مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

ولو أقرّ لمسجد أو لمقبرة ، قبل ان أضاف إلى الوقف أو أطلق ، أو ذكر سببا محالا على اشكال.

______________________________________________________

هذا) ، بمنزلة هذا لهذا ، فالظاهر انه له فقط.

ولا يمنع منه احتمال غير ذلك ، إذ لو اعتبر أمثال هذه الاحتمالات لم يلزم إقرار غالبا ، إذ يحتمل في قوله : هذا له ، وجود شريك له فيه ، ولأن أقوال المسلمين وأفعالهم محمول على الصحّة ، ولأن هذا الإقرار مضرّ به وإقرار عليه ، وان احتمل كونه في حق الغير ، لا انه في حق الغير ، لا انه في حق الغير ، لانه يلزمه العوض والغرم لغيره ، والعاقل لم يقر بمثل هذا الإقرار إلّا مع كونه حقا ، ولسائر أدلّة الإقرار.

على انه لا معنى لعدم المنع من تسليم العين الى المقرّ له مع عدم الإلزام ، فإن عدم الإلزام لاحتمال كون العين ملك الغير وإقراره في حق الغير ، وكما يمنع ذلك عن الإلزام بالتسليم يمنع عن التسليم وتجويزه أيضا وهو ظاهر ، فمع الإلزام يستلزم منع التسليم وعدم تجويزه.

وكذا جواز التسليم ، مستلزم لعدم المنع ، فإنه لعدم المنازع وكونه ملكا للمدعي فيجب التسليم.

وبالجملة ينبغي الحكم بالمشهور أو عدم تجويز التسليم في العين حتى يتحقق ولعلّ المشهور أولى ، لما مرّ مؤيّدا بالشهرة ويبعد غفلتهم عن مثل ما نبّهنا عليه فتأمّل.

قوله : «ولو أقر لمسجد إلخ» وجه قبول الإقرار للمسجد والمقبرة والمدرسة ونحوها ظاهر ، لان المتبادر من الإقرار لها هو الإقرار باستحقاق صرفه في مصالحها بنذر أو وقف ونحوه ، فلا فرق بين ان يقول : لها من وقفها ، أو يقول : لها فقط.

ومع بيان السبب الغير المحتمل يجي‌ء البحث المتقدم في بيان سبب غير محتمل للحمل (١).

__________________

(١) عند شرح قول المصنف ره : ولو أقرّ للحمل إلخ.

٤٠١

(الثاني) ان لا يكذّب المقر له ، فلو كذّب لم يسلّم اليه ويحفظه الحاكم أو يبقيه عند (في يد خ) المقرّ امانة.

ولو رجع المقرّ له عن الإنكار سلّم إليه.

ولو رجع المقرّ في حال إنكار المقر له ، فالوجه عدم القبول لأنه أثبت الحق لغيره ، بخلاف المقرّ له ، فإنه اقتصر على الإنكار.

______________________________________________________

وقد قرّب المصنف هناك الصحّة وقال هنا : (على اشكال) ، فلعل مراده بقوله : (على اشكال) مع احتمال عدمها على ضعف ، فيكون مرجعه (فالأقرب الصحّة) فوافق ما تقدم فتأمّل.

قوله : «الثاني ان لا يكذّب المقرّ له إلخ» الثاني من شرطي المقرّ له ان لا يكذب المقرّ ، فلو كذّبه لم يسلّم إليه ، لأن إقراره أيضا على نفسه مقبول ، فالمقرّ به منتف عنه أيضا.

وحينئذ يحفظه الحاكم حتى يعلم مالكه ، ومع اليأس يحتمل صرفه في المصالح ، والتصدق مع الضمان كما مرّ في غيره ، وللحاكم ان يبقيه في يد المقرّ امانة حتى يظهر مالكه أو يفعل به ما يراه ممّا تقدم.

وجه ذلك انه بمنزلة وكيل المالك مطلقا ، فله ما يرى فيه المصلحة.

ويظهر من التذكرة اشتراط عدالة المقرّ في الإبقاء بيده ، وكذا من يسلّم اليه الحاكم شيئا يحفظه للمالك حيث قال : إذا رأى استحفاظ صاحب اليد ، فهو كما لو استحفظ عدلا آخر ، وبالجملة الحاكم هو المتولي لحفظ ما يضيع وهذا في حكم ما يضيع.

والظاهر ان ليس للمقرّ الامتناع من تسليمه الى الحاكم ، لأنه ليس له بإقراره ، ولا يدّعي فيه يدا يستحق الإبقاء فتأمل.

قوله : «ولو رجع المقرّ له إلخ» تسليمه الى المقرّ له بعد رجوعه عن

٤٠٢

ولو قال : هذا لأحدهما ألزم البيان ، فان عيّن قبل ، وللآخر إحلافه.

______________________________________________________

الإنكار ، لأن أفعال المسلمين وأقوالهم محمولة على الصحّة إذا احتملت ، وهنا محتملة ، لاحتمال نسيان كونه له أوّلا ثم ذكره حال الرجوع أو انتقاله اليه الآن بان يكون لمورثه فمات الآن أو ملّكه مالكه بوجه.

والظاهر عدم التجسس بل يحمل على الصحّة ، لما مرّ وعدم حسن التجسس ، لاحتمال كذبه.

اما لو رجع المقرّ حال إنكار المقرّ له ـ وفائدة القيد (١) انه لو رجع مع عدم الإنكار فعدم قبوله ظاهر ويعلم من المذكور بالطريق الأولى ـ فالوجه عند المصنف عدم القبول ، لأنّ إقراره متضمّن لأمرين ، النفي عن نفسه ، وإثباته لغيره المتعيّن بالتصريح ، فلا يسمع الرجوع بخلاف إقرار المقرّ له بأنه ليس له ، فإنه ما أثبته للغير المعين ولا مطلقا بالتصريح وان لزم ضمنا لعدم الملك من غير مالك ، ولانه لا يجري فيه الاحتمالات المتقدمة لوجه صحّة رجوع المقرّ له.

