مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

«المقصد الثالث في الحجر»

وفيه مطلبان

(الأول) في أسبابه وأسبابه (هي خ) وهي (أسبابه خ).

(الأوّل) الصغر ، ويحجر على الصغير في تصرّفاته أجمع الى ان يبلغ ويرشد.

______________________________________________________

قوله : «المقصد الثالث إلخ» قال في التذكرة : الحجر لغة ، المنع فالمحجور هو الممنوع لغة ، وقال في الشرائع : شرعا ، هو الممنوع من التصرف في ماله.

ومعلوم ان مراده (١) شرعا ، وان المراد بإضافة المال إليه أعم من الملكيّة حقيقة أو ظاهرا (وخ) بحسب كونه في يده مسلطا عليه فيخرج المغصوب منه.

ويدخل العبد وان قيل : انه لا يملك كالمصنف ، ولا ينبغي جعله مبنيّا على مذهب المعرّف حيث قال : بأنه يملك ، لان المنع الذي ذكر فيه أعم من كونه عن ماله أو ما في يده من مال سيّده.

ثم إنّ جعل أقسام الحجر ستة ، هو في أكثر الكتب وزاد في التذكرة غيره ، مثل حجر الراهن ، وحجر المكاتب ، وحجر المرتد الذي تقبل توبته حتى يرجع.

__________________

(١) الظاهر رجوع الضمير في قوله قده (مراده) إلى العلّامة في التذكرة والا فلفظة (شرعا) مذكورة في الشرائع وشرحه فراجع أول كتاب الحجر من المسالك ج ١ ص ٢٤٦. ثم لا يخفى ان في النسخة المطبوعة (شرح الشرائع) وهو غلط.

١٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

فالمراد هنا الأقسام المشهورة والمبحوث عنها في بابه لا أقسام الممنوع في الجملة.

وأيضا الظاهر أنّ المراد المنع في الجملة وعن بعض الوجوه ، إذ لا منع شرعا عن الكلّ ، إذ ليس أضعف من الصبي والمجنون وهما غير ممنوعين من أكل مالهما عند الحاجة والشرب والسكنى.

والظاهر أنّ العبد كذلك ، فلا يرد : ان أراد البعض يشكل بالصبي والمجنون ، وان أراد الكل يشكل بالمريض ، ولا يحتاج الى الجواب بأن المراد هو الأعمّ.

ثمّ اعلم ان الذي فعل هنا من ذكر الفلس في باب الحجر أولى ممّا فعل في التذكرة والشرائع من ذكره قبل الحجر في باب على حده ، لانه قد جعل قسما منه.

فكأنّه لكثرة مباحثه وشدّة ربطه بالدين جعل بعده وقبله ، والأمر في ذلك هيّن.

وانما المهمّ أمر الاستدلال فدليل القسم الأوّل ـ وهو الصبي ـ النص ، وهو قوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتامى) الآية (١) ، والسنة (٢) ، وإجماع الأمّة على كونه محجورا في الجملة ، واما عن جميع التصرفات فالظاهر أنّه لا دليل عليه ولا قائل به.

قال في التذكرة : وهو محجور عليه بالنص والإجماع ، سواء كان مميّزا أولا في جميع التصرفات الا ما استثنى كعباداته ، وإسلامه ، وإحرامه ، وتدبيره ووصيته ، وإيصال الهديّة ، واذنه في دخول الدار على خلاف في ذلك ، فكأنه مراده هنا : (في

__________________

(١) النساء ـ ٦.

(٢) راجع الوسائل باب ١ وباب ٢ من كتاب الحجر ج ١٣ ص ١٤١ ـ ١٤٣.

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تصرفاته) أجمع إلّا ما استثنى ، ويؤيده ان خروج الثلاثة الأول من ذلك ظاهر ، بل المتبادر ، التصرف الماليّ كما مضى في تعريف الشرائع.

اما غيرها (١) ، فيحتمل أن يكون مذهبه هنا كما هو مذهب الأكثر إلّا في إيصال الهديّة والاذن.

والظاهر انه لا يحتاج الى الاستثناء ، فإنه محجور عليه الا بإذن الولي ولا يعتبر في الحجر أن لا يصحّ أصلا ، الّا أنهم قالوا : لا يحتاج علم المهدي اليه والداخل بكون ذلك بإذن الولي صريحا.

لعله (٢) اكتفى بالظاهر ، للعادة بأن الهديّة في محلّها لم يحبها الولد إلّا بإذن وليّه ، وكذا الاذن في الدخول لا يكون إلّا بإذنه للقرينة.

فكأنه اكتفى فيهما (٣) بمثله للظهور ، وسهولة الأمر لكثرة التداول والشيوع بين المسلمين من غير نكير فكأنه كان في زمانهم عليهم السلام مع عدم المنع فتقريرهم عليهم السلام هنا ثابت وهو الحجّة (حجة خ).

