مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

«كتاب الصوم»

(والنظر في ماهيته ، وأقسامه ، ولواحقه)

(الأول) الصوم وهو الإمساك مع النيّة

______________________________________________________

«كتاب الصوم»

قوله : «الأوّل الصوم وهو الإمساك مع النيّة. إلخ» قيل : الصوم في اللغة هو الإمساك مطلقا (١)

وفي اصطلاح الفقهاء ، المنطبق على ما هو الصحيح ، المعتبر في الشرع والمأخوذ منه هو الإمساك كما قال المصنف هنا (٢)

فكأنّه تخصيص ببعض أفراده أو نقل للمعنى اللغوي ، سواء قلنا بالحقائق الشرعيّة أم لا ، لوجود النقل عند الفقهاء قطعا ، وهو ظاهر.

__________________

(١) يعنى سواء كان مع النيّة أو بدونها

(٢) يعني الإمساك مع النيّة

١

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا معنى لترجيحه على التعريف : بأنه توطين النفس (١) ، لكونه (٢) تخصيصا ، وكون الثاني نقلا والأوّل خير منه.

لما عرفت من تحقق النقل مطلقا ، وان الإطلاق على الفرد الخاص بخصوصه ، فيكون حقيقة في لسان أهل الشرع.

وان ارادة المعنى المذكور منه ، ليس من جهة كونه إمساكا (٣)

نعم يمكن ان يقال : انه أولى لكونه أقرب وأنسب إلى المعنى اللغوي من التوطين ، ولعله مراد المرجّح ، وكذا الكلام في الحج ونحوه.

ولعله لذا قال في البيان : والأوّل تخصيص والثاني نقل ، وفي الأول النيّة شرط ، وفي الثاني النيّة جزء ، والثاني هو تعريف المصنف رحمه الله في القواعد

والذي أظنّ انه لا معنى لجزئيّة نيّة الصوم له ، لأنّ المصنف أخذ النيّة في تعريف القواعد أيضا ، وقال : توطين النفس على الامتناع مع النيّة.

ولأنّ (٤) وقوعها في الليل مع جواز فعل المبطلات ، واشتراطهم الطهارة في الصوم قبل الفجر يدل على ذلك ، وهو ظاهر.

__________________

(١) قال في القواعد : الصوم لغة ، الإمساك وشرعا توطين النفس على الامتناع عن المفطرات مع النيّة (انتهى) إيضاح الفوائد ج ١ ص ٢١٩

(٢) تعليل لقوله قده : (لترجيحه) بان يقال : يرجّح التعريف بالتوطين على التعريف (بالإمساك مع النية) بلحاظ أن الإمساك المذكور بمنزلة تخصيص مطلق الإمساك بخلاف التوطين فإنه معنى آخر مباين للاول فيكون منقولا والنقل خير من التخصيص

(٣) يعنى ان ارادة الإمساك مع النيّة ، من الصوم ليس من باب إطلاق الكلّي الذي هو الإمساك وارادة بعض أفراده الذي هو الإمساك مع النيّة

(٤) يعنى ان وقوع نيّة الصوم في الليل مع جواز المفطرات بعد النيّة الى قبل طلوع الفجر ، ومع اشتراط الفقهاء ، الطهارة من الحدث الأكبر في الصوم قبيل الفجر ، يدل على عدم جزئيّة نيّة الصوم

٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأن الإمساك والتوطين متقاربان ، فان الإمساك متعدّ (١) فمعناه منع الإنسان نفسه عن المفطر ، ومعنى التوطين هو التقرير مع النفس أن لا يفعل كذا وكذا ، فهو مستلزم لمنعه وان لم يكن نفسه ، والمراد ذلك اللازم فيكون المقصود واحدا. وان المراد ليس معناهما الظاهر الذي هو متعد ومستلزم لصدور فعل في النهار حتى لا يقال : انه صائم الّا ان يمنع نفسه أو يوطّنها ، لعدم وجوب ذلك بالإجماع. ولهذا يصح الصوم مع الغفلة والنوم ، وكذا الكلام في الكف ونحوه.

بل المراد معناهما اللازم ، وهو عدم حصول المفطر على الوجه الشرعي ، فالتعريف بمثله أولى وأوضح.

وبالجملة التحقيق أن المراد بالنهي (٢) هو العدم والترك ، لا الكفّ كما قالوا وسموه تحقيقا (٣) ، لعدم إمكان التكليف بالعدم مع كون النهي تكليفا (٤).

إذ ليس في المنهيّات غير الترك مطلوبا ، لان مطلوب الشارع عدم وقوع هذا القبيح على اى وجه كان ، لا صدور فعل من النفس ، وهو الكف فيرجع النهي أيضا الى الأمر.

ولانه (٥) يلزم عدم امتثال نهى الشارع الّا لمن قصد كف نفسه عن المنهيّ عنه ويكون معاقبا بترك الكف مع تركه المنهي عنه دائما ، وهو باطل بالعقل والنقل ولهذا لم يعتبر في المنهيّات ، النيّة إجماعا.

__________________

(١) يعنى ان الإمساك ، من باب الافعال ، وهو متعدّ ، ولازمه وجود المفعول به ، وهو ليس الّا منع الصائم نفسه عن المفطرات ، وهو عبارة أخرى عن توطين النفس الذي هو أيضا متعدّ

(٢) يعني النهي عن الأكل وغيره من المفطرات

(٣) الظاهر انه تعليل لقوله قده : لما سموّه تحقيقا ، لا لقوله قده : ان المراد بالنهي هو العدم

(٤) تعليل لقوله قده : ان المراد هو العدم

(٥) وجه ثان لقوله : ان المراد هو العدم

٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واعتبارها (١) في الصوم ، لانه ليس نفيا ونهيا محضا.