ويحتمل الصحّة هنا أيضا ، لما تقدم من حمل كلام المسلم على الصحّة مع الاحتمال وهنا محتمل ، لاحتمال النسيان والاشتباه ، فلو أظهر وجها مقبولا مع إنكار المقرّ لا يبعد السماع فتأمل.

قوله : «ولو قال هذا لأحدهما إلخ» وجه إلزامه بالبيان ثم قبول التعيين منه ظاهر ، وكذا إحلاف الغير له لو ادعى علمه بذلك ، وأنكر.

وكذا غرامته له لو أقر له أيضا ، لأنه بإقراره ، فوّته عليه ، سواء قال : ليس للاول بل للثاني ، أم لا ، إذ بإقراره الأول صار للأول فلا يسمع رجوعه عنه وكون ذلك للغير ، لأنه إقرار في حق الغير.

__________________

(١) يعني التقييد في عبارة المصنف ره بقوله : (في حال إنكار المقرّ له).

٤٠٣

ولو أقرّ للآخر (بعد إقراره للأوّل خ) غرم للثاني.

ولو قال : لا أعلم حلف لهما وكانا خصمين.

ولو أنكر إقرار العبد ، قال الشيخ عتق وليس بجيّد.

______________________________________________________

نعم لو ادّعى الثاني ذلك العين وأثبته بإقرار الأوّل أو البيّنة لم يغرم للثاني شيئا ، ولا للأوّل وهو ظاهر.

وكذا وجه إحلاف كل واحد له لو ادّعى العلم بالتعيين وأنكره هو ، وقال : ما اعرف فصار المال بينهما وهما خارجان أو صاحبا يد ، فان حلفا أو نكلا فهو لهما بالمناصفة ، ويحتمل القرعة والا فللحالف.

قوله : «ولو أنكر إقرار العبد إلخ» يعني لو أقرّ شخص لآخر بعبد في يده فأنكر المقرّ له ذلك ، قال الشيخ : يكون العبد معتوقا ، إذ ليس سبب عبديته بإقراره إلا ملكيّة المقرّ له وقد نفاه ، فما بقي له سبب آخر ، والأصل الحريّة.

ولأنه يحتمل ان يكون توهم ذلك أو ظن وقال بناء على ذلك.

وأيضا يحتمل كونه عبد المقرّ له وأعتقه ، فلا منافاة بين إقراره ونفي المقرّ له في الجملة هذا مذهب الشيخ.

وقال المصنف : ليس بجيّد ، وجهه أنه قد ثبت كونه عبدا لأنه المفروض وبإنكار المقرّ له انتفى عنه وبقي رقا غير المعلوم المالك كالمال المقرّ به الذي أنكر المقرّ له ملكيته ليحفظه الحاكم حتى يظهر مالكه.

فلا فرق في الحكم بين سائر الأموال من ثوب وعبد ودار وغير ذلك.

ويحتمل الفرق فإن الأصل في غير الإنسان الملكيّة ، وفيه الحريّة.

وأيضا فيه يحتمل الخروج عن الملكيّة بخلاف الغير ، فمذهب الشيخ غير بعيد خصوصا إذا ادعى المقرّ به الحرّية.

ويؤيده انه لو أقرّ أحد برقيّة شخص فأنكرها ، يحكم بالحرّية وقد سلّم ذلك في التذكرة وغيرها في اللقيط ، وقال في ذلك : لان اللقيط يحكم بالحرّية

٤٠٤

(الثالث) الصيغة ، وهي اللفظ الدال على الاخبار عن حق سابق مثل : له على أو عندي أو في ذمّتي بالعربيّة أو غيرها.

______________________________________________________

للدار (١).

فتأمّل ، إذ قد يكون ، لقيط دار الحرب ، والمسألة أعمّ ، وأيضا غير مسلّم كونه رقا في نفس الأمر ، نعم ، الفرض كونه تحت يد شخص بطريق الرقيّة وذلك ليس بنصّ فيها بحيث لا يحتمل غيرها كسائر الأموال وهو ظاهر.

ومع ذلك ، انما كان ذلك مفيدا لملكيّة خاصّة ، وهي ملكيّة المتصرف ، وإذا زال بإقراره ولم يثبت غيره مع أصل العدم لا تبقى رقيّة ، وبالجملة عدم جيادة قول الشيخ غير ظاهر فتأمل.

قوله : «الثالث الصيغة إلخ» ثالث أركان الإقرار الصيغة ، وليست هي غير الإقرار كما قاله في شرح الشرائع على الإقرار : هو الإخبار والتلفظ بها الذي هو مدلول لها كما قال المصنف هنا وفي التذكرة وغيرها.

نعم قد يطلق عليها أيضا الإقرار باعتبار تسمية الدال باسم المدلول.

والمراد باللفظ مطلق ما يتلفظ به بأيّ لسان كان ، قال في التذكرة يصح الإقرار بالعربيّة والعجميّة من العربي والعجمي معا بالإجماع (٢).

وعموم أدلته السابقة أيضا ، يدل عليه ، نعم يمكن عدم فهم معناه من كلّ واحد إذا أقرّ بغير لسانه ان كان ممن يمكن في حقّه ذلك ، ولا يلزم بإقراره حينئذ ، فان صدقه المقرّ له ، وإلا أحلفه على عدم المعرفة.

والظاهر ان المراد بالدلالة ، الحقيقيّة ، ويحتمل المجازيّة أيضا إذا كانت ظاهرة كنصب قرينة بحيث لا يمكن الفهم الّا المعنى المجازي.

والمراد بالحق السابق ، الأمر الثابت عنده سواء كان مالا عينا أو دينا ، أو

__________________

(١) يعني لأجل كون الدار دار الإسلام فلقيطها محكوم بالإسلام.

