مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

ولو قال : ان لم أحضره الى كذا كان عليّ كذا ، لزمه الإحضار خاصّة ، ولو قال : عليّ كذا الى كذا ان لم أحضره وجب المال.

______________________________________________________

فليس ببعيد مختار التذكرة وشرح الشرائع لما تقدم.

ومنه يعلم أيضا عدم وجوب قبول الحقّ من غير من عليه الا ان يعلم ان ليس الغرض الّا اللجاج فتأمّل.

ويؤيّد الأوّل أنّ الظاهر أنّ مقتضاها لزوم المال ان لم يحضره كما ذكر في التذكرة عن أبي حنيفة ، وما ردّه وذكر في شرح الشرائع أيضا الا ان يمنع ذلك أيضا.

ومنه يعلم ان ليس له طلب المال بعد إحضار الغريم بعينه ولا يلزم الكفيل المال فتأمّل.

والظاهر ان الحبس ، الى الحاكم فهو يحبسه الى ان يحصل ما يقتضي مذهبه.

قوله : «ولو قال : ان لم أحضره إلخ» دليل هذه المسئلة على الاجمال روايتا أبي العبّاس الفضل بن عبد الملك البقباق عن الصادق عليه السلام قال : سألته عن الرجل يكفل بنفس الرجل إلى أجل فان لم يأت به فعليه كذا وكذا درهما؟ قال : ان جاء به الى الأجل (أجل خ) فليس عليه مال وهو كفيل بنفسه أبدا الّا أن يبدأ بالدراهم فان بدأ بالدراهم فهو له ضامن ان لم يأت به الى الأجل الذي أجّله (١).

وعن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : رجل كفل لرجل بنفس رجل فقال : ان جئت به ، والا فعلىّ خمسمائة درهم؟ قال : عليه نفسه ، ولا عليه شي‌ء من الدراهم ، فلو (فان خ) قال : عليّ خمسمائة درهم ان لم ادفعه اليه فقال : يلزمه

__________________

(١) أورده والذي بعده في الوسائل باب ١٠ حديث ٢ و ١ من كتاب الضمان ج ١٣ ص ١٥٧.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الدراهم ان لم يدفعه اليه.

وفي أصل المسألة ودليلها تأمّل ، لأنّه يعلم أيضا كون مجرّد قوله : (ان لم أحضره إلخ) صيغة الكفالة و (على كذا إلخ) صيغة الضمان وجواز التعليق فيهما مع اشتراطهم الصيغة الخاصّة والمقارنة وعدم التعليق.

ففيه دلالة على ما ذكرناه من احتمال عدم اشتراط الصيغة الخاصّة والمقارنة على الوجه الذي ذكروه في العقود اللازمة وعدم جواز التعليق فتأمّل.

وللفرق (١) بين الكلامين بمجرد التقديم والتأخير وهو غير واضح ، بل الواضح الحكم بضمان المال في الصورتين الا أنه قدّم في الثانية ما يدل على الجزاء ، والجزاء بنفسه ان جوزنا تقديمه وأخّره في الأولى.

لأنه قد ثبت عند بعض المحققين من أهل العربيّة أنّ الحكم في الشرطيّة في الجزاء ، والشرط قيد له وظرف ولا حكم بينهما في الحقيقة ، وعلى تقدير وجوده بينهما أيضا لا يتفاوت بالتقديم والتأخير وهو ظاهر.

على ان الدليل لا ينطبق على المطلوب لان ظاهر الدليل وقوع الكفالة بالنفس في الصورتين ، وظاهر المتن خلافه.

ويمكن دفعه بان المراد بيان الكفالة بما ذكره لا وجودها بغيره قبله ويؤيّده قوله : (الّا أن يبدأ بالدراهم) فهذا إشارة الى أنّ في الأولى كفالة النفس ، وفي الثانية كفالة المال وهو ضمانه ، وكذا في الرواية الثانية.

ولأن ظاهرها يدل على الأجل ، وأنّ تعيّن الإحضار في الأولى ظاهر ، والمال في الثانية مشروط بعدم الإتيان (بالمال خ) وبالإحضار ، والمسألة في المتن

__________________

(١) عطف على قوله قده : وفي أصل المسألة ودليلها تأمل ولكن في بعض النسخ المخطوطة هكذا : والفرق بين الكلامين بمجرد التقديم والتأخير غير واضح.

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

خالية عنهما ، بل (في خ) مفهوم الأولى أنه ان لم يأت به الى الأجل ، يلزمه المال في الصورة الأولى وليس فيها تعيين (تعيّن خ) الإحضار ، بل ظاهرها تعيين المال أيضا ، ولا في الصورة الثانية أيضا تعيين (تعيّن خ) المال ، بل ظاهرها لزوم المال ، فان لم يأت به في الأجل يضمن المال.

ولأنّ كون المال المذكور في الرواية لا يظهر كونه هو الحقّ المضمون خصوصا الرواية الثانية وان كان ظاهر المتن أيضا كذلك الّا أن الظاهر أنّ المراد ذلك فالحكم المذكور لا يخلو عن اشكال كمضمون الروايتين.

والظاهر أنهما غير مجمع عليهما ، ولهذا نقل عن المصنّف وحده في شرح الشرائع أربعة أقوال ، وعن غيره أيضا بعض الأقوال ، ولكن بتغيير مّا بحيث ما علم الحكم بفساد الحكم بالكليّة.

