف بعض الأصحاب ومنعه عن ذلك حينئذ أيضا ، لأن الاتحاد محال واليه أشار في المتن ، بالرأي الثاني.

وأما إذا لم يعلم أحدهما ـ بأن يطلق مع عدم فهم شي‌ء بوجه ـ فظاهر أكثر المتأخرين كالمصنف في غير المختلف والتذكرة المنع.

ويمكن ان يستدل عليه بأنّ الأصل عدم جواز التصرف في مال شخص ـ ببيع ونحوه ـ على شخص عقلا ونقلا إلّا باذنه ، والفرض عدم العلم به ، والظاهر انه لا نزاع فيه في هذا المقام ، فكأن النزاع في انه هل يفهم الاذن والرضا من مجرد قوله : بع مالي من دون انضمام شي‌ء ، فالدليل على عدم الفهم حينئذ ، الأصل وعدم ظهور الدلالة لأن المتبادر من قوله : (بع) البيع على الغير عرفا وعادة.

ويؤيّده ما تقدم من أصل عدم الجواز حتى يعلم وليس ذلك بمعلوم ، لجواز ارادته البيع على الغير.

٥٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيّده أيضا بعض الروايات في المنع عن الشراء ، لعدم الفرق وعدم القائل به على الظاهر ، مثل رواية هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا قال لك الرجل : اشتر لي فلا تعطه من عندك وان كان الذي عندك خيرا منه (١).

ورواية إسحاق بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبعث الى الرجل يقول له : ابتع لي ثوبا فيطلب له في السوق ، فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده ، فقال : لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه ، ان الله عزّ وجلّ يقول «إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً» (٢) ، وان كان عنده خير ، مما يجد له في السوق فلا يعطيه (يعطه خ) من عنده (٣).

وقال بعض بالجواز مثل المصنف في المختلف والتذكرة ، وأبي الصلاح ، للأصل.

وفيه تأمل ، ولعل المراد انه بعد (ان خ) اذن له جاز البيع لأصل الجواز ، إذ يفهم الوكالة والاذن من قوله : (بع) إذ لا شك انه يصدق على بيعه على نفسه انه بيع ، لغة ، والعرف المدعى والتبادر كذلك ممنوع لأصل عدم النقل والتخصيص والتبادر.

ويؤيّده ما تقدم في بحث الحج أن للوصي أن يحج بنفسه عن الموصى ، للرواية (٤) ، وانّه لو وكّله في تقسيم المال على قبيل هو منهم يجوز الأخذ لنفسه أيضا

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب آداب التجارة ج ١٢ ص ٢٨٨.

(٢) الأحزاب : ٧٢.

(٣) الوسائل باب ٥ حديث ٢ من أبواب آداب التجارة.

(٤) لاحظ مجمع الفائدة ج ٦ ص ١٥٦ سطر ١٦.

٥٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

للرواية (١) وان كان فيهما أيضا خلاف وتأمل الّا ان بعض من منع هنا قال به هناك ، مع ان هناك أقرب ، إذ أخرج (٢) أو قسّم أظهر في الدلالة على الغير من (بع) والروايتان (٣) في الشراء.

وقد يفرق على ان ليستا صريحتين في المنع عن الشراء ، بل عن الإعطاء مطلقا ، وهو أعمّ ، وأنّه قد يكون المراد الأولى والأحسن أو مع ظن التهمة والتدنيس كما هو ظاهر الرواية الثانية للآية (٤) ، ولقوله عليه السلام : (لا يدنّس) ان يكون المنع عن التدنيس أو مع فهم المنع.

على ان في سندهما تأمّلا فإنهما مرويتان في كتاب المكاسب من التهذيب ، في سند الأولى ، (داود بن رزين) (٥) فهو أيضا غير معلوم التوثيق ، فإنه مذكور في كتاب الشيخ والنجاشي والكشي بغير توثيق ، بل مدح أيضا ، نعم قال في الخلاصة : قال النجاشي : انه ثقة وفي رجال ابن داود : والنجاشي ثقة (٦).

ولكن ما رأيته في كتابه (ثقة) والتوثيق ، والكتاب الذي عندي عليه اثر

__________________

(١) لاحظ مجمع الفائدة ج ٤ ص ٢٢٩ (الثاني إلخ).

(٢) خرج في مثال الحج أو قسم في مثال تقسيم المال.

(٣) يعني بهما رواية هشام وإسحاق بن عمار.

(٤) يعني آية عرض الأمانة المذكورة في الرواية المتقدمة.

(٥) لم نعثر على راو يسمى ب (داود بن رزين) في كتب الرجال وصاحب جامع الرواة لتبحره في التتبع استظهر في جامع الرواة كونه داود بن زربي قائلا بعدم وجود داود بن رزين في كتب الرجال ، ولم يذكره الكشي أيضا في كتابه نعم قد تعرض لداود بن زربي قال : وكان أخصّ الناس بالرشيد (الكشي ص ٢٠٠ طبع بمبئي) وقد تعرض أيضا العلامة في الخلاصة بعنوان داود بن زربي قال : وكان أخص الناس بالرشيد وأورد الكشي ما يشهد بسلامة عقيدته ، وقال النجاشي : انه ثقة ذكره ابن عقدة (الخلاصة ص ٣٤).

(٦) قال المحقق المتتبع الحاج الشيخ عبد الله المامقاني رحمه الله : قال ابن داود في الباب الأوّل من رجاله ـ بعد عنوان الرجل والتكلم في ضبطه بما مرّ نقله عنه ـ : ما لفظه : كان أخص الناس بالرشيد وكان معتقدا في أبي عبد الله عليه السلام أهمله الشيخ ره ووثقه النجاشي (انتهى) (تنقيح المقال ج ١ ص ٤٠٩ سطر ٦).