(٢) إلى هنا عبارة التذكرة.

٤٠٥

وشرطها التنجيز ، فلو قال : لك على كذا ان شئت أو ان قدم زيد أو ان شاء الله ، أو إن شهد لم يلزم.

______________________________________________________

حقا آخر من حقوق الآدميين ، مثل حدّ القصاص ، والقذف ، والاستطراق في دربه ، واجراء ماء في نهره ، واجراء ميزاب في ملكه ، وطرح خشب على حائطه قالها في التذكرة (١) ، والشفعة ، وأولوية التحجير كما قاله في شرح الشرائع.

وفيه إشارة الى عدم زوالها بالأخذ قهرا فافهم.

أو من (٢) حقوق الله (٣) من حدّ وتعزير.

قوله : «وشرطها التنجيز إلخ» كأنه لا خلاف فيه.

ويمكن فهم دليله من تعريفه ، فإنه إذا قيل : انه إخبار عن حق ثابت سابق (سابقا خ) وقبل زمان الإقرار ، لا يمكن تعليقه بشي‌ء بعد ذلك ، إذ لم يثبت المعلّق على شي‌ء إلّا بعد وقوع ذلك الشي‌ء ، سواء كان متحقّق الوقوع ـ وهو الوصف ـ أم لا ، وهو الشرط.

ولا بد في الإقرار من التحقق والثبوت محققا قبل زمانه الّا ان يكون تعليقا لعدمه (كعدمه خ) كما سيجي‌ء ، فلو علق على شي‌ء يكون ذلك الإقرار لغوا لا إقرارا لعدم صدق التعريف عليه.

فلا يمكن أن يقال : يؤخذ بأوّل كلامه ويلغى الشروط والتعليق ، لأنّ الشرط والجزاء كلام واحد ، فان الشرط جزء كلام ، وكذا الجزاء ، إذ ليس فيهما حكم بالفعل ، وانما الحكم بالفعل بينهما لا في كل واحد هذا هو تحقيق المنطقيين

__________________

(١) عبارة التذكرة : يشترط في المقربة ان يكون مستحقا اما بان يكون مالا مملوكا أو بان يكون حقا تصح المطالبة به كشفعة وحدّ قذف وقصاص وغير ذلك من الحقوق الشرعيّة كاستطراق في درب واجراء ماء في نهر واجراء ماء ميزاب الى ملك وحق طرح خشب على حائط (انتهى).

(٢) عطف على قوله قده : من حقوق الآدميين.

(٣) في النسخة المطبوعة الحجرية : أو من حقوق الله بعلم إلخ.

٤٠٦

ولو قال : إن شهد فلان فهو صادق ، لزمه في الحال وان لم يشهد.

______________________________________________________

وأهل المعقول وان كان عند بعض أهل العربيّة أن الحكم في الجزاء فقط والشرط ظرف وذلك خلاف التحقيق.

وهذا هو الفرق بين الإقرار المعلّق وسائر الأقارير التي تعقب بما ينافيه حيث يؤخذ بأول الكلام فيه دون المعلّق هذا واضح.

ولكن في عدم كون الإقرار إلّا بحقّ سابق تأمل ، فإن ذلك غير منقول من الشارع ، بل مجرد الاصطلاح الذي نجده في بعض كتب الأصحاب.

بل الذي يفهم من ظاهره ، أعم من ذلك ، ولهذا تراهم يطلقون على غير ذلك أيضا وهو ظاهر.

الا انه يمكن ان يقال : الأصل براءة الذمّة وعدم لزوم شي‌ء ، والذي علم كونه إقرارا يلزم به ، وغيره لم يعلم ، بل ولا يظن بحيث يكون معتبرا ومخرجا للأصل عن أصله فيبقى تحت النفي ، فتأمل.

فالمعلّق بمنزلة وعد لزوم شي‌ء له بشرط كذا ، ولا دليل على لزومه ، إذ لم يقل الأصحاب بوجوب الإيفاء بالوعد على ما يظهر وان كان ظاهر بعض الآيات (١) والاخبار وجوب الوفاء الا ان في كون ذلك وعدا صريحا أيضا تأمّلا.

ولو قال : (ان شهد فهو صادق لزمه في الحال وان لم يشهد) اي لو قال شخص : ان شهد فلان لواحد بان لك عليّ كذا فهو صادق ـ وينبغي (٢) ان يضم

__________________

(١) إشارة إلى الآيات التي دلت بإطلاقها على الوفاء بالعهد واما الاخبار فراجع الوسائل باب ١٠٩ من أبواب العشرة وغيره.

(٢) الظاهر أن المراد انه ينبغي للمصنف ره ان يضم اليه قوله : ان شهد إلخ ما بيناه من قولنا : (بان لك علي كذا).

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

اليه مثل ذلك وهو ظاهر.

قال في التذكرة : لو ادّعي عليه ألفا وقال : إنّ فلانا يشهد لي بها فقال المدّعى عليه : أن شهد بها عليّ فلان ، فهو صادق (١) وينبغي (لك) أيضا ، ثم قال : (وحق) (٢) و (صحيح) مثل صادق فتأمّل.

لزمه (٣) المدعى في الحال وان لم يشهد الشاهد ، المعلّق على شهادته الصدق لأنه وان كان الإقرار معلّقا ومن شرطه التنجيز على ما مرّ الّا ان التعليق هنا لغو ووجوده كعدمه ، لانه قد أقرّ بأنه صادق ان شهد والصدق عبارة عن مطابقة الخبر للواقع ، فلم يكن صادقا على تقدير شهادته الا ان يكون لخبره خارج يطابقه الخبر ان وجد ، فطابق (٤) (الخبر الصادق واقع في نفس الأمر موجود قبل صدور الخبر).

فقوله : (هو صادق فيما شهد عليّ) ، بمنزلة قوله : (ما يشهد به عليّ) ، أي الذي ادعي ـ على معنى كون الالف عليّ مثلا ـ واقع في نفس الأمر.

