مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

(المقام الثاني) في أحكام المفلّس وهي أربعة.

(الأوّل) منع التصرّف ، ويمنع من كل تصرف مبتدأ يصادف المال الموجود عند ضرب الحجر كالعتق ، والبيع ، والرهن ، والكتابة ، والهبة : ولا يمنع ممّا لا يصادف المال ، كالنكاح ، والخلع ، واستيفاء

______________________________________________________

«وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» (١) على منع المميّز وقال بالجواز للسفيه مع صراحته في منعه وعدم دلالته على المميّز.

واستدل أيضا بالقياس الى غير المميّز لجامع عدم التكليف وما استدل ، بقوله تعالى «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ» (٢) ، فإنه يدل على منع إعطاء المال الى وقت بلوغهم النكاح وهو كناية عن البلوغ.

ويمكن ان يجاب بما تقدم من أنه يدل على الحجر والمنع ، وهو لا يستلزم جواز التصرف مع الاذن.

وبالجملة عدم جواز تسليم المال إليهم استقلالا ، لا يدل على سلب مطلق صلاحيّة العقود وكون عباراتهم لغوا محضا شرعا لا اعتبار لها وعدم صحّة تصرفهم بنظر الوليّ واذنه.

وكأنه لا إجماع عليه ، ولهذا ما استدل به ، ويشعر قوله : (٣) الوجه عندي بعدم الإجماع ، وهو ظاهر ولا يمكن الحكم بالاستصحاب في أمثال ذلك ولهذا تركه أيضا فتأمّل واحتط.

«المقام الثاني في أحكام المفلّس»

قوله : «وهي أربعة الأول إلخ» الأول من الأحكام الأربعة للمفلس ،

__________________

(١) النساء ـ ٤.

(٢) النساء ـ ٦.

(٣) يعني قول العلامة في التذكرة في عبارته المتقدمة آنفا.

٢٤١

القصاص ، وعفوه ، وإلحاق النسب ونفيه باللعان ، والاحتطاب ، والاتهاب ، وقبول الوصيّة.

ولو أقر بمال فالوجه اتباعه بعد الفكّ.

______________________________________________________

منع الحاكم إياه ، عن جميع تصرفاته الابتدائيّة المتعلّقة بالمال الموجود حال الحجر كالعتق والرهن ، والبيع ، والكتابة ، والهبة.

ولا يمنع عن إمضاء تصرف سابق أو إبطاله مثل فسخ بيع وإمضائه في زمان الخيار أو بالعيب على ما قيل ويقتضيه الأصل.

وكذا عن التصرفات المتعلّقة بغير المال كنكاح المرأة نفسها ، بل الرجل أيضا بشرط عدم إيقاع العقد على المال الممنوع ولا ينفق منه أيضا ، وكالطلاق واللعان والخلع واستيفاء القصاص وعفوه وإلحاق النسب بالإقرار ونفيه باللعان والمتعلّقة به إذا كان بالذمة أو بالعين المتجدّدة بعد الحجر.

وكذا عن كسب المال مثل قبول الوصيّة والاتهاب والاحتشاش والاحتطاب.

لعل دليل الكل الإجماع إلا التصرف في المال المتجدّد فإنه يجي‌ء الاشكال فيه.

قوله : «ولو أقر بمال إلخ» أي لو أقرّ المفلّس ـ بعد الحجر ـ بان في ذمّته مالا يجب أدائه ، فإقراره مقبول ، لإقرار العقلاء على أنفسهم جائز (١) وثبت في ذمّته ذلك للمقرّ له ، ولكن لا يأخذ من ماله المأخوذ عنه شيئا ، ولا يشارك الغرماء بل يتبع المقر بعد فكّ حجره وأداء الديون التي حجر بها.

والظاهر عدم الفرق بين لزوم ذلك المال بسبب جنايته أو معاملته قبل الحجر وبعده إذا لم يصادف المال المحجور عنه.

__________________

(١) عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢٣ رقم ١٠٤ وج ٢ ص ٢٥٧ رقم ٥ وج ٣ ص ٢٤٢ رقم ٧٢.

٢٤٢

ولو أقر بعين فالوجه عدم السماع.

ولا يتعدى الحجر الى المال المتجدد ، على اشكال.

______________________________________________________

دليله ان المال المحجور عنه صار بسبب الحجر للديان الذين حجر بسبب ديونهم ، فلا يمكن ان يتعلّق به غيرها بسبب إقرار المدين فإنه بالحقيقة إقرار في حق الغير.

نعم لو ثبت بالبيّنة دين عليه قبل الحجر لا بعده ـ وان احتمل ذلك أيضا ولكنه بعيد ـ شارك صاحبه الغرماء ، وكذا لو عرفه الحاكم أو أقرّ به الديان ـ وان أقرّ البعض ـ يمكن المشاركة فيما يتعلّق به خاصّة.

قوله : «ولو أقرّ بعين إلخ» وجهه قد تقدم ، والظاهر أنّ مراده عدم السماع بالنسبة إلى الغرماء فينبغي للحاكم أن يؤخّر تلك العين ، فان فضلت من الديون سلمها الى المقرّ له ، والا باعها في الديون واغرم المدين مثلا أو قيمة له مهما قدر ، ويحتمل بعيدا السماع ويسلّمها الى المقرّ له.

قوله : «ولا يتعدى الحجر إلخ» وجه الاشكال أن الأصل عدم الحجر ، وان الناس مسلطون على أموالهم عقلا ونقلا (١) ، وقد ثبت الحجر وعدم التسلط في الموجود حال الحجر بالإجماع ، وبقي غيره على أصله.

