مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وظهر حينئذ وجه تفريع (١) القواعد بقوله : (فإن أبطلناه ففي جعله مقرّا بنفس التوكيل نظر).

لأنك قد عرفت انه على تقدير صحّة التوكيل والقول به ظاهر كونه إقرارا ، لأن سبب الصحّة كونه دالّا على إقرار ، وأنه إذن في الإقرار لغيره بما هو في ذمته ، فإنه ما لم يسلم ذلك لم يمكن القول بالصحّة.

ولهذا قال فخر المحققين في شرحه (٢) : (ثم اختلف القائلون بعدم الصحّة ، فمهم من قال : يكون توكيله واذنه له في الإقرار إقرارا منه ، لأنه أخبر عن حق عليه لخصمه) وقال غيره : لا يكون ذلك إقرارا لأنّ التوكيل في الشي‌ء لا يكون إثباتا لنفس ذلك الشي‌ء كالتوكيل (٣) في البيع آه.

وقد عرفت دفع الوجه الثاني وانه قياس ـ على البيع ـ مع الفارق.

فقول المحقق الثاني ـ في شرح القواعد : (ولا يخفى ان عبارة المصنف لا تخلو عن مناقشة ، لأن تفريع احتمال كونه مقرا بنفس التوكيل على القول ببطلان التوكيل ، غير ظاهر ، بل ذلك آت على تقدير البطلان والصحّة فكان حقا ان يقول : وفي كونه مقرا بنفس التوكيل نظر كما صنع في الإرشاد (٤) لا يخلو (٥) عن مناقشة ، لما عرفت.

على ان ليس في عبارة القواعد ما يدل على أنّ احتمال كونه مقرا بنفس التوكيل متفرع على القول بالبطلان ، بل النظر في وجه ذلك متفرّع عليه ، فقد يكون

__________________

(١) المفرّع هو المصنف في القواعد حيث قال : وفي التوكيل على الإقرار إشكال فإن أبطلناه إلخ.

(٢) الظاهر أنّ المراد في شرح هذا التفريع ، ويحتمل إرادة أن الفخر قال في الإيضاح الذي هو شرح للقواعد والله العالم.

(٣) كما ان التوكيل في البيع لا يكون بيعا (الإيضاح ج ٢ ص ٣٤٠ طبع قم).

(٤) الى هنا عبارة جامع المقاصد.

(٥) خبر قوله قده : فقول المحقق الثاني.

٥٢١

ولا يقتضي ذلك إقرارا.

ولا يشترط في توكيل الخصومة رضا الغريم.

______________________________________________________

ذلك باعتبار عدم النظر ، فاما ان لا يكون هناك احتمال كونه إقرارا أصلا كما فهمه أو باعتبار تعيين كونه إقرارا فلا يحتمل العدم فينبغي ان يقول (١) : (لان تفريع النظر على القول ببطلان التوكيل غير ظاهر).

وأيضا قد يكون مقصوده الإشارة إلى الخلاف ، ولا خلاف الّا بين القائلين بالبطلان كما ظهر من الإيضاح.

وأيضا ، كلامه يدلّ على أن في الإرشاد ، تنظّر مطلقا وليس كذلك ، بل افتى بعدم كونه إقرارا ويحتمل ان يكون ذلك أيضا مبنيّا على القول بالبطلان كما مرّ ، فلو قيّد لكان أولى ، لما عرفت ، فعبارة القواعد (٢) أظهر من عبارة الإرشاد (٣) وعكس ما قاله فتأمّل.

ويحتمل ان يكون المراد في عبارة الإرشاد ، الإشارة إلى جريان الاحتمالين في تقديري الصحّة والبطلان وان كان الخلاف انما وقع على التقدير الثاني أو أنه حينئذ أظهر وأشار في القواعد الى الخلاف فتأمّل.

على ان في الإرشاد ما تنظر ، بل جزم بعد كونه إقرارا بعد ان استشكل في صحّة التوكيل فيكون التقدير : ولما كان إشكال (اشكالا خ) في صحّة التوكيل وعدمه ، فما ثبت صحته ولا يكون ذلك إقرارا ، فجزم بعدم كونه إقرارا على تقدير عدم ثبوت صحّة التوكيل ، وهذا مضمون غير مضمون القواعد وخلافه في الحكم فتأمّل.

قوله : «ولا يشترط إلخ» كأنه إشارة إلى خلاف بعض العامّة حيث اشترط رضا الغريم في صحّة توكيل شخص للخصومة معه ، وعموم أدلّة التوكيل

__________________

(١) يعني ان يقول المحقق الثاني في مقام الاشكال على القواعد : (لان تفريع إلخ).

(٢) عبارة القواعد : وفي التوكيل على الإقرار إشكال.

(٣) عبارة الإرشاد : وكذا الإشكال في التوكيل في الإقرار ولا يقتضي ذلك إقرارا.

٥٢٢

ولو وكّله على كلّ قليل وكثير صحّ ، ويعتبر المصلحة في فعل الوكيل.

______________________________________________________

وكونه مختارا يدفعه ، ولعلّه لا خلاف عندنا.

قوله : «ولو وكله على كل قليل إلخ» إشارة إلى منع بعض الأصحاب من صحّة التوكيل في كلّ مالي (أموالي خ) وفي كل ما يكون لي قليلا أو كثيرا ، لانه يتضمن ضررا عظيما ، إذ قد يعتق عبيده وإماءه ويبيع داره وجميع ما يملك ويزوجه بأربعة النساء بمهور كثيرة.

ودفع ذلك بان فعل الوكيل مبنيّ على المصلحة وان كان التوكيل عموما كما كان خصوصا فإنه ليس له ان يبيع ما وكّل فيه إذا كان شيئا واحدا لا بثمن المثل ونقد البلد نقدا وغير ذلك وكذا هنا ، واليه أشار بقوله : (ويعتبر المصلحة إلخ).