ولا يبعد ذلك وأمثاله مثل قبول قوله (مثله خ) من عبده وولده وتسليم ظرفه إليهما ، وكذا تسليم ما كان عند الإنسان بالعارية ونحوها الى شخص يوصله اليه من غير اذنه ، سواء كان عبد المرسل أو ولده أو غيرهما كما هو المتعارف ، وخصوصا إذا كان بينهما ، الصداقة أو عرف من حاله أنه لا يكره ، بل يرضى علما أو ظنا متاخما.

ويدل عليه عموم أدلة (٤) قبول الهدية من غير تفصيل بان يكون الموصل حرا بالغا ، ومع ذلك ، الاحتياط أمر مطلوب.

__________________

(١) يعني غير الثلاثة الأول

(٢) يعني العلامة ره في التذكرة

(٣) يعني إيصال الهدية واذنه في دخول الدار.

(٤) راجع الوسائل باب ٩١ من أبواب ما يكتسب به ، ج ١٢ ص ٢١٧.

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما جواز وصيته في الجملة فالروايات الكثيرة ، تدلّ عليه.

مثل صحيحة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ان الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام ولم تجز للغرباء (للغرماء خ ل قيه) (١).

ولا يضرّ وجود علي بن الحكم (٢) ، لما مرّ أنه الثقة.

وما رأيت في الوصيّة صحيحة غيرها فقول شرح الشرائع (٣) : في جواز الوصيّة رواية صحيحة غيرها محلّ التأمّل ، فإن كان يريد هذه فينبغي التصريح بالقيد فإنه في الوصيّة للرحم لا الأجنبيّ.

ويؤيّده عموم أدلّة الوصيّة فيخصّص بها ما يدلّ على عدم جواز تصرف الغلام قبل البلوغ.

ويمكن حمل ما يدل على جواز وصيته عموما عليها ، للجمع بين العام والخاص وان كان في بعضها : نعم إذا وضعها في موضع الصدقة (٤) وإذا أصاب موضع الوصيّة جازت (٥).

واما التدبير فيمكن إدخاله في الوصيّة.

واما العتق ، فيدلّ عليه ضعيفة زرارة ـ لموسى بن بكر (٦) ـ عن أبي جعفر

__________________

(١) الوسائل باب ٤٤ حديث ١ من كتاب الوصيّة ج ١٣ ص ٤٢٨.

(٢) سند الحديث ـ كما في الكافي باب وصيّة الغلام إلخ هكذا ، عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن النعمان ، عن أبي أيّوب ، عن محمد بن مسلم.

(٣) عبارة المسالك هكذا : ذهب الأكثر من المتقدمين والمتأخرين إلى جواز وصيّة من بلغ عشرا مميّزا في المعروف وبه أخبار كثيرة منها صحيحة عبد الرحمن (الى ان قال) : وصحيحة أبي بصير إلخ.

(٤) الوسائل : باب ١٤ حديث ٣ من كتاب الوقوف والصدقات.

(٥) الوسائل باب ٤٤ حديث ٦ من كتاب الوصايا.

(٦) فان سندها كما في الكافي هكذا : عدّة عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد بن عيسى ، عن صفوان بن

١٨٤

ويعلم بلوغ الذكر ، بالمنيّ.

وإنبات الشعر الخشن على العانة.

وبلوغ خمس عشرة سنة.

______________________________________________________

عليه السلام.

قال : إذا أتى على الغلام عشر سنين ، فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدّق وأوصى على حدّ معروف وحقّ ، فهو جائز (١).

ولكن العمل بها مشكل مع عموم المنع بالكتاب والسنّة ، بل الإجماع ، ويؤيده الشهرة.

ويمكن حملها على البلوغ أو عتق ذوي الأرحام حملا على الوصيّة فتأمّل.

قوله : «ويعلم بلوغ الذكر إلخ» دليل العلم بالبلوغ بحصول المنى من الموضع المعتاد على وجه العادة ، الآيات ، مثل (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) (٢) الآية. (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) (٣) ، و (حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) الآية (٤).

قال في التذكرة : الاحتلام (٥) هو خروج المنى ، وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد.

وقال أيضا : الحُلم هو خروج المني من الذكر أو قبل المرأة مطلقا ، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة ، وسواء كان بجماع أو غير جماع ، وسواء كان في نوم أو يقظة.

__________________

يحيى ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة.

(١) الوسائل باب ٤٤ حديث ٤ من كتاب الوصيّة ج ١٤ ص ٤٢٩.

(٢) النور ـ ٥٩

(٣) النور ـ ٥٨

(٤) النساء ـ ٦.

(٥) عبارة التذكرة هكذا : الاحتلام وهو خروج المني وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد بلوغ في الرجل والمرأة عند علمائنا اجمع ولا نعلم فيه خلافا ج ٢ ص ٧٤.

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كأنّه يريد بيان المعنى المقصود شرعا.

واما اللغة فالظاهر أنه مخصوص بالنوم كما يظهر من القاموس (١) ، ولهذا.