ولأنه إذا صدق على تقدير الشهادة في نفس الأمر ، يكون صادقا في نفس الأمر شهد أو لم يشهد ، إذ لا دخل للشهادة في الصدق الذي هو مطابقة الخبر للواقع ، لما عرفت من معنى الصدق فوقوع المشهود به الذي قد أقر بصدقه واقع سواء شهد به أو لم يشهد.

ولا يخفى أنّه لا يجري في جميع التعليقات ، مثل (ان جاء زيد فلك عليّ كذا) ، فان الفرق بين مجي‌ء زيد وصدقه فيما يشهد به ، ظاهر.

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

(٢) يعني صاحب التذكرة ولكن عبارة التذكرة هكذا : ولو قال : ان شهد عليّ فلان فهو حق أو صحيح ، فكقوله صادق.

(٣) جواب لقوله قده : اي لو قال شخص إلخ.

(٤) يعني فطابق هذا الكلام ، الكلام المعروف بينهم من ان الخبر الصادق واقع إلخ.

٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فقول شرح الشرائع بعدم الفرق ، غير ظاهر حيث قال : وما ذكر في توجيه الإقرار هنا وارد في جميع التعليقات ، فإنه يقال ثبوت الحق على تقدير وجود الشرط يستلزم ثبوته الآن ، إذ لا مدخل للشرط في ثبوته في نفس الأمر إلخ ما قيل (١).

وفيه تأمّل ظاهر وقد تقدّم ، وفي الدليل تأمّل ، فإن هذا القول قد يقوله من لا يعرف هذا الاستلزام المذكور ، وكذا من يعرفه ، ويمكن ان يبالغ في الكلام في النفي ويعلّقه على المحال ، لاعتقاده بان الفلان لا يشهد ، فان شهادته على غير الحق محال أو انه لم يعرف وجوده وعدمه فيقول : أنا أعرف صدق هذا الشخص ، فان شهد فهو صادق وانا أعطي المدعى.

وأيضا يمكن لزومه عليه من غير شعور له مع شعور شاهديه بأن يعرف لزومه عليه بجناية صادرة من غير اختياره أو بقرض وكيله وغير ذلك.

ويحتمل أيضا ان يثبت في ذمته قبل شهادته ولم يكن حين الإقرار ثابتا فيكون الشهادة بعد ذلك صدقا وحقا ، فلا يدلّ على ثبوت الحقّ قبل الإقرار ، بل قبل الشهادة ، فإن الصدق يستدعي ثبوت ما يشهد به قبلها لا قبل الإقرار ويكون إقراره بالصدق ، لمعرفته بصدقه بعدها لا بعلمه ، بوقوع المخبر به في نفس الأمر.

وبالجملة الأصل براءة الذمة وعدم ثبوت حق في ذمته الا بدليل مثبت كالإقرار وذلك غير ثابت هنا لما تقدم من احتمال اللفظ غير ما يكون دليلا.

ويؤيده اشتراطهم التنجيز وعدم التعليق ولا شك ان هذا تعليق وتقوية وإتمام الإقرار بدونه غير ظاهر.

ولهذا يصحّ ان يقال : مع عدم علمه بشي‌ء انه لو قال المعصوم عليه السلام فهو صادق ، فلا يلزم الإقرار والعلم بوقوع ما قاله قبل قوله ، بل من قوله فقط ، فلو لم يقل

__________________

(١) الى هنا عبارة المسالك.

٤٠٩

ولو قال : عليّ ألف إذا جاء رأس الشهر أو بالعكس صحّ ان قصد الأجل لا التعليق.

______________________________________________________

لم يلزمه القول به ولا قبله على تقدير القول ، وهو ظاهر وبالجملة (والحاصل خ) قول المتأخرين غير بعيد وإن كان المصنف خالفه كقول أكثر المتقدمين كالشيخ على ما قيل.

ولكن قال المصنف في التذكرة ـ بعد المبالغة في كونه إقرارا في الحال (١) : وان قال لفلان الشاهد المعلّق صدقه بشهادته : لا أشهد أو ان المدّعي كاذب أو اني أشهد ببراءته ، وهو أصحّ وجهي الشافعي والثاني انه لا يكون إقرارا بما فيها من التعليق ، والأقرب انه ان ادّعى عدم علمه بما قال ، وان المقرّ لا يستحقّ في ذمّته شيئا ، وانه توهّم ان فلانا لا يشهد ، فان كان ممن لا يخفى عليه ذلك قبل قوله وحمل على التعليق وكان (٢) لغوا (٣) فتأمل.

قوله : «ولو قال : عليّ ألف إلخ» وجه صحته مع قصد الأجل دون التعليق صدق الإقرار ، فإنّ حاصله أن له عليّ ألفا مؤجّلا إلى شهر أو له في ذمتي ألف ثابت الا انه انما يجب تسليمه بعد الشهر مع المطالبة ، فقد دل على ثبوت حق ثابت.

ووجه عدم صحته مع قصد التعليق ما تقدم ، وان الظاهر أنّ المرجع اليه فيتبع قصده بما قال ، فلو تعذر بموت ونحوه لا شي‌ء عليه للأصل وعدم صراحة لفظه في الإقرار فتأمل.

__________________

(١) عبارة التذكرة هكذا : ولو قال فلان : لا أشهد أو أنّ المدعى كاذب أو أنا أشهد ببراءة المقرّ ، فكان عليه الأداء في الحال ، لأنه حكم بصدقه على تقدير الشهادة ، وانما تتم هذه الملازمة ويصدق هذا الحكم لو كان الحق ثابتا في ذمته ، لأنه لو لم يكن ثابتا لم يصدق هذا الحكم لو شهد فتكون الملازمة كاذبة ، لكنا انما نحكم بصدقها كغيره من الإقرارات ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة إلى آخر ما نقله الشارح قده.

