مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

حياته؟ فقال : إذا مات فقد حلّ مال القارض (١).

ولا يضرّ الإضمار ، لما مرّ غير مرّة.

ورواية أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا مات الميّت (الرجل ح ل) حلّ ماله ، وما عليه من الدين.

ورواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام انه قال : إذا كان على الرجل دين إلى أجل ومات الرجل حلّ الدين.

ويدلّ عليه أيضا الأخبار الدالة على عدم الصلاة على الميّت حتى ضمن عنه (٢) ، وبالجملة الأوّل ظاهر.

وأما عدم حلّه بموت المالك فهو ظاهر النظر (٣) ، لان المال كان مؤجّلا وانتقل الى الوارث ينبغي ان يكون كما كان ، ولعدم لزوم شي‌ء على احد بموت غيره ، وللاستصحاب.

ولكن في بعض العبارات والروايات مثل رواية أبي بصير المتقدّمة ما يدلّ على حلّ ماله على الناس أيضا ، فحينئذ يلزم ان يحلّ بموت المالك أيضا.

وكلام البعض ليس بحجّة ، والرواية التي مستنده ، ضعيفة السند بالإرسال ، فإنه رواها محمد بن عبد الجبار ، عن بعض أصحابه ، عن خلف بن حماد ، عن إسماعيل بن أبي قرّة (٤) ، وهو أيضا مجهول وأبي بصير (٥) مشترك ، وفي خلف (٦)

__________________

(١) أورده واللذين بعده في الوسائل باب ١٢ حديث ١ ـ ١ ـ ٣ ـ من أبواب الدين والقرض.

(٢) راجع الوسائل باب ٢ و ٣ من كتاب الضمان.

(٣) الظاهر أنّ المراد ان عدم حلول الدين بموت المالك ظاهر من حيث النظر والاستدلال ولكن ظاهر بعض الاخبار وبعض الكلمات حلّه.

(٤) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب الدين والقرض.

(٥) هكذا في النسخ والصواب (وأبو بصير).

(٦) لكن عدّه في تنقيح المقال ج ١ ص ٤٠١ من الحسان بعنوان خلف بن حماد الكوفي وفي معجم

١٠١

والدية في حكم مال المقتول تقضى منها ديونه ووصاياه ، عمدا (كان خ) أو خطأ.

______________________________________________________

أيضا قول وان كان ضعيفا فلا يمكن الخروج عمّا ذكرناه بمثلها ، ولا بما قال في الفقيه : وقال الصادق عليه السلام : إذا مات الميّت حلّ ماله وما عليه (١).

قوله : «والدية في حكم مال المقتول إلخ» الحكم لا يخلو عن إشكال بحسب النظر وبعض القواعد الّا أنّ الظاهر أنه لا خلاف فيه ، ومستندهم الروايات.

مثل رواية عبد الحميد بن سعيد ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا فأخذ أهله الدية من قاتله أعليهم ان يقضوا الدين (دينه ئل)؟ قال : نعم ، قال : قلت : وهو لم يترك شيئا؟ قال : قال : إنما يأخذون (أخذوا ئل) الدية فعليهم ان يقضوا عنه الدين (دينه ئل) (٢).

السند لا بأس به الا ان الظاهر انه ابن سعيد (٣) ، لانه المذكور في رجال ابن داود والنجاشي والكشي وان لم يوثّق الا انه قيل : له كتاب فتأمّل.

ولا يحتاج الى القول بأنّ الدية انتقلت الى الميّت فيجب قضاء ديونه ووصاياه منها متقدّمة على الإرث حتى يشكل محلّ الانتقال وتملك الميّت ، ثم يتكلّف بأنه انتقلت اليه قبل الموت مع ما فيه.

إذ يمكن ان يقال : انه يجب صرفها في وصاياه وديونه لأمر الشارع وان لم تصر ملكا له ، لأنها عوض عن نفسه ، فصرفها فيما يخلّص نفسه من العقاب ويثيبه

__________________

الرجال ج ٣ للآية الخويي مدّ ظلّه في ترجمة إسماعيل أبي قرة : روى عن أبي بصير ، وروى عنه خلف بن حماد الكوفي.

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ٤ من أبواب الدين والقرض.

(٢) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من أبواب الدين والقرض ـ قد رواه المشايخ الثلاثة بأسانيد متعددة.

(٣) بل قد صرح به في بعض أسانيد الشيخ ره في التهذيب فلاحظ الوسائل.

١٠٢

وإذ أذن لعبده في الاستدانة لزم المولى اداؤه وان أعتقه على رأي.

______________________________________________________

أولى من صرفه إلى الورثة ، فصرفها فيهما أولى من صرف ماله فيهما ، فدينه ووصيته مقدم على الإرث وهما بمنزلة نفسه ، فما دام هو محتاج لا يجوز صرف ماله وعوضه في غيرها ، وما بقي بعد ذلك يصير إرثا للورثة.

ولا فرق في ذلك بين كون القتل عمدا وأخذت الدية أو خطأ موجبا لها.

والظاهر عدم جواز العفو عنها في الخطأ ، وفي جوازه عن القتل أو القصاص في العمد قبل أداء الدية تأمّل ، وسيجي‌ء لهذا زيادة تحقيق ان شاء الله تعالى.