٥٦٣

ولو قدر له أجل النسيئة لم يتخطاه.

______________________________________________________

الصحّة ، بل عليه خطّ ابن داود على ما يظهر.

وبالجملة ، الصحّة غير معلوم ، ولهذا ما صحّحت في كتب الاستدلال ، مثل شرح المتن ، وشرح الشرائع ، ولكن في كتاب التجارة مذكورة بسند حسن وهو : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال الخبر (١).

وفي الثانية (٢) : الحسن بن علي ـ كأنه ابن الفضال على الظاهر ـ والوليد بن مدرك ، وما رأيته ، وإسحاق مشترك ، بل الظاهر انه ابن عمار الذي لهم فيه كلام ولا شكّ ان الأحوط الامتناع كما اقتضاه الرواية وان كان دليل الجواز لا يخلو عن قوّة فتأمّل.

ثم (بل) الظاهر انه لا فرق بين وكيله وعبده المأذون ، ويمكن الفرق ، إذ قد لا يجري دليل المنع في النفس (في نفس الأمر خ) فيهما وهو ظاهر.

ولم يفرق بعض العامّة بين الوكيل والموكّل في العقد لنفسه إذا وكّلته الزوجة في التزويج لنفسه ، لان يد الوكيل يد الموكّل وهو بمنزلته ، وهو حينئذ بعيد ، إذ لا وجه إلّا الاتحاد ولا اتحاد حينئذ فتأمل.

قوله : «ولو قدر له أجل إلخ» إشارة الى عدم جواز التعدي عمّا عين له الموكّل وهو ظاهر الّا ان يعلم عدم تعلّق غرض بالذي عين ، بل وقع اتفاق أو انه لغرض اعتقده في ذلك مع تحققه بدونه أيضا ، مثل أن عيّن سوقا ، وعلم ان الغرض

__________________

(١) رواه الكليني ره أيضا ـ في باب آداب التجارة من كتاب المعيشة ـ عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان ، جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم نقول : ان هذا السند صحيح أو حسن.

(٢) يعني رواية إسحاق وسندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن علي ، عن علي بن النعمان وأبي المعزى والوليد بن مدرك عن إسحاق.

٥٦٤

وان أطلق تقيّد بالمصلحة عرفا.

______________________________________________________

جودة ثمن ذلك السوق ، لا غير وهو حاصل في غيره فيجوز ان يبيع في غيره ، ففي مثله يجوز التعدي ، بل في الحقيقة ليس التعدي ونظيره مضى في النيابة في الحجّ (١).

وأمّا إذا لم يعلم الغرض أو لم يحصل مع عدم ذلك القيد فلا يتعدى عما يفهم من تقييده عرفا.

وجهه ظاهر ، فان التصرف انما هو بالوكالة والاذن ، وإذا لم يكن الاذن فلا يجوز التصرف ، فإذا عين ان يبيع نسيئة وعيّن له أجلا معلوما مثل شهر ، فلا يتعدى الى أكثر ، بل الى النقد وانقص (٢) أيضا ، إذ قد يتعلّق الغرض بذلك مثل حفظه عنده وغير ذلك الّا ان يعلم كما مرّ.

وإذا عيّن النسيئة ولم يعيّن الأجل بل أطلق ، فالظاهر انه يصحّ ويناط بالمصلحة في أمثاله ، لعموم أدلّة الوكالة ، ولأنّ ظاهر كلامه انه جعل ذلك لمصلحته (الى مصلحته خ) والعرف ، فهو بمنزلة من قال : بأي أجل شئت ، ولأنه بمنزلة إطلاق البيع وعدم تعيين الثمن ، ولأن الظاهر انه لا قائل منا بعدم الصحّة ، ولهذا نقل في شرح الشرائع انه قال في التذكرة : إذا وكّله في البيع نسيئة ولم يعيّن صحّ عندنا ، ولكن عبارة القواعد : (ولو أطلق احتمل البطلان للجهالة ، والصحّة لتقييده بالمصلحة) (٣) منافية (تنافيه خ) ويبعد ان يكون بمجرّد إبداء الاحتمال فتأمّل.

والذي رأيت في التذكرة : (مسألة : إذا وكل في البيع مؤجلا ، فإن قدّر الأجل صحّ وان أطلق ، فالأقرب ، الجواز ويرجع في ذلك الى مصلحة الموكل والمتعارف إلخ (٤) ولكن (٥) رأيت ما ذكره أيضا في موضع آخر من التذكرة.

__________________

(١) راجع مجمع الفائدة ج ٥ ص ١٣٨.

(٢) أي أنقص من شهر مثلا.

(٣) إيضاح القواعد ج ٢ ص ٣٤٤ ط ١٠.

(٤) الى هنا عبارة التذكرة.

(٥) حاصل مراده انه نسب شارح الشرائع إلى التذكرة أنه قال : (عندنا) ولكن الذي رأيت انه قال في التذكرة الأقرب ولكن في موضع آخر من التذكرة ذكر مثل ما نسبه في شرح الشرائع بقوله : (عندنا) وحينئذ

٥٦٥

ووكيل البيع لا يملك تسليم المبيع قبل توفية الثمن ، وبعده لا يجوز له المنع ولا يملك قبض الثمن.

______________________________________________________

فالوجه انه يريد ب (عندنا) عندي فلا يرفع احتمال القواعد ، ولا شكّ أن الترك حتى يصرّح بشي‌ء ، أحوط.

قوله : «ووكيل البيع لا يملك إلخ» وجهه أن تسليم المبيع ليس بداخل في مفهوم البيع ولا يشترط في ذلك فلا يكون وكيله مالكا إذا وكّله في البيع (إذ ما وكّله إلّا في البيع خ).