(٢) وكان كلامه لاغيا (التذكرة).

(٣) إلى هنا عبارة التذكرة.

٤١٠

ولو قال المدّعي : لي عليك ألف فقال : رددتها أو قضيتها أو نعم ، أو أجل أو بلى أو صدقت أو لست منكرا له أو انا مقرّ به لزم (الزم خ).

______________________________________________________

ولا فرق في الحكم بين تقديم الجزاء وتأخيره كما ذكره رحمه الله.

قوله : «ولو قال المدعي : لي عليك ألف إلخ» وجه الإلزام ـ لو قال في جواب المدّعي : لي عليك ألف بالمذكورات ـ ان كلّ واحدة منها متضمّنة للإقرار كقوله : رددتها ، فإن الإقرار بردّ الذي ادّعي عليه بمنزلة قوله : (نعم كان عليّ ولكن رددتها) وكذا قضيتها.

ونعم ، وبلى ، وأجل صريحة في ذلك عرفا بل لغة ، وكذا صدقت ، واما في (لست منكرا له) تأمل ، إذ نفي الإنكار لا يستلزم الإقرار ، لاحتمال كونه مترددا ، ولهذا يصحّ ان يقال : ما أنا بمنكر له ولا بمقرّ به ، بل ما أعرف فاثبت ، ولو كان إقرارا لما صحّ هذا الحكم ، بل يكون متناقضا الّا ان يدعي العرف في كون ذلك بمنزلة ، أنا مقر لك به.

والأصل والاحتمال يقوي عدم الحكم إلا بالإقرار الصريح.

ونقل (١) في شرح القواعد عن الدروس (٢) واحتمل ، عدم الإقرار ، فإن عدم الإنكار أعم من الإقرار ، ولهذا لو قال : أنا مقرّ له ، لا يلزمه لاحتمال الإقرار بشي‌ء آخر مثل بأن (لا إله إلّا الله) أو ببطلان دعواه ، بل ولو قال : (به) أيضا ، لاحتمال ان يكون مقرا بالألف لغير المدّعي ، نفي الإقرار بقوله : (وانا مقرّ به) أيضا تأمّل فلا يبعد عدمه وقبول تأويله المذكور وان كان خلاف الظاهر عرفا في الجملة ،

__________________

(١) الظاهر ان الناقل هو المحقق الثاني صاحب جامع المقاصد.

(٢) في الدروس : ويتحقق بقوله : له عندي (الى ان قال) : وكذا صدقت أو برئت أو انا مقر لك به أو بدعواك أو لست منكرا ويحتمل عدم الإقرار لأن عدم الإنكار أعم من الإقرار (انتهى).

٤١١

ولو قال : زنها أو خذها أو انا مقرّ ولم يقل : به أو أنا أقرّ بها لم يكن إقرارا.

ولو قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى ، فهو إقرار ،.

______________________________________________________

للأصل وعدم ظهور الخروج عنه الا بالدليل قال به في التذكرة حيث قال : وهذا يدل على ان الحكم بان قوله : (انا مقرّ به) إقرار فيما إذا خاطبه وقال : انا مقر لك به والا فيجوز الإقرار به لغيره.

ومنه يعلم وجه عدم الإلزام والإقرار بمثل قوله : (زنها ، وخذها) لاحتمال قول مثله على سبيل الجحود والاستهزاء والمبالغة في الإنكار ، وهو متعارف ، وقد عرفت عدم الإقرار بأنه مقرّ مع عدم ذكر (به) بل معه أيضا.

ووجه عدم قبوله (وانا أقرّ بها) أنه ليس بإقرار بحق ثابت ، بل ظاهره وعد بالإقرار ، لأنه مضارع للاستقبال أي زمان بعد زمان التكلّم ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو قال : ا ليس لي إلخ» كون (بلى) إقرارا في جواب من قال : (أليس لي عليك كذا) ظاهر ، وانه قد تقرر في النحو واللغة بأنه في جواب النفي ظاهرا إثبات ، مثل «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى» (١).

واما (نعم) فإشكال لأن المشهور في النحو واللغة أنه في جواب النفي ، نفي ، ولهذا قيل (٢) : لو قالوا : (نعم) بدل (بلى) في جواب (ألست) لكفروا ، ولأنه في العرف صار استعماله مكان (بلى) شائعا ، فيستعمل في جواب النفي بمعنى (بلى) عرفا وان كان لغة خلاف ذلك.

ولما كان المصنف رحمه الله مترددا في ثبوت العرف وعدمه ، قال : على اشكال.

ويحتمل ان رجح العرف وأراد من الاشكال ، الاحتمال الضعيف كما

__________________

(١) الأعراف ـ ١٧٢.

(٢) القائل هو ابن عباس على ما في المغني لابن هشام.

٤١٢

وكذا (نعم) على إشكال.

______________________________________________________

مضى ، ولهذا ما قال : (وفي نعم اشكال) بل قال : (وكذا نعم على اشكال) أي هو أيضا إقرار لكن فيه احتمال ضعيف ، فتأمّل.

والظاهر انه ليس بإقرار ، لأصل عدم الإقرار ، وعدم ثبوت شي‌ء في الذمّة ، وعدم النقل ، بعد ثبوت كونه في اللغة والنحو بمعنى النفي في النفي ، فليس بإقرار إلّا مع تحققه (التحقق خ) (محقق خ) ، بل قول المقر بذلك ، فالظاهر عدم الإقرار إلّا مع العلم.

قال في التذكرة : ولو سلّم (ذلك خ) ، لكنه لا ينفي الاحتمال وقاعدة الإقرار ، الأخذ بالقطع ، والبتّ ، والحكم بالمتيقن ، لأصالة براءة الذمة (١).

أنظر في هذه المبالغة ، واحفظ هذه القاعدة ، واجعلها ضابطة فلا تنسها ، فإنها تنفع كثيرا فيما تقدم وفيما سيأتي.