وأنّ الغرض من المنع صرف المال في الدين وعدم تضييع حق الناس.

وانه قد ثبت وجوب قسمة جميع أمواله في الدين وهو مشترك في الموجود والمتجدد.

والتحقيق أن يقال : ان كان المراد شمول حجر الحاكم لذلك المال ينظر ، فان كان كلامه في حجره شاملا له يتعدّى اليه الحجر مثل ان يقول حجرتك عن

__________________

(١) عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢٢ رقم ٩٩ وص ٤٥٧ رقم ١٩٨ وج ٢ ص ١٣٨ رقم ٣٨٣ وج ٣ ص ٢٠٨ رقم ٤٩.

٢٤٣

وله اجازة بيع الخيار وفسخه من غير اعتبار الغبطة ، والرد بالعيب مع اعتبارها.

______________________________________________________

جميع التصرفات الماليّة ، والا فلا ، لأنه (١) قد ثبت ان الحجر لا بدّ فيه من حكم الحاكم ، وانه قد لا يثبت بدونه ، فان كان شاملا ثبت ، والا فلا وهو ظاهر.

وان كان المراد انه هل له ان يحجر عن جميع المال الموجود والمتجدد حينئذ حتى يؤدى الديون ، فالظاهر التعدي ، لأن دليل الثبوت وشرائطه ثابت.

وان كان المراد هل للحاكم ان يحجره ثانيا في ذلك المال المتجدد أيضا ، فالظاهر التعدي بمعنى ان له الحجر عليه فيه أيضا بالشرائط المتقدمة ، إذ لا فرق ولا مانع ولا يمنع من ذلك ثبوت الحجر أوّلا على غيره ، وهو أيضا واضح.

والظاهر ان مرادهم غير الأوّل فإنه ان كان هو المراد ينبغي الرجوع الى الحاكم الحاجز وان لم يكن ولا يعلم كلامه وعدم شموله له ، لا يتعدّى ، للأصل وعدم الدليل ، والّا يتعدى ، وهو ظاهر ، فالظاهر التعدي كما هو مختار القواعد والتحرير.

قوله : «وله اجازة بيع الخيار إلخ» وجهه التسلّط ، والأصل.

وأيضا قد وجد سبب الفسخ واللزوم وقت عدم الحجر فيوجد سببه ، فلا فرق بين وجود الغبطة والمصلحة وعدمهما.

ولكن ينبغي ان يكون عدم الغبطة مقيّدا بما إذا لم يصر به سفيها ، وهو ظاهر معتبر في جميع الأمور سواء كان في الرد بالعيب وغيره ، فالفرق المذكور هنا غير ظاهر.

وقد يختلج بالخاطر ان سبب الحجر في الابتداء موجود في الاستدامة ، وهو حفظ مال الناس وعدم التضييع ، فكما منعه الحاكم عن البيع في الابتداء لذلك

__________________

(١) تعليل لقوله قده : يتعدى إليه إلخ.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يمنعه في غيره مع اشتماله على عدم الغبطة خصوصا بالنسبة الى عدم الفسخ ، فإنه لا يكلّف بشي‌ء أصلا مع المصلحة له ولغيره ، فإنّ فسخه مثلا يصير سببا لتضييع مال الديان في الجملة فسند الإجماع هنا أيضا موجود ، ومجرد وجود سببه حال عدم الحجر لا يقتضي ذلك مطلقا حتى مع وجود الدليل على عدمه.

وبالجملة ما اعرف الفرق بين منعه من البيع بقوله : (لا تبع) وبين منعه من الفسخ بقوله : (لا تفسخ) فان كلّه تصرّف ماليّ موجب لفوت مال الديان في الجملة ، بل في الثاني قد تعرض المصلحة لهما.

فلا يبعد جعل مدار الأمر ـ في غير الابتداء مطلقا ـ على المصلحة كما في الرد بالعيب ، فان الوجه الذي ذكره له في التذكرة بعينه جار في الخيار فإنه قال : له الرد بالعيب مع المصلحة ، لأنه ليس ابتداء تصرف ، بل هو من أحكام البيع السابق والحجر انما هو عنه.

ولو كانت المصلحة في ترك الرد ـ بان كان قيمته مع العيب أكثر من ثمن المثل ـ لم يكن له الرد لما فيه من تفويت المال بغير عوض كالمريض إذا باع حال صحته بالخيار ثم اختار الفسخ أو الإجازة فإنه ان كان التفاوت والمصلحة في عدم مختاره بحسب النقص من الثلث فليس له الخيار فيما ليس فيه مصلحة الّا من الثلث ، في التصرف في توابع العقود السابقة كما في نفسها.

والفرق بينهما ـ بان حجر المريض أقوى ، لأنّه لا يلزم بمنع الوارث حال حياته بخلاف حجر المفلّس فإنه يلزم بمنع الديان كما ذكره في التذكرة ـ غير واضح ، فان المريض غير ممنوع ، بل له أن يتصرف مهما يريد ، ولكن للورثة إبطاله في الزائد من الثلث إذا كان محاباة بخلاف المفلّس وقد نقل في التذكرة هذا وجها ثانيا للشافعيّة وقريب منه وجهه الثالث أيضا فتأمّل.

واعلم انه ـ بعد ان حكم في المسألة بما في المتن وفرّق بين زمان الخيار والرد

٢٤٥

وليس له قبض دون حقه.