واما إذا اعطى الثمن الى الموكّل أو وكيله الجائز له قبضه أو أبرأه من الثمن ، فلا يجوز منعه ، لانه صار ملكا للمشتري خالصا بحيث لا يجوز للموكّل وغيره منعه ، فيجب عليه التسليم كالموكّل وان لم يكن وكيلا في التسليم صريحا.

وظاهر كلام التذكرة والقواعد ، أنّ التوكيل في البيع يقتضي تسليم المبيع ، فيمكن تقييدهما بما بعد توفية الثمن كما صرّح في المتن وقيد في التذكرة في مسألة بعدها واستشكل في القواعد قبل إحضار الثمن وقرّب المنع.

فكأنه يريد بالإحضار التسليم ، ويمكن ان يكون أعمّ كما يفهم من شرح القواعد ، لان المبيع لا شكّ انه أخرجه عن ملك البائع فحبسه حبس مال الغير عن ملكه (مالكه خ) وهو غير جائز.

وفيه تأمّل ، إذ كونه له لا يستحق (١) وجوب التسليم في الحال ، إذ قد يكون موقوفا على تسليم الثمن كما قالوا ذلك فيما إذا باع الموكل بنفسه ، نعم لو ثبت وجوب التسليم على البائع أوّلا ـ لأن العرف يقتضي ذلك ـ فإن البائع أوّلا يسلّم ثم يتسلّم ، ولانه غالبا هو الأحوج.

__________________

فلا منافاة بينه وبين ما ذكره في القواعد من احتمال البطلان.

(١) يعني ان صيرورة المبيع ملكا للمشتري لا يوجب استحقاقه للتسليم اليه.

٥٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن في ذلك تأمّل ، قد يدعى العكس الّا ان يكون هناك قرينة أو عرف يقتضي ذلك ، يجب (١) والا فلا ، فان تسليط الغير بمجرد البيع الذي لا يعلم التسلط بمجرده ، غير ظاهر ، ولأنه يفعل ما فيه المصلحة ولا مصلحة في ذلك الّا ان يفرض فيه تلك المصلحة ، فتأمّل.

ولا يملك قبض الثمن أيضا ، وتقريبه يفهم ممّا تقدم ، نعم ان كان عرف ، متبع مقرّر أو قرينة تقتضي ذلك ، مثل ان وكّله للبيع في بلاد بعيدة مع عدم وكيل آخر للقبض وعدم إمكان القبض للموكّل عرفا ، فان الظاهر والمصلحة يقتضي القبض والوكالة فيه وصرّح به في التذكرة ، وقال أيضا : يضمن لو لم يقبض الثمن.

وكأنّه يريد وان كان مأذونا في تسليم المبيع ، فإنه لو لم يكن ذلك فقد علم الضمان من قبل ، قال : لأنّه يقال عرفا : ان من فعل ذلك فهو مضيّع لمال الموكل ، فان دلّت قرينة على المنع لا يجوز الأخذ إجماعا ، وان لم يكن هناك قرينة لم يملك القبض.

كأنه لا خلاف عندنا فلا يجوز له ذلك ، ولا يكون وكيلا فيضمن ، نعم لو أعطاه المشتري لأن يتسلّم فيكون وكيلا له في التسليم الى الموكّل ولا يكون ضامنا لو تلف ويكون الثمن في ذمة المشتري حتى يسلّم إلى البائع أو وكيله في ذلك وهو ظاهر.

واعلم انه قال في التذكرة : اتفقوا ـ أي الشافعيّة ـ على ان الوكيل لعقد الصرف يملك القبض والإقباض لأنه شرط في صحّة العقد ، وكذا في السلم يقبّض وكيل المسلّم إليه رأس المال ووكيل المسلّم يقبضه إيّاه لا محالة عندهم وعندي في ذلك كله نظر ، والوجه انه لا يملك القبض بحال ، لعل وجهه ما تقدم ،

__________________

(١) يعني فحينئذ يجب.

٥٦٧

ووكيل الشراء يملك تسليم الثمن.

______________________________________________________

ولكن نجد أن ما قالوه أوجه ، لما تقدم من دليلهم ، فتأمل.

قوله : «ووكيل الشراء إلخ» وجهه غير ظاهر ، الا ان يدّعى العرف في ذلك ، ولهذا قيل : بإلزام المشتري بإعطاء الثمن أوّلا ، ولكنه غير ظاهر.

والظاهر عدم الفرق بين وكيل البائع ووكيل المشتري في انه ليس لهما اقباض ما في أيديهما إلا بعد وصول عوضه الى الموكّل ولا قبض العوض الّا مع الإذن المعلوم صريحا أو بالقرائن المفيدة لذلك كما مرّ في البيع وصرح به المصنف وغيره.

قال في التذكرة : إذا اشترى ما وكّل فيه ، ملك تسليم ثمنه لانه من تتمته وحقوقه ، وهو كتسليم المبيع (١).

فأراد بكونه مالكا للتسليم بعد وصول المبيع الى الموكل بقرينة قوله : (كتسليم المبيع) مع تصريحه في المبيع بذلك.

قال : قد بيّنا انه ليس للوكيل ان يسلّم المبيع إلى المشتري قبل ان يستوفي الموكّل آه (٢).

وقال أيضا : إذا وكّله في البيع فقد قلنا : انه لا يملك قبض الثمن ، لكن يملك تسلم المبيع إذا كان في يده ثم قال : في مسألة الوكيل في البيع يملك تسليم المبيع بعد الإيفاء على ما قلناه نحن ولا يملك قبض الثمن على ما اخترناه.

وهذا الكلام يدل على عدم الخلاف في ذلك عندنا ، وعلى عدم الفرق بين البيع والشراء ، إذ قال : (انه كالبيع) فالفرق المفهوم من المتن محلّ التأمّل ، وان قيّد الشراء بما بعد إيفاء الموكّل الثمن ـ كما في البيع ـ لم يبق فرق بينهما وتصير عبارة المتن غير جيّدة.