وان (٢) التكليف بالترك والعدم ممكن باعتبار القدرة على زواله وترك الاستمرار بل يمكن التكليف بنفسه (٣) حين الاشتغال بالفعل ، ولا يمكن بالعدم مع عدمه ، وفي الفعل عكسه ، فإنه مع الوجود لا يمكن ، ويمكن مع العدم ، فلو استلزم عدم الإمكان في الجملة يلزم (كونه خ ل) في الفعل أيضا ، فتأمّل.

والحاصل ان المطلوب منه في قوله : (لا تزن) مثلا عدم صدوره منه باختياره وعدم اتصافه به ، وعدم كونه بحيث يتصف بفعله ، فينتزع منه (٤) ذلك

بل انتزاع العدم فقط ، لا فعل العدم ، ومعلوم مقدوريته بهذا المعنى وان كان الترك لا يمكن له الا بسبب فعل لانه (٥) موقوف عليه ، ويلزم طلبه أيضا بالعرض وضمنا.

فمعلوميّة كون الترك والعدم مقدورا في الجملة ظاهر كما قيل في جواب أدلة الحكماء على ابطال قدرة الواجب تعالى ، بأنها (٦) تستلزم مقدوريّة الطرفين ، والعدم ليس بمقدور.

__________________

(١) جواب عن سؤال مقدر ، تقديره ان لازم ما ذكرت من عدم احتياج الترك والعدم إلى النيّة منقوض بالصوم الذي يعتبر فيه النية إجماعا مع انه أمر عدميّ والجواب ان الصوم ليس نهيا محضا عن المفطرات ، بل هو مشوب بالوجودى وهو التوطين مثلا.

(٢) وجه ثالث لردّ قولهم : لعدم إمكان العدم الذي سموه تحقيقا

(٣) يعنى تكليفه بنفس العدم حين الاشتغال بالفعل ممكن مثل تكليف من كان مشغولا بضرب زيد ، بعدم ضربه.

(٤) يعنى من هذه الاعدام الثلاثة ينتزع قوله : لا تزن

(٥) يعني لأن الترك موقوف على فعل.

(٦) قوله : بأنها إلخ بيان استدلال الحكماء على ابطال قدرة الواجب تعالى.

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحوه قال في الجواب صدر المحققين (١) في التجريد (٢) : (والعدم مقدور) وبيّنه الشراح ويؤيّده اتفاقهم مع المتكلمين على ما نقله في الشرح الجديد (٣) في كون القادر قادرا ، فلزمهم القول بكون العدم مقدورا.

فصار كونه مقدورا في الجملة متفقا عليه بين العقلاء من المتكلمين والحكماء ، وان لزمهم نقض أدلتهم التي ذكروها في إيجاب الواجب (٤) (تعالى عن ذلك علوّا كبيرا) وذلك أمر مطلوب وقد أشرنا إليه في محلّه.

وهذا البحث وان كان خارجا عن دأب الفقيه ، ولكن صار ضروريا (٥)

__________________

(١) حجة الفرقة الناجية ، الفيلسوف ، المحقق ، أستاذ البشر ، وأعلم أهل البدو والحضر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي الجهرودى ، سلطان العلماء والمحققين ، وأفضل الحكماء والمتكلمين ، ممدوح أكابر الآفاق ومجمع مكارم الأخلاق الذي لا يحتاج الى التعريف لغاية شهرته ، مع ان كلّما يقال فهو دون رتبته ولد في ١١ جمادى الأولى سنة ٥٩٧ بطوس ونشأ بها ولذلك اشتهر بالطوسي وكان أصله من چه رود المعروف بجهرود من اعمال قم من موضع يقال له وشارة ـ الى ان قال ـ : وتوفي في يوم الغدير سنة ٦٧٢ ودفن في جوار الامام موسى بن جعفر والجواد عليهما السّلام ـ الكنى ج ٣ ص ٢٠٨

(٢) قال قده في التجريد : الثاني في صفاته (تعالى) وجود العالم بعد عدمه ينفى الإيجاب (الى ان قال) واجتماع القدرة على المستقبل مع العدم (انتهى) وقال العلامة قده في شرح قوله قده : واجتماع القدرة إلخ : أقول :هذا جواب عن سؤال آخر ، وتقريره ان نقول : الأثر أما حاصل في الحال فواجب فلا يكون مقدورا أو معدوما ممتنع فلا قدرة (وتقرير الجواب) ان الأثر معدوم حال حصول القدرة ولا نقول ان القدرة حال عدم الأثر تفعل الوجود في تلك الحال بل في المستقبل ، فيمكن اجتماع القدرة على الوجود في المستقبل مع العدم في الحال (لا يقال) : الوجود في الاستقبال غير ممكن في الحال لانه مشروط بالاستقبال الممتنع في الحال ، وإذا كان كذلك فلا قدرة عليه في الحال وعند حضور الاستقبال يعود الكلام (لأنا نقول) : القدرة لا تتعلّق بالوجود في الاستقبال ، في الحال ، بل في الاستقبال (انتهى)

(٣) الذريعة ج ٣ ص ٣٥٤ في مقام تعداد الشروح على التجريد : والموصوف بالشرح الجديد وهو تأليف الفاضل القوشجي (انتهى)

(٤) يعني في كونه تعالى فاعلا موجبا على ما ذهب اليه جمع من الحكماء

(٥) يعنى ان الضرورة في البحث اقتضت البحث المذكور لتوقف بعض المسائل الفقهيّة عليه

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لتوقف المسائل الفقهيّة عليه فتحقيقه ممّا لا بأس به ، وله زيادة تحقيق يطلب من الأصولين (١) ، ولنا أيضا هناك بعض الكلام.