______________________________________________________

بالعيب بان العقد في الأوّل متزلزل فما صار للمفلّس حتى يتعلّق الدين بالمال فله ان يتصرّف مع الغبطة وعدمها بخلاف الرد بالعيب ـ قال : ولو قيل : في الرد بالعيب انه لا يتقيّد بالغبطة ـ كما في الخيار ـ كان وجها.

كأنه أشار بضعف الفرق ، وليس ببعيد كما ترى ، فعدم الفرق أولى ، ولكن بان يكون الخيار مثل العيب لا العكس كما عرفت.

وقد فهم المحقّق الثاني ان قوله (١) : (ولو قيل إلخ) هو مختار التذكرة وذلك ليس بصريح مع تصريحه بالفرق فيهما كما أشرنا اليه ، وفي غيرها مثل المتن ، وفرض الرجوع بعيد لان الفصل قليل.

وكذا الحمل على عدم كون ما سبق على قوله : (لو قيل) ، فتواه ، فإنه (٢) ذكره بطريق الفتوى واستدل عليه ثم ذكر مسألة الخيار وذكر في آخرها : (لو قيل) فتأمل فإن مثله موجود ولكن لا بطريق الشرطيّة ، بل بقوله : (لا بأس).

قوله : «وليس له قبض دون حقه» يعني لا يجوز للمفلّس إسقاط مال ثبت له قبل الحجر حتى انه لو تعيّن الأرش لا يجوز له إسقاطه (٣) ، وصرّح به في التذكرة ، قال : فان منع من الرد بالعيب السابق تصرف أو عيب حادث ، لزم الأرش ولم يملك المفلّس إسقاطه لأنه تصرف في مال وجب له بالإتلاف الى غير عوض فهو ممنوع من الإتلاف بالعوض ، فبغيره اولى (٤).

ولا شك ان هذا أيضا من لوازم العقد السابق ، فهو مؤيّد لما تقدم فافهم.

__________________

(١) يعني قول العلامة في التذكرة.

(٢) تعليل لقوله ره : (وكذا الحمل إلخ) يعني ان هذه الحمل أيضا بعيد أو غير صحيح.

(٣) من قوله ره : وصرّح به في التذكرة (إلى قوله) : إسقاطه ليس بموجود في النسختين المخطوطتين اللتين عندنا ، نعم هو موجود في النسخة المطبوعة وبعض النسخ المخطوطة موافقتين للتذكرة.

(٤) إلى هنا عبارة التذكرة ج ٢ ص ٥٤ من كتاب الحجر.

٢٤٦

ولو اقترض أو اشترى في الذمّة لم يشارك المقرض والبائع ، الغرماء.

ولو أتلف مالا بعده ضرب المالك به.

ولو باعه بعد الحجر احتمل تعلّق حق البائع بعين المال ان جهل إفلاسه ، والصبر بالثمن الى الفكّ ، والضرب به مع الغرماء.

______________________________________________________

قوله : «ولو اقترض إلخ» ظاهر هذا الكلام مشعر بكون القرض والبيع بعد الحجر فينبغي تقييده بما إذا كان المقرض والبائع جاهلين ، لما سيأتي من قوله : (ولو باعه إلخ) والظاهر عدم الفرق بين القرض والشراء ويحتمل في القرض تعين جواز الرجوع الى العين لانه لا يتأجل فتأمل وان حمل على ما قبل الحجر فيحمل قوله : (لم يشارك إلخ) على اختصاصهما بعين مالهما مع الوجود والمشاركة مع العدم ، وهو بعيد ، وبالجملة ، العبارة لا تخلو عن شي‌ء.

قوله : «ولو أتلف مالا إلخ» دليله أنه غريم ، فيثبت له ما لغيره ، لعموم الخبر الدال على الضرب (١) ، ولأدلّة (٢) وجوب عوض المتلف.

وفيه تأمّل لتعلّق حق الغرماء على الأعيان ، فكأنها صارت لهم ولا مال للمفلّس المتلف فتأمّل.

قوله : «ولو باعه بعد الحجر إلخ» وجه احتمال تعلّق (٣) البائع بالعين ، عموم دليل الرجوع إليها وهو قوله عليه السلام : صاحب المتاع أولى به (٤).

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٥ حديث ٤ وباب ٦ حديث ١ من كتاب الحجر ج ١٣ ص ١٤٦ ـ ١٤٧.

(٢) راجع الوسائل باب ٧ من كتاب الغصب ج ١٧ ص ٣١٣ وباب ١٧ من كتاب الإجارة ج ١٣ ص ٢٥٥.

(٣) هكذا في النسخ كلها مطبوعة ومخطوطة ، ولعل الصواب هكذا : (تعلق حق البائع إلخ).

(٤) لم نعثر عليه بهذا اللفظ في كتب الحديث نعم في عوالي اللآلي ج ٢ ص ٢٥٦ : من وجد متاعه فهو

٢٤٧

ولا يحلّ المؤجّل بالحجر.

ويقدم على الديون أجرة الكيّال والحمّال وما يتعلّق بمصلحة الحجر.

ولو أقام (المفلس خ) شاهدا بدين حلف ويأخذ الغرماء ، فان نكل فليس للغرماء ، الحلف.

(الثاني) اختصاص الغريم بعين ماله.

______________________________________________________

وقد يدفع بان ذلك ـ على تقدير الصحّة ، والعموم ـ مخصوص بما إذا لم يكن حق الغير متعلّقا به وقد تعلّق هنا حق الغرماء ، وهو وجه الثاني (١) وموجب لضعف الثالث (٢).

ويضعّفه أيضا انه لو كان غريما حكمه حكم الغرماء السابقين لكان القول بالرجوع الى العين متعيّنا ، وهذا حال الجهل.