__________________

(١) إلى هنا عبارة التذكرة ج ٢ ص ١٢٣.

(٢) الى هنا عبارة التذكرة.

٥٦٨

وقبض المبيع كقبض الثمن.

ولا يملك وكيل الحكومة والإثبات ، الاستيفاء وبالعكس.

ولو اشترى معيبا بثمن مثله جاهلا بالعيب وقع عن الموكّل ، ولو علم افتقر إلى الإجازة.

______________________________________________________

وقوله : (وقبض المبيع كقبض الثمن) معناه كما انه ليس للوكيل في البيع قبض الثمن الّا مع الاذن ، كذا ليس لوكيل الشراء قبض المبيع الّا معه.

قوله : «ولا يملك وكيل الحكومة إلخ» أي لو وكّل شخص شخصا في دعوى على شخص في أمر عند حاكم وإثبات حقّه عليه تثبت الوكالة فيما وكّله فيه ولا يتعدى في استيفاء ذلك الحق بعد إثباته فلا يملك الوكيل ذلك أي ليس له ذلك فإن أخذ يكون ضامنا إذ ما وجد الّا التوكيل في الإثبات وذلك غير مستلزم للإذن في الاستيفاء بوجه.

نعم لو علم الإذن ولو بالقرائن كما مرّ في البيع والشراء ، يكون له ذلك ، وكذا الأمر في العكس اي ان كان وكيلا في الاستيفاء لا يملك الحكومة والإثبات عند الحاكم ، ووجهه ظاهر مفهوم ممّا تقدم.

قوله : «ولو اشترى معيبا إلخ» دليل وقوع بيع المعيب عن الموكّل ـ إذا كان الوكيل جاهلا بالعيب وكان البيع بثمن المثل ـ أنه وكيل وفعل ما وكّل فيه مع المصلحة فيقع للموكّل ، لأنه غير مكلّف الّا بعلمه ، والفرض علمه بأنه غير معيب.

ودليل عدم وقوعه ـ مع علمه بالعيب أو مع كون الثمن زائدا على ثمن مثله فيكون موقوفا على الإجازة على القول بالفضولي والّا يكون باطلا. ظاهر ، لان الفرض علمه بالعيب وشراؤه زائدا على ثمن المثل مع كون التوكيل بشراء الصحيح وبثمن المثل ، فما فعل ما وكّل فيه فلا يكون واقعا للموكل.

بخلاف ما لو اشترى بغبن ، فإنه يقع باطلا على عدم القول بالإجازة والّا

٥٦٩

ولو كان بغبن فكذلك ، عالما كان أو جاهلا.

______________________________________________________

فيتوقف عليها مطلقا ، سواء كان عالما بالغبن أو جاهلا ، صحيحا كان أو معيبا ، واليه أشار بقوله : (ولو كان بغبن إلخ).

والفرق بين شرائه المعيب (شراء المعيب خ) وبالغبن ، أن العيب قد يخفى فهو في شرائه معذور ، والوكالة شاملة له ، إذ ليس بمكلّف الا بالظاهر كما لو (إذا خ) اشترى بنفسه ، بخلاف الغبن فإنه لا يخفى ، بل يعلم بالاستفسار فإنه يقع الشراء بالغبن مع التقصير فليست الوكالة شاملة له ، هذا.

ثم اعلم أنّهم صرّحوا بأن الوكالة في الشراء انما تنصرف الى الصحيح وبثمن المثل. قال في التذكرة : اقتضى ذلك شراء السليم دون المعيب عند علمائنا أجمع.

الظاهر انه كذلك في الانصراف الى ثمن المثل دون الزائد ، وهو أظهر وحينئذ كيف يقع شراء المعيب للموكّل دون الزائد.

والظاهر منه هو الصحيح حقيقة ، لا بحسب نظره وظنه كما في ثمن المثل ، فان كان المراد بحسب الظاهر فينبغي ان يكون في ثمن المثل كذلك كما هو كذلك في الشراء بنفسه.

والفرق بينهما ـ بجعل الأول بحسب الظاهر والثاني بحسب نفس الأمر ، بناء على ان العيب قد يخفى ولم يخف ثمن المثل ـ غير ظاهر ، إذ ثمن المثل أيضا قد يخفى ولم يعلم الّا مع بذل الجهد ، والعيب أيضا قد يظهر ولا يكون موقوفا على بذل الجهد فإطلاق الحكم فيهما ـ على الوجه المتقدم ـ محلّ التأمل ، بل ينبغي التقييد بأن لم يكن الوكيل في شراء المعيب مقصّرا وكان في الشراء بالغبن مقصّرا.

(ودعوى) ان المشتري بالغبن مقصّر دائما دون المعيب (مشكلة).

على أنه قد يدّعي الموكل عدم الرضا بالمعيب أصلا ودعوى (١) صرفها الى

__________________

(١) في عدّة نسخ هكذا : ان كان ثمن المثل مثل المعيب ولعلّ الصواب ما أثبتناه.

٥٧٠

ثم ان ذكر الموكّل في العقد لم يقع عنه ولا عن الموكّل إلّا بالإجازة ، والا وقع عن الوكيل.

وللوكيل الرد بالعيب مع حضور الموكّل وغيبته.

______________________________________________________

الصحيح في الواقع.

وانه ان كان شراء المعيب بثمن المثل ان كان بثمن مثل المعيب (١) فلا أرش حينئذ ، إذ يقول البائع إنما بعته بهذا العيب وظننت علم المشتري بذلك أو انه كان واضحا يعلمه كل أحد أو غير ذلك فإلزامه بالأرش حينئذ مشكل وهذا لا خصوصيّة له بالوكيل فتأمّل.

