مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

فان اشترى في الذمة ولم يصرّح بالإضافة وقع عنه.

والوكيل أمين وان كان بجعل ويقع الشراء للموكّل لا له.

______________________________________________________

قوله : «فان اشترى في الذمة» في صور ، وكّله في الشراء بالعين (فاشترى هو في الذمة) فإن أضاف إلى الموكل ، لا يصحّ ، لعدم الوكالة فرضا ، وان لم يضف ، فان أضاف إلى نفسه فهو له مع شرائط البيع ، وان لم يضف الى أحد فهو له بحسب الظاهر ونفس الأمر ان قصد نفسه ، والا ، فإن نوى الموكل فهو له بحسب الظاهر ولم يقع له ولا للموكّل بحسب نفس الأمر فالمبيع للبائع ، فينبغي استعمال ما يخرجه من المحذور مهما أمكن وان لم يمكن أخذه اقتصاصا لثمنه وقد أشير اليه وسيجي‌ء أيضا.

قوله : «والوكيل أمين إلخ» قال في شرح القواعد : يلوح من كلامهم انه لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام.

وقال في شرح الشرائع : في شرح قوله : (ولو اختلفا في التلف فالقول قول الوكيل لأنه أمين وقد يتعذر إقامة البيّنة بالتلف غالبا إلخ) : وجه القبول ـ مع مخالفته الأصول بعد الإجماع ما ذكره المصنف ، ولا فرق بين ان يدعي تلفه بسبب ظاهر كالحرق والغرق ، وخفي كالسرقة عندنا ، وفي حكمه الأب والجد والحاكم وأمينه والوصي إلخ (١).

والحكم لا يخلو عن إجمال وإشكال ، فإنه ليس بمعلوم أن المراد بكونه أمينا قبول قوله مع يمينه وعدم ضمانه في كلّ ما يدّعيه من تلف المبيع والثمن بعد قبضه على وجه شرعيّ ، ومن ردّه الى الموكّل وتسليمه إيّاه ، ومن انه فعل ما وكّل فيه (به خ) وغير ذلك.

وهل هو مخصوص بما ليس بجعل أو أعم أو انه مخصوص ببقاء الوكالة أو أعمّ أو مخصوص بالبعض؟ وأنّ الإجماع المدّعى ، في الكلّ أو البعض ، مع انه

__________________

(١) إلى هنا عبارة المسالك.

٥٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

خلاف الأصل ، ولكنه يحتمل ، لانه لو ضمن لزم سدّ باب الوكالة (١) ، إذ قد يتخيّل تعذّر الشهود المقبولة فلا يقبل ، وكذا في غيره من الامناء كما أشار إليه في شرح الشرائع ، وهو يؤيد الأوّل.

ويؤيده أيضا أنه منكر على بعض تعريفات المدعي والمنكر (٢) ، ونقل الإجماع الّا ان الأصل وبعض التعريفات الأخر مؤيد للعدم.

مع ما في الإجماع وعدم ثبوته أيضا ، فإنه قال في التذكرة : إذا وكّله في بيع (ببيع خ) أو هبة أو صلح أو طلاق أو عتق أو إبراء أو غير ذلك ثم اختلف الوكيل والموكل ، فادعى الوكيل انه تصرف كما أذن له فأنكر الموكّل وقال : لم تتصرف البتة بعد ، فإن جرى هذا النزاع بعد عزل الوكيل لم يقبل قوله الّا ببيّنة ، لأن الأصل ، العدم وبقاء الحال كما كان إلخ (٣).

فتأمل في هذا الحكم خصوصا مع الفرق ، فإنه يسهل حينئذ إلزامه بالبيّنة بالعزل ثم ذكر الخلاف في مسألة أخرى في دعوى الرد بين المسلمين ، بل بين أصحابنا.

وقال : (٤) فان كان وكيلا بغير جعل احتمل تقديم قول الوكيل ، لأنه قبض المال لنفع مالكه فكان القول قوله مع اليمين كالودعيّ.

ويحتمل العدم ، لأصالة عدم الرد ، والحكم في الأصل ممنوع.

وان كان وكيلا بجعل ، فالوجه انه لا يقبل ، قوله : لانه قبض المال لنفع

__________________

(١) في بعض النسخ هكذا : لأنه يتضمن.

(٢) معرفات المدّعي على المعروف ثلاثة : ١ ـ إذا ترك الدعوى تركت الخصومة. ٢ ـ إذا كان قوله مخالفا للأصل. ٣ ـ إذا كان قوله مخالفا للظاهر ، والمنكر خلافه في الثلاثة.

(٣) إلى هنا عبارة التذكرة ج ٢ ص ١٣٧.

(٤) في التذكرة هكذا : مسألة إذا اختلفا فادعاه الوكيل وأنكره الموكل فان كان إلخ.

٥٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مالكه نفسه (الى قوله) : وجملة الأمناء على ضربين (أحدهما) من قبض المال لنفع مالكه لا غير كالمودع والوكيل بغير جعل فيقبل قولهم في الرد عند بعض الفقهاء من علمائنا وغيرهم ، لأنه لو لم يقبل قولهم لامتنع الناس من قبول الأمانات فيلحق الناس الضرر. (والثاني) من ينتفع بقبض الامانة كالوكيل بجعل والمضارب والأجير المشترك والمستأجر والمرتهن ، والوجه أنه لا يقبل (١).

وهذا التفصيل لا يخلو عن قوّة ، مع احتمال العمل بالأصل ، ولكن يحصل الضرر كما أشار إليه ، فمع تحققه ينبغي الخروج عنه.