واما حال العلم ، فالظاهر عدم الإشكال في عدم الاحتمال إلا للثاني.

قوله : «ولا يحل المؤجل بالحجر» وجهه ظاهر ، وهو الأصل والاستصحاب مع عدم ثبوت كون الحجر موجبا للحلول.

قوله : «ويقدم إلخ» وجهه أيضا ظاهر.

قوله : «ولو أقام (المفلس خ) شاهدا إلخ» وجه حلفه مع شاهد ، ظاهر ، فإنه حق له يثبت بهما كسائر الحقوق.

والظاهر جواز النكول وعدم تكليف الحلف ، للأصل ، وعلى التقدير لا يحلف الغرماء ، إذ لا يمين لإثبات حق الغير ، كأنه مجمع عليه ، فتأمل.

__________________

أحق بها وفي ج ٣ ص ١٨٤ : من وجد ماله فليأخذه ـ كما ان ما هو بمضمونه قد ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام أيضا فراجع الوسائل باب ٥ من كتاب الحجر ج ١٣.

(١) وهو قوله قده في المتن : (والصبر بالثمن).

(٢) وهو قوله قده : (والضرب به مع الغرماء).

٢٤٨

وانما يرجع البائع في العين مع تعذّر استيفاء الثمن بالإفلاس ، فلو وفي المال به فلا رجوع.

______________________________________________________

قوله : «وانما يرجع إلخ» هذا هو الحكم الثاني للمفلّس ، وهو رجوع البائع إلى عين ماله.

والظاهر ان المراد برجوع صاحب العين إليها فسخ العقد الذي كان موجبا لملكيّة المفلّس وأخذها.

قال في التذكرة : الفسخ قد يكون بالقول مثل فسخت البيع ونقضته ورفعته ، وقد يكون بالفعل كما لو باع صاحب السلعة سلعته أو وهبها أو وقفها ، وبالجملة إذا تصرف فيها تصرفا يدل على الفسخ كوطي الجارية المبيعة على القويّ ، صونا للمسلم عن فاسد التصرفات ، ويكون هذه التصرفات تدل على حكمين ، الفسخ ، والعقد.

وفيه تأمّل كما في عتق العبد المأمور بعتقه بصيغة العتق.

ولا يبعد الاكتفاء فيما نحن فيه بقصد الفسخ والتملك وتصرف ما قبل العقود ، والأمور التي تحتاج الى الملك مثل البيع والوطء نحو الانتقال من مكان الى آخر في الحيوان.

ويمكن الاكتفاء بمثله في سائر الفسوخ ، بالعيب أو الخيار ، بل الإقالة أيضا بشرط رضا المقيل والتصرف باذنه والفسخ برضاء الطرفين فتأمل.

ثم ان المشهور انه مشروط بشروط ثلاثة ، تعذر استيفاء تمام ثمن العين الذي في ذمّة الغريم الا من العين ، وكونه مفلّسا ، ومحجورا عليه لفلسه.

ويمكن الاكتفاء عنه ، لانه المفروض ، ولكن ذكره للمبالغة ، فلو كان في المال وفاء مع كونه مفلسا ـ بان نما المال بعده أو وجد مالا آخر أو صار قيمة السوق اغلى من وقت الحجر ـ لا رجوع له الى العين ، إذ سبب الرجوع انما هو تعذر الثمن وقد أمكن هنا.

٢٤٩

ولو قدمه الغرماء ، فله الرجوع لاشتماله على المنّة وتجويز ظهور غريم آخر ولا رجوع لو تعذّر بامتناعه ، بل يحبسه الحاكم أو يبيع عليه ، وانما يرجع إذا كان الثمن حالّا ويرجع وان لم يكن سواها مع الحياة ، وله الضرب بالثمن مع الغرماء ، ولا اختصاص مع الموت الّا مع الوفاء ، ولو وجد البعض أخذه وضرب بثمن الباقي.

______________________________________________________

قوله : «ولو قدمه الغرماء فله الرجوع إلخ» (١) لما ذكره المصنف ، ولعموم دليله الذي يأتي.

وكذا لا رجوع وان كان قادرا على الرجوع على العين لو كان الغريم غير مفلّس محجور عليه لفلسه وان تعذر الاستيفاء أو امتنع عن الأداء قادرا كان أم لا فيحبسه الحاكم في الأول حتى يوفي أو يبيع ماله ويوفي عنه على ما ذكر.

ويمكن الاستيفاء مقاصّة بشروطها على تقدير تعذر الحاكم ، والصبر أولى كما يصبر في صورة عدم القدرة الّا ان يكون في صورة له خيار الفسخ ولو كان بشرط الحلول في العقد كما عرفت فتذكر وتأمّل ، وكون (٢) ماله حالّا حين الحجر ، إذ لو كان مؤجلا حينئذ لا رجوع له ، لان العين وغيرها قد تعلّق بهما حق الغرماء الذين حجر بسببهم وصاحبها ليس منهم بل وجوده كالعدم فتأمّل.

والظاهر أنّ رجوعه على سبيل الجواز فله أن يترك ويشارك الغرماء رضوا أم لا.

وأنه يرجع حال حيوة المفلّس مع عدم الوفاء لباقي الديون أيضا ، ولعلّه بلا

__________________

(١) هكذا في النسخة المطبوعة ، واما في النسخ المخطوطة التي عندنا فبعد قوله قدس سرّه : وقد أمكن هنا هكذا : واما لو قدمه الغرماء فله الرجوع لما ذكره المصنف إلخ.