قوله : «وإذا أذن لعبده إلخ» الذي يقتضيه النظر ، أن العبد يملك قال في الدروس وغيره أنه المشهور (١) وان قال في التذكرة ان المشهور أنه لا يملك (٢) وقد سبقت هذه المسألة ، ويمكن كونه محجورا عليه ولا شك في ذلك فيما إذا كان مستلزما للتصرف في نفسه بحيث يتصوّر ضرر على المولى فلا يجوز بدون اذنه.

وأمّا مطلقا حتى قول اشتريت أو بعت من غير لزوم محذور ، فيمكن عدم الحجر عليه كما نقله عن بعض العامّة في التذكرة ، ولكن (يمكن خ) ان يؤول إلى المنازعة ، والخصومة فيؤثر ضررا ، ويمكن كونه مجمعا عليه عند الأصحاب وسيجي‌ء.

فكل ما لزمه من غير اذن المولى من القرض وثمن المبيع وغيره لا يضمنه المولى ، ولا يكون في كسبه أيضا ، بل يكون في رقبته الى ان ينعتق.

ولا فرق في ذلك بين كون صاحب المال عالما بذلك وعدمه ، ووجهه ظاهر.

واما إذا اذن له ان يفعل ذلك لنفسه ، فعلى القول بالملك يصحّ قرضه ،

__________________

(١) قال في الدروس في كتاب البيع : واختلف في كون العبد يملك؟ فظاهر الأكثر ذلك (انتهى موضع الحاجة).

(٢) قال العلامة في التذكرة في كتاب الديون : المشهور بين علمائنا أن العبد لا يملك شيئا ، سواء ملّكه مولاه شيئا أو لا (انتهى موضع الحاجة).

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وبيعه ، وشرائه ، وغير ذلك ، وعلى القول بعدمه لا يصحّ شي‌ء من ذلك ، وهو ظاهر ، لا لنفسه ، ولا لمولاه لعدم تملكه ، ولعدم الاذن للمولى وتوهم الصحّة للمولى ـ بأنه أذن إذنا خاصا ، فإذا بطل العقد والخصوصيّة يبقى المطلق ـ فاسد ، وهو ظاهر ومذكور في محلّه أيضا.

وحينئذ يمكن الضمان على المولى ـ مع جهل المالك بالمسألة واعتقاده انه عبد مأذون من المولى ، فما يتصرف فهو للمولى وان كان لنفسه ـ خصوصا مع علم المولى بأنه لا يملك ، لانه غارّ للمسلمين بصرف المال الى عبده ، ولكن الظاهر العدم.

وأمّا على القول بالملك ، فان كان المالك عالما بالمسألة فلا ضمان على المولى ، بل هو في ذمّة العبد الى ان ينعتق وهو ظاهر ، لأن المالك عالم وإذن المولى بالتصرف لشخص مالك ، لا يوجب ضمانا.

والظاهر انه كذلك مع جهله أيضا ، لأن التقصير منه لا من المولى وقد سلّط المالك شخصا مالكا في نفس الأمر شرعا على ماله فيكون الضمان عليه ، وتوقّف جواز تصرفه على اذن المولى ـ وقد اذن ـ لا يوجب ضمانا عليه وهو أيضا ظاهر.

وأما إذا استدان للمولى باذنه فالظاهر انه لا كلام ولا نزاع لأحد في لزومه على المولى كما نقل عن المختلف ووجهه واضح لانه كالوكيل فلا شي‌ء عليه الا مع الخروج عن الوكالة والفرض عدمه.

وأما الروايات فلا تخلو عن اضطراب ، أصحّها سندا صحيحة أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : الرجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين قال : ان كان اذن له أن يستدين فالدين على مولاه ، وان لم يكن أذن له ان يستدين فلا شي‌ء على المولى ويستسعى العبد في الدين (١).

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ١ من أبواب الدين والقرض.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

هذه ظاهرة أنّ الاذن للاستدانة للمولى وهو ظاهر ، وعليه حملت ، ولكن قوله عليه السلام (ويستسعى العبد) غير ظاهر ، لأنه غير مأذون من المولى ، فلا ينبغي الضمان عليه بوجه ، والسعي حال كونه عبدا ضمان عليه لان كسبه له.

ويمكن حمل الاستسعاء ، على بعد العتق ، وهو بعيد ، مع ان الحرّ لا يستسعى في تحصيل الدين الا ان يقال : ذلك إذا كان الدين حال الحرية ، أو يحمل الاستسعاء على الجواز (١) ، أو يقال : ان المولى لما اذن له في التجارة وهي مظنّة الاذن في الاستدانة له ، فيكون الدين ـ خصوصا إذا كان للتجارة ـ على المولى ، ولمّا لم يأذن يكون في كسبه :

وفيه تأمل لأنه ان كان من ضروريات التجارة بحيث يفهم الاذن فيه من الأذن في التجارة ينبغي ان يكون في مال المولى مطلقا ، والا لم يكن الاستسعاء أيضا.

(وأمّا) رواية ظريف الأكفانيّ (٢) ، قال : كان اذن لغلام له في الشراء والبيع فأفلس ولزمه دين فأخذ بذلك الدين الذي عليه وليس يساوي ثمنه ، ما عليه من الدين فسأل أبا عبد الله عليه السلام فقال : ان بعته لزمك ، وان أعتقته لم يلزمك الدين فعتقه ولم يلزمه شي‌ء (٣).