ودفعه في الشرائع (١) بأنه خارج عن محلّ الفرض ، إذ الفرض انه تفويض الأمر إليه بالكلّية ويجعله كنفسه.

ودفع ذلك في شرح الشرائع أنه ليس بخارج ، لان رعاية المصلحة لا بدّ منها.

والظاهر ، مع الشرائع ، فإن الفرض انه فعل مع المصلحة بأنه باع جميع أمواله بشرط المصلحة التي وجدت في بيع كل واحد واحد منفردا وليس البيع بثمن المثل ونقد البلد ونقدا ، خلاف المصلحة ، وكذا عتق عبيده للثواب كما لو صرّح به ، وكذا التزويج بمهر المثل وغير ذلك مع انه قد يحصل له الضرر.

ثم ان الظاهر صحّة ذلك ، كما ان له ان يفعل بنفسه ، وإن تضرّر ، ولان له ان يوكّل في كلّ واحد خصوصا ، فكذا عموما ، وينبغي ان يقال بالصحّة الا ان

__________________

(١) قال في الشرائع : ولو وكل على كل قليل وكثير ، قيل : لا يصح لما يتطرق من احتمال الضرر ، وقيل : يجوز ، ويندفع باعتبار المصلحة ، وهو بعيد عن موضع الفرق (انتهى).

٥٢٣

ولو وكّله في شراء عبد صحّ وان لم يعيّنه.

______________________________________________________

يكون بحيث لا يجوز لنفسه ، فلا يصحّ ، والفرض ، الأول ، فإن فرض في البعض دون البعض ـ لعدم المصلحة ـ فهو خارج عن الفرض كما قاله في الشرائع.

والظاهر عدم الفرق بين عموم جميع ما يملك وخصوص واحد واحد في الجواز بعد المصلحة ، وعدمه مع عدمها كما صرّح به في التذكرة في جواب من قال : (لا يصحّ عاما) مثل الشيخ وبعض العامّة للضرر وعدم المصلحة.

والجواب انا نضبط جواز تصرّف الوكيل بالمصلحة فكلّ ما لا مصلحة فيه لم ينفذ تصرف الوكيل كما لو وكّله في بيع شي‌ء فأطلق ، فإنه لا يبيع الّا نقدا بثمن المثل من نقد البلد ، كذا في الوكالة العامّة ، وكذا يصحّ لو قال : اشتر لي ما شئت خلافا لبعض العامّة آه (١).

وبالجملة ، الوكالة مبنيّة على المسامحة وعدم اشتراط لفظ خاص وعقد بإيجاب وقبول خاصّين ، فكلّ ما يدل على الإذن في التصرف أيّ تصرف كان ، يصحّ ويجوز مع عدم مانع شرعيّ ، ومعه فلا ، فاحفظه.

قوله : «ولو وكله في شراء عبد إلخ» هذا يدل على عدم اشتراط العلم في الجملة كما تركه في الأول أيضا الا ان يقال : انه ترك للظهور وهنا علم في الجملة فإن العبد أخصّ من الحيوان والمتاع والشي‌ء.

وأشار بقوله : (وان لم يعيّنه) الى خلاف بعض الأصحاب بأنه لا بدّ من تعيين بعض الأوصاف في الجملة بأن يقول : تركيا أو هنديّا مثلا للغرر.

وعموم الأدلة يدفعه ، والغرر منتف بأنه انما يشتري ما يسوى ذلك وإطلاق الموكل يدل على ان غرضه متعلق بعبد ما ففي (في خ) شرائه مصلحة من دون خصوصيّة فيصحّ ، وأيضا قد يكون الغرض ذلك فينبغي تجويز الوكيل في مثله ، فتأمل.

__________________

(١) من قوله قده : والجواب الى هنا عبارة التذكرة.

٥٢٤

«الرابع الصيغة»

ولا بد من إيجاب مثل وكلتك ، واستنبتك ، وبع ، وأعتق.

وقبول اما لفظا ، أو فعلا ويجوز تأخيره عن الإيجاب.

______________________________________________________

قوله : «الرابع الصيغة إلخ» هذا هو الركن الرابع ، ولا شكّ انه لا بدّ في تحقق الوكالة من إيجاب ، أي ما يدل على الإذن مطلقا بلفظ واشارة وكتابة ، بل إذا علم الرضا من دون ذلك لا يبعد جواز التصرف في ماله وكونه وكيلا.

وقبول أيضا والظاهر ، المراد به أيضا أعمّ ، بل لا يحتاج إلى شي‌ء قبل فعل الموكّل فيه ، فإنه يكفي ذلك وهو مصرّح به ، والظاهر عدم الخلاف عندنا في ذلك.

ولكن فيه تأمّل ، لأنه لا بدّ من صدور العقد من الوكيل ، فلا بدّ من كونه وكيلا قبل الشروع فيه ، فكأنه مجرّد الإيجاب ، والرضا الباطني الذي يعلم بالفعل ، كاف والظاهر أن الأصل في ذلك كلّه ، أنّ التصرف في مال الغير انما يجوز برضاه ، ولا ينتقل (١) الى غيره الّا برضاهما ، فيكفي ما يدلّ على ذلك من الطرفين ، ولا يحتاج الى أكثر من ذلك ، للأصل ، وعموم أدلة الوكالة فلا يتعيّن بشي‌ء من أحد الجانبين ، ولهذا نقل في وكالة البارقي انه عليه السلام قال له : (اشتر) (٢) ولا يسمّى مثل ذلك إيجابا وصرّح به في التذكرة ، وكذا في حكاية أصحاب الكهف «فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ» (٣) ، مع انها غير صريحة في توكيل أحد بعينه ، وان محض الفعل كاف ، وكذا الإشارة والكتابة ، فتأمّل.