قال في التذكرة : ولا يختصّ بالاحتلام (٢).

وقال (٣) أيضا : عبّر عن البلوغ بالنكاح.

والاخبار في ذلك كثيرة ، مثل ما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : رفع القلم عن ثلاث ، عن الصبي حتى يحتلم (٤).

وصحيحة البزنطي ـ في الفقيه ـ عن الرضا عليه السلام ، قال : يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين ، ولا تغطي المرأة شعرها منه حتى يحتلم (٥).

وفيها كون التمرين بسبع (لسبع خ) سنين (٦) ، وهو المشهور ، والبلوغ بالحلم ، وجواز كشف المرأة عند غير البالغ حتى يبلغ ، ويمكن جواز النظر حينئذ فتأمل.

قال في التذكرة : وقد اجمع العلماء كافّة على أنّ الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل ، ثم نقل قولا عن الشافعي بعدم كون خروج المنيّ علامة للنساء لكونه نادرا فلا عبرة به.

وهو كما ترى أمر وهميّ معارض بعموم الكتاب والسنّة والإجماع.

__________________

(١) الحلم بالضم ، وبضمّتين ، الرؤيا ، احلام ، حلم في نومه واحتلم وتحلّم وانحلم وتحلّم الحلم استعمله وحلم به وعنه ، رآه رؤيا ورآه في النوم والحلم بالضم والاحتلام الجماع في النوم والاسم الحلم كعنق (القاموس).

(٢) وتمامه بل هو منوط بمطلق الخروج مع إمكانه باستكمال تسع سنين مطلقا (التذكرة) ج ٢ ص ٧٤.

(٣) ولعل لفظة (قال) زائدة لأنا لم نعثر عليها في التذكرة.

(٤) عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٠٩ رقم ٤٨. وج ٣ ص ٥٢٨ رقم ٣ والوسائل باب ٤ حديث ١٠ من أبواب مقدمة العبادات.

(٥) الوسائل باب ٧٤ حديث ١ من أبواب أحكام الأولاد ج ١٥ ص ١٨٢.

(٦) راجع الوسائل باب ٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ج ٣ ص ١١.

١٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

واما الإنبات فقال في التذكرة : هو مختصّ بشعر العانة ، الخشن ، ولا اعتبار بالشعر الضعيف الذي قد يوجد في الصغر ، بل بالخشن الذي يحتاج في إزالته إلى الحلق حول ذكر الرجل وفرج المرأة.

فكأنّ دليله الإجماع ، قال في التذكرة : نبات هذا الشعر دليل البلوغ في حقّ المسلمين والكفار عند علمائنا اجمع.

ومستندهم الأخبار من العامّة والخاصّة (١) فلا يضر عدم صحة سندها.

واما السن ففيه ، الخلاف بين العلماء ، والروايات أيضا مختلفة.

والمشهور بين علمائنا انه يبلغ الذكر بإكمال خمس عشرة سنة ، والمؤنث بإكمال التسع.

والدليل عليه أنّ الأصل والاستصحاب وما تقدم من الكتاب والسنّة دلّت على عدم البلوغ الا بالحلم والإنبات وخرج بعد الإكمال بالإجماع وبقي الباقي تحت تلك الأدلّة.

ويؤيّده بعض الاخبار مثل ضعيفة حمران ـ الممدوح ـ بضعف عبد العزيز العبدي وعدم توثيق حمزة بن حمران (٢) ـ قال : (٣) سألت أبا جعفر عليه السلام ،

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١ حديث ٢ و ٥ و ٨ من أبواب مقدمة العبادات ج ١ ص ٣٢ وباب ٢ حديث ٥ من كتاب الحجر ج ١٣ ص ١٤٣.

واما أخبار العامّة فراجع مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ٣٤١ وج ٥ ص ٣٧٢ ولفظ الحديث ، عن كثير بن السائب قال : حدّثني ابنا قريظة أنهم عرضوا على رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم زمن قريظة فمن كانت نبتت عانته قتل ومن لا ، ترك.

(٢) وسند الحديث كما في الكافي باب حدّ الغلام والجارية إلخ من كتاب الحدود هكذا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن حمزة بن حمران ، وليس فيه ، عن حمران ـ كما في الوسائل نقلا من الكافي ، ولعل الاختلاف من اختلاف الناسخين والله العالم.

(٣) يعني حمران لا حمزة بن حمران.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قلت له : متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامّة ويقام عليه ويؤخذ بها؟ فقال : إذا خرج عنه اليتم وأدرك ، قلت : فلذلك حدّ يعرف به؟ فقال : إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبله (١) أقيمت عليه الحدود التامّة وأخذ بها وأخذت له ، قلت : فالجارية متى تجب عليها الحدود التامّة وأخذت بها (وتؤخذ بها خ كائل) وأخذت لها؟ قال : ان الجارية ليست مثل الغلام إن الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع وأقيمت عليها الحدود التامّة وأخذ لها وبها قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك (٢).