ولعلّك فهمت منه كون الأمر مستلزما للنهى عن الضدّ الخاص ، وكون أفراد المنهيّ عنه المطلق منهيّا عنه في الجملة ، ودفع ما قالوه في ذلك ، فتأمّل. وكذا فيما ذكره الشيخ على (٢) في تعريف القواعد (٣) حيث قال : انما ساقه الى التوطين ، لان التروك إعدام ، وهي غير مقدورة ، فيمتنع التكليف بها ، ولك ان تقول : التوطين ان كان أمرا زائدا على النيّة وترك المفطرات ، فليس بواجب ، وان كان هو النيّة لم يكن التعريف صحيحا ، إذا الصوم غير النيّة (انتهى).

تأمّل من عدم صحّة وجه العدول (٤) ، وعدم اختصاص الشبهة بالتوطين ، ومقدورية العدم والترك ، ولهذا قال بوجوب ترك المفطرات في قوله (٥) : (ان كان إلخ).

ولأنه (٦) لا بد من وجوب الصوم ، وهو غير النيّة ، وليس غير الترك بواجب فالترك هو الواجب ، وهو واضح.

فليزم فساد جميع التعاريف وعدم التكليف بالصوم ، فالإشكال (٧) ليس على تعريف القواعد فقط.

__________________

(١) يعنى الحكمة ، والكلام

(٢) يعنى المحقق الكركيّ رحمه الله صاحب جامع المقاصد في شرح القواعد.

(٣) في تعريفه بقوله : وشرعا توطين النفس على الامتناع عن المفطرات مع النية كما تقدم

(٤) بقوله ره : ولك ان تقول : التوطين إلخ

(٥) في عبارته المنقولة آنفا

(٦) عطف على قوله ره : ولهذا قال

(٧) يعنى لو قبلنا الاشكال المذكور بقوله ره ولك ان تقول إلخ للزم تسليم الاشكال على جميع التعاريف لا خصوص تعريف القواعد والالتزام به مشكل جدا

٦

من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب الحمرة المشرقيّة

______________________________________________________

على ان دفعه عنه ممكن بأدنى عناية ، مثل أنّ المراد تعريف الصوم مع النيّة ، فيمكن إرادة النيّة منه وحينئذ لا معنى لقوله : (مع النيّة) وان المراد هو الإمساك

وانه لو كان الصوم هو التوطين يلزم عدم تحقّق الصوم بدونه ، مع ان الظاهر ان الصوم صحيح ولو كان نائما أو غافلا ، ولعله مراده لقوله : (فليس بواجب ، فتأمّل)

وأمّا الاعتراضات على التعريف بعدم الجامعيّة والمانعيّة ، فلا ينبغي البحث عنه والشروع فيه وقبح البحث ، لأنّ المقصود التمييز ، وانما يتحقق حقيقته (١) بعدم (٢) العلم بجميع واجباته وشرائطه على التفصيل والتحقيق ، ولهذا قال في المنتهى : (وهو إمساك مخصوص يأتي بيانه) انتهى. وأشار الى التفصيل المذكور في المتن وغيره.

والظاهر أنّ مقصود المصنّف من قوله : (مع النيّة) اشتراطها في الإمساك الذي هو الصوم شرعا ، وان الشرط هو إيقاعها في وقتها على الوجه المعتبر شرعا ، ولو كان نهارا قبل الزوال ناسيا في الفريضة الأداء مثلا كما سيجي‌ء التحقيق فيه ان شاء الله ، لا كونها مقارنة بالإمساك الا ان يريد الأعمّ من حكمها (٣) أيضا ، فتأمّل

وقوله : (من طلوع الفجر) يريد به زمان الإمساك المخصوص فهو (٤)

__________________

(١) يعنى يتحقق حقيقة التميز بعدم العلم بواجبات الصوم وشرائطه على التفصيل ولا حاجة الى العلم بها تفصيلا

(٢) في بعض النسخ المخطوطة هكذا : وإنّما يتحقق بعد العلم إلخ

(٣) يعني أراد المصنف من (النيّة) ما هو أعم منها وممّا هو في حكمها فتشمل نيّة الصوم في صورة نسيانها في صوم الفريضة التي يكتفى فيها حينئذ بإيقاعها قبل الزوال

(٤) يعنى «من طلوع الفجر» متعلق بالإمساك.

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

متعلّق به.

وكذا (عن الأكل) ، وان المراد نفى الأكل إلخ ، وكأنه لقوله : (وتعمّد البقاء) اشعار (١) به.

وبالجملة ، المراد ترك ما يجب تركه على الصائم كما تحقق.

وأيضا انه يبعد أخذ هذه الأشياء الكثيرة في التعريف.

ولعلّ المراد بالإمساك هو الإمساك المخصوص ويكون التعريف ، الى قوله : (الى ذهاب) الحمرة المشرقيّة (٢) ، وتقدير الباقي : (يجب على الصائم الإمساك عن الأكل إلخ) لبيان الإمساك المعّرف (المعروف خ ل) وشرط صحّة الصوم كتعريف المنتهى والبيان.

ويؤيده عدم دخول بعض ما ذكره في الصوم مثل تعمّد البقاء على الجنابة ، فإن الظاهر أنه ليس بداخل فيه لوجوب وقوعه في النهار بحيث لم يتحقّق جزء منه في الليل الّا من باب المقدّمة ، ولانه لا يعتبر سبق النيّة على مثله ، بل يجب ذلك قبل النيّة أيضا ، وهو ظاهر

وكذا جميع ما اعتبر اجتنابه في صحّة الصوم ليلا.