وقال في مسألة : إذا ادعى الوكيل تلف المال الذي في يده للموكل أو تلف الثمن الذي قبضه عن متاعه في يده وأنكر المالك قدّم قول الوكيل مع يمينه وعدم البيّنة ، لأنه أمينه فكان كالمودع ولأنه قد يتعذّر إقامة البيّنة عليه فلا يكلّف ذلك ، ولا فرق بين ان يدعي التلف بسبب ظاهر كالحرق والنهب أو بسبب خفيّ كالسرقة والتلف ، وكذا كل من في يده شي‌ء لغيره على سبيل الأمانة كالأب والوصيّ والحاكم وأمينه والودعي والشريك والمضارب والمرتهن والمستأجر والأجير المشترك لانه لو لا ذلك لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها ، وقال بعض العامّة : إذا ادّعى التلف بأمر ظاهر كالحرق والنهب ، كان عليه إقامة البيّنة على وجود هذا الأمر في تلك الناحية ثم يكون قوله في طرفها بذلك وبه قال الشافعي أيضا لأن وجود الأمر الظاهر ممّا لا يخفى ولا يتعذر إقامة البيّنة عليه (٢).

فما عرفت (عرفنا خ) دعوى الإجماع خصوصا إجماع المسلمين الذي ادعاه المحقّق الثاني بقوله : ويلوح إلخ (٣).

__________________

(١) إلى هنا عبارة التذكرة ج ٢ ص ١٣٧.

(٢) الى هنا عبارة التذكرة أورده في البحث الثاني في المأذون ج ٢ ص ١٣٧.

(٣) الذي تقدم في أول هذا البحث.

٥٨٣

وكل موضع يبطل الشراء للموكل ، فإن أضاف في العقد لم يقع عن أحدهما والا قضى على الوكيل.

وكذا لو أنكر الوكالة ولا بيّنة ، فان كان الوكيل كاذبا فالملك له

______________________________________________________

نعم قد يشمّ رائحة إجماع أصحابنا في ان القول قول الوكيل في دعوى التلف مطلقا ، مع احتمال تخصيصه بما إذا لم يكن بجعل كما فصّله في التذكرة ، وفيما سبق ، ولكن كان صريحا (١) في التلف ، ولكن لا يبعد فهم العموم وان كان أصل المسألة في الرد كما هو مقتضى دليل الطرفين.

ويمكن العمل بالأصل لعدم تحقق الإجماع الذي لا شي‌ء فيه وإمكان دفع المحذور بشرط قبول قوله مع دعوى التلف ونحوه ثم يكون ذلك لازما ، لعموم أدلّة العمل بالشرط أو بشرطه (شرطه خ) في أمر لازم أو بنذر وشبهه ولكنه بعيد وليس بمعلوم القائل فالمحذور يشكل دفعه.

والأصل معارض بأصل براءة الذمة ، وعدم الغرم وعدم كذب المسلم وحمل أفعاله على الصحّة مهما أمكن كما ورد في الروايات.

ويؤيده صدق بعض تعريفات المنكر وهو من إذا ترك لم يترك ، فالقول بالسماع ـ كما هو المشهور ومختار الكتاب خصوصا مع عدم الجهل وكون الوكيل أمينا ـ غير بعيد فتأمل فإنها من المشكلات.

قوله : «وكل موضع يبطل الشراء للموكل إلخ» قد مرّ وجه أنه إذا أضاف في عقد ما وكله فيه ـ مثل الشراء الى الموكّل وأسنده اليه وقصده وبطل العقد لا خلال شرطه ، وصحة عقد الوكالة ـ لم يقع لأحدهما.

وانه إذا لم يضف قضي بكونه للوكيل ظاهرا ، بل مضى الحكم أيضا.

الّا أنه اعاده لما بعده مثل أن أنكر الموكّل الوكالة ولا بيّنة للوكيل وحلف

__________________

(١) في بعض النسخ ولكن ما كان صريحا في التلف.

٥٨٤

ظاهرا وباطنا والا ظاهرا فيقول الموكّل : ان كان لي (ما لي خ) فقد بعته منه ، ولو امتنع الموكّل من البيع ، استوفى الوكيل وما غرم ويردّ الفاضل أو يرجع.

______________________________________________________

الموكّل ، لان (١) القول قوله معه ، فان كان أضاف اليه ونواه لم يقع لأحدهما والّا يقع للوكيل ظاهرا.

ثم ان كان الوكيل كاذبا في دعوى الوكالة والشراء له ونوى لنفسه يكون له ظاهرا وباطنا والّا فظاهرا فقط ، فان نوى للموكّل مع الوكالة ، ينبغي ان يكلّف الموكّل ان يقول : (ان كان لي فقد بعته منك بكذا وأبرأت ذمتك من الثمن) أو يقول : (وهبتك إياه) ويغتفر التعليق ـ على تقدير عدم جواز مثل هذا التعليق الذي هو لازم في نفس الأمر ـ للضرورة.

فان لم يفعل ، فيعطى الموكل الثمن من المبيع بان يبيعه ويمكّن أن يأخذه لنفسه عوضا عما غرم عنه للبائع.

فإن زاد ثمن مثله عن المسمّى ، يرده إلى المشتري ولو كان بوجه لا يشعر انه من تلك الجهة.

وان نقص فالظاهر ان له المقاصّة.

فان لم يكن نوى لأحد أو كان البيع للموكل باطلا على تقدير صحّة الوكالة يستعمل مع البائع ما عمل مع الموكل كما أشرنا إليه في صورة الغبن وشراء المعيب.

وكذا جميع الصور التي يكون البيع للموكل مع ثبوت الوكالة.

وقوله : (أو يرجع) إشارة الى ما ذكرناه من الرجوع الى المالك الموكل على تقدير نقصان المبيع عما غرم (غرمه خ) مع صحّة العقد من غير يمين ، فيكون التفاوت حاصلا من تغيير السعر أو تغيير في المبيع بضعف وغيره.

__________________

(١) في بعض النسخ : كان القول بدل قوله : لان القول.