وما في رواية يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليُتم وزوّجت (الى قوله) : فيؤخذ الغلام بذلك ما بينه وبين خمسة عشرة سنة (٣).

ويزيد مجهول ، وهذه أيضا ضعيفة ، مع عدم الدلالة فيها.

وبالجملة ما رأيت خبرا صحيحا صريحا في الدلالة على خمسة عشر سنة فكيف في إكماله.

نعم يوجد الأخبار الكثيرة في التسع للصبية مع خبر دلّ على عدم جواز الدخول قبله والجواز بعده مع عدم معارض صحيح صريح وليس على إكمال خمس عشرة إجماع ، فإن البعض على ان الشروع يكفى.

وذهب البعض إلى ثلاثة عشر.

__________________

(١) قبل ذلك ـ ئل كا.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب مقدمات العبادات ج ١ ص ٣٠.

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٤.

١٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو الظاهر من التهذيب والاستبصار ، حيث ذكر فيهما رواية عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال : إذا أتى عليه ثلاثة عشرة سنة ، فإذا احتلم قبل ذلك فقد وجب عليه الصلاة وجرى عليه القلم ، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة أو حاضت قبل ذلك وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم (١).

ثم نقل أخبارا دالّة على وجوب الصلاة بست وسبع (٢) ، وقال :

فالوجه في هذه أن نحملها على ضرب من الاستحباب والندب والتأديب ، والأولة على الوجوب لئلّا يتناقض الاخبار (٣).

والظاهر أنّ غيره أيضا ذهب الى ثلاثة عشر في الذكور فلا إجماع في عدم الوجوب الّا بالحلم أو الإنبات أو خمس عشرة.

وظاهر عموم الكتاب والسنّة أنه يحصل بالحلم وليسا بصريحين في أنه لم يحصل الّا به وأن ذلك في البعض فمعلوم أنه مخصوص بعدم الإنبات فمخصوص بعدم السن أيضا إذا دلّ عليه دليل ومعارض بعموم أدلّة التكليف فخرج منها ما اتفق على إخراجه أو دلّ عليه دليل وبقي الباقي تحتها ، والأصل ، والاستصحاب أيضا يضمحل عند الدليل.

والذي يدلّ على الأقل من خمس عشرة ، فهو روايات كثيرة ، مثل صحيحة معاوية بن وهب ـ في التهذيب والاستبصار والفقيه ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام في كم يؤخذ الصبيّ بالصيام؟ فقال : فيما بين خمس عشرة سنة أو أربع عشرة

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١٢ من أبواب مقدمات العبادات ج ١ ص ٣٢.

(٢) راجع الوسائل باب ٣ من أبواب أعداد الفرائض ج ٣ ص ١١.

(٣) وليس هذا عين عبارة التهذيب وانما هو منقول بالمعنى.

١٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

سنة ، فان هو صام قبل ذلك فدعه ، ولقد صام ابني قبل ذلك فتركته (١).

ورواية عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم وكتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات وجاز له كل شي‌ء الا ان يكون ضعيفا (٢) ـ وغير ذلك من الاخبار.

والظاهر أنّ هذه صحيحة ، إذ ليس فيها من لم يصرّح بتوثيقه الّا الحسن بن على الوشاء (٣) ، والظاهر انه ثقة عندهم ، لان الخبر الذي هو فيه سمّي بالصحّة كثيرا الّا أني رأيت في التهذيب في آخر كتاب الزكاة حديثا ، الحسن بن عليّ بن زياد وهو الوشاء الخزاز ، وهو ابن بنت الياس وكان وقف ثم رجع (٤) فتأمّل.

والظاهر أنه لا يشترط إكمال خمس عشرة ، بل يحصل بالشروع فيه ، وإكمال أربع عشرة ، وبذلك يمكن الجمع بين الأخبار.

ويحتمل الشروع في الأربع عشرة وإكمال ثلاث عشرة لرواية عبد الله بن

__________________

(١) الوسائل باب ٢٩ حديث ١ من أبواب من يصح منه الصوم ج ٧ ص ١٦٧ وصدره كما في التهذيب باب الصبيان متى يؤمرون إلخ ، هكذا : في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟ فقال : فيما بين سبع سنين وست سنين ، قلت : في كم يؤخذ بالصيام إلخ ، الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب أعداد الفرائض ج ٣ ص ١١.

(٢) الوسائل باب ٤٤ حديث ١١ من كتاب الوصايا ج ١٣ ص ٤٣١ وفيه : ضعيفا أو سفيها.

(٣) وسنده كما في التهذيب باب وصيّة الصبي إلخ هكذا : احمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن بنت الياس ، عن عبد الله بن سنان.