وسندهما أيضا غير صحيح ولا حسن ، بل موثق ، الاولى (١) لداود بن الحصين فإنه قال النجاشي : ثقة ، وقال الشيخ في كتاب رجاله : واقفي ، فهو واقفي ثقة.

والثانية لحسن بن محمد بن سماعة ، قالوا : إنه واقفي ثقة وان كان فيه ابان (٢) أيضا ولكن قيل : هو ـ ممن أجمعت عليه ، وغير واضح كونه ناووسيّا ، بل قيل كان ناووسيّا ، وفي كتاب الكشي الذي عندي : قيل : كان قادسيّا أي من القادسيّة فكأنه تصحيف وبالجملة وهو لا بأس به ، وأحسن من الحسن.

__________________

(١) سندها هكذا ـ كما في التهذيب ـ احمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن داود بن الحصين ، عن أبي العباس.

(٢) وسندها كما في الكافي باب الكفالة إلخ هكذا : حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد الكندي ، عن احمد بن الحسن الميثمي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي العباس. يعني بالكندي ابن سماعة الكندي كما صرّح به النجاشي.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فقول شارح الشرائع : وفي رواية أخرى في طريقها ابان بن عثمان ـ بعد ذكر الرواية الأولى ـ محل التأمّل ، وكذا قوله : بقي الكلام في المستند فان في سند الروايتين ضعفا وجهالة في بعض رجالهما.

فإنه لا جهالة ولا ضعف فإنه لا قصور في سندهما الا ما أشرنا إليه من القول في داود : انه واقفي ، مع قول النجاشي انه ثقة والقول في الحسن (١) ، مع قول الشيخ في الفهرست : انه جيّد التصانيف نقّى الفقه حسن الانتقاد ، وابان ، مع انه ممن أجمعت ، وكثيرا ما يسمّى خبره صحيحا.

والروايتان بالحقيقة واحدة لأنّ الراوي هو أبو العباس.

فلا يبعد تركهما وترك ما قيل فيهما ، والقول بمقتضى القوانين بأن يقال : فان كان التعليق مطلقا مبطلا للكفالة والضمان فالمسألتان باطلتان لذلك الّا أن أوقع صيغتها قبل هذه الشرطيّة فيعمل بها ويحكم ببطلان الشرطيين (فيحكم خ) بالحكم المقرر فيهما.

وان جوز مطلقا أو بخصوصهما لكون الشرط من مقتضى الكفالة والضمان فينبغي أن يكون الحكم في الصورتين بإلزام الحق المضمون وضمانه ان لم يحضره في الأجل ولا يكلّف بالإحضار ولا يكون كفالة بوجه ولكن ان أحضره قبل منه وسقط عنه المطالبة بالمال للشرط.

ولا يبعد حمل الرواية الأولى على هذا بتمحّل في قوله عليه السلام : (وهو كفيل بنفسه أبدا) ، بأنه لا يخلصه من تسليم الدراهم ، إلا إحضاره.

وكذا الثانية بأن يكون المراد بقوله عليه السلام : (ولا عليه (٢) شي‌ء من الدراهم) ان جي‌ء به.

__________________

(١) يعني الحسن بن محمد الكندي.

(٢) في الرواية ولا شي‌ء عليه من الدراهم.

٣٢٤

ولو أطلق غريما من يد صاحبه قهرا لزمه إحضاره أو أداء ما عليه ، ولو كان قاتلا لزمه الإحضار أو الدية.

______________________________________________________

والظاهر أنّه المراد ليتوافق الاولى ، وأنّه يرجع حاصل الصورتين فيهما إلى أمر واحد.

وفي ظاهر الروايتين ، تخالف في الحكم ويمكن كون ذلك بحسب الظاهر لا بحسب نفس الأمر لوجود تغيير مّا في لفظهما ، فإنه ليس بمنقول لفظا عنه عليه السلام بل معنى فتأمّل.

ويمكن أن يكون المراد سبق ذكر الكفالة في الأولى بأن قال : (على نفسه) ، ثم قال : (فان لم أحضره فعلى كذا وكذا) وفي الصورة الثانية سبق ذكر الضمان بقوله : (علىّ المال مثلا إلخ) ولا حكم للشرطيّة ويكون ما فهم من سقوط المطالبة بالنفس بدفع المال في الأولى لحصول الغرض ، وهو استيفاء الحق كما مرّ انه مقتضى الكفالة.

وان معنى قوله : (فهو له ضامن ان لم يأت به الى الأجل الذي أجله) أنه ان سلّم المال في الأجل وتسلّمه ، والا فهو ضامن ولا بدّ من الخروج عن العهدة ، وكذا في الرواية الثانية.

ويمكن جعل الدراهم غير الحق الذي في ذمّة المضمون عنه بان خلّص المضمون عنه من يد الخصم بقوله له : (خلّه ولك عليّ كذا) امّا بنذر أو جعل عوضا لما فعله ونحو ذلك فلا يقبل منه الا ذلك.

هذا ما خطر بالبال في توجيه هذه المسألة ودليلها ، وفيها كلام كثير للأصحاب خصوصا للشهيد الثاني ، وتركته لعدم الوضوح والفائدة فتأمّل.