ولعلّ منه (٣) فهم الشيخ إبراهيم بن سليمان (٤) وجوب إدخال الإمساك

__________________

(١) لعل مراده قده من الإشعار هو ان المصنف ره عبّر عن الأكل ونحوه بالواقع فقال : (عن الأكل) ولم يقل : (عن تعمد الأكل) بخلاف البقاء على الجنابة حيث عبّر بقوله : (وعن تعمّد البقاء على الجنابة) فيستشعر منه أن الملاك في الأوّل نيّة نفيه ، وفي الثاني نيّة تعمده ، والله العالم.

(٢) يعنى يكون قوله : (الى ذهاب الحمرة المشرقيّة) آخر اجزاء المعرّف ، وما بعده خارجا عنه ومعرّفا للمعرف الأول.

(٣) يعنى من التعريف

(٤) الشيخ إبراهيم بن سليمان البحراني المجاور حيا وميّتا بالغري السرّي ، كان عالما فاضلا ورعا صالحا من كبار المجتهدين واعلام الفقهاء والمحدثين ، كان في غاية الفضل ، معاصرا للشيخ نور الدين المحقق الكركي (الى

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عن مثله (١) أيضا في النية مجملا أو مفصلا كما يشعر به كلامه في صوميته.

وهو بعيد جدا ، لما مرّ ـ بعد تسليم وجوب النيّة على هذا الوجه ـ من الاجمال والتفصيل ، وهو أعرف بما قال.

فعبارة المتن لا تخلو عن إجمال ومسامحة ، وذلك لازم الاقتصار (٢). والأمر في ذلك هيّن جدا خصوصا عن مثل المصنف ، كثير الاشتغال ، وكون مطلوبه إيراد المقصود في الجملة ، وتكثير كتب الفن حيث (٣) قلّ وكاد أن لا يوجد الا قليل.

فلو لا تصانيفه الكثيرة التي بقي منها شي‌ء قليل ، لما بقي في هذا الفن (٤) لأصحابنا إلّا أقل القليل في هذا الزمان ، وكان الأمر ، يصير مشكلا جدا لعدم الاطلاع على الأقوال والفروع.

فإنه الآن مثلا ما بقي ـ من قريب مأتي (٥) كتب للشيخ المفيد ، على ما ذكره الشيخ في الفهرست ـ الا المقنعة ـ المتن ـ التي شرحها في التهذيب ـ في بعض البلاد ـ ومن ثلاثمائة (٦) ـ تقريبا ـ من كتب الصدوق التي ذكرها أيضا فيه

__________________

ان قال في تعداد كتبه) : ورسالة في الصوم (الكنى ج ٣ ص ٦١)

(١) اى عن مثل تعمد البقاء

(٢) يعنى يلزم من اختصار الكلام في التعاريف أمثال هذه المسامحات

(٣) يعني لأجل أنه قل كتب فن الفقه

(٤) يعنى الفقه

(٥) في رجال الممقاني ج ٣ ص ١٨٠ : قال الشيخ في الفهرست : محمد بن محمد بن النعمان يكنى أبا عبد الله المعروف بابن المعلّم من أجلّة متكلّمى الإماميّة انتهت رئاسة الإماميّة في وقته إليه (الى ان قال) وله قريب من مأتي مصنف كبار وصغار انتهى موضع الحاجة

(٦) في الرجال المذكور ص ١٥٤ قال في الفهرست محمد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله (الى ان قال) : له نحو من ثلاثمائة مصنف وفهرست كتبه معروف (الى ان قال) : ثم عدّ نحوا من أربعين

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وسماها وقال في آخره (الآخر ـ خ ل) : (وغير ذلك من الكتب والرسائل لم يحضرني الآن أسمائها) الّا (١) من لا يحضره (الفقيه ـ خ ل) ، وثواب الأعمال في بعض البلاد (البلدان ـ خ ل) ، وما ذكر في كتابه الأمالي والمجالس وكتاب الاعتقادات وهي موجودة أيضا ، وما بقي من كتبه (٢) رحمه الله الستين (٣) التي صنفها الى حين تصنيف الخلاصة وذكرها فيه ، فضلا عن الإضافات بعدها ، مثل كتاب الألفين وغيره ، على ما ذكره الشهيد الثاني في بعض التعليقات على الخلاصة ، قدس الله سرّه ، ورضى الله عنه ، وعن سائر العلماء ، وعن سائر المؤمنين ، وجعلنا منهم بمنّه ولطفه.

وبالجملة ، المسامحة والمساهلة في كلام مثله لا يبعد ، ولا ينظر الى مثله خصوصا في كلامه كما في قوله : (الأول الصوم) اى النظر الأوّل في ماهيّة الصوم (وهو إلخ).

واما كونه من طلوع الفجر الثاني إلى الذهاب ، فدليله قوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (٤).

__________________

كتابا ثم قال : وغير ذلك من الكتب والرسائل الصغار ولم يحضرني أسمائها (انتهى)

(١) استثناء من قوله ره : ما بقي

(٢) يعني المصنف رحمه الله

(٣) الكتب التي سماها في الخلاصة حين تأليف الخلاصة الذي هو في سنة ٦٩٣ وعددنا تلك الكتب تبلغ سبعة وسبعين كتابا وعدّ منها كتاب الألفين ثم قال رحمه الله : وهذه الكتب فيها كثير لم يتم نرجو من الله تعالى إتمامه والمولد تاسع عشر شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وستمأة ونسأل الله تعالى خاتمة الخير بمنه وكرمه (انتهى) راجع الخلاصة القسم الأول ، الحسن بن يوسف بن على بن مطهر

(٤) البقرة ـ ١٨٧

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والاخبار (١) أيضا ، وقد مرّ البعض في أوقات الصلوات (٢).