(٢) الظاهر انه عطف على قوله قدّس سره : عدم القدرة يعني في صورة عدم القدرة وفي صورة كون ماله حالّا ، والله العالم.

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

خلاف.

ومستنده صحيحة عمر بن يزيد ـ الثقة على الظاهر لأن (الثقة) ، هو المذكور في الفهرست ومذكور في كتاب الشيخ والنجاشي أيضا ، ولان طريق الشيخ اليه صحيح في الفهرست ، والى الصدوق وطريقه اليه صحيح في الفقيه ، ولأنه هو من رجال الكاظم عليه السلام دون غيره الّا أنّ في التهذيب عمرو بن يزيد ، وهكذا ذكره في موضع من التذكرة أيضا لكن قال في موضع آخر : (رواه عمر بن يزيد بغير واو في الصحيح) فالظاهر أنه بغير وأوثقه وغيره غلط في النسخة.

عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده بعينه؟ قال : لا يحاصّه الغرماء (١).

وكأنّه خصّ ـ بالمحجور عليه للفلس مع حلول دين صاحب المتاع حين الحجر وحياته ـ بالإجماع لو كان أو الشهرة ، وللإشعار فيها بكونه محجورا للفلس حال الحجر لقوله : (يركبه) و (لا يحاصّه) بل بالحياة أيضا لكونه عنده فتأمّل.

وظاهر قوله عليه السلام : (لا يحاصّه) يدل على عدم الوفاء.

ويدلّ عليها صحيحة أبي ولاد ـ الثقة على الظاهر ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع من رجل متاعا إلى سنة ، فمات المشتري قبل أن يحلّ ماله وأصاب البائع متاعه بعينه ، له أن يأخذه إذا خفي (حق خ ل ئل) له؟ قال : فقال : ان كان عليه دين وترك نحوا ممّا عليه فليأخذ : إن خفي (حق خ ل ئل) له ، فان ذلك له حلال ولو لم يترك نحوا من دينه فان صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شي‌ء يأخذ بحصّته ولا سبيل له على المتاع (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٢ من كتاب الحجر ج ١٣ ص ١٤٥.

(٢) الوسائل باب ٥ حديث ٣ من كتاب الحجر ج ١٣ ص ١٤٦.

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

فدلت على ان المفلّس أيضا لو مات لا يختصّ صاحب العين بها الا مع الوفاء ، لإطلاقها مع عدم التفصيل في الجواب وعدم الدليل العامّ للرجوع الى العين ، الذي هو خلاف القواعد ، من وجوب الإيفاء بالعقود ولوازمها بالنصّ والإجماع.

بل يمكن تخصيصها بالمفلّس لإشعار قوله : (يأخذ بحصّته) على تقسيم ماله على الغرماء وذلك في المفلّس.

وكأنه الى هذا نظر البعض ، وقال باختصاص الحكم بالمفلّس حين الموت أيضا ، فإن صاحب العين لا يختصّ بها في غيره مطلقا.

والفرق بين حال الحياة والموت ـ بأنه يمكن تحصيل شي‌ء للغرماء في الحيّ بخلاف الميّت ـ غير واضح فإنه موجب لفوات بعض مال صاحب العين أيضا فتأمّل.

ويمكن كونها في الميّت مطلقا ، فإنه يحلّ ديونه فيقسّم ويحصّص مع عدم الوفاء ، ومعه يقدّم صاحب العين للفرق المشار اليه.

ولكنها ليست بصريحة والرجوع الى العين خلاف القواعد ، فيمكن الاقتصار على محلّ الوفاق وظهور الدليل بل منع البعض في المفلّس حال الحياة إلا مع الوفاء.

ولعلّ الرواية الأولى (١) حجّة عليه ولا تدل الرواية الثانية على مطلوبه لتخصيصها بالميّت وليست بموجبة لحمل الاولى على الميّت والوفاء ، لعدم المنافاة ، ولظهور الرواية الاولى في عدم الوفاء لما مرّ.

وتدل الأخيرة على حلول ديون الميّت ، المؤجّلة بالموت ، وأنّ أخذ العين جائز لا واجب متعيّن ، وأن مال الميّت المديون يقسم على الغرماء بالحصص فليس على

__________________

(١) يعني رواية عمر بن يزيد المتقدمة.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الوارث الوفاء من ماله.

ويمكن فهم كون التركة ملكا للميّت ، وأنه يؤخذ بطريق الوفاء فلا ينتقل الى الغرماء ، ولا إلى الورثة.

وعلى (١) أنه إذا كان غير العين يفي بمال الغرماء ، له أخذ العين مطلقا ، وينبغي تقييده بما إذا لم يكن قيمة العين الآن زائدا على دين صاحبها ، فان الظاهر انه حينئذ للورثة ، وللغرماء منعه وإعطاء دينه ، بل في المساوي والناقص أيضا محتمل صونا للقواعد فتأمل فتحمل الرواية على عدم إعطاء حق صاحب العين أو على الناقص أو على المساوي أيضا.

قال في التذكرة : الأقرب عندي أنّ العين لو زادت قيمتها للسعر لم يكن للبائع الرجوع فيها (الى قوله) : ولو اشترى سلعة بدون ثمن المثل لم يكن للبائع ، الرجوع لما فيه من الإضرار.

وذكر الدليل الذي أشرنا إليه ، من الأصل ، وعدم الخروج عن القوانين إلا في محلّ الوفاق والدليل ، وليس هذا منه ، ولا نعلم شمول الروايتين له هذا فتأمّل.

وفي ظاهر الروايتين دلالة على ان مجرّد الأخذ بقصد الرجوع كاف للرجوع والتملك فافهم وقد مرّ إليه الإشارة ، فتذكر.