قوله : «ولو أطلق غريما إلخ» دليله انه ضامن وغاصب لليد فعليه ما أخذ من اليد غصبا أو ما هو المطلوب منه ، وهذا على تقدير الاكتفاء من الكفيل بالمال ظاهر.

٣٢٥

ولا يجب تسلّم (تسليم خ) الخصم قبل الأجل ، ولا الممنوع من تسلّمه بيد القهر ، ويجب بعد الأجل والمحبوس شرعا.

ويبرأ الكفيل بموت المكفول.

______________________________________________________

واما على تقدير تكليفه بإحضار النفس فلا ، فكأنه بناء على ما اختاره هناك ويحتمل حملها على تقدير تعذر تسليم المكفول ، ولو كان الذي استخلصه من يد صاحب الحقّ قاتلا والحق الذي عليه كان قتلا ، يلزم المخلّص الإحضار أو الدية ، ويمكن كون ذلك الحكم في الكفالة أيضا ، ولكن الظاهر تخصيصه فيهما بصورة التعذر فتأمّل.

قوله : «ولا يجب تسليم إلخ» دليله ما تقدم من عدم قبول الحق قبل الأجل ، وقد علم أيضا عدم وجوب التسلّم ، وعدم برأيه ذمّة الكفيل من تسليم المكفول محبوسا أو ممنوعا من تسلّمه بيد القهر والظلم الّا ان يكون محبوسا بحق.

قوله : «ويبرأ الكفيل إلخ» وجهه ظاهر وكأنه مجمع عليه للأصحاب ، والغرض ، الرد على بعض العامّة حيث أوجبوا المال على الكفيل الا انه قال في شرح الشرائع : هذا إذا لم يكن الغرض ، الشهادة على صورته والا وجب إحضاره ميتا وان كان بنبش قبره ، لأنه مستثنى.

لعلّه يريد مع اشتراطه على الكفيل حين الكفالة ، لأنه نقل ذلك في التذكرة عن بعض الشافعيّة ، وقال : ليس بجيّد لأن على الإحضار ، إنما يفهم منه إحضاره حال الحياة وهو المتعارف بين الناس ـ والذي يخطر بالبال ـ وهذا هو المعقول.

نعم لو صرّح حين الكفالة ـ بذلك ولو قصدا ـ يمكن الإيجاب فكأنه مقصود الشارح ، لا ما قاله بعض الشافعيّة فتأمّل.

وكذا بتسليم المكفول نفسه ، سواء قال عن الكفيل أم لا ، وكذا لو سلّمه كفيل آخر ، لان المقصود حصوله بيد المكفول له في وقت المطالبة من غير مانع وعدم

٣٢٦

وتسليم نفسه ، وبإحضار الكفيل الآخر له.

ولو كفله من اثنين لم يبرأ بالتسليم الى أحدهما.

وينظر الكفيل بعد الحلول بقدر الذهاب الى بلد المكفول وإحضاره.

وينصرف الإطلاق إلى التسليم في بلد الكفالة ولو عيّن غيره لزم.

______________________________________________________

الفرق بين الأخذ من الكفيل وغيره بخلاف أخذ المال ، فلو سلمه الأجنبيّ أيضا يكون كذلك كما أطلق جماعة كما في الشرائع.

وغيره نقل المنع عن الشيخ في تسليم الكفيل الآخر ، فلو خلّص بعد ذلك من يده يجب عنده على الآخر تسليمه.

وهو بعيد بل قال : لو سلمه عن جهته أيضا بغير اذنه لم يجب عليه القبول ، إذ لا يجب عليه قبض الحق الا ممن عليه ، لكن لو قيل : بري‌ء الكفيل لكان جيّدا ، فتأمّل فيه.

قوله : «ولو كفله من اثنين إلخ» وجهه أيضا ظاهر ، لأن الحقّ لهما فلا يبرأ بالتسليم الى أحدهما كتسليم المال المشترك الى احد الشريكين الا ان يكون المتسلّم وكيل الآخر.

قوله : «وينظر الكفيل إلخ» وجه إمهال الكفيل ـ حين غيبة المكفول عن بلد يجب تسليمه فيه ـ واضح ، إذ يلزم التكليف بما لا يطاق وكون ذلك بعد حلول الأجل الموعود أيضا ظاهر ، ومعلوم أنّ المراد إذا عرف وجوده في موضع معيّن لا من انقطع خبره.

قوله : «وينصرف الإطلاق إلخ» وجهه واضح إذا لم يكن قرينة تدل على تعيين المراد في بلد غير ذلك ، مثل كونه في بريّة أو محلّ يسافر منه الى بلد آخر

٣٢٧

والقول قول المكفول له لو ادّعى الكفيل انتفاء الحقّ ، ولو ادّعى الإبراء حلف المكفول له ، فان ردّ برء من الكفالة دون المكفول ، من الحق.

______________________________________________________

يحلّ في ذلك البلد وغير ذلك.

وبالجملة ـ مع التعيين صريحا أو بالقرينة ـ يجب التسليم في المعيّن ، ومع عدمه وعدم شي‌ء يدل على عدم ارادة ذلك البلد ينصرف اليه ، ومع وجوده وعدم ما يدلّ على التعيين لا يبعد اشتراط التعيين ، فلو لم يعيّن يبطل فتأمّل وقد مرّ مثله.