وأراهم يخرجون عنها كثيرا ، مثل جزمهم بان قولهم : (ولست منكرا له) إقرار مع الاحتمال المتقدم ، واحتمال كون غير المطلوب والمدعى.

ويؤيّده ما قاله في التذكرة : ولو قال : لا أقرّ به ولا أنكره فهو كما لو سكت (٢). فافهم.

وأيضا قال في التذكرة : اللفظ قد يكون صريحا في التصديق ، وتنضم إليه قرائن تصرفه عن موضوعه الى الاستهزاء والتكذيب ، ومن جملتها ، الأداء والإبراء وتحريك اللسان الدال على شدة التعجب والإنكار ، فعلى هذا يحمل قوله : (صدقت) وما في معناه على هذه الحالة فلا يكون إقرارا ، فإن وجدت القرائن الدالة على الإقرار حكم به ، وان وجدت القرائن الدالّة على غيره حكم بعدم الإقرار (٣).

وفيه أيضا مبالغة ، وينبغي الحكم بالإقرار في اللفظ بمجرد عدم قرينة

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

(٢) إلى هنا عبارة التذكرة.

(٣) إلى هنا عبارة التذكرة.

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

صارفة كما هو ظاهر القواعد ، وظاهر أوّل كلامه وعدم سماع دعواه الّا مع الظهور في الجملة ، والّا يشكل الحكم بالإقرار مطلقا ، إذ ليس بأكثر من الصراحة ، وقد جوّز فيه ذلك مع عدم القرينة ، وسمعت الدعوى.

فتأمّل ، فإنّا نجد الخروج عن هذه الضابطة في كثير من مسائل الوصايا والإقرارات.

ثم اعلم أنّ الشيخ (علي خ) رحمه الله (١) ـ بعد ان قال : الأكثر على ان (نعم) في جواب قوله : أليس لي عليك كذا) ليس بإقرار (قال ظ) ـ وجهه ما تقدم من كون (نعم) في اللغة العربيّة تصديقا للسؤال مطلقا ، فان كان نفيا فهو تصديق للنفي فمعنى (نعم) هنا ، (نعم ليس لك عليّ كذا) ، فليس بإقرار ، ولهذا نقل ، عن ابن عباس أن لو قالوا : نعم لكفروا في الآية كما مرّ ، وقال قوم بأنه يكون إقرارا.

قال في التذكرة (٢) إن كلّ واحدة من (نعم) و (بلى) يقام مقام الآخر في العرف.

قال في المغني (٣) : ونازع السهيلي (٤) وجماعة في المحكي عن ابن عباس وغيره في الآية متمسكين بان الاستفهام التقريري غير (٥) موجب ولذلك امتنع سيبويه من جعل أم متّصلة في قوله تعالى «أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ» (٦) ، لأنها

__________________

(١) يعني به الشيخ علي بن عبد العالي صاحب جامع المقاصد.

(٢) عبارة التذكرة هكذا : لو قال : أليس لي عليك ألف فقال بلى كان مقرا (الى ان قال) : ولو قال نعم فاحتمالان أحدهما انه لا يكون مقرا (الى ان قال) : والثاني انه يكون مقرا لان كل واحد من (نعم) و (بلى) يقام مقام الآخر في العرف (انتهى).

(٣) هو لابن هشام جمال أبي محمد عبد الله بن يوسف المصري الحنبلي النحوي المتولد ٧٠٨ المتوفى ٧٦١.

(٤) هو عبد الرحمن بن الخطيب الأندلسي المالقي النحوي اللغوي المتولد ٥٠٨ المتوفى ٥٨١ صاحب شرح الجمل والاعلام.

(٥) خبر موجب (المغني).

(٦) الزخرف ـ ٥١.

٤١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لا تقع بعد الإيجاب (١).

واستشكله (٢) بأن (بلى) لإيجاب بها الإيجاب اتفاقا.

وفي بحث (نعم) يحكى ، عن سيبويه (٣) وقوع (نعم) في جواب (الست) ثم قال : ان جماعة من المتقدمين والمتأخرين (٤) قالوا : إذا كان قبل النفي استفهام (تقريري) ، فالأكثر أن يجاب به النفي رعيا للفظ ، ويجوز عند أمن اللبس ان يجاب به الإيجاب رعيا لمعناه (الى قوله) (٥) :

فحيث ظهر أنّ (بلى) و (نعم) يتواردان في جواب (أليس) مع أمن اللبس واقتضى العرف إقامة كل منهما مقام الآخر فقد تطابق العرف واللغة على ان (نعم) في مثل هذا اللفظ إقرار ك (بلى) لانتفاء اللبس ، وهو الأصحّ واختاره شيخنا في الدروس.

وممّا قررناه علم أنّ جعل (نعم) هنا إقرارا أولى من جعل (بلى) إقرارا في قوله : (لي عليك ألف) للاتفاق على انه لإيجاب به الإيجاب (انتهى) (٦).

وفيه (٧) تأمّل من وجوه (الأوّل) انه ما فهم تطابق العرف واللغة بالاتفاق ، نعم قد جوّز بعض أهل اللغة ذلك ، وكلامه المتقدم صريح في ذلك ، فما

__________________

(١) الى هنا عبارة المغني.

(٢) في المغني في حرف الباء : عقيب قوله : الإيجاب هكذا : وإذا ثبت أنه إيجاب ف (نعم) بعد الإيجاب تصديق له ويشكل عليهم بان (بلى) لإيجاب بها الإيجاب وذلك متفق عليه (انتهى).

(٣) هو عمرو بن عثمان الفارسي البيضاوي العراقي البصري النحوي المتوفّى حدود ١٨٠ وقيل ١٩٠.

(٤) في المغني ـ بعد قوله : والمتأخرين : ـ منهم الشلوبين إذا كان قبل النفي استفهام ، فان كان على حقيقته فجوابه كجواب النفي المجرّد ، وان المراد به التقرير فالأكثر إلخ.