ويمكن فهم عدم الفوريّة كما هو قول البعض في المسألة لأنه إذا ثبت أنّ له الأخذ فالأصل بقائه حتى يعلم زواله ، وأيضا يشعر عدم ذكر الفوريّة بذلك ، ولأن (أن خ ل) الأمر ليس لها (٢) عند أكثر المحققين.

ولكن ينبغي أمّا الترك فيقسّم على الغرماء أو الأخذ ويقسم الباقي ليعلم حال المفلّس ولا يعلّق حاله وحال الغرماء.

__________________

(١) عطف على قوله قده : على حلول إلخ.

(٢) يعني للفوريّة.

٢٥٣

وكذا لو تعيّبت بعيب استحق أرشه ، ضرب بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة لا بأرش الجناية ، ولو كان من قبله تعالى أو بجناية المفلّس أخذ العين بالثمن أو ضرب.

______________________________________________________

والمصنف على الفوريّة ، وهو محتمل ، للاختصار في خلاف القواعد على المتيقن ، ولئلا يحصل الضرر.

والظاهر انه لو بقي له بعض الثمن ووجد عين ماله ، له أخذ بعضه بالحساب كالكلّ ، كما انه لو وجد بعض ماله ، له أخذه بالحساب والضرب بالباقي ، واليه أشار بقوله : (ولو وجد البعض أخذه وضرب بثمن الباقي) كأنه لا خلاف عنده وأشار به الى ردّ قول بعض العامّة.

قوله : «وكذا لو تعيّبت إلخ» أي لو تعيّب العين عند المفلّس ـ بأن جنى عليه جان بحيث استحقّ به أرشه ، مثل أن كان عبدا يسوى مأتين الآن وقد اشترى بمأة وقد قطع أحد يده وأرش اليد نصف قيمة العبد ـ أخذ المالك العبد وضرب بخمسين مع الغرماء ويأخذ المفلّس من الجاني خمسين آخر ، يكون للغرماء فهو يرجع بالأرش المعهود عندهم ، فإن المساهلة قد وقعت والزيادة كانت حين الجناية ، فهي للمفلّس فلا يرجع المالك الا بنسبته الى الثمن كما في سائر الاروش.

فلا يرجع أرش الجناية ـ وهو المأة ـ فيجمع بين العوض والمعوّض ، ولا الى نقصان قيمته لو نقص قيمته بشي‌ء ما استحق به المفلّس الأرش مثل نقص في السوق أو عيب من الله تعالى من غير جناية لأحد أو جناية المفلّس ، للأصل (١) والضرر ، ولأنّه لا يجبر عليه فامّا ان يرضى بالعين الناقص أو يضرب بخلاف الأوّل ، فإنه جنى عليه جان فيأخذ منه ولا يروح من المفلّس شي‌ء.

فتأمّل فإن القول بالأرش المعهود دائما يستلزم ضررا فإنه قد يكون العبد

__________________

(١) تعليل لقوله لا يرجع الى نقصان.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يسوى الآن مأة وقد اشترى بمأتين وقطع يده الجاني فيلزم حينئذ أخذ المأة من المفلّس مع أنه ما أخذ من الجاني إلا خمسين.

فالقول بأنه يضرب بجزء الثمن بأرش الجناية مطلقا محل التأمّل كالعكس فالمناسب أقل الأمرين فتأمّل.

ثم اعلم ان القول بعدم الرجوع الى الأرش إذا كان بآفة من الله تعالى أو من المفلّس ، هو المشهور.

وقيل : بالرجوع هنا أيضا مطلقا ، وهو مذهب المختلف والمحقّق الثاني والشهيد الثاني ، لأن الأخذ فسخ للعقد عن رأس ، فيلزم كون المبيع للمالك ، فان كان باقيا بجميع أجزائه ، والّا فيأخذ عوضه كما في العبدين إذا تلف أحدهما.

وفيه تأمّل ، لأن الرجوع على خلاف الأصل والنص كتابا (١) وسنة ، والإجماع واقتضى نص آخر (٢) الرجوع الى نفس العين الباقية لا غير ، وفسخ العقد لا يستلزم ذلك خصوصا قد صرّح في شرح الشرائع ، والتذكرة ان الفسوخ انما تبطل العقد من حين وقوعه لا من رأسه ، كما أنه لا يستلزم كون النماء للراجع ، إذ قد يحكم الشارع بفسخه ، والرجوع بنفسه ، لا بجميع ما يلزم إذا كان له ، فإنه قد سلط المفلّس عليه من غير لزوم شي‌ء عليه الا الثمن.

والفرق بينه وبين فوت جزء ينفرد بالبيع ـ مثل العبد والعبدين ، واضح ، فان كل منهما مبيع وماله حقيقة ـ ، بخلاف الأرش ، بل لو لا إجماع على رجوع الأرش إذا كان الجاني أجنبيّا ، لكان القول بعدمه أيضا جيّدا ، لما مرّ.

على أنه قد يفرق بحصول ضرر هنا على المفلّس ـ ولهذا لا يأخذ منه أكثر ممّا

__________________

(١) وهو عموم أدلة اللزوم مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ).

(٢) راجع الوسائل باب ٥ حديث ١ وباب ٦ حديث ٢ من كتاب الحجر ج ١٣ ص ١٤٥ ـ ١٤٧.

٢٥٥

والنماء المنفصل للمفلّس ، ولو كان متصلا ، فالوجه سقوط حقه من العين.