(٤) والذي في آخر زكاة التهذيب سنده هكذا : أبو العباس احمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الحافظ الهمداني ، عن أبي جعفر محمد بن المفضل بن إبراهيم الأشعري ، قال : حدّثنا الحسن بن علي بن زياد ، وهو الوشاء الخزاز ، وهو ابن بنت الياس وكان وقف ثم رجع فقطع ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ، عن عبد الله بن أبي يعفور ومعلّى بن خنيس عن أبي الصامت ، عن أبي عبد الله عليه السلام إلخ وقوله : (ثم قطع) أي جزم بامامة الرضا عليه السلام ، كما في هامش التهذيب.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

سنان ، إذ لا يمكن تأويله الّا على وجه بعيد ، ولا شكّ انه أحوط.

قال في شرح الشرائع انه يعتبر إكمال الخامس عشرة والتاسعة في الأنثى فلا يكفي الطعن فيهما عملا بالاستصحاب وفتوى الأصحاب ، ولأن الداخل في السنة الأخيرة لا يسمّى ابن خمسة عشر ، لغة ولا عرفا.

ولنا رواية أخرى (١) ، ان الأحكام تجري على الصبيان في ثلاث عشرة سنة وأربع عشرة سنة وان لم يحتلم وليس فيها تصريح بالبلوغ مع عدم صحّة سندها (٢).

وقد عرفت صحّة سند الخبرين ، وكثرة الأخبار ، وصراحة الدلالة ، فإن إيجاب الصوم على أحد واجراء جميع أحكام الشرع فرع البلوغ وهو ظاهر فافهم.

وتعرف أيضا انه ليس فتوى جميع الأصحاب (٣) وليس بحجّة وأن ليس خامس عشر بواقع في كتاب ، ولا سنة معتبرة (٤) ، ولا إجماع حتى يكون معناه إكماله.

وأمّا الحيض والحبل فالظاهر أنهما دليلان على البلوغ في المرأة بالإجماع.

ويمكن أن يستدلّ عليهما بالأخبار (٥) أيضا فتأمّل.

والظاهر ان السنّة هي القمريّة لأنها المتعارف في هذا الزمان وهي المتبادرة.

__________________

(١) إشارة إلى رواية عبد الله بن سنان المتقدمة آنفا.

(٢) الى هنا عبارة شرح الشرائع (وهو المسالك).

(٣) إشارة إلى ردّ قوله ره (وفتوى الأصحاب إلخ).

(٤) إنما قيده قدس سره بذلك لما تقدّم منه ان رواية حمزة بن حمران عن حمران وان دلّت على خمس عشر الا انها ليست بمعتبرة.

(٥) اما الحيض فراجع الوسائل باب ٤ حديث ١٠ و ١٢ من أبواب مقدمات العبادات ج ١ ص ٣٢ واما الحبل فلم نعثر الى الآن على خبر ، نعم قد ذكر الأصحاب انه علامة سبق البلوغ.

١٩١

والأنثى بالأوّلين ، وبلوغ (وببلوغ خ) تسع.

والحمل والحيض دليلان.

والخنثى المشكل بخمس عشرة أو المني من الفرجين أو من فرج الذكر مع الحيض من فرج الأنثى.

______________________________________________________

والظاهر أن الخنثى مثل الذكر لما فهم ممّا مرّ وعدم النص.

قوله : «والأنثى بالأولين إلخ» دليل بلوغها بحصول المنيّ وإنبات الشعر الخشن على العانة ، كأنّه الإجماع ، وقد مرّ ما يدلّ على الأول في الآيات (١) والأخبار (٢) ، ويمكن فهم الثاني من الأخبار المتقدمة في الجملة.

وأمّا السنّ فالأخبار عليه كثيرة ، في النكاح حيث جوز الدخول بعد التسع (٣) دون قبله ، وهو مشعر بالبلوغ بعده لثبوت تحريم الدخول قبله عندهم ـ كأنه ـ بالإجماع.

ويفهم من التذكرة كون البلوغ بتسع إجماعيا عندنا فتأمّل ، وكذا في الحدود ، وفي الاخبار المتقدمة أيضا دلالة عليه فافهم.

وأمّا تحقّقه بالحيض والحمل فالظاهر أنه إجماعيّ ولا ثمرة كثيرة في البحث أنّهما دليلان عليه أو يحصل بهما البلوغ.

قوله : «والخنثى المشكل إلخ» لما كان حاله مشكلا غير معلوم كونه مذكّرا أو مؤنثا فلم يمكن الحكم ببلوغها بعلامات أحدهما وهو ظاهر مع أصل عدم البلوغ وعدم التكليف.

__________________

(١) تقدم بيان مواضعها وهي سورة النور ـ ٥٨ ـ ٥٩ ، وسورة النساء ـ ٦.

(٢) تقدم آنفا ذكر مواضعها فلاحظ.

(٣) راجع الوسائل باب ٤ حديث ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ من أبواب مقدمة العبادات ج ١ ص ٣٠ وباب ٢ حديث ٢ ـ ٣ من كتاب الحجر ج ١٣ ص ١٤٢ وأكثر أحاديث باب ٤٥ من أبواب مقدمات النكاح ج ١٤ ص ٧٠.