قوله : «والقول قول المكفول له إلخ» وجهه أيضا ظاهر ، لأن الكفيل قائل بالكفالة ، وهي ـ من دون ثبوت حق في ذمّة المكفول ـ غير معقول فلا يسمع ولا يحلف له.

نعم لو ادّعى الإبراء بعدها فهو مدّع ، والمكفول له منكر ، فالقول قوله مع يمينه كما في سائر الدعاوي ، فإن ردّ اليمين فحلف الكفيل بالإبراء برأ عن الكفالة ، ولا يبرأ المكفول عن الحق ، فله أخذه منه إلّا أن يدّعى هو أيضا وأثبته بالبيّنة أو بإقراره أو حلفه بعد ردّ اليمين عليه ، وهو ظاهر.

٣٢٨

«المقصد الخامس في الصلح»

ويصحّ على الإقرار والإنكار ما لم يغيّر المشروع.

______________________________________________________

«المقصد الخامس في الصلح»

قوله : «المقصد إلخ» في التذكرة وغيرها : الصلح عقد شرع لقطع التنازع ، وهو عقد سائغ بالنص والإجماع.

والنص من الكتاب قوله تعالى «وَإِنِ امْرَأَةٌ ، خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً ، وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» (١) ، وقوله تعالى : «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما» (٢).

ومن السنّة من طريق العامّة ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا (٣).

ومن الخاصّة ما رواه حفص بن البختري ـ في الحسن لإبراهيم ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : الصلح جائز بين الناس (٤).

__________________

(١) النساء ـ ١٢٨.

(٢) الحجرات ـ ٩.

(٣) سنن أبي داود ج ٣ ص ٣٠٤ باب في الصلح حديث ١ رقم ٣٥٩٤ وبهذا المضمون قد ورد من طريق الخاصّة أيضا فراجع باب ٣ حديث ٢ من كتاب الصلح من الوسائل.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١ من كتاب الصلح ج ١٣ ص ١٦٤.

٣٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا أعم من الخبر العامّي.

وما رواه محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، ومنصور بن حازم ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام انهما قالا في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه ، ولا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه؟ فقال كلّ واحد منهما لصاحبه : لك ما عندك ، ولي ما عندي؟ فقال : لا بأس بذلك إذا تراضيا ، وقال منصور في حديثه : وطابت أنفسهما (١).

(وخ) لكن ليس فيهما صراحة بالصلح فتأمّل.

وصحيحة عمر بن يزيد ـ الثقة ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا كان للرجل (رجل خ) على الرجل (رجل خ) دين فمطله حتى مات ثم صالح ورثته على شي‌ء فالذي أخذ الورثة ، لهم ، وما بقي ، فهو للميّت (فللميّت ئل) يستوفيه منه في الآخرة ، وان هو لم يصالحهم على شي‌ء حتى مات ولم يقض عنه فهو (كله ئل) للميّت ، يأخذه به (٢).

وفيها فوائد ، مثل عدم صحّة الصلح : بأقلّ بمعنى عدم برأيه ذمّة المشغول به الا عمّا اعطى (أعطاه خ).

وان صاحب الحق يملكه عوضا عن بعض ماله.

وأنه يقضي الدين عن الميّت.

وان ما بقي في ذمّة الغريم هو للمالك الأصلي لا للوارث.

والأخبار الدالّة على إصلاح ذات البين والصلح ، كثيرة (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ١ من كتاب الصلح. وفي طريق الصدوق والكليني أيضا عن محمد بن مسلم : وطابت أنفسهما.

(٢) الوسائل باب ٥ حديث ٤ من كتاب الصلح.

(٣) راجع الوسائل باب ١ و ٢ و ٣ ، وغيرها من كتاب الصلح.

٣٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن في الاستدلال بها على الصلح بالمعنى المذكور تأمّل كما في الآيتين.

وبالجملة لا نزاع ولا شبهة في جوازه في الجملة ، وانما النزاع في كونه مسبوقا بخصومة ودعوى أم لا؟ وهل هو فرع على غيره أم عقد مستقلّ بنفسه؟ وظاهر التذكرة أنه لا نزاع عند علمائنا فيهما ، بل عام ومستقلّ عندهم.

ولكن الظاهر كونه عاما غير مشروط بسبق دعوى وحكومة ونزاع ثابت بإجماعهم من غير نقل نزاع (خلاف خ) عنهم فيه.

نعم لبعض العامّة ـ فيه نزاع ـ بخلاف الاستقلال فإنّه نقل عن الشيخ في شرح الشرائع قولا عن المبسوط بأنه فرع العقود الخمسة كما هو مذهب الشافعي.

فرع البيع إذا أفاد نقل عين بعوض معلوم.

وفرع الإجارة ان أفاد نقل منفعة بعوض.

وفرع الهبة إذا تضمن ملك عين بغير عوض.

وفرع العارية ان تضمن إباحة منفعة بغير عوض.

وفرع الإبراء إذا تضمن إسقاط دين كلّا أو بعضا.

والفرق بين الشيخ والشافعي أنه لا بدّ في كلّ ذلك عنده من سبق دعوى بخلاف الشيخ ففائدة الخلاف بينهما ظاهر.