______________________________________________________

أخذ ـ وعدمه في الأجنبي وبالجملة الفرق بين الأقسام الثلاثة ظاهر فتأمّل.

واما جناية البائع فيحتمل كونها كالأجنبي وكالآفة السماويّة فتأمّل.

قوله : «والنماء المنفصل إلخ» وجه كون النماء المنفصل من المفلّس ـ فلا يرجع به لو رجع المالك بالعين ـ هو كونه نماء ملكه ، والأصل بقائه له وعدم استحقاق أحد له ولا يستلزم ما ثبت له من الرجوع بالعين ، الرجوع بالنماء أيضا وهو ظاهر.

ويؤيّده ان الرجوع خلاف القواعد فيختصر على المتحقق ، قيل : لا فرق بين الحمل والمنفصل ، وبين المحلوب وما في الضرع من اللبن.

واما وجه سقوط حق المفلّس عن النماء المتصل بالعين مثل السمن والصوف (١) والصنعة (الصفة خ) فهو أنه بمنزلة جزء العين ، والرجوع الثابت له بالعين بالدليل ، مستلزم لذلك ، ولهذا ترك في الرواية (وما فصل).

ويحتمل كون الزيادة له فيأخذ قيمته من صاحب المال أو يكون شريكا بالنسبة ، للأصل وعدم الخروج عن القواعد إلا في محلّ المتفق والمتيقن.

وذلك حسن فيما إذا زاد على أصل مال صاحب العين الذي يطلبه من المفلّس.

وكأنّه لذلك قال في الشرائع : فزادت قيمته لذلك قيل : له أخذه وفيه تردد (٢).

__________________

(١) هكذا في النسخة وفي الشرائع : كالسمن أو الطول بدل (الصوف).

(٢) عبارة الشرائع هكذا : ولو كان النماء متصلا كالسمن أو الطول فزادت لذلك قيمته قيل : له أخذه لأن هذا النماء يتبع الأصل وفيه تردد (انتهى).

٢٥٦

ويقدّم حق الشفيع ويضرب البائع بالثمن.

ويفسخ المؤجر وان بذل الغرماء الأجرة ، ولو أخذ بعد الغرس بيعت الغروس وليس له الإزالة بالأرش.

______________________________________________________

ونقل في شرحه : أنه مختار جماعة منهم العلّامة في المختلف وابن الجنيد ان الزيادة المتّصلة للمفلّس ويكون شريكا بالنسبة (١).

لعلّ مراده ما قلناه.

(ويحتمل سقوط الرجوع من العين ، فيضرب مع الغرماء ، للأصل ولزوم الضرر ، ويمكن حمل المتن عليه ، فتأمّل خ).

قوله : «ويقدم حق الشفيع إلخ» وجهه أيضا ظاهر ، وهو تقدم استحقاق الشفعة على استحقاق الرجوع الى العين فإنه تثبت الشفعة بمجرّد وقوع البيع مع شرائطه فالعين المشفوع فيه بمنزلة التالف ، فلا رجوع لمالكها لعدم بقائها كما إذا تلف أي ما بقي في يد المشتري فيضرب البائع بالثمن الذي وقع به العقد مع الغرماء ويأخذ الشفيع العين ، نعم لو لم يأخذها بالشفعة يكون للمالك ثبوت الرجوع بالعين ، ولعلّك فهمت وجه عدم اختصاص صاحب العين بثمن الشفيع وهو ظاهر.

قوله : «ويفسخ المؤجر إلخ» رجوع المؤجر الى العين المستأجرة بإبطال الإجارة وان بذل له الأجرة ، مثل رجوع البائع إلى العين المبتاعة وان بذل له الغرماء الثمن ولعل دليله ـ وهو الخبر المتقدم : (لانه متاعه) (٢) ـ يشمله أيضا ، ولان البذل قد

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها ، لكن عبارة المسالك هكذا : وذهب جماعة منهم العلامة في المختلف وابن الجنيد الى ان الزيادة للمفلّس ، فان رجع البائع في العين يكون شريكا للمفلّس بمقدار الزيادة (انتهى) (المسالك ج ١ ص ٢٤١).

(٢) راجع الوسائل باب ٥ حديث ٣ من كتاب الحجر ص ١٤٦ وقوله قده : (لانه متاعه) ناسبا ذلك الى الرواية ، نقل بالمعنى.

٢٥٧

ولا يبطل حقه بالخلط بالمساوي والأردى ، ويضرب بالثمن لو خلط (خلطه ـ خ) بالأجود.

______________________________________________________

يستلزم منّة ، ويحتمل ظهور تحريم آخر لا يقبل ذلك فتأمّل ، فلو أخذ الأرض المؤجرة بعد غرس المفلّس إياها ، فإنه لا يمنع من أخذ العين بيعت (بتبعة خ) (١) الغروس في الدين ، وليس لمالك الأرض إزالة الغروس ولو بالأرش ، نعم له اجرة المثل مع البقاء ما دام باقيا.

ويمكن ان يكون له الإزالة بالأرش على تقدير الضرر بالبقاء والامتناع من الإزالة وعدم الحاكم.

قوله : «ولا يبطل حقه إلخ» لا يمنع خلط العين بغيرها بحيث صارت ممزوجة غير ممتازة ، من رجوع المالك إليها ، سواء مزجت بالمساوي أو الأردى فيكون شريكا بنسبة ماله بخلاف ما لو مزجت بالأجود ، فإنه بمنزلة التلف ، إذ يلزم له الزيادة على حقّه لو رجع بالعين وشرك.

ويمكن إثبات الرجوع ، لعموم دليل الرجوع ، إذ لا شكّ في وجود العين.