٥٨٥

وليس له التصرف بغير ذلك من وطء وانتفاع.

ولو وكل اثنين وشرط الاجتماع أو أطلق ، لم يكن لأحدهما الانفراد ولا القسمة.

______________________________________________________

قوله : «وليس له التصرف إلخ» أي ليس للوكيل ـ على تقدير كونه للموكل مثلا ـ التصرف في ذلك المبيع بغير وجه استيفاء ما غرم من بيع وما يتعلّق بحفظه ، لا وطء لو كان قابلا له والركوب وغير ذلك من الانتفاعات ، لأنه ليس ملكه ، بل ملك الغير.

وبعد ان تأملت ما ذكرناه يظهر لك إجمال كلامهم في مثل هذا المقام خصوصا المتن فان ما ذكره من قوله : (فيقول) (١) فإنه مخصوص بما إذا كان البطلان للموكّل بسبب إنكار الوكالة لا بحسب مخالفته لما وكّل فيه من الشراء نقلا مع التوكيل نسيئة والغبن وغير ذلك فتأمّل.

قوله : «ولو وكل اثنين وشرط الاجتماع إلخ» لا شكّ في انه إذا وكّل وصرّح بالانفراد أنّ كلّ واحد منهما وكيل برأسه ، وكذا في انه لو صرّح بالاجتماع ، انهما معا وكيل ، وليس لأحدهما الانفراد فيما وكّل ، ولا القسمة بينهما ، فيتصرّف كلّ منهما على حدته في البعض ، وهو ظاهر.

واما مع الإطلاق ، فإن وجدت قرينة دالّة على ان المراد الانفراد أو الاجتماع فيتبع أيضا مثل ان وكّل أوّلا في أمور وصرفه فيها ثم وكّل الآخر فيها وسلّمه إيّاه مع غيبة الآخر فإنهما منفردان ، وكذا لا كلام فيما إذا وجدت قرينة دالّة على ان المراد هو الاجتماع.

وان لم يوجد قرينة مفيدة ، فظاهر الأصحاب انه لا كلام في كونهما وكيلين مجتمعين لا منفردين كما شرط الاجتماع.

__________________

(١) كما تقدم من الماتن ره في قوله : فيقول الموكّل ان كان لي فقد بعته إلخ.

٥٨٦

ولو مات أحدهما بطلت وليس للحاكم ان يضمّ اليه ، ولو شرط الانفراد جاز.

______________________________________________________

ودليله أصل عدم الوكالة وعدم جواز التصرف في مال الغير إلا باذنه وقد تحقق فيهما ولم يتحقق في كلّ واحد ، فيبقى على العدم ، ولان قوله : (وكّلتكما) صريح في كونهما وكيلين فهما وكيلان بمنزلة مخاطب واحد ، فان توجه الخطاب إليهما معا بالوكالة مثل توجهه الى واحد فهما بمنزلة واحد وجعلهما اثنين منفردين ، وتوجه الخطاب الى كل واحد واحد على حدة غير ظاهر ولا مفهوم من العبارة فلا دالّ على الوكالة ، وفي الوصيّة خبر (١) يدل على كونهما معا وكيلين لا كل واحد مع الإطلاق ، وسيجي‌ء وقد مرّ.

ثم ان مات أحدهما بطل وكالتهما كما إذا ماتا معا أو كان وكيلا واحدا فمات وليس للحاكم ضم واحد آخر اليه وإنفاذ أحكام الوكالة وان كان المالك غائبا الّا ان يحتاج أموره إلى الوكيل وهو غائب ، فلا يبعد الضم حينئذ حيث احتاج الى الوكيل وكان للباقي دخلا ، فجعل واحد آخر معه أولى من عزله بالكليّة ونصب غيره وكيلا (وكيله خ) كما سيجي‌ء ان للحاكم ان يضم الى الآخر ان مات أحد الوصيين ، ومعنى اجتماعهما صدور الموكّل فيه ووجوده عن رأيهما معا ، فان كان عقدا ينبغي ان يأذن أحدهما الآخر فيوقع الصيغة ويحتمل ثالثا أيضا ، إذ الظاهر جواز الاذن هنا في مثله ، ويحتمل صدوره عن كل واحد فيوقع أحدهما مع المشتري أو الزوج ثم الآخر هكذا قال في شرح الشرائع.

وفيه تأمل ، إذ العقد الصحيح الغير المؤثر للمطلوب المترتب عليه بل يكون موقوفا على عقد آخر غير معهود في الشرع.

وفي صدق تعريف العقد الصحيح عليه تأمّل وتكلف فلا يبعد كون هذا

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٥١ من كتاب الوصايا ج ١٣ ص ٤٣٩.

٥٨٧

ولو قال : اقبض حقي من فلان فمات بطلت بخلاف اقبض حقي الذي عليه.

ولو وكل المديون في الشراء بالدين صحّ ويبرأ بالتسليم الى البائع.

______________________________________________________

قرينة أيضا على جواز التوكيل ، كما انه إذا وكّل أحدا في أمر لا يقدر عليه.

والظاهر عدم الشبهة في جواز توكيل أحدهما الآخر الّا مع عجزهما فيوكلان ثالثا.

فامّا في الوصيين فالتوكيل أظهر ، إذ تصرفهما بالولاية كالموصي مثل الأب والجدّ كما مرّ ان له التوكيل فتأمل.

قوله : «ولو قال : اقبض حقّي من فلان إلخ» وجه بطلان الوكالة ـ على تقدير موت فلان الذي عليه الحقّ للموكّل ووكّل في أخذه عنه ـ ظاهر ، لأنه يتعذّر الأخذ منه بعد موته فهو بمنزلة تلف ما وكّل فيه ، فلا يكون له الأخذ من ورثته ، لعدم شمول الوكالة لهم ، فإن الوكالة في أخذ الحقّ من فلان لا يستلزم الوكالة في الأخذ عن وارثه بإحدى الدلالات ، بل له الأخذ منه ومن وكيله ، لان يده يده وصرّح به في القواعد ، نعم قد يفهم بقرينة فتتبع كما مرّ.