(٥) يعني إلى قول صاحب جامع المقاصد شارح القواعد.

(٦) يعني انتهى كلام صاحب جامع المقاصد.

(٧) يعني فيما ذكره المحقق صاحب جامع المقاصد من أوله إلى هنا.

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

حصل التطابق المذكور.

(والثاني) انه قد جوز البعض في غير محلّ اللبس ، وهنا قد يقال بوجوده ، فإنه غير معلوم كونه جوابا وتصديقا للسلب الذي هو صريح لفظه ، وبذلك الاعتبار يقع (بلى) جوابا له ، أو باعتبار المعنى والمآل الذي لا اعتداد به على فنون العربيّة التي مدارها ملاحظة اللفظ ، ولهذا لا يقع (بلى) جوابا كما أشير إليه فيما تقدم بقوله : واستشكله إلخ.

(والثالث) انه على تقدير التسليم ، فكونه إقرارا محلّ التأمّل ، لأن الأصل براءة الذمّة ، ويكفي احتمال وقوعه جوابا للفظ لا المعنى ل (بلى) فيكون قاصدا للغة وقانون العربيّة المشهورة وان جوّز كونه جوابا باعتبار المعنى أيضا ، ولكن هذا أرجح ، للأصل وقبول الاحتمال البعيد في الأقارير ، وكونها (نه) مبنيا على القطع.

وقال في التذكرة : ولو (١) سلم ، لكنه لا ينفي الاحتمال ، وقاعدة الإقرار ، الأخذ بالقطع والبتّ والحكم بالمتيقن ، لأصالة براءة الذمّة.

وقال فيها أيضا : اللفظ قد يكون صريحا في التصديق وينضمّ (٢) اليه ما يصرفه عن موضعه الى الاستهزاء والتكذيب ومن جملتها الأداء والإبراء (ونحو ذلك (وخ) تحريك) اللسان الدال على شدّة التعجب والإنكار فعلى هذا يحمل قوله (صدقت) وما في معناه على هذه الحالة فلا يكون إقرارا آه.

وقال أيضا فيها : لان الاحتمال ولو كان نادرا ، ينفي لزوم الإقرار عملا بالاستصحاب.

وكأنك تعلم عدم المنافاة بين أقواله هذه وما نقله ، لانه بصدد توجيه

__________________

(١) ولو سلم لكنه لا ينبغي الاحتمال كذا في نسخة الشارح قده والصواب ما أثبتناه من التذكرة.

(٢) وتنضم إليه قرائن تصرفه عن موضوعه (التذكرة).

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

احتمال صحّة الإقرار ، وهو ظاهر لمن نظر في التذكرة.

(والرابع) ان الفرق بين (بلى) في جواب (لي عليك كذا) و (نعم) في جواب (أليس) واضح ، لأن (بلى) لإيجاب بها الإيجاب اتفاقا على ما تقدم في كلامه ، وقد علم ان المراد ، المنع لغة لا عرفا ، لما تقدم من جواز اقامة كلّ مقام الآخر عرفا ، فلو لم يحمل على الإقرار يصير خلاف العرف مع عدم احتمال آخر ، فيصير لغوا وتركا للعرف أيضا بخلاف (نعم) في جواب (أليس) لما عرفت أنه يحتمل المعنى اللغوي على تقدير تجويز العرفيّ فيه أيضا.

وأما مع عدم التجويز ـ كما هو المشهور والمنقول عن ابن عبّاس وغيره كما مرّ ـ فظاهر ، فمختار الأكثر أولى لا مختار الدروس (١).

والعجب عنه ، أنه قليلا مّا يخرج عن الأكثر ، خرج هنا عنه وعن الأصل بمثل ما تقدم (٢).

على ان حمل (نعم) على عدم الإقرار في جواب (أليس) موافق لأصل البراءة والاستصحاب ، واللغة والعرف بالاتفاق ، وحمله على الإقرار بمعنى كونه بمعنى (بلى) مختلف في اللغة بل ادّعي عدمه في كتب اللغة.

نعم نقل عن البعض جوازه كما تقدم ، والعرف غير ظاهر وان ظهر وصار متفقا عليه وراجحا ليس بإقرار لما مرّ من القاعدة.

وأعجب منه قول الشهيد الثاني رحمه الله (٣) في شرح الشرائع كونه إقرارا أقوى ، وهو مذهب أكثر المتأخرين ، وهم أعلم.

__________________

(١) كما جعل المحقق الشيخ عليّ ره مختار الدروس هو الأصحّ.

(٢) من قوله رحمه الله : فحيث ظهر ان (بلى) الى قوله : وهو الأصح فراجع.

(٣) قال في المسالك ـ بعد بيان ان (نعم) بعد الإيجاب تصديق : ـ ما لفظه : فإذا ورد ذلك لغة واستعمل عرفا استعمالا شائعا ، فالحكم بصحّة الإقرار به قوي وعليه أكثر المتأخرين (انتهى).

٤١٧

ولو قال : اشتريت منّي أو استوهبت؟ فقال : نعم ، أو ملكت هذه الدار من فلان أو غصبتها منه فهو إقرار.

بخلاف تملكتها على يده.

______________________________________________________

قوله : «ولو قال : اشتريت مني إلخ» كون (نعم) إقرارا في جواب من قال مستفهما : (اشتريت مني واستوهبت؟) ظاهر ، فان معناه نعم اشتريت منك واستوهبت منك ، ولا شك أنه إقرار بأنه ما كان ملكا له ، بل كان ملكا للمخاطب (١) ، عليه يد متصرفة مشروعة ، فهي ظاهرة في الملكيّة فيحتمل أن يكون إقرارا بالملكيّة للمخاطب.