وما في رواية زرارة ، من صرف ما في يد العبد التاجر ورقبته أيضا في الدين ، ومع عدم الوفاء يرجع المالك الى الورثة ان كان للمولى مال آخر الّا ان يضمن الورثة الدين فيكون المال والعبد لهم (٤).

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها مخطوطة ومطبوعة ولعل الأصوب (المجاز) بدل الجواز.

(٢) يعني ظريف بياع الأكفان ، الملقب بالاكفاني.

(٣) الوسائل باب ٣١ حديث ٣ من أبواب الدين والقرض.

(٤) وحيث ان الرواية مشتملة على مزايا أخر فالمناسب نقلها بعينها روى في الوسائل بإسناده عن الشيخ

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فحملهما) الشيخ على الاذن في الاستدانة أيضا لا في البيع والشراء فقط لرواية أبي بصير المتقدمة (١).

وكذا رواية وهب بن حفص ـ الواقفي الثقة ـ عن أبي عبد الله عليه السلام (الى قوله) : وسألته عن مملوك يشتري ويبيع قد علم بذلك (ذلك خ ئل) مولاه حتى صار عليه مثل ثمنه؟ قال : يستسعى فيما عليه (٢).

ولكن في الأولى إشكال من جهة الفرق بين العتق والبيع ، ولهذا قال في التذكرة : فإن استبقاه أو باعه يلزمه دينه وان عتقه يلزم العبد. ثم احتمل إلزام المولى مطلقا مع الاذن في الاستدانة كالشيخ ، وقال : هذا هو المشهور.

والاستسعاء في رواية ابن حفص أيضا مشكل لما مرّ وما يوجبه (٣) الأصحاب المتقدمين (٤) للروايات مثل الشيخ وغيره.

__________________

أبي جعفر الطوسي في التهذيب بإسناده ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله (أبا جعفر خ ل) عليه السلام عن رجل مات وترك عليه دينا وترك عبدا له مال في التجارة وولدا وفي يد العبد مال ومتاع وعليه دين استدانة العبد في حياة سيده في تجارة (ته خ ل) وان الورثة وغرماء الميّت اختصموا فيما في يد العبد من المال والمتاع وفي رقبة العبد ، فقال : أرى ان ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ، ولا على ما في يده من المتاع والمال الا ان يضمنوا دين الغرماء جميعا فيكون العبد وما في يده من المال للورثة ، فإن أبوا كان العبد وما في يده للغرماء يتقوّم العبد وما في يديه من المال ، ثم يقسم ذلك بينهم بالحصص ، فان عجز قيمة العبد وما في يديه عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم ان كان الميّت ترك شيئا ، قال : وان فضل من قيمة العبد وما كان في يديه عن دين الغرماء ردّه على الورثة ـ الوسائل باب ٣١ حديث ٥ من أبواب الدين والقرض.

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ١ من أبواب الدين والقرض.

(٢) الوسائل باب ٣١ حديث ٦ من أبواب الدين والقرض وفيه وفي التهذيب والاستبصار عن أبي جعفر عليه السلام.

(٣) يعني لا يوجب الاستسعاء أصحاب الروايات الناقلون لها كالشيخ وأمثاله.

(٤) هكذا في النسخ والصواب المتقدمون بالرفع.

١٠٦

ويستوي غرماؤه وغرماء المولى في تقسيط التركة.

ولو أذن له في التجارة دون الاستدانة فاستدان وتلف المال لزم ذمة العبد.

ولو لم يأذن فيهما فكذلك.

ولا يتعدى العبد ، المأذون.

______________________________________________________

مع انه ليس سند شي‌ء منها بصحيح إلّا رواية أبي بصير وفيها أيضا تأمّل من جهة اشتراكه وان كان الظاهر انه الثقة.

والرأي (١) إشارة إلى رأي آخر لبعض الأصحاب في أنه ان أعتقه فدينه على العبد كما نقله في التذكرة ، ونقل عن الشيخ ره في النهاية ، وابن البرّاج لرواية ظريف المتقدمة ويمكن الى قول آخر انه مطلقا على العبد ، وكلاهما غير واضح ، لما مرّ.

قوله : «ويستوي غرمائه إلخ» هذا ظاهر بعد كون الدين على المولى ، فان دينه صار دين المولى ويستوي الغرماء في ذلك يقسمونه بالنسبة.

قوله : «ولو اذن له في التجارة إلخ» الظاهر انه أعم من ان منع الاستدانة أو سكت عنها.

ووجه لزوم الدين على العبد دون المولى ظاهر ، ويفهم ممّا تقدم أيضا ، نعم يمكن ان يلزم المولى في صورة السكوت إذا كان الإذن في التجارة مستلزما للإذن في تلك الاستدانة ، مثل ضروريات التجارة مع عدم مال المولى عنده ، فيكون مثل الاذن الصريح في الاستدانة فتأمّل.

ومعلوم انه لو لم يأذن في التجارة ، ولا في الاستدانة أن حكمه حكم عدم الاذن في الاستدانة مع الاذن فيها في انه يلزم العبد ، بل بالطريق الاولى.

وأيضا معلوم عدم جواز تعدي العبد ، بل غيره من المأذونين والوكلاء عمّا

__________________

(١) يعني في قول المصنف : (على رأي).

١٠٧

والإطلاق ينصرف الى الابتياع بالنقد.

ولو اذن في النسيئة فالثمن على المولى.

ولو أخذ ما اقترضه مملوكه تخيّر المالك في الرجوع على المولى والاتباع.