قال في التذكرة : (الوكالة عقد شرع للاستنابة) والمراد ان يكون الغرض

__________________

(١) وينتقل الى غيره برضاهما ـ في عدة نسخ مخطوطة.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٢٠٥.

(٣) الكهف ـ ١٩.

٥٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

من فعله النيابة فقط فلا ينتقض بالقراض والمشاركة والمزارعة والمساقاة والوصيّة وهو ظاهر ثم قال : ولما (١) كان عقدا يتعلّق به حق كلّ واحد من المتعاقدين فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالبيع ، والأصل فيه عصمة مال المسلم ومنع غيره من التصرف فيه الّا بإذنه فلا بدّ من جهة الموكّل ، من لفظ دالّ على الرضا بتصرف الغير له ، وهو كلّ لفظ دالّ (دلّ خ) على الاذن مثل ان يقول : وكلتك في كذا أو فوّضته إليك واستنبتك (٢) فيه وما أشبهه ، ولو قال : وكّلتني في كذا؟ فقال : نعم أو أشار بما يدل على التصديق ، كفي في الإيجاب ولو قال : بع وأعتق ونحوهما حصل الإذن ، وهذا لا يكاد يسمّى إيجابا (٣) (إلى قوله) : وقوله : وأذنت لك في فعله ليس صريحا في الإيجاب ، بل اذن في الفعل (٤).

وعدم التسمية في الأوّل (٥) وعدم الصراحة في الأخير ـ لكونه ماضيا ـ غير ظاهر وما يفهم من الإيجاب إلّا ما يدلّ على الرضا بالتصرف وهو حاصل هنا.

ثم قال : لا بدّ هنا من القبول إما لفظا وهو كلّ ما يدل على الرضا بالفعل أو فعلا ويجوز القبول بقوله : قبلت وما أشبهه من الألفاظ الدالّة عليه ، وبكلّ فعل دلّ على القبول نحو ان يأمره بالبيع فيبيع أو بالشراء فيشتري لان الذين وكّلهم النبيّ صلّى الله عليه وآله لم ينقل عنهم سوى امتثال امره ، ولأنه أذن في التصرف فجاز

__________________

(١) في التذكرة : الوكالة عقد يتعلّق به حق كل واحد من المتعاقدين إلخ.

(٢) وابنتك (التذكرة).

(٣) وتمامه : بل هو أمر واذن ، وانما الإيجاب قوله : وكلتك أو استنبتك أو فوضت إليك وما أشبهه وقوله : أذنت إلخ.

(٤) إلى هنا عبارة التذكرة.

(٥) هذه العبارة مجملة غير معلومة المراد والمناسب ان يقول بدل (الأوّل) : (الثاني) وهو قوله : ولو قال : وكلتني في كذا وهو المناسب للتعليل بقوله قده : لكونه ماضيا والله العالم.

٥٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

القبول فيه بالفعل كأكل الطعام ، والقبول يطلق على معنيين أحدهما الرضا والرغبة فيما فوضه اليه ، ونقيضه ، الرد ، والثاني ، اللفظ الدال عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات ويعتبر في الوكالة القبول بالمعنى الأوّل حتى لو ردّ وقال : لا أقبل أو لا افعل بطلت الوكالة ، ولو ندم وأراد ان يفعل أو يرجع (لم يكتف (١) بالإذن الأوّل) بل لا بدّ من استيناف اذن جديد مع علم الموكّل لأن الوكالة جائزة من الطرفين ترتفع بالاستدامة (٢) بالفسخ فلان ترتفع في الابتداء بالرد (كان تذكرة) أولى واما بالمعنى الثاني وهو القبول اللفظي فالوجه عندنا انه لا يشترط لانه اباحة ورفع حجر فأشبه إباحة الطعام (الى قوله) : فان الوكيل ان شاء قبل بلفظه وان شاء تصرف وكان ذلك قبولا منه لأن الوكالة أمر له فيصير بالتصرف محصلا للأمر بخلاف سائر العقود من البيع والإجارة والهبة والوصيّة ، فإنها تضمن التمليك فافتقرت الى القبول بالقول والتوكيل جار مجرى الوديعة ، والعارية لا تفتقر الى القبول بالقول لان ذلك أمر واباحة.

ثم قال : ويجوز عندنا القبول على الفور والتراخي نحو ان يبلغه ان رجلا وكله في بيع شي‌ء منذ سنة فيبيعه أو يقول : قبلت أو يأمره بفعل شي‌ء فيفعله بعد مدّة طويلة ، لأن قبول وكلاء النبيّ صلّى الله عليه وآله لوكالته كان بفعلهم وكان متراخيا عن توكيله إيّاهم ، ولانه اذن في التصرف ، والاذن قائم ما لم يرجع عنه.

ثم قال : والأظهر ثبوت الوكالة وان لم يعلم ، فعلى هذا لو تصرف الوكيل وهو غير عالم بالتوكيل ثم ظهر الحال خرج عن الخلاف فيما لو باع مال أبيه على ظن انه حيّ فبان (فكان خ) ميتا.

__________________

(١) هذه الجملة ليست في التذكرة ولا بدّ منها لأنها جواب لقوله : ولو ندم.

(٢) في بعض النسخ ترتفع بالفسخ فلان ترتد في الابتداء إلخ والصواب ما نقله الشارح قده.

٥٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ قال : فإذا شرطنا القبول لم يكف الكتابة (لم يكتف بالكتابة خ) والرسالة كما لو كتب بالبيع ، وان لم نشترط القبول كفت الكتابة والرسالة وكان مأذونا في التصرف ، وهو الأقرب عندي ، فإذا شرطنا القبول لم يكف الاستدعاء بان يقول : وكّلني فيقول : وكّلتك بل يشترط فيقول بعد ذلك : قبلت (١).