١٩٢

ويعلم الرشد بإصلاح ماله بحيث يتحفظ من الانخداع والتغابن في المعاملات.

______________________________________________________

فإذا حصل ما هو علامة فيهما حكم بالبلوغ مثل إنبات الشعر الخشن على العانة ومثل بلوغ خمس عشرة والمنيّ من الفرجين أو من فرج الذكر مع الحيض من فرج المرأة وهو ظاهر.

وقد يقال : يعلم بحصول المنيّ من فرج الذكر مع بلوغ التسع ، فإنه ان كانت أنثى فبالسن ، وان كان الذكر فبحصول المنيّ مع الإمكان.

ويمكن القول بالبلوغ بحصول المنيّ من فرج الذكر أو من فرج المرأة فقط ، وكذا الحيض منه فان الظاهر أنّ المني من الذكر لا يكون الّا مع كونه ذكرا ، والحيض من فرج المرأة لا يكون الّا مع كونها أنثى ، وكذا المني منها ، بل بكونه امرأة بالغة كالعكس في الأوّل.

ولكن غير معلوم كون ذلك قولا لعلمائنا الّا أنّه نقله في التذكرة عن بعض العامّة واستدل عليه بأدلّة كثيرة ، منها ان البول ـ بل سبقه وتأخيره من احد الفرجين ـ علامة معتبرة ، فالحيض والمني بالطريق الاولى ، ثم قال : وهذا لا بأس به عندي.

وفيه تأمّل ، إذ مع تحقق هذا العجب ، لا يبعد خروج الحيض من الذكر ، ولا خروج المني من ذكر المرأة.

ولعلّ للبول دليلا خاصا من نصّ وإجماع فالخروج عن الأصل وقول الأكثر بمثله مشكل ، نعم لا شكّ انه أحوط في الجملة.

قوله : «ويعلم الرشد إلخ» لا شكّ ان الرشد معتبر في رفع الحجر ودفع المال الى البالغ الذي هو صاحبه ومالكه ، بالإجماع والنص مثل قوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) (١).

__________________

(١) النساء ـ ٦.

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا حقيقة الرشد فالظاهر والمتبادر منه ـ الذي ذكره الأصحاب ـ انه إصلاح المال وعدم صرفه في وجه غير لائق بحاله في نظر العقلاء ، ويناسبه معناه اللغوي وهو الاهتداء قاله في القاموس (١).

وقال في الخلاف : الرشد الهداية ، كأنّ المراد في هذا المقام الهداية إلى إصلاح حاله وماله بقرينة الآية.

وبالجملة لا خلاف ولا كلام في اعتبار إصلاح المال بمعنى أن يكون له ملكة يقدر بها على حفظه وصرفه في الأغراض الصحيحة لا غير ، لا بمعنى أنه قد فعل مرّة اتفاقا ، بل يكون ذلك في عقله ومعرفته للأمور.

فتضييع المال ـ بإلقائه في البحر مثلا والغبن الفاحش في المعاملات وصرفه في المحرّمات بتبذير وإسراف ـ مناف للرشد ومانع عن التصرف وموجب للحجر بإجماع الأمّة على ما فهمناه من التذكرة.

وانما الكلام والخلاف في اعتبار العدالة معه.

والظاهر أنه لا يعتبر فيه تكرّر الفعل للملكة ولا اشتغاله بعمل يحصل به المال ، فالذي يترك صنعة أبيه ليس بسفيه ، ولا القدرة (٢) على حفظ الموجود وتحصيل المعدوم من المال ، كما اعتبره في شرح الشرائع كما سيجي‌ء.

وأيضا إن تروك المروّة ليست داخلة في هذه العدالة عند من يشترطها في الرشد.

قال في التذكرة : ومن لا يتحفظ من الأشياء المفضية إلى قلّة المروّة كالأكل في السوق ، وكشف الرأس بين الناس ، ومدّ الرجل عندهم وأشباه ذلك

__________________

(١) رشد كنصر وفرح رشدا ورشدا ورشادا اهتدى (القاموس)

(٢) عطف على قوله قده تكرر الفعل.

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يقبل شهادته ويدفع إليهم أموالهم إجماعا.

فنقل عن الشيخ ره (١) ذلك ، وعن الشافعي أيضا بمعنى أنه لا يدفع اليه المال ولا يزول عنه الحجر الموجود فيه ابتداء إلّا مع وجودها أيضا ، فبدونها لا يدفع إليه شي‌ء ، بل لا يعامل ، ويكون حكمه حكم الصبيّ الغير البالغ ، والمضيّع لماله وان كان حفظه للمال وصرفه في الأغراض الصحيحة معلوما.

والأكثر على العدم ، ودليلهم أصل عدم المنع وجواز تصرف الملّاك في أملاكهم وعدم جواز منعهم عنه.