وأوّله لا خلاف فيه ، والثاني يجي‌ء فيه الخلاف للشيخ في بعض كتبه بدخوله باستتار القرص ، ولا شك في كون الأوّل أحوط ، فوجوب الإمساك في هذا الوقت ظاهر.

واما وجوب النيّة فيه وشرطيّته ، فدليله في الجملة ما قد مرّ في مثله ـ قال المصنف في المنتهى : وهي شرط في صحّة الصوم ، واجبا كان أو ندبا ، رمضان كان أو غيره ، ذهب إليه علمائنا اجمع ، وبه قال أكثر الفقهاء (انتهى).

ويدل عليه قوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٣) فتأمّل وقال في التهذيب : روى عن النبي صلّى الله عليه وآله : انه قال : الأعمال بالنيّات ، وروى بلفظ آخر ، وهو أنه قال : إنما الأعمال بالنيّات ، ولكلّ امرئ ما نوى.

وروى عن الرضا عليه السّلام انه قال : لا قول الّا بعمل ، ولا عمل إلّا بنيّة ، ولا نيّة إلّا بإصابة السنة (٤) ، وذكر ما يشعر بالوجوب أيضا في الجملة ، ولا كلام في ذلك انّما الكلام في أجزائها وشرائطها ، وقد تقدّم البحث فيها مرارا قال في المنتهى : قال الشيخ رحمه الله : يكفي في شهر رمضان نيّة القربة ، وهي أن ينوي بالصوم متقربا الى الله تعالى لا غير ، ولا يفتقر إلى نيّة التعيين اعنى أن ينوي وجه ذلك الصوم كرمضان أو غيره ، وقال مالك : لا بد من نيّة التعيين

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤٢ و ٤٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم

(٢) راجع ص ٢٤ من ج ٢ من هذا الكتاب

(٣) البيّنة ـ ٧

(٤) أورد هذه الاخبار في الوسائل في آخر باب ٢ من أبواب وجوب الصوم

١١

.................................................................................................

______________________________________________________

انتهى).

ثم ذكر أدلة الطرفين والجواب عن دليل المخالف ، فالظاهر منه عدم الخلاف عندنا وهو (١) مؤيد قوي لعدم الاعتبار مطلقا.

والفرق بين رمضان وغيره بعدم وقوع غيره فيه كما ذكره المصنف وغيره ، لا ينفع لان عدم صحّة الغير لا يستلزم سقوط النيّة ، فإن غير الصوم لا يصحّ ، بل يحرم في شهر رمضان مع وجوب النيّة فيه إجماعا.

وان الصلاة إذا تضيّق وقتها كالظهر مثلا بحيث لا يصحّ فيه غيرها لم يقولوا بسقوطها (٢) على الظاهر ، لما يفهم من التعميم في ذلك والتخصيص في شهر رمضان.

ولانه يمكن ان يفعل صوما غير صحيح (أو) انه لا يعلم عدم صحّة الغير فيه ، ولا يجدى عدمه (٣) في نفس الأمر مع جهله بذلك وهو ظاهر.

ولو قيل بخروجه بالإجماع لقلنا علم (٤) عدم ثبوته بالدليل العقلي ـ الذي ذكروه من لزوم التعيين للتمييز عند الفاعل ـ بحيث لا يمكن مخالفته عقلا.

والنقل غير ثابت ، بل خلافه ثابت لما مرّ (٥) من عدم التعيين ، في

__________________

(١) يعني عدم الخلاف يؤيد عدم اعتبار التعيين

(٢) يعنى سقوط نيّة التعيين في الصلاة

(٣) يعني عدم صحّة الغير

(٤) يعنى لو قيل بوجوب نيّة التعيين بدليل الإجماع ، لقلنا ان الإجماع حجّة في المسائل النقليّة لا العقليّة والحال ان ما ذكروه دليلا على لزوم التمييز يستفاد منه كون المسألة عقلية فقول الشارح قدّس سره : (بحيث لا يمكن مخالفته عقلا) متعلق بقوله : بالدليل العقلي

(٥) راجع المجلد الأول ص ٩٨ من هذا السفر الثمين

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الآيات ، مثل (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) (١) فإنه جعل (٢) الواجب بعد القيام بلا فصل ، (وـ خ ل) هو غسل الوجه ، ولا شك في عدم شمول غسله النيّة ، لا عقلا ، ولا نقلا.

ودعوى الاشتراط يحتاج الى دليل ، وهو أوّل المسألة ، والاخبار الواقعة في التعليم ، مثل الوضوء البياني (٣) ، والصلاة البيانية كما علّمها عليه السّلام حمادا وغيره ، مع بيان المندوبات فيها فما كان ينبغي هذا الإهمال بالكلّية لأجل بعض المجملات المتقدمة (٤).

مع أنّى أظنّ أنّ المراد به فعلها على كون قصده العبادة في الجملة ، كما هو في لسان كلّ أحد من العوام ـ وقد مرّ بيانه (٥) في الجملة ـ لا على الوجه الذي ذكروه (٦) ، والله يعلم ، والاحتياط واضح.