اعلم ان مراده بالقبول ، القبول اللفظي المعهود في سائر العقود وحينئذ معلوم عدم جواز الاكتفاء في الإيجاب أيضا إلّا باللفظ ، فلا يجوز الكتابة والرسالة ونحوهما ، وانه لا بدّ من العلم بكون الكتابة بإذن الموكّل ، وأمنه من التزوير واحتمال غير المكتوب فيه وحينئذ ، الظاهر القبول كما يقبل المكاتبة من الروايات.

وفي رواية محمد بن عيسى ـ المتقدمة ـ (٢) إشارة الى ذلك حيث وكل في الطلاق بالكتابة على الظاهر والتصرف في الأموال على ما تقدم في جواز الوكالة في الطلاق.

ويؤيّد الجواز ، أنّ المقصود من لفظ الموكّل فهم رضاه واذنه في التصرف ، فإذا علم كفى من أيّ شي‌ء كان يكفي بل الظاهر أن الظن القوي ـ المتاخم للعلم بل هو علم عادة ـ كاف.

وإذا قلنا بقبوله في الوكالة ، فكذا في سائر ما يشترط فيه الإذن فقط ، مثل العارية والوديعة والتصرف في أمواله ، بل الوصيّة أيضا وان منعه في القواعد وغيره فتأمل واحتط.

وأيضا انه إذا كان كافيا في الإيجاب ، ففي القبول بالطريق الأولى.

وأيضا ينبغي عدم الخلاف في صحّة التصرفات التي فعلها الوكيل مع عدم

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة نقلهما مقطعة فراجع ج ٢ ص ١١٣ ـ ١١٤.

(٢) راجع الوسائل باب ٣٩ حديث ٦ من أبواب مقدمات الطلاق ج ١٥ ص ٣٣٤.

٥٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

علم الإذن بل فضوليّا ثم علم الوكالة والإذن قبل الفعل ولم يعرف الوكيل ، وليس مثل بيع الولد مال أبيه باعتقاد انه حيّ فلا يجي‌ء فيه الخلاف ، لانه قد وقع البيع والتجارة عن تراض وحصل العقد فيلزم ، فتأمل.

وأيضا لا شكّ في صحّة القبول بالفعل والتراخي لما تقدم ولكن ينبغي الرضا قبله وحصول الوكالة به لا بنفس الفعل مع الاحتمال كما قاله المصنف رحمه الله فإنه بمنزلة الأمر ولا شكّ في حصول الامتثال بفعل المأمور به ، وهو ظاهر فلا يحتاج ان يكون وكيلا قبل الفعل بل زمان الفعل أيضا فإنه يكفي الفعل باذنه.

وهو كلام حسن ، مع انه ظاهر ، ان الذي يفعل شيئا باختياره ، لا محالة يكون راضيا فحصل الوكالة قبله أيضا ، ولكن جعل المصنف نفس الفعل قبولا فتأمّل.

وأيضا فإن الاستدلال على عدم اشتراط اللفظ المعهود في العقود وجواز التراخي ، بما تقدم من فعل النبيّ صلّى الله عليه وآله وغيره يدل على عدم اشتراط ذلك في سائر العقود أيضا ، إذ ما نقل عنه صلّى الله عليه وآله وعن وكلائه اللفظ المعهود بل ولا عن أهل بيته عليهم السلام ، ولا عن وكلائهم ، ففيه إشارة الى ما قدّمناه (قلناه ـ خ ل) من جواز المعاطاة والتملك بها ، ولم يثبت أن التملك لا بدّ ان يكون لفظا ، بل ظاهر التجارة عن تراض يدل على حصوله بالرضا فقط ، فتأمّل.

وأيضا الظاهر ممّا تقدم عدم الاحتياج الى تجديد اذن آخر بعد ردّ الوكيل الاذن بقوله : لا اقبل ولا افعل بعد قول الموكل له : اذنتك أو افعل أو وكلتك ، سواء كان الموكّل حاضرا أو غائبا ، إذ قد علم الرضا من الموكل الذي هو شرط وكان من جانبه.

ولا يشترط المقارنة ولا اللفظ ، فإذا لم يقبله الآن لم يحصل الوكالة ولم يوجد لعدم شرط آخر وهو رضا الوكيل لا انه يبطل بالكليّة وبجميع أركانها وتنفسخ بالمرة ، حتى يحتاج إلى إذن مستأنف وتحصيل جميع أركانها ، بل اذنه باق بحكم

٥٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستصحاب الذي كاف في أمثال هذه الأمور بغير شكّ.

فإذا قبل بعد ذلك بقبول هو كاف ابتداء فعلا أو قولا ، يصح ولا يحتاج الى تجديد اذن.

ويؤيده أنها (أنه خ) اباحة ودفع حرج ولا شكّ في رفعه باذنه ، وعدم القبول لا يستلزم رفعه ولا عود الحرج ، وعدم الإذن بوجه من الدلالات وهو ظاهر ، ولهذا لو قال أحد : كل فقال : ما آكل ثم أكل فالظاهر الجواز.

ولانه قد تقدم في كلام التذكرة مرارا أيضا انها أمر فإذا امتثل المأمور ، المأمور به في وقت لم يرتفع عنه الأمر ، بل في كل وقت فعل ذلك ـ إذا لم يكن موقّتا ومقيّدا بوقت وحال ـ يكون ممتثلا وهو ظاهر خصوصا عند من لا يقول انه يقتضي الفور كالمصنف وغيره.

ولانه قال فيما تقدم : انه اذن في التصرف ، فالإذن باق ما لم يرجع عنه ، ومعلوم ان عدم القبول من الوكيل ليس برجوع ولا مستلزم له بوجه أصلا ، إذ يجتمع مع نقيضه وهو ظاهر مثل ان تقول : أذنت لك سواء تفعل أو ترد ، وردّ وهو باق مع قبولك ذلك ، وهو ظاهر بقول المصنف : (بطلت آه) مع المسامحة ، بعيد ، لما تقدم.