هذا فيما إذا لم يعيّن الموكل شراء المعيب.

وأما معه فلا شك في صحته ويكون حكمه حكم شرائه بنفسه وهو ظاهر وصرّح به في التذكرة.

قوله : «ثم ان ذكر الموكل إلخ» أي بعد ان قلنا : انه لم يقع للموكل مع الغبن إلّا بالإجازة ، فإن ذكر الوكيل الموكّل في العقد لم يقع عن أحدهما ، أمّا عن الوكيل ، فلذكر غيره ، وأمّا عن الموكل ، فلعدم الوكالة (به خ).

وان لم يذكر يقع عن الوكيل بحسب ظاهر الشرع حيث اشترى شيئا وما ذكر عن أحد فيقع له.

واما بينه وبين الله وفي نفس الأمر فإن كان قصده لنفسه فهو له ، وان كان للموكّل لم يقع له أيضا ، فينبغي حينئذ المصالحة ، أو يقول للبائع : قل بعتك بكذا ، فان لم يقبل فبالشرط بان يقول : ان كان لي فقد بعتك ، فان لم يقبل ، فإن أمكنه الرد بوجه ، مثل ثبوت خيار له بالغبن فيفعل ذلك بل ينبغي فعل ذلك أولا.

قوله : «وللوكيل الرد إلخ» ثبوت الرد للوكيل ـ إذا اشترى معيبا جاهلا

__________________

(١) الظاهر كونه عطفا على قوله : (عدم الرضا) يعني يدعي الموكل صرف الوكالة إلى الصحيح في الواقع.

٥٧١

ولو رضي الموكّل بطل ردّه.

وإذا (لو خ) قال له : افعل ما شئت أو وكله في مقدار يعجز عنه اقتضى الاذن في التوكيل للامين.

______________________________________________________

بعد الحكم بصحّة العقد ـ ما نعرف له وجها ، ومعلوم عدم استلزام وكالة الشراء له كما في تسليم المبيع والثمن وقبض المبيع.

ثم على تقدير جواز ردّه لا وجه للبطلان برضى الموكّل ، نعم للموكل الرد والإمساك بالأرش مع صحّة العقد كما إذا باشر بنفسه ، وهو ظاهر.

قال في التذكرة : وحيث قلنا : تقع عن الموكّل وكان الوكيل جاهلا بالعيب ، فللموكّل الرد إذا اطّلع عليه ، لأنه المالك ، وهل يملك الوكيل الرد بالعيب؟ اما عندنا فلا لانه وكّله في الشراء وهو مغاير للرد فلا يملكه وهو قول بعض الشافعيّة وقال أكثرهم : انه يملك الرد إلخ (١).

ويمكن ان يكون مراده ثبوت الرد مع اذن الموكل وبقوله : (ولو رضي الموكّل بطل ردّه) سقوط جواز ردّه للوكيل قبل ان يختاره برضا الموكل بعد العلم بالعيب.

قال في التذكرة : لو كان الوكيل في الشراء وكيلا في رد المعيب فاشترى معيبا جاهلا بعيبه كان له الرد ، وللموكّل أيضا الرد ، لان الملك له وان حضر الموكّل قبل ردّ الوكيل ورضي بالمعيب لم يكن للوكيل ردّه ، لأن الحق له بخلاف عامل المضاربة إلخ.

قوله : «وإذا (لو ـ خ) قال له : افعل إلخ» يعني لو وكّل شخصا عموما أو خصوصا ، وقال له : افعل ما شئت فيما وكّلتك فيه أو وكّله في مقدار يعجز عنه الوكيل بنفسه وحده ، عرفا (عقلا خ) أو عادة ، اقتضى ذلك ، الاذن في أن يوكّل الوكيل في ذلك وكيلا أمينا كما إذا صرّح بالتوكيل قيل (أي عدلا) (٢).

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

(٢) يعني قيل ان المراد من الوكيل الأمين هو العدل.

٥٧٢

ولو قال له : بع من زيد ، أو في زمان ، أو في سوق له فيه غرض.

______________________________________________________

ولا يبعد أن يكون المراد من أؤتمن فيما وكّل فيه بعدم الخيانة والحفظ ، بل يمكن تجويز من هو مثل الوكيل وان كان فاسقا ، لرضاه به وتفويضه اليه ، بل الأعم لعموم التجويز من غير تخصيص خصوصا من لا يعرف أنّ شرط وكيل الوكيل ان يكون أمينا الّا من لا يكون في توكيله مصلحة ، خرج بالإجماع عدم جواز توكيله فيبقى الباقي تحته خصوصا إذا لم يسلّم إليه شي‌ء أو يكون معه.

وقد مرّ البحث في ذلك ، وانه يجوز التوكيل فيما يقتضي العادة ذلك وفي ان الوكيل وكيل للموكّل أو الوكيل ، فتذكر.

ودليل اقتضاء ذلك ، التوكيل ، هو شمول اللفظ عرفا ولغة له فان التوكيل من جملة ما شاء ، نعم لو قال : (بما شئت) أو (على من شئت) لم يشمل التوكيل ، بل يعم المقدار ، والنقد والمشتري.

قوله : «ولو قال له : بع من زيد إلخ» إشارة إلى انه يجب تتبع عبارة الموكّل على ما يدل عليه ، عرفا ، فان كانت عامّة عمل بعمومها ، وان كانت مقيّدة بقيد ، لا يتعدى ذلك وهو ظاهر ، مثل ان عيّن المشتري أو زمانا معيّنا أو سوقا كذلك الّا ان يعلم ان ليس له غرض يتعلّق بتعيين هذا السوق مثلا أو علم ، لكن حصل ذلك الغرض بل الأعلى في غيره ، فيجوز التعدي إلى غيره والّا اقتصر على لفظه وان لم يعلم ان له غرضا صحيحا أم لا.