ومن هذا يعلم عدم وجوب التعيين في النذر المعيّن ونحوه ، وهو مذهب السيد المرتضى ونقله عن أبي حنيفة أيضا ، وقوّاه في المنتهى ، ونقل عن الشيخ

__________________

(١) المائدة ـ ٥

(٢) يعنى انه تعالى أوجب غسل الوجه بقوله : ((فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)) عقيب قيام المكلف لإرادة الصلاة من دون إشارة فضلا عن الدّلالة ـ إلى وجوب النيّة ، ولا شك أنّ غسل الوجه المأمور غير مستلزم لوجوب النيّة ، لا عقلا ، ولا نقلا (يعنى شرعا)

(٣) راجع الوسائل باب ١٥ من أبواب الوضوء وباب ١ من أبواب أفعال الصلاة

(٤) من مثل إنما الأعمال بالنيّات ، وقوله (ع) لكل امرئ ما نوى ، وقوله (ع) : لا عمل إلا بنيّة

(٥) قال في المجلد الأول ص ٩٨ : ما وجدت في عبادة مّا ، بخصوصها نافلة وفريضة مثل الصلاة وما يتعلق بها ، والصوم ، والزكاة ، والخمس ، والحج ، والجهاد وما يتعلق بها ، وغيرها من الأدعية ، والتلاوة ، والزيارة ، والسلام ، والتحيّة ، وردّ التحيّة الواجبة وغيرها ـ إلا الأمر المجمل خاليا عن التفاصيل المذكورة (انتهى)

(٦) من اعتبار نية الوجوب أو الندب ، والأداء أو القضاء ، ووجه الوجوب أو الندب ، واستدامة حكمها أو عدمها ، وقصد استباحة الصلاة أو رفع الحدث

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وجوبه ، واحتجّ له بالقياس الى غير المعيّن ، وضعف الدليل واضح.

واما غير المعيّن (١) ، فقال في المنتهى : أمّا ما لا يتعيّن صومه كالنذر المطلق ، والكفارات ، والقضاء ، وصوم النفل ، فلا بد فيه من نيّة التعيين ، وهو قول علمائنا وكافة الجمهور ، إلّا النافلة ، لأنه زمان لا يتعيّن الصوم فيه ، ولا يتخصّص وجهه ، فاحتاج الى النيّة المفيدة للاختصاص ، وهو عامّ في الفرض والنفل (انتهى)

والدخل (٢) في قوله : (لانه) ظاهر ، ممّا مرّ ، والإجماع ان ثبت على الوجه الذي ادّعى فهو المتبع ، والّا فالأصل مع ما مرّ ، والاحتياط واضح.

وممّا يبطل دليل الامتياز ودفع الاشتراك ، وهو قوله : (لأنه إلخ) أنه على تقدير تعيين الوضوء الواجب على الشخص بالنذر أو دخول الوقت أو شغل الذمة بالمشروط به ، فإنه يتعيّن حينئذ الوجوب ، إذ لا اشتراك (٣).

وكذا في الصلاة قبل وقت الوجوب ، فان الندب متعيّن متميّز.

وكذا الواجب مع تضيّق الوقت أو ضمّ ما يميّزها مثل كونها أربعة وكذا في الزكاة ، والخمس ، والصوم ، وغيرها ، فإنه قد يتعيّن كونه ندبا كمن ليس عليه

__________________

(١) يعنى ان البحث كان في نيّة الصوم بالأصالة كرمضان أو بالعارض كالنذر وأخويه

(٢) يعنى الاعتراض على المنتهى : بقوله : (لانه زمان لا يتعيّن إلخ)

(٣) وحاصل اعتراض الشارح قده على المصنف في المنتهى ، أنّ قوله : (لانه زمان لا يتعيّن الصوم فيه ولا يتخصّص إلخ) يستفاد منه ضابطة كليّة ، وهي انه كل عمل عباديّ لا يتعيّن زمانه ولا يتخصّص وجهه ، فامتيازه وتخصّصه انما هو بالنيّة المخصّصة والمميّزة مع أنها منقوضة في مواضع (أحدها) الوضوء الواجب المعيّن بأحد الأسباب المعيّنة (ثانيها) الصلاة قبل وقت وجوبها لتعيّن الندب حينئذ (ثالثها) الواجب المضيّق وقته أو تعيّنها بنفسها (رابعها) الزكاة والخمس والصوم المعيّن ندبا (خامسها) الصوم المعيّن واقعا على نفسه مع كونه ناويا للغير (سادسها) القضاء أو الكفارة المضيّق وقتها فإنه يتعيّن في جميع هذه الموارد ـ بناء على ما ذكره في المنتهى ـ عدم وجوب التعيين ، مع انه يلزم في الواقع والظاهر

١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قضاء يصوم في غير وقت الأداء.

والصائم ناويا للقضاء مع شغل ذمته بقضائه واجبا والقضاء الواجب المضيّق وقته ، والكفارة كذلك ، فإنه لا يكون الا واجبا.

وانه (١) لا يتعيّن بمجرّد قصد الوجوب ، والظهر مثلا خصوصا فيما إذا احتمل أمورا كثيرة ، لاحتمال كونه واجبا بالاخبار أو بالآيات ، وكون الوجوب كفائيا وغير ذلك ، فتأمل ، وقد مرّ.

ثم إنّ الظاهر أنّ التعيين هنا في الندب يحصل بمجرد قصده ، ولا يحتاج الى تعيين كونه من أوّل خميس الشهر الفلاني ، وكونه من الغدير أو المباهلة ، وشهر رجب وغير ذلك.

وفي الواجب يكفى كونه واجبا بنذر مثلا أداء وقضاء رمضان والبحث في دليل وجوب الأداء والقضاء ، هو أنّ التميز المطلوب لا يحصل بدونه كما مرّ ويؤيده أنه لو نوى واجبا والفرض عدم ثبوت (وجوب ـ خ) صوم في ذمته الّا ذلك الواجب لكفى ، وكذا في القضاء في الندب ، فإنه قد لا يكون في ذمّته قضاء واجب ، فإذا نوى قضاء يكون كافيا ، لعدم الاشتراك.