______________________________________________________

اذن فيه ، وهو ظاهر.

قوله : «والإطلاق ينصرف إلخ» إطلاق الاذن في البيع ينصرف الى البيع نقدا ، سواء كان الاذن لعبده أو لغيره ، لانه المتعارف الشائع ، والمتبادر من قوله : (بع) مثلا ، ولأن المصلحة فيه ، فلا يتجاوز الى ما لا مصلحة فيه ظاهرا إلّا بالاذن ، ولانه معلوم فيه الاذن دون الغير فيقف عنده ، لعدم جواز التصرف في مال الغير عقلا ونقلا إلّا باذنه ، والشمول للنسيئة غير معلوم فيقف عنده لئلا يكون أكل مال بالباطل ، وشمول التجارة عن تراض غير ظاهر ، ويمكن كونه مجمعا عليه ومنصوصا أيضا.

قوله : «ولو اذن في النسيئة فالثمن على المولى» معلوم كون الثمن على المولى لو اذن له في الشراء للمولى النسيئة كما ان في النقد عليه ، ويمكن مع الإطلاق ينصرف الى المولى أيضا ، واما إذا صرّح بأنه له فقد مرّ البحث فيه.

قوله : «ولو أخذ ما اقترضه إلخ» يعني لو اقترض مملوك شخص ، من شخص وأخذه منه مولاه تخيّر المقرض بين الرجوع الى المولى ـ فان المال صار عنده فيأخذ عينه أو مثله أو قيمته ـ وبين الرجوع الى العبد ، لانه المقترض ، فلو لو يتمكن يصبر الى ان ينعتق ويملك مقداره فاضلا عن مستثنيات الدين هذا ظاهر المتن.

وفيه تأمّل ، لأنه إن كان اقتراض العبد لنفسه باذن المولى والعبد يملك ـ مع ان المصنّف لا يقول به ـ صحّ الاقتراض ، ويشكل جواز أخذ المولى منه ، وعلى تقديره فرجوع المالك اليه مشكل ، لانه صار ملكا للعبد ، وان أخذ عنه المولى فليس له

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الأخذ إلّا عن العبد ، مثل ان دان شخص غير العبد فأخذه عنه شخص آخر.

الّا ان يقال : بجواز أخذ عين مال القرض فيأخذه أينما كان ، سواء كان المقترض عبدا أم لا ، والآخذ مولاه أم لا.

وان كان للمولى باذنه ، فالرجوع الى العبد لا وجه له وهو ظاهر.

وان كان بغير اذنه سواء كان لنفسه أو للمولى أو لنفسه بالاذن ـ مع القول بعدم الملك ـ كما هو مذهب المصنف.

فإنه حينئذ ينبغي بطلان القرض فيلزم لوازم القبض بالعقد الفاسد ، ويمكن تنزيل المتن على ذلك ، وهو بعيد.

«فروع»

(الأوّل) يكره النزول على الغريم وأكل طعامه خصوصا فوق الثلاثة وينبغي احتساب هديته من دينه.

لرواية سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل ينزل على الرجل وله عليه دين أيأكل من طعامه؟ فقال : نعم يأكل من طعامه ثلاثة أيام ، ثم لا يأكل بعد ذلك شيئا (١).

ورواية جرّاح المدائني ، عن أبي عبد الله عليه السلام انه كره أن ينزل الرجل على الرجل وله عليه دين وان كان (وزنها) (٢) له الّا ثلاثة أيّام.

حمل الأولى ـ مع عدم الصحّة على الكراهة للجمع ، والأصل ، وسائر ما يدلّ على الجواز لصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كره للرجل ان ينزل

__________________

(١) أورده والثلاثة التي بعده في الوسائل باب ١٨ حديث ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ من أبواب الدين والقرض.

(٢) قد صرّها ـ ئل.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

على غريمه ، قال : لا يأكل من طعامه ، ولا يشرب من شرابه ، ولا يعلف (يعتلف خ) من علفه.

لما مرّ ، ولصحيحة جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يأكل عند غريمه أو يشرب من شرابه أو تهدى له الهديّة؟ قال : لا بأس به.

ورواية غياث بن إبراهيم (البتري) ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام : ان رجلا أتى عليّا عليه السلام ، قال : ان لي على رجل دينا فاهدى الى هديّة؟ قال : احسبه من دينك عليه (١).

وينبغي في ذلك ملاحظة ان لا يحصل للغريم أذى وكراهة وغيظ ، فان أذى المؤمن وغيظه ـ نعوذ بالله منه ـ حرام فإذا أمكنه بحيث لا يشعر به أو كان يحبّ له أمثال ذلك فلا بأس ، والّا لا ينبغي فعله ، بل يبرء ذمته بمقدار ما حصل له منه النفع ، بل الزيادة أولى.

(الثاني) قد مرّ أنّ القرض الذي يجرّ النفع حرام وقد نقل عليه الإجماع في شرح الشرائع وان مستنده خبر عن العامّة ، وقد مرّ (٢) ومؤيّد بتحريم الربا في الجملة وان كان النفع المحرّم في القرض غير مشترط بحصول الربا لحصوله في غير الربويّ وليس سببه الربا ، ولهذا يجوز القرض المؤجّل في الربوي أيضا مع عدم جوازه في البيع وقد مرّ ان المراد مع الاشتراط.