وكذا بين باقي الأصحاب والشيخ ، لان عنده حكم الصلح في الاحكام حكم ما جعل فرعا له في الأحكام (ففي الأوّل) بيع فيحتاج إلى شرائطه ويجري فيه جميع أحكامه ، من اشتراط الكيل والوزن ، والتقابض في المجلس ان كان صرفا ، وعدم الربا وان قيل باختصاصه بالبيع وغير ذلك من الأحكام ، وكذا في غيره من باقي العقود.

فالدليل على الحكم الأوّل ـ وهو كونه عاما غير مشروط بسبق نزاع ـ إجماع الأصحاب المفهوم من التذكرة ، وانه تجارة ، وأنّه عقد فيعمّ كسائره مثل قوله :

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

أوفوا (١) ، والمسلمون عند شروطهم (٢) ، وأن للناس ما يفعلون في أموالهم عقلا ، ونقلا (٣) حتى يعلم المانع ، وقوله عليه السلام : الصلح جائز (٤) ، فإنه يعمّ ، وصحيحتا محمد ومنصور عن أبي عبد الله عليه السلام (٥) ، وهما صريحتان في ذلك.

وكذا صحيحة الحلبي (وغير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام ئل) : في الرجل يكون عليه الشي‌ء فيصالح فقال : ان كان بطيبة نفس من صاحبه فلا بأس (٦).

وصحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة (٧).

وصحيحه أيضا قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ضمن عن (على خ كا) رجل ضمانا (ثمّ صالح على بعض ما صالح عليه (٨)؟ قال : ليس له الّا الذي صالح عليه (٩) ومثلها في الموثق عنه (١٠).

ويحتمل كونها هي بعينها ، لأنه نقلها في التهذيب في بحث الصلح بسند

__________________

(١) المائدة ـ ١.

(٢) راجع الوسائل باب ٦ حديث ١ و ٢ و ٥ من أبواب الخيار ج ١٢ ص ٣٥٢.

(٣) إشارة إلى النبوي المعروف : الناس مسلطون على أموالهم ـ عوالي اللآلي ج ١ ص ٤٥٨ رقم ١٩٨.

(٤) تقدم آنفا في أوائل هذا البحث موضع نقله من العامّة والخاصّة.

(٥) تقدمتا آنفا.

(٦) الوسائل باب ٥ حديث ٣ من كتاب الصلح.

(٧) الوسائل باب ٥ حديث ٤ من كتاب الصلح.

(٨) ليست هذه الجملة بموجودة في صحيح عمر بن يزيد بل في موثق ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام فراجع الوسائل باب ٦ حديث ٢ من كتاب الضمان.

(٩) الوسائل باب ٦ حديث ١ من كتاب الضمان ج ١٣ ص ١٥٣.

(١٠) الظاهر ان مراده قده قوله : (في الموثق) ما رواه الكليني ره (في باب الصلح من كتاب التجارة) عن محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن عيسى ، عن ابن بكير ، عن عمر بن يزيد.

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

موثق ـ بعبد الله بن بكير (١) ـ مع وجود محمد بن خالد (٢) ـ كأنّه البرقي ، وقيل فيه شي‌ء وفي بحث الضمان ـ بحذف السند ـ عن عمر بن يزيد ، ولكن لمّا رأيت أنّ سنده إليه في الفهرست صحيحا (٣) ، قلت : في الصحيح فتأمّل.

وفيها دلالة على ان الضامن انما يأخذ ما أعطاه لا ما ضمن فتأمّل.

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يعطي أقفزة من حنطة معلومة يطحنها بدراهم (يطحنون بالدراهم خ) ، فلما فرغ الطحّان من طحنه نقده الدراهم وقفيزا منه ، وهو شي‌ء قد اصطلحوا عليه فيما بينهم؟ قال : لا بأس به وان لم يكن ساعره على ذلك (٤).

وغير ذلك من الاخبار ، والإجماع ، كاف في ذلك مع عدم ظهور المخالف منّا.

واما التعريف (٥) فيحتمل ان يكون بناء على جعله (أعم خ) لما قاله الأصحاب والعامّة ، لأنهم يبحثون معهم في مسائل ، فجعل التعريف المتفق بينهم.

__________________

(١) رواه في باب الكفالات والضمانات من التهذيب بإسناده ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن بنان بن محمد ، عن صفوان ، عن ابن بكير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ضمن إلخ و (في باب الصلح بين الناس) ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن خالد ، عن ابن بكير ، عن عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام إلخ.

(٢) هكذا ذكره قدس سرّه لكن في رجال المتتبع الميرزا محمد الأردبيلي عند ذكر طرق الشيخ ره هكذا :

(٣) والى عمر بن يزيد مجهول في الفهرست ، واليه صحيح في التهذيب في باب حكم الجنابة في الحديث الثاني عشر والثالث عشر والحادي والعشرين ، وفي باب حكم الحيض في الحديث الخامس عشر ، وفي باب صفة الوضوء من أبواب الزيادات في الحديث الثامن (انتهى) وهكذا أيضا نقله المحقق المامقاني في رجاله.

(٤) الوسائل باب ٨ حديث ١ من كتاب الصلح.

(٥) يريد به ما تقدم من تعريف الصلح بأنه عقد شرع إلخ.