ثمّ إنّ الظاهر إنّ نيّة قضاء النافلة في الصوم أولى لتحصيل ثواب الأداء والقضاء ، إذ المطلوب صوم ذلك اليوم ، ولهذا قيل : (٢) بقضاء ثلاثة أيام الشهر في مثله.

والأولى أن ينوي قضاء يوم كثير الثواب ، مثل الغدير الّا أن لا يكون في

__________________

(١) عطف على قوله : انه على تقدير تعيين الوضوء إلخ

(٢) قال الشهيد الثاني في الرّوضة : وتختص (أي الأيام الثلاثة في كل شهر) باستحباب قضائها لمن فاتته ، فان قضاها في مثلها أحرز فضيلتهما (انتهى)

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ذمّته قضاء أصلا وهو بعيد.

وكأنه لمثل ما مرّ صرّح القدماء بالنيّة كما نقل الشهيد الثاني في شرح الألفيّة الكبير ، لأنّ الذي لا بد منه فهو معلوم ، والباقي غير ثابت.

فما أحسن ما اوصى به المحقق خواجه نصير الملّة والدين الطوسي رحمه الله في الآدابيّة (١) بالرجوع الى العتيق ، وترك المستحدثات ومن ترك تصريح القدماء (علم ـ خ ل) عدم الإجماع ، فتأمّل.

واما وقت النيّة في المعيّن كصوم رمضان ، فالظاهر أنّه اللّيل مطلقا للعالم العامد ، وادعى في المنتهى الإجماع على جوازها ليلا مطلقا.

ويدل عليه (٢) وعلى انه يشترط وقوعها في اللّيل ، الخبر المشهور : لا صيام لمن لا يبيّت الصّيام من اللّيل (٣) ، ولكن السند غير واضح (٤).

والأصل الواضح (٥) ، وكفاية تحقّق كثير من الأحكام المتعلّقة بالنهار في أكثره (٦) يدل على الصحّة إذا نوى قبل الزوال.

ويؤيدها صحّة الصوم الواجب الغير المعيّن (٧) كما سيجي‌ء.

__________________

(١) يعنى آداب المتعلمين ، قال قدس سرّه : الفصل الثالث في اختيار العلم (الى ان قال) : ويختار العتيق دون المحدثات ، قالوا : عليكم بالعتيق دون المحدثات (انتهى موضع الحاجة)

(٢) يعني يدل الخبر المشهور على أمرين (أحدهما) كون وقت النيّة للعالم والعامد جميع الليل (ثانيهما) عدم صحّة الصوم إذا لم ينو بالليل

(٣) جامع احاديث الشيعة نقلا من المستدرك نقلا من عوالي اللآلي ـ باب ٣ حديث ٢ من أبواب نيّة الصوم.

(٤) لكن يؤيده ما رواه أبو داود في سننه ج ٢ ص ٣٢٩ مسندا عن حفصة زوج النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ان رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم قال : من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له

(٥) يعني أصالة عدم تعيّن كون النيّة في الليل أو أصالة الصحّة

(٦) يعني في أكثر النهار

(٧) يعني إذا نوى الصوم الغير المعيّن قبل الزوال

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بل ينبغي هنا بطريق أولى ، لأنه متعيّن ، ولا يقع فيه غيره ، فكونه صوما أقرب من الذي لا يتعيّن الّا بمحض النيّة ، فإذا لم تكن النيّة ليلا شرطا فيه ففي الأول بالطريق الأولى.

ويؤيد الأول (١) أنّ الصوم عبادة محتاجة إلى النيّة من غير خلاف.

ولأنه أمر عدمي ، والعدم واقع فلا يتشخص كونه عبادة الّا بالنيّة ، ولهذا ورد في نيّة الصوم بعض الآثار كما ستسمع ، وقال المسلمون كلّهم بوجوبها فيه مع عدمه في غيره ، فلو لم يقع في جزء منه لم يكن ذلك الجزء صوما وعبادة وجزءا للعبادة ، وبانعدام الجزء ينعدم الكلّ ، وخرج النسيان والعذر بجهل الشهر ، والمسألة ونحوه ، (لدليله) وبقي العمد على حاله.

والخبر المشهور مؤيّد (٢) فلا يضر عدم العلم بالسند ، وكذا عدم ظهور الخلاف عندنا.

ومؤاخذ العامد العالم بترك الواجبات حسن ، وهو الفرق بين المعيّن وغيره بوجوب الصيام يقينا في الأول بخلاف الثاني ، إذ له ان لا يصوم ، ويصوم يوما آخر ، وهو ظاهر ، فالقضاء عليه غير بعيد ، واما الكفارة فلا ، لعدم الدليل ، والأصل. واما دليل صحّة نيّة الصوم المعيّن مع العذر في أثناء النهار ، مثل كونه مسافرا وحضر قبل الزوال ولم يفطر ، فهو ممّا يدلّ على صحّة صومه ، فإنه لا شك في صحّة صومه وعدم النيّة إلى (الآن ـ خ ل) كما سيجي‌ء فيصحّ نيته حينئذ.

وكذا مع ثبوت الهلال في النهار.

وكذا الناسي ، لأنّ النسيان عذر على الغالب لدليل (رفع) (٣).

__________________

(١) يعنى الاحتياج إلى النيّة في الليل

(٢) وهو قوله (ع) : لا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل وتقدم محلّه

(٣) الوسائل باب ٣٠ حديث ٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا الجاهل ، لأنه معذور ما لم يعلم ، والظاهر عدم الخلاف أيضا فيخصّص الخبر المشهور المتقدم لو صح.