وعليه يحمل الأخبار المطلقة للجمع ، مثل ما في صحيحة يعقوب بن شعيب الثقة ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يصلح إذا كان قرضا يجرّ نفعا فلا يصلح (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ١ من أبواب الدين والقرض.

(٢) وقد مرّ موضع الحديث ص ٥٩ هنا.

(٣) الوسائل باب ١٩ قطعة من حديث ٩ من أبواب الدين والقرض.

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد دلّت عليه أخبار كثيرة على جواز النفع بالقرض ، وانه نفى البأس عن الإحسان إلى شخص بسبب قرضه إيّاه ، وبالعكس.

ومع ذلك لا يبعد كراهة الانتفاع بأموال المقترض مطلقا ، أو كانت موهونة ، خصوصا إذا كان ذلك القرض منظورا والانتفاع غير متعارف بينهما ، ولهذا قال في صحيحة يعقوب بن شعيب : ان كان معروفا بينهما فلا بأس ، وان كان انما يقرضه من أجل أنه يصيب عليه فلا يصلح (١).

ويمكن حملها على الشرط أيضا كما مرّ ، ويمكن حمل بعض المطلقات عليها.

ويدلّ عليهما أيضا رواية إسحاق بن عمار ، عن العبد الصالح عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يرهن العبد أو الثوب أو الحلي أو المتاع من متاع البيت ، فيقول صاحب الرهن للمرتهن : أنت في حلّ من لبس هذا الثوب فالبس الثوب وانتفع بالمتاع واستخدم الخادم؟ قال : هو له حلال إذا أحلّه ، وما أحبّ له ان يفعل (٢).

ولا يخفى ما فيه من المبالغة فافهم أيضا.

وقد ورد في اخبار ، بعضها صحيح في انه يجوز القرض وأخذ الأجرة من بيع مال أهل السواد والنبط ، مع انهم لو لم يقرضوا لم يعطوا للبيّاع ، بل يقولون : إنما جئنا متاعنا واحمالنا عندك لتقرضنا والا لنعطى غيرك.

مثل رواية أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ ذيل حديث ٩ من أبواب الدين والقرض.

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ١٥ من أبواب الدين والقرض.

(٣) متن الرواية هكذا : عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم بالأجر ، فيقولون له : أقرضنا دنانير ، فانا نجد من يبيع لنا غيرك ولكنا نخصك بأحمالنا من أجل أنك تقرضنا ، فقال : لا بأس به ، انما يأخذ دنانير مثل دنانيره وليس بثوب ان لبسه كسر ثمنه ، ولا دابّة ان

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة جميل بن دراج : ولو لا ما يصرفون إلينا من غلّاتهم لم يقرضهم ، فقال : لا بأس (١).

(الثالث) لو اعطى بدل مال المديون متاعا يجوز ، وهو ظاهر ممّا مرّ.

ويدلّ عليه أيضا رواية علي بن محمد ، قال : كتبت اليه : القرض يجرّ المنفعة هل يجوز ذلك أم لا؟ فكتب عليه السلام : يجوز ذلك ، وكتبت اليه : رجل له على رجل تمر أو حنطة ، أو شعير ، أو قطن فلما تقاضاه ، قال : خذ بقيمة مالك عندي دراهم ، يجوز (أيجوز ئل) له ذلك أم لا ، فكتب عليه السلام : يجوز ذلك عن تراض منهما ان شاء الله تعالى (٢).

(الرابع) قال في التذكرة : ولا ينبغي للرجل أن يحبس الدين عن صاحبه مخافة الفقر (انتهى).

ودلّ عليه خبر محمد بن مسلم (٣) الدال على أنه موجب للفقر.

والظاهر ان مراده (٤) مع عدم التحريم وفي صورة الجواز أو المراد ب (لا ينبغي) التحريم أو يريد باعتبار العلّة أي مخافة إلخ فإنه صرّح بوجوب المبادرة.

__________________

ركبها كسرها ، وانما هو معروف يصنعه إليهم ـ الوسائل باب ١٩ حديث ١٠ من أبواب الدين والقرض.

(١) صدرها : قلت له : أصلحك الله انا نخالط نفرا من أهل السواد فنقرضهم القرض ويصرفون إلينا غلاتهم فنبيعها لهم بأجر ولنا في ذلك منفعة قال : فقال : لا بأس ولا أعلمه إلا قال : ولو لا إلخ ـ الوسائل باب ١٩ حديث ١٢.

(٢) أورد صدره في الوسائل باب ١٩ حديث ١٦ من أبواب الدين والقرض وذيله في باب ١١ حديث ١١ من أبواب السلف وسنده كما في التهذيب والوسائل هكذا : عن الصفار محمد بن عيسى ، عن علي بن محمد وقد سمعته من علي قال إلخ.

(٣) لم نعثر على خبر راويه محمد بن مسلم الدال على ما ذكره قده نعم هو مضمون خبر أبي حمزة الثمالي منقول عن المشايخ الثلاثة فلاحظ الوسائل باب ٧ من أبواب الدين والقرض.

(٤) يعني العلامة فيما ذكره في التذكرة.

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : يجب على المديون المبادرة إلى قضاء الدين ولا يحلّ تأخيره مع حلوله وتمكنه من الأداء ، ومطالبة صاحب الدين ، فإن أخّر والحال هذه كان غاصبا (عاصيا خ) ووجب على الحاكم حبسه (١).