ويدل عليه العقل والنقل كتابا (٢) وسنّة (٣) وإجماعا ويخرج منه غير البالغ وغير الرشيد بالمعنى المتفق بالإجماع والنص وبقي الباقي.

ولأنه علق في الآية زوال الحجر برشد مّا ، للتنكير ، ويصدق على مصلح ماله أنّ له رشدا مّا وهو ظاهر.

ولأنه نقل عن ابن عباس وغيره في تفسير آية الرشد أنه إصلاح المال (٤).

ولأنه ضرر في الجملة.

ولأن غالب الناس على غير العدالة فيلزم الحرج في الجملة.

__________________

(١) وفي التذكرة : واما الرشد فقال الشيخ ره : هو ان يكون مصلحا لماله عدلا في دينه ، فإذا كان مصلحا لماله غير عدل في دينه أو كان عدلا في دينه غير مصلح لماله ، فإنه لا يدفع اليه وبه قال الشافعي والحسن البصري وابن المنذر (انتهى موضع الحاجة).

(٢) قال عزّ من قائل : «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً» النساء ـ ٥ وقال عزّ وجلّ : «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» النساء ـ ٦.

(٣) راجع الوسائل باب ١٤ حديث ٢ ـ ٣ ـ ٤ من أبواب عقد البيع ج ١٢ ص ٢٦٨ وباب ١ حديث ٢ ـ ٣ ـ ٤ من كتاب الحجر وباب ٢ حديث ٤ و ٥ منه ج ١٣ ص ١٤١ ـ ١٤٣.

(٤) فإنه ـ عند تفسير هذه الآية قال : فإن رأيتم منهم رشدا صلاحا في الدين وحفظا (تنوير المقباس عن ابن عباس) ص ٥٢.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنّه ما نقل في الروايات وفعل العلماء وأقوالهم ـ مع وجود أحكام الأوصياء والأيتام وفيها كثيرا ـ منع أحد عن أخذ ماله ومعاملته ومناكحته زوجا وزوجة لعدم عدالته.

ولأنّ القائل ما شرط في زوال الحجر بقاء العدالة فيجوز معاملة الصبي الذي بلغ ورشد وعدل بعد أن صار فاسقا على ما نقل عنه في التذكرة وادعى عليه الإجماع.

قال : وكذا إذا طرء الفسق الذي لا يتضمن تضييع المال ولا تبذيره ، فإنه لا يحجر عليه إجماعا كما ادعى قبله ، الإجماع على ان السفه ـ بالفسق الذي يتضمن تضييع المال بتبذير وإسراف ـ موجب للحجر.

الا انه نقل بعد ذلك بورقتين قولين للشافعي ، وانه قال الشيخ : الأحوط المنع وذكر الأدلة التي ذكرت في أصل الحكم فالظاهر ، يكون الإجماع عندنا (١).

ولا فرق (٢) بين الابتداء والاستدامة عقلا بل ولا شرعا.

ولانه لا شكّ أنّ عدم الرشد مانع ، وان وجوده كاف في الزوال وموجب له بالنص والإجماع فما اعتبرت العدالة ، إلا لكونها داخلة في مفهوم الرشد كما يرشد اليه استدلال القائل باعتبارها ، فلو اعتبرت ابتداء لزم اعتبارها استدامة ، وهو ظاهر.

ويؤيّده (٣) أنّ الرشد بمعنى إصلاح المال شرط مطلقا ابتداء واستدامة ولا يقول الشيخ باشتراط العدالة في البقاء لما مرّ.

ولأنه لو اعتبرت يلزم عدم جواز معاملة الفاسق ، مع أنّهم مجمعون على

__________________

(١) يعني لا إجماع المسلمين بل عندنا فقط بقرينة قوله : أحوط.

(٢) هذا تتميم الاستدلال بقوله قده : (ولأن القائل بالشرط في زوال الحجر إلخ فلا تغفل.

(٣) يعني يؤيّد هذا الاستدلال الأخير.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

جوازها وقالوا بجواز بيع الخشب لمن يعمل صنما والعنب لمن يعمل خمرا مع الكراهة ولا شك انه فاسق.

بل يلزم عدمه مطلقا الا مع العلم بعدالته بالمعاشرة أو غيرها من طرق معرفتها إذا لم يكن مجرد الإسلام ـ مع عدم ظهور الفسق ـ كافيا في العدالة ، فالظاهر ذلك لأنها ملكة تحدث بعد الإسلام بفعل الطاعات وترك المعاصي فلا يكون بمجرد الإسلام كما يقول البعض لأن الأصل في المسلم ، العدالة وهو ظاهر الفساد ، إذ الأصل عدمها ، لمّا مرّ من اعتبار الملكة وفعل الطاعات.

ولا يمكن دعوى ظهورها أيضا في المسلم ، لما مرّ ، ولما ترى من أحوال المسلمين ولأن الآية الكريمة والاخبار الشريفة وإجماع الأمة دلت على وجوب الاختبار لحصول الرشد فلا يكتفي بالأصل ، والظاهر.