وعلى هذا ينبغي ان يحمل كلامهم ، مثل قوله في المتن : (له فيه غرض) فالظاهر انه ليس بمخصوص بالسوق ، بل جميع القيود كذلك الا ان يقال : ان السوق يجوز التعدي عنه الّا إذا علم ان له فيه غرضا صحيحا ، بخلاف سائر القيود ، كما هو ظاهر أكثر العبارات ، ولكن يرد عليه المطالبة بالفرق.

ويؤيّد ما قلناه ، ما قاله في التذكرة ـ بعد ان قيّد السوق بان كان له فيه غرض صحيح مثل كون الراغبين فيه أكثر وعدم التقييد في غيره مثل الزمان

٥٧٣

أو صرّح فيه بالنهي عن غيره أو بحال لم يجز العدول.

______________________________________________________

والمشتري ـ : وان لم يكن له فيه غرض فالأقرب جواز بيعه في غيره (اي غير ما عيّن من السوق) لان التعيين في مثل ذلك يقع اتفاقا من غير باعث اليه وهو (١) أحد وجهي الشافعي ، والثاني لا يجوز التعدي ، لجواز ان يكون له غرض صحيح لا يطلع عليه أحد وهو غير محلّ النزاع ، لأنا نفرض الكلام فيما إذا (لو ـ التذكرة) انتفى الغرض بالكلّية اما لو جوّزنا حصول غرض صحيح ، فإنه لا يجوز التعدي ، ولو نهاه صريحا عن البيع في غير السوق الذي عيّنه له ، لم يجز له التعدي إلى المنهي عنه إجماعا آه.

هذا مؤيّد لما مرّ ، ولكن كلامهم وكلام التذكرة أوّلا في جواز التعدي عن السوق ، ليس بجيّد ، وكذا عدمه في غيره ، فتأمل.

فالظاهر عدم الخروج عن مقتضى لفظه الّا بالعلم برضاه ، مع عدم ارادة القيد مطلقا ، وقد يقوم الظن القوي ـ المتاخم للعلم المأخوذ للعلم من المعاشرة ومن ظاهر حاله ومن القرائن ـ مقام العلم المأخوذ من كلامه.

قال في التذكرة : فإن القرينة قد تقوى ، فيترك لها إطلاق اللفظ فإنه إذا أمر بشراء الجمد لا يشترى في الشتاء إلخ والأولى عدم التجاوز.

وقوله : (أو صرّح فيه بالنهي عن غيره) كأنه عطف على (له فيه غرض) فهو صفة أيضا ل (سوق) وضمير (فيه) راجع اليه ، وفيه تكلّف.

والمقصود التصريح في الكلام ، ويمكن جعلهما قيدا للكلّ كما أشرنا إليه فتأمّل.

وقوله : (أو بحال) عطف على (من زيد) وقوله : (لم يجز إلخ) أي لم يجز العدول والتعدي من شي‌ء من الأمور التي عيّنها الى غيرها ، وجهه ظاهر وتقدم.

__________________

(١) وانما الغرض والمقصود تحصيل الثمن فإذا حصل في غيره جاز وهو أحد إلخ (التذكرة).

٥٧٤

ولو باع بأزيد أو باع حالّا بمثل ما اذن له في النسية أو اشترى نسيئة بمثل ما اذن نقدا ، صحّ الّا ان يصرّح بالمنع.

______________________________________________________

قوله : «ولو باع بأزيد إلخ» كأن وجه الجواز ـ في البيع بأزيد ممّا عيّن نقدا ، وكذا نقدا بمثل ما لو قال بعه نسيئة ، وكذلك الشراء نسيئة بمثل ما اذن له بالشراء نقدا مطلقا أو مع القيد بذلك ـ هو العرف القاضي بالرضا بأمثال ذلك ، وان هذه التعيينات لوجود مصلحة وقد وجدت اولى منها في عدم القيد كما مرّ في جواز العدول من الحج المعيّن الى غيره الا ان يصرّح بالمنع فلا يجوز بوجه ، لعدم الاذن ، بل المنع.

قال في التذكرة : لو أمره بالبيع بمائة ونهاه عن البيع بالأزيد لم يكن له البيع بالأزيد مطلقا قطعا ، لاحتمال تعلّق غرضه بذلك فلا يجوز التخطي (١).

وقال فيها : إذا قال : نعم بعه في بلد كذا احتمل ان يكون كقوله : بعه في السوق الفلاني حتى لو باع في بلد آخر جاء التفصيل ان كان له غرض صحيح في التخصيص ، لم يجز التعدي وإلا جاز.

لكن يضمن الوكيل هنا بالنقل الى غير المعيّن ، وكذا الثمن يكون مضمونا في يده ، بل لو أطلق التوكيل في بلد يبيعه في ذلك البلد ، فلو نقله صار ضامنا.

وفي التفصيل المذكور مناقشة كما تقدم في السوق ، ويفهم منه عدم الضمان في المخالفة في السوق بخلاف البلد ، وهو محلّ التأمل ، ويفهم منه انه مع جواز النقل والبيع في غير ما عيّن المالك يتحقق الضمان.

وفيه تأمّل ، إذ الجواز مبني على الاذن المفهوم من كلام الموكّل فينبغي عدم الضمان وان لم يفهم ينبغي عدم الجواز حيث انه تصرف في مال الغير من غير الاذن.

وبالجملة ان لم يخرج عما فهم من كلامه صريحا أو بمفهوم معمول فلا

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

٥٧٥

ولو قال : اشتر شاة بدينار فاشترى شاتين به ثم باع أحدهما بالدينار صحّ ، ولكن يفتقر في البيع إلى إجازته.

______________________________________________________

ضمان حينئذ والّا فلا يجوز ويضمن ويشكل صحّة البيع فتأمّل.