بخلاف ما لو وكّل في استيفاء حقّه على فلان ، فإنّه ان مات فلان لا تبطل الوكالة حينئذ فيجوز له الأخذ منه ومن وكيله وممّن يؤدّيه عنه من الورثة وغيره لشمول الوكالة لهم الّا ان يعلم المراد بقرينة فلا يتعدى.

قوله : «ولو وكل المديون في الشراء إلخ» أي لو وكّل الدائن مديونه ، بأن يشتري له بشي‌ء بدين له في ذمّته صحّ هذا التوكيل ويبرأ المديون عن الدين بتسليمه الى البائع.

ولعل المراد بالشراء بالدين شراءه في ذمة الموكّل ، ثم إعطاء الدين إلى البائع

٥٨٨

ولا تثبت (الوكالة خ) الا بعدلين اتفقا ، لا بشاهد وامرأتين ، ولا بشاهد ويمين.

______________________________________________________

ثمنا له ، ولعله يحصل التعيين هنا للموكل بتعيين الوكيل ، فكأنه وكيل في القبض له وإعطائه أيضا ، ولا يصير كون الواحد قابضا ومقبضا ، فتأمّل.

ويفهم ذلك من التوكيل في الشراء به ، فالظاهر انه لا يحتاج الى تعيين ذلك أوّلا وقصد القبض له وان كان أولى ، لأنه يحصل بمجرد نيّة الإعطاء معه أو يتعيّن بأخذ البائع.

والظاهر انه لو عيّن الوكيل لم يتعيّن قبل (فعل خ) التسليم ، فلو تلف حينئذ يكون من ماله لا مال الموكّل فتأمل ، واما دليل المسألة فواضح.

قوله : «ولا تثبت الوكالة إلّا بعدلين إلخ» قال في التذكرة : تثبت الوكالة بإقرار الموكّل على نفسه أنه وكّله ، وبشهادة عدلين ذكرين ، ولا تثبت بشهادة رجل وامرأتين ولا بشهادة رجل ويمين عند علمائنا اجمع (١).

فدليل ثبوتها بالعدلين ، الإجماع ، وما دلّ على قبولهما ، وكذا على قبول الإقرار.

وعلى عدم ثبوتها بالمذكورين ، الإجماع ، والأصل مع عدم الدليل ، إذ الدليل على الثبوت بهما انما هو في المال ، والوكالة ولاية وان كانت مشتملة على المال أيضا.

ولهذا لم يثبت بهما الوصيّة مع ثبوت الوصيّة بالمال بهما على ما ذكره في شرح الشرائع.

وذكر أيضا انه إذا كانت مشتملة على الجعل يمكن ثبوته بهما ، دونها كما في السرقة فإنه يثبت المال دون القطع.

وفيه تأمل ، إذ المال ما ثبت الّا بثبوت السرقة التي حكم الشارع بثبوتها ،

__________________

(١) الى هنا عبارة التذكرة.

٥٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فكيف لا يلزم القطع ويلزم المال الّا ان يخصّص ثبوت الحدّ ويقال : ليس ثبوت الحدّ مع شرائط القطع المذكورة ، من لوازم السرقة شرعا ، بل مع ثبوتها بغيرهما ، وكذا الكلام هنا ، فتأمل فيه.

ثم اعلم ان الظاهر من كلامهم انه لا بدّ في الإثبات بالشاهدين من ضمّ حكم الحاكم الّا ما استثني ، مثل الهلال.

قال في التذكرة هنا : لو قال (أي من شهد عدلان على وكالته) : ما اعلم صدق الشاهدين لم تثبت وكالته ، لقدحه في شهادتهما على اشكال أقربه ذلك ان طعن في الشهود ، والا فلا ، لأن الاعتبار بالسماع عند الحاكم ، وجهله (١) بالعدالة ـ مع علم الحاكم بها اما بنفسه أو بالتزكية ـ لا يضر في ثبوت حقه (٢). ودليله غير واضح.

وكذا الحكم ، والمستثنى (٣) ، فإنه غير مضبوط وقد اعترف به شرح الشرائع على ما مرّ ، وفي ذلك (٤) حرج ، وسيجي‌ء تمام البحث فيه ان شاء الله.

الا ان الأمر في الوكالة أسهل ، لأن الظاهر انه إذا علم الوكيل وادعى ذلك وكان متصرفا من غير منازع يجوز المعاملة معه والأخذ منه والتصرف فيه ، وكذا في الولي والوصي ، بحمل أعمال المسلمين على الصحّة ، ولقبول قول امرأة طلقها زوجها : أنها تزوجت آخر وطلّقها المحلّل ودخل بها وخرجت عن العدّة عند الأكثر.

واشترط بعض كونها أمينة كما هو ظاهر الرواية الصحيحة (٥).

__________________

(١) يعني جهل الوكيل بعدالة الشاهدين.

(٢) الى هنا عبارة التذكرة.

(٣) الظاهر انه يريد من الحكم ما ذكره قده قبيل هذا بقوله : من ضم حكم الحاكم ومن المستثنى ما ذكره بقوله : (الا ما استثنى) والله العالم.

(٤) ان المراد من قوله قده : وفي ذلك هو حكم الحاكم والله العالم.

(٥) راجع الوسائل باب ١١ من أبواب أقسام الطلاق ج ١٥ ص ٣٧٠.

٥٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولأنه لو لم يكن كذلك للزم الحرج والضيق.

ولأنه على ذلك عمل المسلمين.

ولأنه يعلم كل أحد أن الغنم مثلا ليس ملكا للقصّاب ويبيع ، وكذا متعة البزاز وفواكه البقال وأموال التجارة.