ولا دخل لعلم الموكّل بالرد ، فإنه لا يثمر رجوعه من رضاه ، نعم ذلك يوهم حيث كان حاضرا فإنه بمنزلة ان قال : رضيت بالرد أو رجعت إنا أيضا وانه حينئذ لا ضرر عليه ، فإنه يفعله (مؤجّله خ) بنفسه أو يوكّل غيره ولهذا قيل بوجوب قبول الوصيّة مع عدم إمكان الاخبار بعدم القبول ، ولانه لو عزل الموكل من دون اخبار الوكيل لم ينعزل وكذا العكس.

ولعل المراد بحضوره علمه بذلك (١) ، واما إذا لم يكن حاضرا فلا ينبغي

__________________

(١) فكأنه بمنزلة ان قال : رجعت بالرد أو رجعت إنا أيضا (كذا في هامش بعض النسخ المخطوطة).

٥٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

التأمّل في عدم الاحتياج إلى إذن جديد بوجه ، لما قد عرفت ، وقوله : (لأن الوكالة آه) لا يدل على ذلك التجديد ، لان كونه عقدا جائزا يبطل بالفسخ بعد الالتزام وصحته ، ان كان برجوعها معا ، فمعلوم عدم استلزام ذلك هنا ، لعدم رضا الوكيل بعد وجود رضا الموكّل من غير رجوع ، وان كان بعزل الوكيل نفسه فقط مع بقاء رضا الموكل على حاله فيمتنع البطلان بالكليّة هناك أيضا والاحتياج إلى إذن جديد.

ولهذا قال في التذكرة : إذا قال الوكيل : عزلت نفسي أو أخرجتها عن الوكالة أو رددت الوكالة انعزل (الى ان قال) : إذا عرفت (١) هذا فان عزل نفسه ثم تصرف كان فضوليّا ، سواء كان الموكل حاضرا أو غائبا ، ويحتمل مع الغيبة الصحّة عملا بالإذن العام الذي تضمنته الوكالة وكذا مع الحضور وعدم الرضا بعزله (٢).

وهذا وان قاله بطريق الاحتمال الا انه احتمال جيّد قويّ ، لما عرفت من دليله.

على انه قد يفرق بين العزل بعد ثبوت القصد ، وبين عدم الرضا حتى يحصل العقد إذ يحتمل ان العقد إذا وجد وحكم برفعه ، يحتاج الى تجديد الأركان ، بخلاف حصوله ابتداء ، فإنه إذا حصل أحدها فهو موجود حتى يحصل الآخر فيؤثر الجميع فليس عدم القبول الا عدم وجود الركن بعد.

وبالجملة لو كان هناك دليل فيقال به لذلك هنا ، وليس هذا من باب مفهوم الموافقة ، بل قياس مع الفارق فالظاهر عدم الاحتياج.

ويؤيّده عموم أدلة الوكالة ، مثل ما في الروايات (٣) : (الوكالة ثابتة حتى

__________________

(١) في النسخ التي عندنا من الشرح مطبوعة ومخطوطة هكذا : إذا قال الوكيل : عزلت نفسي إذا عرفت هذا إلخ والصواب ما أثبتناه نقلا من التذكرة.

(٢) إلى هنا عبارة التذكرة.

(٣) الوسائل باب ١ ذيل حديث ١ من كتاب الوكالة ج ١٣ ص ٢٨٥ وصدرها ، عن أبي عبد الله عليه

٥٣١

ويشترط التنجيز ، فلو علّقه بشرط بطل.

ولو نجّزه وشرط تأخير التصرف جاز.

______________________________________________________

يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول).

وأيضا ، الموكّل إذا عزله ثم رضي بها لم يحتج الى قبول الوكيل ، فكذا هنا.

وأيضا سيجي‌ء أنّ الوكالة لو بطلت للتعليق ونحوه مثلا ، له ان يتصرف بالإذن فتأمل.

وأبعد من كلام المصنف قول المحقق الثاني في شرح القواعد : (ولا خفاء في ان جواز التصرف موقوف على تجديد الإذن ، لكن كون ذلك مشروطا بعلم الموكّل حتى لو لم يعلم كان له ان يجدّد القبول ويتصرف محل خفاء آه).

لما تقدم ان ذلك هو محلّ التوهم ، وان الظاهر لا نزاع مع عدم العلم كما يفهم من التذكرة فيما تقدم ، وانه لا ينبغي إيجاب التجديد في ذلك أيضا ، لما عرفت ، على ان في قوله : (كان له ان يجدّد القبول ويتصرف) تأملا ، إذ التصرف قبول ، فلو لم يحتج الى تجديد الإذن لم يحتج الى تجديد القبول ، بل ولو جدّد الإذن لم يحتج الى (تجديد خ) القبول أيضا وهو ظاهر.

قوله : «ويشترط التنجيز إلخ» قال في التذكرة : لا يصحّ عقد الوكالة معلقا بشرط أو وصف فان علّقت عليهما بطلت ، مثل ان يقول : ان قدم زيد أو إذا جاء رأس الشهر فقد وكلتك ، عند علمائنا وهو أظهر مذهبي الشافعي (١).

لعلّه يريد بالتعليق توقف حصول الوكالة بأمر ، سواء كان شرطا يمكن حصوله وعدمه مثل قدوم زيد ، أو وصفا أي متحقق الوقوع ، مثل مجي‌ء رأس الشهر ، وسواء كان الدال عليه منويّا أو مقصودا غير مذكور على الظاهر أو مذكورا بأداة

__________________

السلام انه قال : من وكل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتى إلخ.

(١) إلى هنا عبارة التذكرة.