«فرعان»

(الأول) الظاهر أنه لا خلاف عندنا في جواز النيّة في أيّ جزء كان من الليل ، وأنّه يجوز المقارنة لطلوع الفجر ـ وان منعه البعض ـ وان وجب إمساك جزء من اللّيل من باب المقدمة ولكن وجوب النيّة معه غير ظاهر فإن الإمساك يجب من باب المقدّمة ، لا لأنّه صوم أو جزء كما في غسل الوجه ، ـ فإنه لا يشترط المقارنة بجزء من الرأس ـ بل يمكن عدم الإجزاء فتأمّل ، مع ان وقوع هذا بعيد جدا ، بل يجزم العقل بعدم العلم به ، نعم يمكن اتفاقه في نفس الأمر.

(الثاني) الظاهر أنّه لا يحرم فعل المفطر بعد النيّة ، ولا يجب تجديدها حينئذ لوجود النيّة التي هي الشرط مع عدم حصول المنافي ، إذ الإفطار في الليل لا ينافي الجزم بعدمه نهارا الذي هو الصوم ، وهو ظاهر ومصرّح به ، ولا يعلم الخلاف فيه عندنا إلّا في التجديد بعد الجنابة على ما يظهر من الدروس (١).

واما في غير المعيّن كقضاء رمضان ، والنذر المطلق ، فالظاهر جواز نيّتهما من أول الليل الى الزوال ، ولعلّه لا خلاف فيه على الظاهر.

يدلّ عليه بعض ما مرّ ، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال سألته عن الرجل يقضى رمضان أله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال إذا كان نوى ذلك من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ، ويتم صومه ، قال :

__________________

(١) يعنى يظهر من الدروس كون المسألة بالنسبة إلى تجديد النية بعد الجنابة ليلا خلافيّة قال فيه : ولا يجب تجديدها بعد الأكل أو النوم أو الجنابة على الأقوى ، سواء عرضت ليلا أو نهارا بالاحتلام (انتهى) والظاهر ان قوله ره : على الأقوى قيد للأخير وهو يدل على وجود القول الآخر.

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وسألته عن الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار (١) أن يصوم ذلك اليوم ويقضيه من رمضان) وان لم يكن نوى ذلك من الليل؟ قال : نعم ويصومه ويعتد به إذا لم يحدث شيئا (٢).

وهذه وان كانت مضمرة الّا أنّ الظاهر انه عن الامام عليه السّلام ، لما مرّ ، ولقرينة التصريح في غيرها.

مثل ما رواه ابن الحجاج ـ المذكور ـ قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام ، عن الرجل يصبح ، ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوما وكان عليه يوم من شهر رمضان ، أله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامّة النهار؟ فقال : نعم له ان يصوم ويعتدّ به من شهر رمضان (٣).

ولعل مجهوليّة على بن السندي (٤) لا تصرّ ، ويريد بعامّة النهار البعض المعتدّ به الى قبل الزوال ، لما مرّ ، وهذه بعينها رواها ابن الحجّاج في الصحيح ، عن ابى الحسن موسى عليه السّلام.

وما رواه صالح بن عبد الله ، عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال : قلت له : رجل جعل لله عليه الصيام شهرا فيصبح وهو ينوى الصوم ، ثم يبدو له فيفطر ويصبح وهو لا ينوى الصوم فيبدو له فيصوم؟ فقال : هذا كلّه جائز (٥).

وصحيحة ابن سان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : من أصبح وهو

__________________

(١) في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان ـ الكافي

(٢) أورد صدره في الوسائل في باب ٤ حديث ٦ وذيله في باب ٢ حديث ٢ من أبواب وجوب الصوم

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٦ من أبواب وجوب الصوم

(٤) وسنده كما في التهذيب هكذا : محمد بن على بن محبوب ، عن على بن السندي ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج

(٥) الوسائل باب ٢ حديث ٤ من أبواب وجوب الصوم

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يريد الصيام ، ثم بدا له أن يفطر ، فله أن يفطر ما بينه وبين نصف النهار ، ثم يقضى ذلك اليوم ، فان بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم ، فإنه يحسب له من الساعة التي نوى فيها (١).

الظاهر انه (عبد الله) لنقله عن الامام عليه السّلام (٢) ، ونقل نضر عنه (٣) ، ووقوعه في مثل هذا السند.

ولعل الاحتساب من ذلك الوقت موجب لاحتساب الصوم تامّا.

ويمكن أن يحمل الارتفاع على قبل الزوال ، ويدل عليه ما بعده.

وصحيحة هشام بن سالم ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : الرجل يصبح ولا ينوى الصوم ، فإذا تعالى النهار حدث له رأى في الصوم ، فقال : ان هو نوى الصوم قبل ان تزول الشمس حسب له يومه ، وان نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى (٤).

وهذه تدلّ على عدم الاجزاء بعد الزوال من حيث أنّ القضاء لا بدّ من احتسابه صوما تامّا ، وذلك انما يحصل بالنيّة قبل الزوال ، فيجوز نيّته الى ذلك لا بعده.

واما الذي يدل على الجواز في القضاء إذا نوى بعد الزوال أيضا ، مثل مرسلة البزنطي عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : الرجل

__________________

(١) أورد صدره في باب ٤ ـ ح ٧ وذيله في باب ٢ ح ٣ من أبواب وجوب الصوم في الوسائل

(٢) يعني عن خصوص الامام الصادق عليه السّلام والا فمحمد بن سنان أيضا يروى عن الامام عليه السّلام

(٣) وسند الحديث كما في التهذيب هكذا : محمد بن على بن محبوب عن الحسين (يعنى ابن سعيد) عن النضر عن ابن سنان

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ٨ من أبواب وجوب الصوم

٢٠