٣٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ويحتمل ان يكون المراد ما شرع لقطع النزاع أصالة كما هو الظاهر ، وهو لا ينافي جريانه في غير النزاع أيضا وان لم يكن ذلك مقصودا من شرعه كما قيل في قوله تعالى «أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (١) ـ أي الجنّة و (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (٢) ـ أي النار ـ فإنه لا ينافي دخول غير المتقي ، الجنّة ـ والعاصي الغير الكافر ، النار.

على ان التعريف غير منقول من الشارع ، لأنه غير معلوم ، ثبوت حقيقة شرعيّة أصلا فكيف هذا بخصوصه فهو اصطلاح بعض الفقهاء وكلّ من لم يجعله أعمّ اكتفى به ، ومن جعله عامّا لم يكتف به بل يعرّف بما يقتضي مذهبه والأحكام الثابتة عنده.

واما النزاع الثاني (٣) الذي وافق المبسوط فيه بعض الجمهور على ما نقله في شرح الشرائع ، فما نعرف وجهه ، فان الظاهر ان غير البيع ليس ببيع ، ولا فرعه في أحكامه فلا يكون حكمه حكمه وان أفاد فائدته إلّا بدليل ، والدليل ليس بواضح ، فكان قول المبسوط ، نقل عن العامّة لا مذهب له.

ولهذا قال في التذكرة : الصلح عند علمائنا اجمع عقد قائم بنفسه ليس فرعا على غيره (انتهى) وما نقل عن المبسوط خلافا وظاهر الأدلّة المتقدّمة يقتضي عدمه أيضا وهو ظاهر فتأمّل.

فكأنه يقول : عقد البيع ما يفيد تمليك عين معلوم بشي‌ء معلوم ، ومثله في تعريف الإجارة فيكون الصلح راجعا الى أحد الأمور المذكورة ولا يكون عقدا برأسه للأصل وصدق تعريف غيره عليه فتأمّل.

ولعلّه ظهر من الأدلّة المتقدمة كونه جائزا عاما ما لم يجعل به الحرام حلالا

__________________

(١) آل عمران ـ ١٣٢.

(٢) البقرة ـ ٢٤ وآل عمران ـ ٢٣١.

(٣) الذي تقدم بقوله قدس سره : نعم لبعض العامّة فيه نزاع إلخ فلاحظ.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بان يجعل الصلح مشتملا على ربا ان عمم الربا في البيع وغيره ولكن المصنف لم يعمّم فصرّح في التذكرة بجواز الربا وعدم اشتراط القبض في المجلس إذا كان الصلح في الأثمان بمثله وغيره ممّا ثبت تحريمه مثل استرقاق حرّ واستباحة بضع محرّم.

وبالعكس (١) مثل عدم الانتفاع بما هو حلال مثل أن لا يطأ زوجته وأمته ولا ينتفع بماله الحلال وغيرها.

وهو ظاهر معتبر ، في جواز جميع العقود ، بل يعتبر في جميع الأمور الجائزة عدم اشتماله على حرام.

الا انه جرى عادتهم في انهم انما يذكرون هذا في الصلح فقط ، فكأنه لوجوده في الخبر المتقدم والذي يأتي ، ولتجويزهم على العموم يدفعون وهم من يتوهم من الجهّال.

ثمّ اعلم ان ظاهرهم اشتراط الصيغة الخاصّة للإيجاب والقبول والمقارنة كما في سائر العقود اللازمة فإنه عقد لازم ، للأدلة المتقدّمة مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) ، ولأن الأصل فيها اللزوم.

ولكن في اقتضاء كونه عقدا لازما ذلك بحث تقدم (٣) وظاهر الاخبار المتقدمة خلاف ذلك خصوصا صحيحتي محمد ومنصور ، والأصل كذلك.

والبحث في جواز المعاطاة مثل ما تقدم ، فكأنه ما ذكر المصنف هنا.

وفي التذكرة وغيرها ، انه لا بد من الإيجاب والقبول والمقارنة على حدّ سائر العقود حوالة عليها أو يكون له فيه التأمل فتأمّل.

__________________

(١) عطف على قوله قده : (ما لم يجعل به الحرام إلخ).

(٢) المائدة ـ ١.

(٣) يعني في كتاب التجارة.

٣٣٥

ومع علم المصطلحين وجهلهما بقدر المال المتنازع عليه دينا كان أو عينا لا ما وقع عليه الصلح.

______________________________________________________

ولعله ظهر ممّا تقدم صحّته مع الإقرار والإنكار ما لم يشتمل على منهيّ عنه من عموم الأدلّة المتقدّمة ، والإجماع المدّعى في التذكرة ، قال : ويصحّ الصلح على الإقرار والإنكار عند علمائنا أجمع وبه قال أبو حنيفة.

فكأنّ الأصحاب يريدون الرد على الشافعي حيث منع في الإنكار.

فإن كان فيه نهي متعلّق بأركانه بحيث لا يصلح لذلك مثل كون ما يصالح عليه استرقاق حرّ ، وتحريم بضع حلال ، يبطل ، وان كان غير ذلك فيحرم فقط وهو ظاهر.