لرواية عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يفلّس (٢) الرجل إذا التوى على غرمائه ثم يأمر به ، فيقسم ماله بينهم بالحصص ، فان أبى باعه فيقسّمه (فقسمه صا) بينهم يعني ماله (٣).

ورواية غياث ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام إنّ عليّا عليه السلام كان يحبس في الدين ، فإذا تبيّن له إفلاس وحاجة خلّى سبيله حتى يستفيد مالا (٤).

لعلّ الوجوب مفهوم من أنه لو لا يجب ، ما يناسب الحبس الذي هو ضرر عظيم.

ويؤيّده أنّ الظاهر أنّ انتصاف المظلوم من الظالم واجب على القادر خصوصا الامام عليه السلام ، والفرض عدم الحصول الا بالحبس فيجب ، ولا يبعد ذلك على الحاكم أيضا لأنه نائبه ومن باب الأمر بالمعروف فتأمّل.

ثم قال : (٥) إذا ثبت هذا ، فلو أصرّ على الالتواء كان فاسقا لا يقبل شهادته ، ولا تصحّ صلاته في أوّل الوقت ، بل إذا تضيّق ، ولا يصحّ شي‌ء من الواجبات الموسّعة المنافية للقضاء في أوّل وقتها ، وكذا غير الدين من الحقوق الواجبة

__________________

(١) إلى هنا عبارة التذكرة.

(٢) يحبس الرجل ـ ئل ـ وط.

(٣) الوسائل باب ٦ مثل حديث ١ من كتاب الحجر.

(٤) الوسائل باب ٧ حديث ١ من كتاب الحجر.

(٥) يعني العلّامة ره في التذكرة عقيب العبارة الثانية المتقدّمة.

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كالزكاة والخمس وان لم يطالبه الحاكم لأن أربابها في العادة مطالبون (١).

وأيضا الحقّ ليس لشخص معيّن حتى يتوقف على الطلب.

الالتواء ، هو التثاقل والمطل على ما يفهم من القاموس ، قال فيه أيضا : المطل التسويف بالعدة.

فيفهم من كلامه أن التأخير عن أداء الدين كبيرة ، بل إن جميع الحقوق فوريّة ، ماليّة كانت أم لا ، مثل تسليم النفس للقصاص ، والحدود ، والاستبراء ممن أذاه بعينه ونحوها ، ومانعة من صحّة العبادة المنافية لها في وسعة وقتها.

ودليله ما أشرنا إليه غير مرّة (وهو ظ) ما ثبت في الأصول أن الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه الخاصّ ، وهو عن العبادة مفسدها ، ولا غبار فيهما كما يظهر من التأمّل في دليلهما.

ثم ان مات المديون ولم يتمكن من القضاء أو تمكّن ولم يطالب ولم يجب الأداء ، فإن خلّف ما يقضي عنه ، فان قضى أو لم يقض مع وصيّته ، أو لم يخلف شيئا وكان الدين مصروفا في المباحات وكان من عزمه القضاء ، لم يأثم.

ويدلّ عليه بعض الروايات المتقدمة ، مثل صحيحة عبد الغفار الجازي (٢) وغيره (٣).

ومعلوم حصول الإثم مع عدم أحد القيود ، كما لو طولب بالدين الواجب أدائه ، بأن يكون حالّا ولا مانع من الأداء ولم يؤدّه ، ولا شكّ في وجوبه عقلا ونقلا.

والذي يظهر من كلامهم أنه يجب دفع جميع ما يملكه في الدين عدا دار

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

(٢) راجع الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب الدين والقرض.

(٣) فعن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أيما رجل اتى رجلا ، فاستقرض منه مالا وفي نيته ان لا يؤديه فذلك اللص العادي الوسائل باب ٥ حديث ٥ من أبواب الدين والقرض.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

السكنى ، وعبد الخدمة ، وفرس الركوب ان كان من أهلهما ، وقوت يوم وليلة له ولعياله.

الظاهر أنهم يريدون نفقتهم الواجبة ، وقد يستثنون بعض الأمور المحتاج اليه غالبا أيضا ، مثل الكتب العلميّة لأهلها ، وثياب التجمل ، ونحو ذلك.

ولعلّ دليلهم عموم أدلّة وجوب أداء مال الناس عقلا ونقلا مع التمكن ، ولا يبعد كونه مجمعا عليه بين المسلمين ، وحينئذ ينبغي الدليل على المستثنيات.

فدار السكنى نقل في التذكرة إجماع علمائنا على عدم جواز بيعها خلافا للعامّة ، والمستند الروايات.

مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لا تباع الدار ولا الجارية في الدين وذلك انه لا بدّ للرجل من ظلّ يسكنه وخادم يخدمه (١).

ورواية زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن لي على رجل دينا وقد أراد ان يبيع داره فيعطيني (فيقضيني كا خ ل ئل) قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : أعيذك بالله ان تخرجه من ظلّ رأسه (أعيذك بالله ان تخرجه من ظلّ رأسه خ يب صا) (٢)

ولا يخفى المبالغة فيها من وجوه ، ولا يضرّ القول في إبراهيم بن عبد الحميد (٣) الذي فيها بأنه واقفيّ ثقة.

وما روي ـ في الحسن ـ ان محمد بن أبي عمير كان رجلا بزّازا فذهب ماله

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب الدين والقرض.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من أبواب الدين ، الا ان فيه (ابن زياد) بدل (زرارة).