ولأنه ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام ، ولا عن العلماء ، التوقف في ذلك والاستفسار وكانوا يشترون الأشياء عن الوكلاء ويقبضون الهدايا والتحف وغيرها من الوكلاء وممن في يده ، بل قالوا بجواز الأخذ من الصبيان والعبيد وكانوا يوكّلون الناس ويبعثون الى البلاد البعيدة وكان معلوما عدم الشهود معهم ، وبالجملة ، الظاهر ان لا كلام فيه ، الله يعلم.

وأيضا ، الظاهر من كلامهم عدم ثبوتها بالاستفاضة أيضا حيث قالوا : لا يثبت إلّا بعدلين وان أمكن ان يكون الحصر إضافيا بالنسبة الى رجل وامرأتين ورجل ويمين ونحوهما من شهادة النساء ، ورجل واحد ، ولهذا قالوا : هذا الكلام فيما صرّحوا بثبوته بالاستفاضة ، مثل رؤية الهلال حيث ذكر ذلك في كتاب الصوم ، ثم عدّ مما يثبت بالاستفاضة في محلّه وفعل ذلك في القواعد والدروس.

وأيضا لا يجد العقل فرقا بين الأمور بحيث يثبت البعض بالاستفاضة دون الغير ، فان كان عليه دليل ، مثل كونه أقوى ظنّا من الشاهدين فيثبت بالطريق الأولى ، فلا ينبغي التخصيص ، بل يجري في الكل كما يفهم من شرح الشرائع.

ولكن في كون ذلك دليلا تأمل حيث يجب في الموافقة (١) العلم بالعلّة ووجودها فيه ، وذلك غير واضح ، إذ قد يكون الثبوت بالعدلين تعبدا محضا.

ولهذا لو فرض حصول مثل ذلك الظن ، بل الأقوى بسبب القرائن ، مثل

__________________

(١) يعني مفهوم الموافقة.

٥٩١

ولا بموافقة الغريم.

ولو اختلفا في تاريخ الإيقاع أو في اللغة أو في العبارة ، لم يقبل ، ولو كان ذلك في الإقرار ، قبل.

______________________________________________________

كون المدّعي ورعا جدّا وفي الغاية ، وكذا شاهده مع الوحدة وقلّة ما يدعيه جدّا بحيث يقرب الجزم بعدم الكذب ، لم يعمل به على الظاهر.

وكذا الظاهر انه لا يعمل بها في الحدّ والرجم وان كان الظن أقوى ، بل القتل أيضا فإن الجرأة على أمثالها من غير نص وإجماع ، مشكل جدا فكيف مع ظهور المنع من الأكثر بحيث كاد ان يكون إجماعا ، فالتعميم مشكل.

وكذا التخصيص بالبعض دون البعض الّا ان يكون بدليل خاص من إجماع ونحوه.

نعم يمكن ذلك في مثل الوكالة بقرائن بحيث يعلم أو يقرب من العلم بحيث ما يبقى الّا الاحتمال الذي باق في العلوم العاديّة ، والاحتياط طريق السلامة لو أمكن فلا يترك وسيجي‌ء إن شاء الله تمام البحث.

وقوله : (بعدلين اتفقا) كأنه يريد به الاتفاق في تاريخ الإيقاع والعبارة الدالة على إنشائها كما ستعلم ، قال في التذكرة : من شرط قبول الشهادة اتفاق (الشاهدين ـ خ) العدلين على الفعل الواحد ، فلو شهد أحدهما انه وكّله يوم الجمعة وشهد الآخر انه وكّله يوم السبت لم يثبت البيّنة لأن التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت فلم يكمل شهادتهما على فعل واحد ، فتأمّل.

قوله : «ولا بموافقة الغريم» اي لا تثبت الوكالة بإقرار من ادّعي عليه انه عنده مال لزيد مثلا بالوكالة وتصديقه إياه بمعنى انه لا يترتب عليه جميع أحكام الوكالة ، نعم له العمل بمقتضى إقراره ، وقد مرّ البحث في انه يؤمر بالتسليم أم لا؟ والفرق بين العين والدين.

قوله : «ولو اختلفا في تاريخ الإيقاع إلخ» حاصل دليلهم على اشتراط

٥٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الاتفاق في التاريخ واللغة والعبارة ـ إذا كان إنشاء دون إقرار ـ انه لا بدّ في ثبوت عقد الوكالة من النصاب الشرعي ولم يحصل مع الاختلاف فيها إذا كان المشهور إنشاء وصدور العقد ، فالمانع هو وجود الاختلاف في الإنشاء والأصل عدمه في الإقرار لأن وجود الاتحاد شرط ، فيمكن الاخبار عنه مرارا متعددة مع اتحاده وقد أقر مختلفا وانه يمكن حصوله في الإقرار فإن له خارجا ، إذ قد يكون الواقع العقد من الموكل متحدا ، فلا يلزم من تعدد الإقرار تعدد الإنشاء الذي هو المانع من القبول ، فيكفي احتمال الاتحاد لأن الأصل عدم المانع ، وهو التعدد ، ويمكن إجراؤه على القول بالشرطيّة أيضا.

وفيه تأمّل ، فإن ظاهر قولهم : ان الاتفاق شرط (١) ومع ذلك إذا كان الاختلاف مانعا ينبغي العلم بزواله ، ومجرد (٢) ان الأصل عدم الاختلاف والتعدد المانع مع صدور الإقرار مخالفا ممّا يشكل اعتباره في الشهادة.

وأيضا إذا كان ذلك مانعا فما يكون الشاهد مثلا إذا سمع التوكيل ، ان يقول : وكّله ، بل ينبغي تفصيله ، لاحتمال ان يكون الاختلاف موجودا مع شاهد آخر خصوصا إذا لم يكن وقت السماع معه أحد ، مع انهم ما اشترطوا (ما شرطوا خ) في الشاهد بالوكالة ولا في الحكم ، الاستفسار والتفصيل ، بل يحكمون بمجرد قولهما انه وكّله ، أو وكيله.