ويمكن دفع الضرر والزيادة بتقويم مال البائع والمشتري فيكون شريكا معه بنسبة القيمة في العين ، بل ينبغي ذلك في الأردى أيضا.

ولعلّ مراد المصنف بالضرب في الأجود نفي الرجوع بالعين بمقدارها لا نفي الشركة باعتبار القيمة أيضا مثل صورة المساوي والأردى.

لكنه بعيد ، فلو رضي باعتبار القيمة ، لا يبعد ذلك وان لم يكن فتوى المصنف فإنه بعيد عن عبارته.

كما انه يبعد ارادة الاشتراك قيمة في العين في الأردى.

وبالجملة ان كان النظر الى البقاء عرفا ـ وليس ـ فلا ينبغي الرجوع حينئذ

__________________

(١) هكذا في النسخ ـ ولعل الصواب إذا بيعت الغروس في الدين.

٢٥٨

ولو نسج الغزل فله العين ، وللغرماء الزائد بالعمل ، وكذا لو صبغه أو عمل فيه بنفسه.

______________________________________________________

مطلقا والا فينبغي الرجوع في الكلّ ، ويمكن دفع الضرر من الجانبين بما ذكرناه.

ولعلّ المصنف رجّح جانب المفلّس في الأردى فإنه لا يذهب من صاحب الحق شي‌ء فإنه ان لم يردّ لا يأخذ ويضرب والأصل والقاعدة تقتضي عدم الرجوع الا فيما ظهر صدق النص المتقدم (١) وليس ذلك بظاهر مع المزج والتغييرات ، فإنه لا يقال : عرفا أنّ المتاع الممزوج بالآخر باق بعينه ، وانه خفيّ ، وهما موجود ان في الروايتين (٢).

وقد يختلج في الخاطر ، العدم في نحو النسج ـ أيضا ـ فلو وجد القائل لم يبعد القول به فتأمّل.

ويفهم من ظاهر شرح الشرائع الإجماع عندنا حيث قال : لا يسقط (٣) الرجوع عندنا في النسج ونحوه من جعل الخشب ألواحا أو الحنطة طحينا وخبزا ، فتأمّل.

قوله : «ولو نسج الغزل إلخ» يعني لو نسج مشتري الغزل وجعله كرباسا وثوبا ، أو صنع (صبغ خ) ما اشترى من الخاتم أو عمل فيه بنفسه عملا له قيمة مثل القصارة والصنعة (والصبغة خ) وغير ذلك ثم أفلس وحجر عليه الحاكم ، فلصاحب العين الرجوع الى عينه ، لما تقدم من الدليل ، ويدفع ضرر المفلّس بان يجعل الزائد له فيباع تلك الزيادة بقيمتها في ديون الغرماء فيمكن ان ينظر إلى أجرة النسج

__________________

(١) وهو قوله عليه السلام : إذا كان المتاع قائما بعينه رد الى صاحب المتاع ـ الوسائل باب ٥ حديث ١ من كتاب الحجر ج ١٣ ص ١٤٥.

(٢) البقاء بعينه في مرسلة جميل ، والخفاء في صحيحة أبي ولاد راجع الوسائل باب ٥ حديث ٢ و ٣ من كتاب الحجر.

(٣) لا يخفى ان هذا الكلام منقول بالمعنى وإلا فعين عبارة المسالك ليست كذلك فراجع.

٢٥٩

ويتخيّر المشتري سلما في الضرب بالقيمة أو الثمن.

وللبائع أخذ المستولدة ، وله بيعها دون الولد.

______________________________________________________

والصبغ والعمل فيؤخذ أو يقوّم كلّ واحد من الأصل والعمل على حدته ويكونان شريكين في العين مع الوصف بالنسبة ، كأنه إلا عدل ان علم ان التفاوت منهما معا.

هذا كله فيما زاد وأمّا مع عدم الزيادة فلا شي‌ء للعاملة ، والظاهر انه لو نقص فليس على المفلّس الجبر كما تقدم.

قوله : «ويتخيّر المشتري إلخ» الظاهر ان مراده أنه على تقدير عدم وجدان عين مال المسلم المشتري الذي سلّمه الى بائع السلم فإنه معه يتخيّر بين الرجوع والضرب كما تقدم وتعذر (١) حصول المسلم فيه في زمانه مع حضور الحجر حينئذ ـ فإنه لو وجد المسلم فيه ويعطى فلا خيار له ـ بل يأخذه بعينه ان كان الكل أو البعض ويتخيّر ـ في الباقي أو الكلّ على تقدير العدم بالكليّة ـ ، بين فسخ السلم والصبر ، لما تقدم في بحث السلم انه مع التعذر تخيّر بينهما.

فان فسخ ضرب مع الغرماء بالثمن الذي أسلم به.

وان اختار الإبقاء والصبر ـ والفرض انه محجور عليه ـ فكلّ يطلبه حقّه والفرض عدم إمكان حصول المسلم فيه ولو بالشراء بضرب قيمة المسلم فيه ذلك الوقت.

والعبارة لا تخلو عن إجمال ولعلّ المراد ، بناء على ما تقرّر.

قوله : «وللبائع أخذ المستولدة إلخ» وجه عدم جواز بيع ولد المفلّس ، ظاهر فإنه حرّ.

وامّا وجه جواز أخذها لبائعها وجواز إعطائها له ، فهو أنه يجوز (له خ) بيعها

__________________

(١) عطف على قوله : عدم وجدان عين إلخ يعني على تقدير تعذر حصول إلخ.

٢٦٠