ولكن معنى صحّته مع الإنكار غير ظاهر ، ولعلّ المراد أنه إذا لم يكن أحدهما عالما ببطلان دعواه ، أو الذي يعطي شيئا يكون عالما فقط ويعطيه لقطع النزاع وعدم الحلف فهو صحيح ظاهرا أو في نفس الأمر ، وإذا كان المدعي عالما بالفساد فهو غير صحيح في نفس الأمر ولا يملك شيئا ، وكذا ما زاد على ما في ذمّته مع الإقرار أيضا واما إذا كان كلاهما أو المنكر فقط عالما فلا تبرء ذمته من شي‌ء في نفس الأمر إلا ما اعطى ولا يصحّ ذلك الصلح ، وانما يملك عوضا عن ماله فتأمّل.

قوله : «ومع علم المصطلحين إلخ» إشارة إلى شرائط صحّته ، قال في التذكرة : أركانه أربعة ، المصطلحان ويشترط كونهما جائزي التصرف كما في سائر العقود ، ورضاهما (١) إجماعا ، والمصالح عليه ، والمصالح عنه.

ويشترط فيهما التملك ، فلو كان غير مملوك مثل خمر ، أو استرقاق حرّ ، أو استباحة بضع محرّم لم يقع ولم يفد العقد شيئا ، بل يقع باطلا بلا خلاف ، وكذا يبطل على مال غيره لعدم الملكيّة بالنسبة إليهما.

__________________

(١) يعني رضا المصطلحين.

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يشترط العلم بما يقع الصلح عنه ، لا قدرا ولا جنسا ، بل يصح ، سواء علما قدر ما تنازعا عليه وجنسه أو جهلاه ، دينا كان أو عينا ، وسواء كان أرشا أو غيره عند علمائنا أجمع وبه قال أبو حنيفة (١) لعموم قوله تعالى «وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» ، وقوله صلّى الله عليه وآله : الصلح جائز (٢).

والروايات المتقدمة خصوصا صحيحتي محمد ومنصور.

واعلم أنه لا كلام في الصحة مع علمهما فإذا رضيا بالصلح حينئذ صحّ أيّ شي‌ء كان المصالح عنه واما مع جهلهما بالكليّة بذلك فهو أيضا صحيح مع حصول الرضا لما تقدم من الأدلّة خصوصا الأخيرة.

واما إذا علم القدر والعين ، وأمكن ايصالهما بعينهما أم لا ، فان كان العالم هو صاحب الحقّ فقط دون الغريم ورضي بالصلح الواقع وان كان بأقل فالظاهر انه أيضا صحيح في نفس الأمر ، ومملّك ومبرء لذمّة الغريم وهو ظاهر وان كان العالم هو الغريم فقط وكان الحق عينا يمكن إيصالها فيشكل صحّة الصلح في نفس الأمر وان كان ما يصالح عليه أكثر الا ان يعلمه ويصرّح (أو يصرّح خ) ب (مهما كان) ورضي في نفس الأمر به.

ويمكن مع عدم ذلك ، الصحّة بالنسبة إلى المستحق ظاهرا بمقدار ما أخذ وكونه عوضا ومقاصّة أو للحيلولة فتأمّل.

وان كان ممّا لا يمكن الإيصال فلا يبعد الصحّة بالأكثر والمساوي لا بالأقلّ الا على الوجه المتقدّم.

وان كان دينا فلا كلام مع المساواة والزيادة.

__________________

(١) واحمد (التذكرة).

(٢) من قوله قده وأركانه أربعة إلى هنا من التذكرة منقول بالمعنى فراجع التذكرة البحث الثاني في الأركان (من كتاب الصلح) وموضع الآية والرواية قد تقدم آنفا.

٣٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واما مع نقصان ما يصالح عليه من الحقّ فلا يصلح ولا يبرء إلّا بالإعلام أو الرضا الباطني المعلوم الشامل لما يكون ، وبدون ذلك يصحّ فيما قابل ويبرأ عنه ، بل لا صلح ، وانما الإبراء في الحقيقة لإيصال بعض الحقّ لا للصلح كما قاله في شرح الشرائع ، وهو ظاهر من القواعد المقرّرة.

ويدلّ عليه أيضا رواية علي بن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : رجل يهوديّ أو نصرانيّ كانت له عندي أربعة آلاف درهم فمات (مات ئل) (يجوز خ) لي ان أصالح ورثته ولا أعلمهم كما كان؟ قال : لا يجوز حتى تخبرهم (١).

ولا يضرّ ضعف على بن أبي حمزة ، بأنه البطائني الواقفي المردود ، لأنه (٢) الذي يروي عن أبي الحسن عليه السلام دون الثمالي الثقة.

وصحيحة عمر بن يزيد المتقدمة (٣).

ولان دليل الصحّة مع الجهل مخصوص بصورة الجهل الذي تقدم كما مرّ في صحيحة محمد ومنصور (٤).

ولا فرق فيما تقدم في الصلح مع الإقرار والإنكار.

واما معلومية ما يقع عليه الصلح فالظاهر أنه لا نزاع فيه إذا لم يكن هو ممّا يصالح عنه ، مثل ما تقدم في صحيحتي محمد ومنصور ، لأنه طرف لعقد مقدور المعلوميّة فلا بدّ ان يكون معلوما ليندفع الغرر كما في سائر العقود.

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٢ من كتاب الصلح ج ١٣ ص ١٦٦.