ولأنه ما نجد لهم دليلا على عدم اعتبار اتحاد الشاهد المقبول على كل عقد من العقل والنقل ، بل نجده مجرد الدعوى ، فلم لا يجوز الاكتفاء بشاهد واحد في كل عقد إذا كان ممّا يقبل التعدد ولا يضرّه ، فإنه من الجائز أن يقول عند شاهد عدل

__________________

(١) يعني ظاهر قولهم اشتراط الاتفاق لا مانعية الاختلاف.

(٢) مبتدأ وخبره قوله قده ممّا يشكل.

٥٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يوم الجمعة بالعربيّة : وكّلتك ، وفي يوم السبت ، عند آخر : (وكيل كردم شما را) لغرض من الأغراض مثل الاشهاد كما في الإقرار ، فإن الشاهدين يشهد ان باذنه له في التصرف ، ولا منافاة ، إذ يجوز صدوره منه مرّتين ومختلفين ، وأمثاله كثيرة.

وليس مثل الطلاق الذي يشترط فيه سماع الشاهدين معا ، صيغة واحدة ، فإن عليه دليلا خاصا.

وبالجملة ، الظاهر من القوانين ، القبول ، وأنه لا إجماع على عدمه ، وان كان المصنف هنا وغيره على العدم ، وكذا المحقق الثاني ، وانه المشهور كما قاله في شرح الشرائع.

وظاهر كلام المحقق في الشرائع ذلك قال : ولو (١) شهد أحدهما بالوكالة في تاريخ منه والآخر في تاريخ آخر قبلت شهادتهما وكذا لو شهد أحدهما بأنه وكّله بالعجميّة والآخر بالعربيّة إلخ.

وان كان في تردده في ـ مثل قول أحدهما ان الموكل قال : وكلتك والآخر استنبتك ـ تأمل لأنه ان كان مع اتحاد وقت الوكالة ينبغي البطلان وعدم الثبوت للتنافي ، وان كان مع الاختلاف يصحّ مثل ما تقدم ، وينبغي الاستفسار مع عدم التصريح ، وكذا في صورة العربيّة والعجميّة مع إمكان العمل ، بها مع عدم التهمة للحمل على الصحّة مع فرض العدالة والضبط كما في سائرها.

وبالجملة ، الفرق بين استنبتك ووكّلتك ، وبين العربيّة والعجميّة محل التأمّل.

وكذا الفرق بين الإقرار والإنشاء باشتراط الاتحاد وعدمه ، بما مرّ ، لانه

__________________

(١) هذه عبارة الشرائع ولكن في الشرائع بعد قوله ره شهادتهما : نظرا إلى العادة في الإشهاد ، إذ جمع الشهود لذلك في موضع الواحد قد يعسر وكذا إلخ (الشرائع الخامس فيما يثبت به الوكالة).

٥٩٤

ويجب التسليم مع المطالبة والقدرة ، فإن أخر ضمن.

______________________________________________________

لا ينفع ثبوت خارج للإقرار ، والأصل عدم التعدد ، إذ الشهادة والحكم انما وقع على الإقرار والفرض تعدد عقده ، وعدم ثبوت المتعدد (التعدد ظ) ، واشتراط عدم التعدد ، واشتراط الوحدة ، في المشهود به أو مانعيّة التعدد في الأمور المذكورة.

وقال في شرح الشرائع : هذا (١) غاية ما يمكن ان يقال في الفرق ، إشارة (٢) الى ما قدمناه.

ويمكن ان يفرق بان التعدد في الإنشاء يضرّ دون الإقرار ، لأن الشهادة على الإنشاء في قوّة قوله : (الى حين إيقاع الإنشاء ليس بوكيل مطلقا) فهو مكذب لشاهد آخر فلا يمكن توكيل الموكل وبيع المبيع وغير ذلك بخلاف الإقرار ، فإنه لمّا كان خبرا عن أمر واقع ، ومعلوم عدم جواز امتناع خبر بعد خبر ، فلا يدل على عدم وجود أخبار أخر.

فتأمل ، فإن فيه أيضا تأمّلا لأنه قد يمنع عدم جواز التعدد ، والتنافي (٣) ، لما أشرنا إليه بأنه قد يتعدد الإنشاء لغرض من الأغراض ، مثل الاشهاد ورفع شبهة وقعت في الأولى أو غير ذلك فتأمل.

قوله : «ويجب التسليم مع المطالبة إلخ» الظاهر انه لا خلاف في وجوب تسليم مال الغير الى مالكه مع طلبه والقدرة على التسليم مطلقا وجوبا فوريا وكيلا كان أو غريما أو مستعيرا أو ودعيّا.

وكذا في خروج الأمين عن الأمانة فيصير ضامنا بالتأخير كالغاصب.

__________________

(١) عبارة شرح الشرائع (المسالك) هكذا : هذا غاية ما يمكن توجيهه في الفرق الذي ادّعوه (انتهى).

(٢) يعني قوله ره : هذا إلخ إشارة الى ما قدّمناه من الفرق وقد بيّن الفرق في عبارته قبل هذا الكلام بما ذكرناه.

(٣) يعني ان الخلاف فيما إذا طالبه الغريم لم يدفع اليه وشرع في عبادة هل تصح هذه العبادة التي تنافي فورية الدفع أم لا؟.

٥٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وانما الخلاف في بطلان ما ينافي الدفع ، من العبادات ، والقوانين الأصوليّة تقتضي البطلان على تقدير بقاء وجوب الفوريّة في الدفع وعدم استثناء وقت العبادة وعدم كون العبادات مضيّقة وهو ظاهر ، بل نجد الاتفاق في ذلك بعد التأمل حيث نجد ان القائل بالعدم يقول به.