٥٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرط ، مقدما أو مؤخرا ، مثل ان كان كذا ، فوكّلتك ، أو وكّلتك ان كان كذا ، وبغير أداته ، مثل وكلتك بشرط مجي‌ء زيد.

ولا نزاع عندهم في جواز التوقيت ، مثل وكّلتك شهرا فلا يكون بعده وكيلا ، ولا في صحّة أن يقول : وكلتك الآن أو مطلقا ولكن لا تتصرف الا بعد مجي‌ء زيد مثلا أو بعد اذنه.

وادعى الإجماع في التذكرة على صحّة قوله : أنت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاج وفهمنا منها أنه مبني على جعل (إذا قدم) ظرفا للبيع ، وشرطا له لا للوكالة ، والوكالة مطلقا صحيحة ، والشرط محمول على كونه للفعل.

وما أجد فرقا بين التعليق بمجي‌ء شهر مثلا والتنجيز مع المنع عن فعل الموكّل فيه الّا بعد شهر مثلا بحسب المال ، بل ما نجد لوجود التوكيل منجزا الآن مع المنع عن التصرف فائدة ، الّا انه ادّعى فيه الإجماع مع عدم ظهور الخلاف ولا نصّ هنا.

فقول شارح الشرائع : إنّ العقود متلقاة عن الشرع فنيطت بالضوابط ، محلّ التأمّل فتأمّل.

وأيضا لا نزاع في صحّة ذكر شرط معه بأن يقول : وكّلتك وشرطت عليك كذا.

ثم اعلم أنّ الأصل وعموم أدلة التوكيل وكونه جائزا ، ومبناه على المساهلة دون الضيق ، وما تقدم في عبارة التذكرة من انه اذن وأمر ، وانه مثل الاذن في أكل الطعام ، ولا شكّ في جواز تعليقه ، مثل ان جئت فأنت مأذون في الأكل ونحوه مع عدم مانع ظاهر يدل على جواز التعليق.

ويؤيّده عدم ظهور فرق كثير في المال بين ما صوّرناه من المجوّزات ، مثل التوقيت وذكر الشرط والمنع الّا بعد كذا ، وبين التعليق.

٥٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيّده أيضا جواز التعليق في العقود الجائزة ، مثل القراض ، بل هو وكالة بجعل والعارية وغيرهما.

والظاهر ان مراد من قال : يجب التنجيز نفي التعليق ، والظاهر ان لا دليل لهم عليه الّا الإجماع المنقول في التذكرة كما تقدم ، مع عدم ظهور خلافه وسيجي‌ء ما في الإجماع فتأمل.

ويمكن أن يقال ـ مع التعليق ـ يؤول إلى التوكيل ، وقد مرّ ان من شرطه قدرة الموكل عند التوكيل.

فتأمل فيه فإنه يرجع الى الإجماع أو أن الأصل عدمها خرج المنجزة بالإجماع وبعض الأدلّة ، بقي المعلّقة تحت العدم فتأمل فيه.

ثم اعلم أيضا ان المصنف احتمل في عدم جواز تصرفه فيما وكّل فيه بعد حصول الشرط وقرّبه في التذكرة حيث قال : فلو تصرف الوكيل بعد حصول الشرط فالأقرب صحّة التصرف ، لأنّ الإذن حاصل لم يزل بفساد العقد وصار كما لو شرط في الوكالة عوضا مجهولا ، فقال : بع كذا على ان لك العشر من ثمنه ، تفسد (فسد خ) الوكالة ، ولكن ان باع يصح وهو أحد وجهي الشافعيّة والثاني لا يصحّ لفساد العقد إذ لا اعتبار بالعقد الضمني في العقد الفاسد ، الا ترى انه لو باع بيعا فاسدا وسلّم اليه المبيع لا يجوز للمشتري التصرف فيه وان تضمن البيع والتسليم الاذن في التصرف والتسليط عليه ، وليس بجيّد لأن الإذن في تصرف المشتري باعتبار انتقال الثمن اليه والملك إلى المشتري وشي‌ء منهما ليس بحاصل ، وانما اذن له في التصرف لنفسه ليسلم اليه الثمن (ليسلم له ـ التذكرة) الثمن ، وهنا انما اذن له التصرف عن الاذن لا لنفسه (١).

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

٥٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم ذكر (١) فائدة القول بفساد عقد الوكالة ، في جواب ، ان قيل : ان لا فائدة حينئذ للفساد على تقدير صحّة التصرف التي هي ثمرة صحّة عقد الوكالة ، فإذا وجدت مع القول بالفساد فلا ثمرة في القول بالبطلان ، بل لا معنى للبطلان حينئذ ، إذ البطلان في المعاملات عدم ترتب الأثر ، وقد قيل هنا بالترتب مع الفساد.

حيث أجاب بأنّها تحصل الفائدة في ترتب جميع الأثر ، من جملته انه لو كان الوكالة بجعل معيّن يبطل ذلك الجعل ويلزم اجرة المثل كما إذا وكّل بعوض مجهول مثل ما مرّ ، ومثل ما بطل القراض فتبطل الحصّة المعيّنة ويلزم اجرة المثل وكذا إذا أفسد المهر المسمّى يلزم مهر المثل.

وفيه تأمّل لأنّ الإذن انّما علم على تقدير الشرط وقد حكم ببطلان ذلك الإذن والتوكيل للشرط ، وليس هنا ما يدل على الإذن غير ما وجد من الموكّل وهي العبارة التي حكم ببطلانها وعدم الاعتداد بها ، ولأنه إنما يلزمه الأجرة لو فعل ما وكّل فيه على ما أمر وقد بطل أمره فلزوم اجرة المثل أيضا غير ظاهر.

نعم لو كان مثل ذلك الفعل يحتاج إلى الأجرة ـ ويكون جاهلا بالفساد حكم بصحّة أصل ما فعله وبطلان الجعل فقط كما في المضاربة ان سلّم أو النكاح على ما نقل الإجماع على أنّ العقد صحيح ، وانما الفاسد هو المسمّى ـ يصحّ ما ذكر.