(٢) تعليل لقوله قده : ولا يضرّ ومراده قده انه روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام وذلك قبل وقفه وهو غير ضائر ويمكن جعله تعليلا أيضا لكونه البطائني لا الثمالي فإنه لا يروي عن أبي الحسن.

(٣) الوسائل باب ٥ حديث ٤ من كتاب الصلح.

(٤) لاحظ الوسائل باب ٥ حديث ١ من كتاب الصلح.

٣٣٨

ويكفي المشاهدة في الموزون.

ويصحّ على عين بعين ومنفعة ، وعلى منفعة بعين ومنفعة.

______________________________________________________

ولكن الظاهر أنه يكفي العلم في الجملة اما بوصفه أو مشاهدته ولا يحتاج الى الكيل والوزن ، ومعرفة أجزاء الكرباس والقماش ، والثياب ، وذوق المذوقات ، وغير ذلك ممّا هو معتبر في البيع ونحوه.

للأصل ، وعدم دليل واضح على ذلك ، وعموم أدلّة الصلح المتقدّمة ، ولأن الصلح شرع للسهولة والإرفاق بالناس يسهل إبراء ذمتهم فلا يناسبه الضيق ، ولأنه مبني على المسامحة والمساهلة ، واليه أشار بقوله : (ويكفي المشاهدة في الموزون) وان خالف فيه البعض.

قال في الدروس : والأصحّ انه يشترط العلم في العوض إذا أمكن ، وقال في موضع آخر : ولو تعذر العلم بما صولح عليه جاز (الى قوله) : ولو كان تعذر العلم لعدم المكيال والميزان في الحال ومساس الحاجة الى الانتقال فالأقرب الجواز.

وهو مختار شارح الشرائع أيضا ولا نعرف له دليلا ، وما تقدّم ينفيه ويؤيّده التجويز عند التعذر ، فان ذلك لا يجوز في البيع عندهم فتأمّل ، وان ثبت كونه فرعا (١) فثبت فيه جميع ما ثبت في أصله ، فيكون الشيخ في المبسوط أيضا مخالفا ، الله يعلم فتأمّل واحتط.

ولا يختصّ بشي‌ء ، فإنه يجوز لإسقاط الدعوى وإسقاط الخيار ، والتحجير والأولويّة في موضع مباح مثل موضع من السوق ، والخان ، والمسجد ، والمدرسة ، صرّح به في التذكرة وغيرها فتأمل في نحو المسجد.

قوله : «ويصحّ على عين إلخ» الأقسام أربعة ، وجه صحّة الكلّ

__________________

(١) ان ثبت كون الصلح فرعا من أحد الأمور الخمسة ولم يكن مستقلا في العقديّة فكلّ صلح مفيد لأحدها بحكم الأصل.

٣٣٩

ولو صالحه على دراهم بدنانير أو بالعكس صحّ وان لم يتقابضا.

وهو لازم من الطرفين لا يبطل إلّا بالتراضي.

ولو اصطلح الشريكان على اختصاص أحدهما بالربح والخسران ، والآخر برأس ماله صحّ.

______________________________________________________

واضح ، وهو عموم أدلّة الصلح من غير مانع.

قوله : «ولو صالحه على دراهم إلخ» وجه الصحّة من غير قبض في المجلس ، هو كونه عقدا ومعاوضة برأسه ، وعدم دليل على اشتراط القبض في المجلس إلا في بيع الصرف ، وكذا يصح مع اشتمال زيادة أحدهما على الآخر وان كانا ربويين على رأي المصنف لا غيره ، لأنّ الربا عنده مخصوص بالبيع ، ولكنه قوّى في الدروس (١) جواز صلح مأة ، على خمسمائة وان كان الربا عامّا ، لأنه هنا إبراء ولا ربا فيه ، لرواية غير صحيحة ، ولا صريحة ، على انه قائل بأنه عقد برأسه ، لا فرع ، وأنه لا بدّ من كون خمسمائة دينا وفي الذمّة فتأمّل.

قوله : «وهو لازم من الطرفين إلخ» دليله ما تقدّم من «أَوْفُوا» ونحوه ، وأنّه عقد برأسه ، نعم لو قيل بالفرعيّة يكون جائزا في بعض الأفراد ، مثل أن يكون عارية أو هبة ، فلا يبطل إلا بالتراضي.

ولعلّ وجه جواز الإبطال بالتراضي والتقايل ، الإجماع ، وأنّه أكل مال بطيب نفس ، وتجارة عن تراض كما في إبطال سائر العقود.

قوله : «ولو اصطلح الشريكان إلخ» دليله عموم أدلّة الصلح ،

__________________

(١) عبارة الدروس هكذا ولو صالح على غير الربوي بنقيصة صحّ ولو كان ربويا وصالح بجنسه روعي أحكام الربا لأنها عامة في المعاوضات على الأقوى الّا ان نقول : الصلح هنا ليس معاوضة ، بل هو في معنى الإبراء وهو الأصح ، لأن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لكعب بن مالك : اترك الشطر واتبعه بيقينه وروي ذلك عن الصادق عليه السلام وينبغي ان يكون صورته : صالحتك على ألف بخمسمائة ولو قال : بهذه الخمسمائة ظهرت المعاوضة والأقوى جوازه أيضا لاشتراكهما في الغاية (انتهى) الدروس ص ٣٧٨.

٣٤٠