قوله : «ولو قال : اشتر شاة بدينار إلخ» الظاهر ان المراد : اشتري شاتين بدينار مع قول الموكّل : اشتر شاة بدينار إذا كان واحدة تسوى دينارا ، إذ قد يكون الغرض متعلّقا بان الشاة ممّا تسوى دينارا ، ولا يضرّه الضميمة ، بل مأذونا فيها عرفا وعادة كما إذا وكّله في بيع شي‌ء بدينار يجوز بيعه بدينارين.

قال في التذكرة : ولو باعه (أي (لو خ) باع ما وكّل في بيعه بمائة) بأكثر من مائة درهم ، فان كانت الكثرة من غير الجنس مثل أن يبيعه بمائة وثوب ، جاز عند علمائنا ، سواء كانت الزيادة قليلة أو كثيرة وسواء كانت الزيادة من الأثمان أولا (إلى قوله) : ولو باعه بمائة دينار ولم يجز (١) (الى قوله) : ويحتمل عندي قويا جواز بيعه بأكثر من المائة ولو من غير الجنس الّا ان يكون له غرض صحيح في التخصيص بالدراهم خصوصا إذا جعل مكان الدراهم دنانير أو مكان بعضها لأنه مأذون فيه عرفا ، فان من رضي بدرهم رضي مكانه بدينار فجرى مجرى ما إذا باعه بمائة درهم ودينار ، بخلاف ما لو باعه بمائة ثوب لانه من غير الجنس ، ويحتمل عندي مع الزيادة الجواز إلخ (٢).

وهذا الاحتمال لا يخلو عن بعد ، ولو صحّ ، فلا يحتاج تقييده الشاة بما تسوى درهما ، بل يكفي ان يسوى المجموع بأكثر منه.

ولعل دليل الجواز هو الذي أشار إليه في التذكرة على ما عرفت ، ولهذا ما قيّد (٣) هنا جواز الشراء إلى الإجازة وقيّد البيع بها ، فإنه فضولي.

__________________

(١) في التذكرة هكذا : ولو باعه بمائة دينار أو بمائة ثوب أو بمائة دينار وعشرين أو بمهما كان غير ما عيّن له لم يجز (الى أن قال) ويحتمل إلخ.

(٢) إلى هنا عبارة التذكرة.

(٣) يعني المصنف هنا.

٥٧٦

وليس لوكيل الخصومة ، الإقرار ولا الصلح ولا الإبراء.

______________________________________________________

ويمكن عدمه أيضا ، لما مرّ إليه الإشارة ، إذ قد علم انه قد يكون ان غرضه حصول شاة تسوى درهما وحينئذ تحصل الزيادة وتحصل الشاة المأمور المأذون بشرائها ، فلا يحتاج إلى الإجازة حملا على الظاهر والعرف.

نعم لو ظهر خلاف ما هو المتعارف من عدم الرضا فيحتاج إلى الإجازة فليس في رواية البارقي (١) ـ التي جعلت دليل هذا الحكم وجعلت دليلا على جواز الفضولي في البيع بل الشراء أيضا ـ دلالة على ذلك.

مع عدم ظهور سندها وكونها عاميّة ، واحتمال كونه وكيلا مطلقا له صلّى الله عليه وآله أو صريحا في مثل ذلك ، ولهذا سلّم الشاة إلى المشتري ، ويمكن ان يتصرف فيها ببيع أو أكل أو غيرهما ولو كان فضوليا لم يجز ذلك وما كان صلّى الله عليه وآله يقرّه على ذلك.

وقال في التذكرة : لأنه إذا جاء بالمقصود ، فلا فرق في الزيادة بين كونها شاة أو درهما (٢) ، وقال أيضا يجوز ان يكون عروة البارقي وكيلا عاما إلخ (٣).

هذا مع المنع مطلقا عقلا ونقلا ، كتابا وسنّة وإجماعا ، على عدم جواز التصرف في مال الغير وبيع ما لم يملك الا برضا المالك فتأمّل.

قوله : «وليس لوكيل الخصومة إلخ» قال في التذكرة (٤) : ولا نعلم فيه خلافا.

__________________

(١) عوالي للئالي ج ٣ ص ٢٠٥ ولاحظ ما علّق عليه أيضا.

(٢) في التذكرة هكذا : لأنه إذا جاء بالشاة فقد حصل مقصود الموكّل فلا فرق فيما زاد بين ان يكون ذهبا أو غيره.

(٣) في التذكرة هكذا : وأيضا جاز ان يكون عروة وكيلا عاما في البيع والشراء.

(٤) عبارة التذكرة هكذا : الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح ولا الإبراء منه ولا نعلم فيه خلافا ، لأن الاذن في الخصومة لا يقتضي شيئا من ذلك (انتهى).

٥٧٧

ولو قال : صالح عن الدم الذي استحقّه ، بخمر ففعل حصل العفو بخلاف ما لو صالح على خنزير.

______________________________________________________

وذلك (١) ، لان الوكالة ما اقتضت شيئا من ذلك وهو ظاهر ، وعلم ممّا تقدّم أيضا مرارا مع الإشكال في جواز التوكيل في الإقرار عنده (وخ) لو وكّل في ذلك صريحا.

وقال في هذا المقام في التذكرة : لا استبعاد فيه ويلزم الموكّل ما أقربه ، فإن كان معلوما لزمه ذلك وان كان مجهولا رجع في تفسيره الى الموكّل دون الوكيل.

وهو مؤيّد لما قلناه هناك فتذكر.