(٣) سندها كما في الكافي ـ باب قضاء الدين ـ هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد وعثمان بن زياد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إلخ.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وافتقر وكان له على رجل عشرة آلاف درهم فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم ، وحمل المال الى بابه ، فخرج اليه محمد بن أبي عمير فقال : ما هذا؟ فقال : هذا مالك الذي لك عليّ قال ورثته؟ قال : لا ، قال : وهب لك؟ قال : لا ، قال : فهل هو ثمن ضيعة بعتها؟ قال : لا ، قال : فما هو؟ قال : بعت داري التي أسكنها لأقضي ديني ، فقال : محمد بن أبي عمير حدثني ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين ، ارفعها ، فلا حاجة لي فيها ، والله إني لمحتاج في وقتي هذا الى درهم واحد ، وما يدخل ملكي من هذا (منها ئل) درهم واحد ، ونقله في الاستبصار ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إلخ (١)

وفيها أيضا مبالغة تفهم من فعل محمد بن أبي عمير ، ويفهم أيضا كثرة تقواه رحمه الله ، حيث سئل هذه السؤالات ، مع عدم الوجوب عليه ثم ما قبل مع وقوع البيع من غير اشارة منه وكمال احتياجه الى ثمنه وعدم العلم بحصول هذا الثمن منه.

ثم ان الظاهر أنّ المراد بقولهم : (لا يجوز بيع الدار) مثلا عدم جواز البيع عليه من الحاكم أو جبره عليه.

ويمكن ان لو باع من غير جبر ، يجوز البيع ويجوز قبض الثمن.

وصرّح في التذكرة بأنه إذا باع باختياره جاز قبض الثمن ، وان امتناع محمد كان لتقواه أو لعلمه بأنه انما باعه خوفا للطلب والجبر.

ويمكن أيضا أن لو كان لشخص دار في بلد ولا يسكنه يجب بيعه وان كان دار سكناه ، فتأمّل.

وأيضا لو كان في داره فضلة مستغنى عنها يمكن تكليف بيعها.

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ٥ من أبواب الدين والقرض.

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا لو كان له دار غلّة بل دار يمكن تحصيل دار اخرى بثمنها وإيفاء الدين ينبغي كذلك وكذلك الخادم.

ويشعر به رواية مسعدة بن صدقة قال : سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام : وسئل عن رجل عليه دين وله نصيب في دار ، وهي تغلّ (١) غلّة فربّما بلغت غلّتها قوته ، وربّما لم تبلغ حتى يستدين ، فان هو باع الدار وقضى دينه بقي لا دار له؟ فقال : ان كان في داره ما يقضي به دينه ويفضل منها ما يكفيه وعياله فليبع داره (الدار خ ئل) والا فلا (٢).

ولكن في السند والدلالة أيضا تأمّلا.

ويدلّ على عدم وجوب بيع ضيعة منها معيشته صحيحة بريد العجلي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ان عليّ دينا ـ وأظنه قال : لا يتام ـ وأخاف ان بعت ضيعتي بقيت ومالي شي‌ء؟ فقال : لا تبع ضيعتك ، ولكن أعطه بعضا وأمسك بعضها (٣).

ويفهم منها عدم وجوب بيع شي‌ء يعيش به مطلقا ، دار غلّة أم لا فتأمّل ، فإنها منافية لقول الأصحاب ظاهرا.

وكذا رواية عمر بن يزيد ، قال : أتى رجل أبا عبد الله عليه السلام يقتضيه وانا عنده (٤) فقال له : ليس عندنا اليوم شي‌ء ، ولكن يأتينا خطر (٥) ووسمة (٦)

__________________

(١) يعني يحصل له منها الغلّة وفي الوسائل بدل (تغل غلّة) : وهي دار غلّة وفي الاستبصار : هي دار غلّة تغلّ عليه.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٧ من أبواب الدين والقرض.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ٢ من أبواب الدين والقرض.

(٤) يعني كان للرجل على أبي عبد الله.

(٥) الخطر بالكسر ثياب مختضب به (هامش الوسائل).

(٦) والوسمة بكسر السين وهي أفصح من التسكين نبت يخضب بورقه (الى ان قال) : وفي القاموس :

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فيبتاع ونعطيك ان شاء الله تعالى فقال له الرجل عدني فقال : كيف : أعدك وانا لما لا أرجو أرجى مني لما أرجو؟ (١) فإنه يبعد كونه عليه السلام بحيث ما كان عنده إلّا قوت يوم وليلة ، مع ان الظاهر ان عنده عليه السلام ثروة ، وأيضا قال : (فنبتاع) (فيبتا خ ل) وهو أيضا يشعر بجواز التأخير.

وبالجملة يفهم من هذه وأمثالها أنّ الأمر ليس بهذه المثابة التي ذكره الأصحاب وضيّقوه مع انه ليس لهم على ذلك ـ على ما رأيت ـ نصّ خاصّ صريح ، ولا ظاهر ، ولكن هم أعرف ، والاحتياط معهم.

ويمكن حملهما على عدم الطلب المضيّق ، ويؤيّده في الاولى (٢) انه قال : (لا يتام) فقد لا يكون لهم وليّ يطلب فيعطي وينفق هو عليهم ما يحتاجون اليه بالتدريج فتأمّل.