ولأنه قد لا يكون العقد المشروط مشتملا على جعل فلا تحصل الفائدة في الحكم بالبطلان ، بل لا معنى له ، ولأنه إذا حكم بفساد الوكالة حيث كان عدم التعليق شرطا لصحتها ، فمعه يبطل ، لعدم تحقق الشرط فكيف يصحّ التصرف

__________________

(١) لم نعثر في التذكرة ما نسبه الشارح قدس سرّه اليه من فائدة القول بفساد عقد الوكالة فراجع وتتبع ج ٢ ص ١١٤.

٥٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ويستحق الأجرة وتظهر الفائدة فيما ذكره ، فإنه يرجع الى القول بعدم اشتراط التنجيز والبطلان مع التعليق فإنها تصح إذا لم يكن جعل معه أيضا وانما يبطل الجعل كالنكاح ، على ان التصرف انما هو بالوكالة الباطلة المثمرة لبطلان الاذن ومنع التصرف مطلقا وجعلها كعدمها ، إذ الفرض عدم غيرها كما دل عليه عبارة الموكّل صريحا وفهم الرضا منه ضمنا مع عدم الرجوع.

والذي يمكن ان يقال : ان الفرض ان الإذن بتصرفه بعد حصول الشرط معلوم ، والمراد ببطلان الوكالة بطلان العقد الموجود المعلّق على ذلك الشرط ، ولا شكّ انه توكيل واذن خاص وقد يكون هذا العقد مشتملا على أمور غير مجرد الاذن في التصرف ، مثل كونه شرطا في عقد لازم وجعل ، وكونه منذورا بإيجاب وقبول صحيح صريح أو جعل لهما جعلا أو فعلا توكيلا صحيحا بإيجاب وقبول صحيح صريح وغير ذلك ممّا لا يحصى من القيود المختصّة فيبطل حينئذ ذلك ولا يترتب عليه جميع الأثر المطلوب منه.

وان ذلك غير مستلزم لبطلان الاذن المفهوم ضمنا والغير المقصود بالذات الذي حكم ببطلانه بان يسلّم فيبقى بعض الأثر ويبطل الباقي.

أو يقال : لا يكون ذلك صحيحا لما مرّ ويكفي ذلك للحكم بالبطلان ولا يحتاج الى بطلان جميع الأثر كما مضى (١) في المضاربة ، وكذا في الإجارة (الإجارات خ) الفاسدة لأنه فهم من ذلك العقد وما علم الا بطلان العقد بمعنى عدم ترتب جميع آثاره لا جميع ما فهم.

بل قد يقال : ذلك وكالة أيضا لأنه قد عرفت ان الوكالة تكفي فيها ما يدل على الاذن في الجملة ، وانه مثل الأمر والاذن بأكل الطعام ومعلوم عدم ضرر

__________________

(١) يعني في مثال المضاربة بقوله قده : ومثل ما بطل القراض إلخ.

٥٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

التعليق وعدم الاحتياج الى عقد بإيجاب وقبول ، بل المدار على العلم برضا الموكل وان لم يوكّل صريحا ، بل ولا ضمنا على ما عرفت.

على انه لا دليل على البطلان مع التعليق سوى ما نقل من الإجماع في التذكرة ، وقد فهم من اختياره صحّة هذا الضمني ، عدم الإجماع إلّا في الصريح ، فبقي غيره على مقتضى الأصل والأدلة ، من الصحّة.

وبالجملة ان الفرض فهم الاذن في التصرف مع الدليل على جواز التصرف معه عقلا ونقلا مع عدم دليل على عدمه فجاز التصرف ولا ينافيه بطلان العقد.

والحاصل ان كانت الوكالة المعلّقة مشتملة على أمر زائد سوى الإذن فعدم لزوم بطلان مطلق الإذن من بطلانها ـ على ما تقدم ـ غير بعيد وامّا إذا لم يشتمل ففيه تأمّل.

ولا يمكن توجيه اختيار جواز التصرف الّا بالقول بعدم اشتراط التنجيز في مطلق التوكيل ، إذ لا دليل إلّا الإجماع ، ولا إجماع على ما فهم من اختيار التذكرة جواز التصرف وبقاء الإذن.

أو (١) بالفرق بين الضمني والصريح أو جعل الإذن أعم من التوكيل كما مرّ في العبد ، فإنه قد يكون مأذونا لا وكيلا ، فتأمّل.

ثم ان علم الوكيل بالفساد مع عدم ظهور ما يدلّ على ثبوت الأجرة له بهذا التصرف يكون متبرعا لا اجرة له ولا مسمّى ، وان كان المسمّى مذكورا في العقد ، للأصل وعدم الموجب وبطلان القياس لو ثبت في مثله.

وان لم يعلم به وتصرف على الوجه الذي يجوز وظهر من الموكّل ما يدلّ على

__________________

(١) عطف على قوله قده : بالقول بعدم إلخ.

٥٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

حصول الأجرة ، وان كان فعله بسبب الإذن الضمني ، فله الأجرة والّا فلا كما مرّ.

وأيضا ان فرض خلوّ العقد عن الجعل قد يحصل الفرق بين الاذن الباطل والصحيح بأمور أخرى ممّا أشرنا اليه ويبعد فرض اتحادهما.

وان فرض الاتحاد وعدم فهم الاذن والرضا ضمنا بوجه الّا مع الشرط ، فلا يمكن القول حينئذ بالصحّة ، بوجه مع القول بالاشتراط والفساد معه ، وهو ظاهر.

فلعلّه لا يقول المصنف إلّا في غيره وهو أظهر ، مثل ان يقول : ما يجوز ذلك التصرف الّا على تقدير الشرط والتعليق ونحو ذلك فاندفع جميع ما تقدم واتضح المقصود وان كان ظاهر العبارات لا يخلو عن شي‌ء.