وقال هنا أيضا (٢) : وكيل المدّعي ملك الدعوى واقامة البيّنة وتعديلها والتحليف وطلب الحكم على الغريم والقضاء عليه وبالجملة كلّما وقع وسيلة إلى الإثبات (٣) ، ووكيل المدعى عليه يملك الإنكار والطعن في الشهود ، واقامة بيّنة الجرح ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها وبالجملة عليه السعي في الدفع مهما أمكن.

قوله : «ولو قال : صالح عن الدم إلخ» قال في التذكرة : لو وكّله في الصلح عن الدم على خمر ففعل حصل العفو كما لو فعله الموكل بنفسه ، لان الصلح على الخمر وان كان فاسدا فيما يتعلّق بالعوض ولكنه صحيح فيما يتعلّق بالقصاص فيصحّ التوكيل فيما لو فعله الموكّل بنفسه لصحّ ، لأنا نصحّح التوكيل في العقد الفاسد ، ولو وكّله في الصلح عن القصاص على الخمر فصالح على خنزير فهو لغو

__________________

(١) من كلام الشارح قدس سرّه.

(٢) في التذكرة هكذا : الوكيل بالخصومة اما ان يتوكل عن المدّعي أو عن المدّعى عليه فان كان وكيلا عن المدّعي ملك الدعوى إلخ.

(٣) في التذكرة : واما الوكيل عن المدعى عليه فيملك الإنكار.

٥٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ويبقى القصاص مستحقا على ما كان عليه قبل الصلح لانه مستبدّ بما فعل ، غير موافق لأمر الموكّل إلخ (١).

فمراد المصنف بقوله : (بخلاف ما لو صالح) أي فيما إذا قال له : صالح عن الدم بخمر فصالح بالخنزير ، فإنه لا يصحّ ، ويبقى القصاص أما لو قيل : صالح عنه على خنزير وفعل فهو صحيح مثل ما فعل بالخمر ، وهو ظاهر.

لكن الحكم ودليله غير واضح ، إذ ثبوت القصاص معلوم وما وقع العفو عنه الّا على وجه يثمر تملّك الخمر أو الخنزير وما حصل ذلك ، لعدم قابليّته لذلك ، فما (فيما خ) يحصل الغرض من العفو ، وليس هنا شي‌ء يقال : انه صحيح في ذلك بالنسبة اليه ، وانما بطل بالنسبة إلى لزوم العوض كما مرّ مع وجود الأصل هنا.

ولا يكفي مجرد ان مبنى العفو على المسامحة والتغليب ، لأنّه يحتاج الى دليل.

وقوله (٢) أيضا : (كما فعله الموكل بنفسه) غير واضح ، إذ هو يحتاج الى الدليل ، وكذا قوله : (ولكنه صحيح فيما يتعلّق بالقصاص) وكذا قوله : (لأنا نصحّح التوكيل في العقد الفاسد) وكيف ذلك مع انه لا يصحّ التوكيل في البيع الفاسد وقد صرّحوا بذلك وسيجي‌ء في الكتاب (بعده خ) بلا فصل ، وأنه لا يصحّ للموكّل فكيف له (٣)؟ بمعنى أنه لو أوقع ، لا يترتب عليه أثره المطلوب ، فتأمّل.

ويمكن أن يقال هنا : لا شكّ انه عفى عن الدم بان يكون له الخمر فسقط الدم برضاه بأن يأخذ عوضه الخمر ، فلمّا لم يكن جائزا له أخذه والإعطاء له شرعا ، فوّت على نفسه العوض وصار كالمتبرع بالعفو.

هذا إذا كان عالما لا بأس به فإنه بمنزلة أن قال : عفوت.

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

(٢) يعني العلامة ره في التذكرة في العبارة المتقدمة.

(٣) يعني للوكيل.

٥٧٩

ولو وكله في شي‌ء ، لم ينطلق في غيره ، فلو وكّله في شراء فاسد لم يملك الصحيح.

ولو وكّله في الشراء بالعين فاشترى في الذمة ، أو بالعكس لم يقع عن الموكّل.

______________________________________________________

وأمّا إذا كان جاهلا ففيه تأمّل ولا يبعد العفو وحصول ثمنه عند مستحليه كما في غير هذه الصورة.

وبالجملة إذا كان الحكم المذكور ، له دليل من إجماع ونحوه ـ وما عرفت غير ما ذكرت ـ فهو المتبع والّا فينبغي الرجوع الى القوانين ، والأدلة ، فتأمل.

قوله : «ولو وكّله في شي‌ء لم ينطلق إلخ» هذا في بيان عدم التجاوز عمّا عيّنه الموكّل اي لو وكّله في شي‌ء ، لم يتجاوز منه الى غيره ، ولو وكله في بيع فاسد.

قال في التذكرة : إذا وكّله في شراء فاسد أو عقد باطل مثل ان يقول : اشتر لي شيئا الى مقدم الحاج أو مجي‌ء الغلّة ، أو بع كذلك لم يملك هذا القدر ، لان الله تعالى لم يأذن له في الفاسد ، ولان الموكّل لم يملك ، فالوكيل أولى ولا يملك الصحيح عندنا.

كأنّ الحكم إجماعيّ عندنا.

وجهه أيضا ظاهر ، لان الصحيح غير موكّل فيه ، والفاسد لا يصحّ بالاتفاق لحكم الشارع وهو ظاهر ومؤيد لما تقدم من التأمل في قوله : (لأنا نصحّح التوكيل الفاسد) فتذكر.

قوله : «ولو وكّله في الشراء بالعين إلخ» هذا أيضا من فروع القاعدة (١) ، وهو ظاهر مع تعلّق الأغراض الصحيحة بذلك نعم ان ظهر عدم الغرض في البيع نقدا بالعين يمكن جوازه في الذمّة وبالعكس ، والاقتصار ، أولى كما مرّ.

__________________

(١) وهي عدم جواز التعدي للوكيل عمّا عين له مع احتمال تعلّق الغرض.

٥٨٠