وأيضا يستبعد استثناء مثل الخادم والفرس ونحوهما دون قوت أكثر من يوم وليلة.

وامّا الذي يدلّ على استثناء الخادم فكأنّه الإجماع المستند الى حسنة الحلبي المتقدّمة (٣) وأما غيرهما (٤) ، فما رأيت إلى الآن رواية غير أنه ذكرها الأصحاب.

وقد يستدلّون بالضرورة ، والحاجة ، وذلك غير واضح مع عدم النص ، فان قوت أكثر من يوم وليلة أحوج فبعد ثبوت وجوب أداء الدين مهما أمكن يشكل استثناء هذه الأمور الا ان ذلك لا دليل عليه نصّا خاصا فيمكن وجوب ما هو العادة

__________________

الوسمة ورق النيل أو نبات يختضب (مجمع البحرين).

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٤ من أبواب الدين.

(٢) يعني صحيحة بريد العجلي.

(٣) راجع الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب الدين.

(٤) يعني غير الفرس والخادم كالكتب العلمية وثياب التجمل ونحوها.

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في الأداء وبيع ما هو كذلك وغير المحتاج عادة.

وكذا تكليفه بالبيع بأنقص من القيمة ، ولكن يشكل القول به ، لعدم ظهور القائل.

وبالجملة ، الذي يفهم منها ، ليس الأمر على هذا الضيق ، ولا بهذه الوسعة اللذين ذكرهما الأصحاب إلّا انا ما نجد القائل بغيره ، بل الذي نفهم من سكوتهم عدم الخلاف عن العامّة ولا عن الخاصّة في ذلك فيكون إجماعيا فينبغي الوقوف هنا وبيع ما زاد على المحتاج اليه من المستثنيات كالبيت غير بيت السكنى بل بعضه المستغنى عنه ، وكذا الخادم والفرس.

ولا يبعد بيعهما إذا كانتا رفيعتين يؤدّي بعض الثمن بالدين وشراء أدون إن أمكن وان منع ذلك أيضا في بعض الكتب مثل التذكرة لعموم دليل المنع ، وهو في الدار والخادم له أصل ما مضى ، لا غير فتأمّل.

وجوّز في التذكرة (١) قضاء الدين لو باع مثل هذا الثوب والفرس والعبد وقبض ثمنه كما لو باع الدار الواحدة باختياره كما قلناه.

وقال : قال ابن بابويه : وكان شيخنا محمد بن الحسن رضي الله عنه يروي انه إذا كانت الدار واسعة يكتفي صاحبها ببعضها فعليه ان يسكن منها ما يحتاج اليه ويقضي ببقيّتها دينه ، وكذلك ان كفته دار بدون ثمنها باعها واشترى بثمنها دارا ليسكنها ويقضي بباقي الثمن دينه (٢). رأيته في الفقيه كما نقل.

وهذا مؤيّد لما قلنا من بيع الدار والخادم وان منعه في التذكرة (٣).

__________________

(١) سيأتي عبارة التذكير بعيد هذا.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٦ من أبواب الدين والقرض.

(٣) قال في التذكرة : ولا يكلّف بيع داره وشراء أدون إذا كان داره بقدر كفايته ، وكذا لا يكلّف بيع خادمه وشراء أدون ، ولا بيع فرسه ، وشراء أدون ، للأصل وعموم النهي عن بيع هذه الأشياء ، قال ابن بابويه ، ثم نقل الى آخر ما نقله الشارح قده عنه ثم قال : نعم لو كانت دار السكنى وعبد الخدمة أو فرس الركوب أو ثوبه

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر ان محمد بن الحسن هو ابن الوليد ، قيل : انه ثقة وشيخ الصدوق ، ويبعد نقله رواية مرسلة في هذا الكتاب مع عدم العمل بها ، فكأنه عمل بها (والظاهر انه عمل بها خ) شيخه أيضا فتأمّل.

(الخامس) إذا ضمن احد عن الميّت دينه برأ ذمته ولا اثم عليه أيضا ، سواء كان قبل الموت في المرض ، أو بعده.

ودليله ان الضمان ناقل فهو بمنزلة أداء المال.

ويؤيّده الروايات ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء فقال : إذا رضي به الغرماء فقد برأ ذمة الميت (١).

ورواية إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون عليه دين فحضره الموت فيقول وليه : عليّ دينك ، قال : يبرئه ذلك وان لم يوفّه وليّه من بعده ، وقال : أرجو أن لا يأثم ، وانما إثمه على الذي يحبسه (٢).

وهذه تدل على وقوع الضمان من غير الصيغة ، التي ذكروها ، وهما تدلان على ان الضمان ناقل كما قاله الأصحاب ، خلافا للعامة ، وسيجي‌ء.

(السادس) الكفن مقدّم على الذين ، كأنه لا خلاف عندهم في ذلك.

والمستند ، مثل صحيحة زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مات وعليه دين بقدر كفنه؟ قال : يكفّن بما ترك الّا أن يتّجر عليه انسان فيكفنه ويقضي بما ترك دينه (٣).

__________________

الذي يلبسه رهنا ، جاز بيعه كما انه لو باشر بيع هذه الأشياء باختياره جاز قبض ثمنه ههنا (انتهى).

(١) الوسائل باب ١٤ حديث ١ من أبواب الدين والقرض.

(٢) الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من أبواب الدين والقرض.

(٣) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب الدين والقرض.

١٢٠