فقد عرفت ممّا تقدم انه حينئذ ليس التنجيز شرطا لمطلق جواز التصرف والوكالة ، بل في الجملة وعلى بعض الوجوه.

وان الفائدة التي ذكرها المصنف للفساد قد تصح وقد لا تصحّ.

وان غرضه الإشارة إلى جنس الفائدة في الجملة.

وانها ليست بكليّة ومنحصرة فيها ، إذ كثيرا مّا ، تخلو الوكالة عن الجعل ، بل هو الغالب وهو ظاهر.

وان الفائدة في الحكم بالفساد ظاهر من دونه.

وان هذا الفرق لا يبطل أصل الحكم بفساد الوكالة.

وانه لا يكون بين الحكم بفساد الوكالة وصحّة التصرف بعد الشرط تدافعا.

وان ليس معنى كلامه ان الباطل هو الجعل فقط ، كما ان الباطل في صورة النكاح والقراض هو المهر والحصّة لا العقد.

على ان الظاهر ان الباطل في صورة القراض أيضا هو العقد ، وانه لا كلام في الأجرة لهم حينئذ كما في الإجارة الفاسدة ، فلا يناسب منعها من المحقّق الثاني وان

٥٣٨

«المطلب الثاني في الأحكام»

الوكالة جائزة من الطرفين.

______________________________________________________

كان التشبيه (النسبة خ ل) (١) توهم ذلك بل ذكرنا ، من ان العقد هنا يبطل ، ولكن يفهم الاذن ، وهو غير الإذن الذي كان العقد مقتضيا له وصريحا فيه ولهذا عبّر عنه في التذكرة وغيرها بالضمني ، بخلاف صورة النكاح.

وأنت بعد ما تأملت ما ذكرناه ، تجده جيّدا بالنسبة في الجملة ان شاء الله ، وعدم وضوح ما حقّقه المحقّق الثاني في شرح القواعد (٢) والشهيد الثاني (٣) في شرح الشرائع فتأمّل وأنصف.

قوله : «المطلب الثاني في الأحكام إلخ»

الظاهر انه لا خلاف في ان عقد الوكالة في أصله جائزة من الطرفين ، وقد تجب بأن يشترط في عقد لازم ، وهو ظاهر ، وقد تقدم ، فيجوز لكل واحد منهما العزل والفسخ.

وكأنه لا خلاف في جواز فسخ الوكيل نفسه بحضور الموكّل وغيبته ، باذنه وعدمه ، ووجهه ظاهر ، وكأنه مجمع عليه.

وكذا الموكل في الجملة بأن يعزله ويفسخ العقد بحضور الوكيل.

وكذا ينعزل لو أخبره به بعد العزل وقبله ولو بإخبار ثقة لا بصبيّ وفاسق وان تعدد والظاهر ان الفسخ والعزل مع اخبار العدل أيضا لا يكون فيه خلاف على ما يظهر.

__________________

(١) يعني تشبيه المقام بمسألة المهر في النكاح والحصّة في القراض والأجرة في الإجارة.

(٢) راجع شرح القواعد ج ١ ص ٤٨٤ أوائل كتاب الوكالة في شرح قول المصنف : فإذا فسد العقد إلخ.

(٣) راجع المسالك ج ٢ كتاب الوكالة عند شرح قول المصنف : ومن شرطها ان تقع منجزة إلخ.

٥٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

واما إذا عزله ولم يعلمه حتى فعل ما هو وكيل فيه ، فهل ينعزل بمجرده ويبطل ما فعله بعده الّا انه ما علم البطلان الّا بعد الاعلام ، وما فعل الوكيل حراما ، ولا خلاف الشرع ، كما ان فعل ذلك بعد موته مع عدم علمه بذلك ، وكذا بعد خروجه عن التصرف مثل الجنون والإغماء والحجر بفلس وسفه وكأنه لا خلاف عندهم في ذلك في الموت والجنون والإغماء والحجر ونحوه وهو مذهب البعض مثل المصنف في القواعد.

أم لا ، بل لا بدّ من إشهاد العدلين على ذلك ، على تقدير تعذر الاعلام والّا الاعلام ، وذلك مذهب الشيخ في بعض كتبه وجماعة مثل ابن إدريس وغيره من المتقدمين.

أم ذلك أيضا لا يكفي ، بل لا بدّ من الاعلام ولو بإخبار الثقة فيبطل حينئذ والّا فيصحّ جميع ما فعل الى وقت العلم ، وهو مذهب الشيخ وجماعة من المتأخرين ، مثل المصنف في المتن وظاهر التذكرة.

دليل الأوّل (١) ، الأصل ، وان الظاهر انه لا شكّ في اشتراط رضا الموكّل في صحّة فعل الوكيل ، ويؤيّده ان التجارة لا بدّ ان تكون عن تراض من الطرفين ، وكذا النكاح والطلاق لا يصحّ بدون اذنه ورضاه وقصده ، ولا خلاف فيه ، وهو معلوم بالعقل والنقل ، ومعلوم عدم بقاء الرضا بعد الفسخ والعزل ، وثبوت عصمة النكاح حتى يعلم المزيل.

ولزوم الحرج والضيق ، فإنه قد يحصل له المصلحة في العزل ولا يمكنه الاعلام ولا الاشهاد فيتضرر ، ولأنه يلزم قلب الجائز لازما ، وللرواية التي أشار إليها الشيخ في النهاية على ما في المختلف (٢).

__________________

(١) وهو الانعزال بمجرد العزل وبطلان ما فعله.

(٢) لم نعثر في المختلف على هذه النسبة نعم نقله في المختلف عن الخلاف حيث قال : وقال الشيخ في

٥٤٠