وكذا الحكم في كل الفوريات كالزكاة والخمس والمال الموصى به للفقراء ، بل ما دفع للصرف الى مصرف الّا انه لا يشترط هنا المطالبة إذا كان للصرف عامّا ، مثل الزكاة والخمس فإنه لا يتوقف على الطلب ، إذ ليس له مطالب معيّن صرّح به في الدروس ، وكذا إذا كان خاصّا وما علم به ، وكذا الواجب بالنذر وشبهه والكفارات.

ولكن في الفوريّة هنا (١) تأمل ، والأصل ينفيهما ، وكذا عدم كون الأمر للفور وخرج منه ما عليه دليل ويبقى الباقي.

نعم قالوا : يجوز لكل من عليه حق ، ان يمتنع من التسليم الى ان يشهد وان كان من عليه الحقّ أمينا يقبل قوله باليمين ، مثل الوكيل ، حذرا عن اليمين ، ومعلوم ان هذا انما يكون في الحقوق الخاصّة المتعلّقة بالأشخاص التي تحتاج الى اليمين ، على الدفع أو الشهود ولا يقبل قوله.

فلا يرد اعتراض شارح الشرائع على كلامه ، كلّ (٢) من في يده مال لغيره أو في ذمته له ان يمتنع من التسليم حتى يشهد صاحب الحق بالقبض آه بقوله : وقوله : كل من بيده أو في ذمته يشمل نحو الحقوق الواجبة كالزكاة فإنها (٣) حق في الذمة أو في يده على تقدير عزلها وليس له التأخير الى ان يشهد على عزلها (٤) (دفعها خ) وهو

__________________

(١) يعني في وجوب تسليم مال الغير فورا إذا طالب الموكّل.

(٢) في الشرائع (الرابعة) : كل من بيده مال لغيره أو في ذمته له ان يمتنع إلخ.

(٣) متعلق بقوله اعتراض.

(٤) الى هنا عبارة المسالك.

٥٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهر.

ثم اعلم ان في فتح هذا (١) إشكالا ، إذ قد يتعذر وجود عدلين مقبولين خصوصا في زماننا هذا وفي أكثر البلدان ، فإن أهلها يمتنعون (يمنعون خ) عن الصلاة جماعة ، بل صارت معدومة بالكليّة ، لعدم العدل مع سهولة الأمر في ذلك ، وان كانوا يرتكبون الطلاق مع صعوبة الأمر فيه بالنص والإجماع ، وكذا في بعضها (٢) عن الطلاق أيضا لذلك ، حتى انه قال الشهيد الثاني ، والسيد المعاصر (٣) تلميذه ، انه لو قيل بعدم جواز التقصير للعاصي بسفره ، لم يجز لأحد التقصير الّا نادرا لتركهم الواجبة (٤) العينيّة وعدم إمكان تحصيلها في السفر فهو معصية وان كان فيه بحوث قد مضت.

(منها) انه مبنيّ على كون الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده الخاص وهو لا يقول به ، فلا يبعد عدم الجواز مع التعذر أو التعسّر المستلزم لمنع صاحب المال ، عن ماله الذي يدل العقل والنقل على قبحه خصوصا إذا استلزم فوت المصالح مع أنّا ما نعرف دليلا واضحا على جواز ذلك المنع الّا ما أشير ، وهو احتمال لزوم اليمين ، وهو لا يعارض العقل والنقل.

على انه قد لا يلزم ، بل قد يعلم من حال صاحب المال انتفاء ذلك وانه لا محذور فيه ، وعلى تقديره ليس بأشدّ من منع المال عن مالكه ، مع انه قد لا يفيده في تكليفه أيضا بذلك لعدم حضور المال في ذلك البلد ، والشهود انما تنفع مع الحاكم

__________________

(١) يعني الحكم بوجوب تسليم الحق الى صاحبه بمجرد المطالبة موجب لفتح اشكال وهو انه قد يتعذر إلخ وحاصله انه موجب لانعدام صلاة الجماعة رأسا وبطلان الطلاق أحيانا وذلك لعدم تحقق العادل حينئذ.

(٢) في بعض البلدان.

(٣) لعل المراد السيد نور الدين والد صاحب المدارك أو ابن الصائغ صاحب كتاب شرح الشرائع.

(٤) يعني الواجبات التكليفية العينية.

٥٩٧

ولو وكله في القضاء ولم يشهد به ، ضمن.

______________________________________________________

على ما قالوا ، وقد لا يكون هناك قد يسدّ أبواب المعاملة مثل الديون والعارية والإجارة وغيرها.

فالمنع عن مثله ـ لاحتمال بعيد للاعتماد على أمر غير متحقق ، إذ قد لا يكون الحاكم أو يموت الشهود أو يخرج عن شرط القبول ـ بعيد خصوصا ممّن يقبل قوله ، ولهذا خصّ البعض بما عليه البيّنة (أشار إليه في الشرائع) (١).

وبالجملة ، الحكم الكلي مشكل جدا الّا ان يكون عليه نصّ أو إجماع ، الله يعلم.

ولكن لا إجماع ، حيث قال في التذكرة : فلو قال من في يده المال أو عليه : لا ادفع المال اليه الا بالإشهاد ، فالأقرب (٢) ان له ذلك ـ بعد ان قال : يجب الردّ كما في المتن ـ ويمكن تخصيص عباراتهم بما لا يستضرّ صاحبه ، فتأمّل.

وكذا قوله : (ولو وكّله في القضاء إلخ) أي لو وكّله في قضاء دين عليه ، فلا بدّ من الاشهاد المقبول عند القضاء ، لأنه المبرئ للذمّة ، ظاهرا وباطنا ، والذي هو مطلوب ، الموكّل ، والموكّل فيه ، فلو ترك لم يأت بالموكّل فيه ، فيكون ضامنا وآثما أيضا على الظاهر حيث انه ما كان مأذونا بالدفع.