وان قلنا : أنه لم يكن إقرارا بملكيته لم يجب تسليمه اليه ، بل قبول ملكيته بعد دعواه فإنه متصرف قابل بأنه له من غير منازع ، فلو لم يكن مجرد اليد مفيدا لذلك فلا شكّ في إفادته مع الدعوى.

قال في التذكرة : ولو قال : يعني هذا العبد فهو إقرار بعدم ملكيّة القائل له وهل هو إقرار للمخاطب بالملكيّة؟ إشكال ، لاحتمال أن يكون وكيلا (٢).

ويمكن أن يكون إقرارا بانضمام ما تقدم ، وأن الأصل عدم التوكيل ، فتأمّل.

وكذا قوله : ملكت هذه الدار من فلان ، أو غصبتها منه ، فان معناه كانت في يده ، بل كانت ملكه لما مرّ فتأمل فيه ، فيجب التسليم كما تقدم.

قال في التذكرة : ولو قال : ملكت هذه الدار من زيد فهو إقرار بالملكيّة لزيد على اشكال. (٣).

بخلاف (٤) ان قال : تملكتها على يده ، فإنه ظاهر في ان ملكيته حصل بمدخليته ،

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

(٢) في النسخ المخطوطة عندنا وكذا المطبوعة الحجرية هكذا : بل كان ملكا للمخاطب عليه يدا متصرفة مشروعة والصواب ما أثبتناه.

(٣) إلى هنا عبارة التذكرة.

(٤) استدراك لبيان عبارة الماتن رحمه الله.

٤١٨

ولو قال : بعتك أباك ، فإذا حلف الولد عتق المملوك ولا ثمن.

(الرابع) المقرّ به ، وفيه بحثان : (الأوّل) في الإقرار بالمال.

ولا يشترط كونه معلوما ، فلو أقرّ بالمجهول صحّ.

والا ان يكون مملوكا للمقرّ.

______________________________________________________

بان كان وكيلا في الشراء ودلّالا ونحوه ، فليس بإقرار له ، لا بالملكيّة ، ولا باليد المستلزمة لها.

قوله : «ولو قال : بعتك إلخ» يعني إذا قال شخص : إنّ هذا كان عبدا لي ، وأبوك وقد بعتك إيّاه فأنكر المخاطب الشراء ، فهو منكر يتوجه اليه اليمين ، بناء على الأصل المقرر ، فيحلف على عدم الشراء ، فما ثبت عليه بالبيع ، فلا ثمن عليه ، وينعتق العبد المذكور ، لان مالكه قد أقرّ بحريته حيث قال : انه قد باعه على ابنه ، لما ثبت عندهم ان البيع على الابن مستلزم للعتق.

قوله : «الرابع المقرّ به إلخ» هذا هو الشروع في بيان الركن الرابع وهو المقرّ به ، وهو امّا مال أو غيره.

اما المال فلا يشترط كونه معلوما ، نعم يشترط كونه ممّا يمكن العلم به وأخذه في الجملة ولو بالصلح على عوضه.

والظاهر عدم الخلاف فيه ، ويدل عليه عموم أدلة الإقرار أيضا مع عدم المانع.

ولا يشترط ملكيّة العين المقرّ بها حال إقراره بها ، بل يشترط عدمها له حينئذ ، لأنه لو كانت ملكا له حينئذ لا يمكن كونها قبله للمقر بها كما هو مقتضى الإقرار ، فإنه إخبار بالملكيّة السابقة ، لا مثبت لها ، فيبطل الإقرار على هذا التقدير وهو ظاهر ، ولكن بطلانه ـ فيما إذا كان ظاهر كلام المقر انه ملكه ويحتمل عدمه ، مثل

٤١٩

بل لو كان مملوكا له بطل ، كما لو قال : داري لفلان أو مالي.

______________________________________________________

ان قال : داري لفلان ، ومالي ـ محل التأمّل.

إذ الأصل والظاهر يقتضي الصحّة وعدم اللغوية وعدم البطلان ، وكذا حمل كلام العقلاء على الصحيح والظاهر المتبادر ، ولا يحمل على الاحتمال البعيد النادر.

وكذا جواز الإضافة لأدنى ملابسة ، مثل كون الدار مسكنه الآن ، وفي إجارته ، والمال تحت يده ، مع ان العادة اقتضت جواز الإضافة بمثل ذلك ، فإنه يقال : كنت في دار فلان ، وبيت فلان مع كون الدار في إجارته وإعارته ، باعتبار الكون فيه الآن.

فالبطلان الذي قال المصنف محلّ التأمل الّا ان يحمل على فرض العلم بان المراد داري التي ملكي الآن ومالي كذلك ولا شكّ حينئذ في البطلان ، لما مرّ.

ويمكن حينئذ كونه محمولا على الوعد بالهبة ونحوها ، وهذه المحامل بدون فرض العلم بعيد.

ويبعد دفعه بان القاعدة المتقدمة اقتضت البطلان ، لاحتمال كون الإضافة حقيقيّة وان كان بعيدا ، إذ لو لم يكن مثله إقرارا ـ لاحتمال ارادته الملك الحقيقي والوعد بالهبة ونحوها ـ يشكل الحكم بصحّة سائر الأقارير حتى قوله : (له عليّ كذا) و (هذا له) فلا يكون إقرارا بأنه له الآن ، لاحتمال ارادة كونه (كان له) و (وعد بالقرض أو الهبة) للصداقة والاخوة وغير ذلك.

فقول (١) التذكرة بعد الحكم ببطلان الإقرار في مثل (داري) كما في المتن محتجا بقوله : لما فيه من التناقض ، والمفهوم منه ، الوعد بالهبة ، ولا يحتمل ان يقال : إنه أضاف إلى نفسه ، لما بينهما من الملابسة (إلى قوله) (٢) : فيحكم بصريح إقراره

__________________

(١) مبتدأ وقوله ره : يحتاج إلى التأمّل خبره.

(٢) متعلق بقوله ره : أضاف.

٤٢٠