وفيه أيضا ما تقدم في الجملة وفي فتح باب مثل هذا سدّ لباب قبول الوكالة إلّا مع الجهل فيمكن ان يعذر ، ولهذا تردّد في الشرائع (٣).

والظاهر ، العدم ، لعدم اقتضاء الوكالة ، الإشهاد مع تركه ، والأصل براءة الذمّة ، ولو لم يشهد وأنكر الغريم أداءه ، يغرم هو للموكّل ، ولا يقبل قوله حيث فرّط

__________________

(١) في النسخة المطبوعة الحجريّة : (في شرح الشرائع).

(٢) فإن هذا التعبير دال على ان المسألة خلافيّة كما لا يخفى.

(٣) قال : السادس في اللواحق (الى ان قال) : الخامسة الوكيل في الإيداع إذا لم يشهد على الودعي لم يضمن ولو كان وكيلا في قضاء الدين فلم يشهد بالقبض ضمن وفيه تردّد (انتهى).

٥٩٨

بخلاف الإيداع.

وللبائع مطالبة الوكيل مع جهل الوكالة.

______________________________________________________

الّا ان يكون الموكّل مقرا به ، فتأمل.

وأيضا قد يكون الموكّل حاضرا أو علم الاذن من القرائن فليس ببعيد ، الجواز وعدم الضمان حينئذ ، وكونه مستثنى أيضا من هذا الكلام.

ونحوه قوله : (بخلاف الإيداع) أي بخلاف ان وكّل في الإيداع ، فإنه لا يلزمه الاشهاد ولو تركه لم يضمن.

لعلّ الفرق أن الودعي أمين وليس بضامن وقوله مقبول ، فتأمل.

وقيل : ان الخفاء في الوديعة مطلوب بخلاف قضاء الدين.

وفيه تأمل ، إذ قد يكون خفاء القضاء أيضا مطلوبا كالوديعة.

ويمكن ان يقال : الأصل ، العدم حيث حكم بالوكالة من دون الشرط فيجوز من دون الإشهاد إلّا فيما يثبت له دليل.

وما نعرف دليلا في القضاء أيضا ، لعله لا إجماع حيث تردّد في الشرائع ، والأصل يشمل الكل فيقتضي عدمه في شي‌ء ممّا أمر به الّا إذا كان شرطا فيه مثل الطلاق أو يكون عليه دليل.

والظاهر ان جميع الأمانات ، مثل التسليم الى المستعير والوكيل ، مثل الإيداع ، فتأمل.

قوله : «وللبائع مطالبة الوكيل مع جهل الوكالة» لا الموكّل مع علمه أي للبائع مطالبة الوكيل دون الموكل بثمن مبيعه ان كان جاهلا بوكالته في البيع.

وجهه ظاهر كوجه مطالبة الموكّل فقط به مع علمه بالوكالة لا الوكيل ، فإنه واسطة في إيقاع العقد حتى ان ليس له قبض المبيع ولا تسليم الثمن على ما مرّ تفصيله الّا مع القرينة.

نعم لو علم تسليم الثمن له والاذن في التسليم مع تسلّمه المبيع ، لا يبعد

٥٩٩

وتقبل شهادة الوكيل لموكّله فيما لا ولاية له فيه. ولو عزل قبلت في الجميع ما لم يكن اقام بها أو شرع في المنازعة.

______________________________________________________

مطالبته أيضا ، وله حينئذ مطالبة الموكّل أيضا على سبيل التخيير والبدل فيمكن تخصيص العبارات وهو ظاهر.

وأيضا ، الظاهر ان المراد إذا كان في الذمة ، واما إذا كان عينا فلا يطلبه الا عمّن في يده ، سواء كان الوكيل أو الموكّل.

قال في شرح الشرائع : لا يتم هذا على إطلاقه لأن الثمن لو كان معيّنا لم يصحّ له مطالبة غير من هو في يده إلخ.

فيه تأمّل إذ لا يخفى ان هذا (ذلك خ) ان كان في يد الغاصب مثلا مع جهله بكونه غاصبا يمتنع من الأداء ، يمكن كون المالك مطالبا ومكلّفا بالتسليم ، فإنه يحصل الضرر مع العدم ، بل مع العلم أيضا ، إذ لا بدّ للإقباض من المالك فتأمّل.

وقال أيضا : ولا يكفي في ثبوت الوكالة اعتراف الموكل بالوكالة لإمكان تواطئهما على إسقاط حق البائع عن مطالبة الوكيل.

هذا غير بعيد خصوصا إذا كان المقرّ قويا ، ولا يمكن الأخذ منه والوكيل ضعيفا الّا ان فيه تأمّلا ، إذ صاحب اليد مقرّ بأنه لغيره ، وكذا من أقرّ له فينبغي القبول ، الّا ان يقال : بعد العقد لا يقبل قوله ، وحينئذ ، الظاهر ان له مطالبة كل واحد على سبيل البدل قاله الشارح ونقله عن التذكرة أيضا.

قوله : «وتقبل شهادة الوكيل إلخ» لا نزاع في قبول شهادة الوكيل بين المسلمين على الظاهر ، على الموكّل ، لحصول الشرائط وعدم المانع ، ولا في قبولها له فيما لا ولاية له عليه مطلقا ، واما فيما له ولاية ووكالة فيه فيقبل عند الأصحاب فيه أيضا إذا كانت الشهادة بعد العزل ما لم يكن أقام الشهادة حين الوكالة وردّت لتهمة الوكالة ، أو لم يكن عزله الموكّل بعد شروعه في تلك المنازعة والمخاصمة فلا يقبل على

٦٠٠