وكذا العدالة ان سلّم أنها الأصل والظاهر ، في المسلم ، لأنّ القول بذلك موجب لترك المعاملة والمناكحة وتعطيل المعيشة ومخالف لعمل الأمة ، بل الكتاب والسنة في الجملة حيث أمر فيهما ، بالمعاملة والمناكحة مطلقا ، بل في الأخبار ما يدلّ على جواز معاملة الفسّاق فكيف مجهول الحال ، وهو ظاهر وقد مرّ ويبعد من الشرع منع الإنسان عن ماله والنكاح بمجرّد فسق مّا.

ودليل الشيخ والشافعي قوله تعالى «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً» (١).

والمراد (٢) ب (أموالكم) أموال اليتامى التي في أيدي الأوصياء والأولياء والإضافة إليهم لأدنى ملابسة ، وهو يظهر من الآية فمنع بالآية دفع المال إليهم حتى

__________________

(١) النساء ـ ٥.

(٢) تتميم لاستدلال الشيخ والشافعي فلا تغفل وكذا قوله قده : ولان السفيه إلخ وقوله : ولانه قد ورد إلخ.

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يزول السفه ، والفاسق سفيه وايّ سفيه أسفه ممن يكون ظالما وفاعلا لما يوجب غضب الله ورسوله ويدخل نفسه النار وعقاب الله تعالى.

ولأنّ السفيه قد عبّر بالغيّ في قوله تعالى «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» (١) وهو ضد الرشد.

ولأنه قد ورد في بعض الاخبار أنّ شارب الخمر سفيه (٢) ولا قائل بالفرق.

لعلك (٣) عرفت الجواب عنه بالنقض والمعارضة ، بل المنع أيضا ، إذ قد يمنع كون الفاسق غير رشيد وقد مرّ السند.

وقوله : (أيّ سفيه إلخ) فبالنسبة إلى العاقبة فمسلّم ، وأمّا بالنّسبة إلى أمور الدنيا فلا ، ويجوز كون الآية لأمر الدنيا وحفظ المال كما هو المتبادر.

على أنّه قد يمنع الغضب ودخول النار ، لتقرّره بنفسه التوبة والعفو والاتكال الى كرمه.

والرواية على تقدير الصحّة محمولة على أمور الآخرة والمبالغة في المنع كالرواية (٤) في منع مناكحة شارب الخمر بالاتفاق فإنّهم جوزوا ذلك وقالوا

__________________

(١) البقرة ـ ٢٥٦.

(٢) في خبر حماد بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) وقال أبو عبد الله عليه السلام : انّي أردت أن أستبضع بضاعة إلى اليمن فأتيت أبا جعفر عليه السلام فقلت له : اني أريد أن أستبضع فلانا فقال : اما علمت أنه يشرب الخمر (الى أن قال) فقال عليه السلام : أي بُنيّ مه ليس لك على الله ان يأجرك ولا يخلف عليك ، قال : قلت : ولم؟ قال : لأن الله عزّ وجلّ يقول «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) فهل تعرف سفيها أسفه من شارب الخمر؟ الحديث ـ الوسائل ج ١٧ ص ٢٤٨ حديث ٥ من باب ٥ من أبواب الأشربة المحرّمة.

(٣) جواب عن استدلالات الشيخ والشافعي في اعتبار العدالة فإنه قد تقدم : بجواز بيع الخشب لمن يعمل صنما والعنب لمن يعمل خمرا.

(٤) راجع الوسائل باب ٥ من أبواب الأشربة المحرمة ج ١٧ ص ٢٤٧.

١٩٨

ويقبل فيه شهادة عدلين ، وشهادة أربع نساء في الأنثى.

______________________________________________________

بكراهته فتأمّل.

قوله : «ويقبل فيه إلخ» أي يثبت الرشد بشهادة العدلين بذلك عند الحاكم فيحكم به فيجزي أحكامه عليه.

وأما إذا شهد الا عنده أو لم يحكم به فظاهر اشتراطهم انضمام الحكم إلى الشهادة ـ في الأمور إلا ما استثنى وليس الرشد منه ـ يقتضي عدم الثبوت وعدم ترتب الاحكام عليه.

ودليل الاشتراط غير ظاهر وسيجي‌ء في محله بيانه ، فيمكن الثبوت مع تعذره دفعا للحرج.

والاحتياط يقتضي الاختبار مع الإمكان وعدم لزوم تأخير تسليم المال الى صاحبه بزمان كثير يضرّ به ، بل مع عدمه أيضا خصوصا إذا طلبه المالك ويضرّ بالتأخير إذا أفاد ظنّا متاخما (١) للعلم لمن يريد تسليم ماله اليه ومعاملته للحرج في الجملة.

ولثبوت عمل الأمّة في المعاملات مع عدم ثبوته عندهم بحكم الحاكم مع تحقّق كونه غير رشيد يقينا وما ذلك إلّا للحكم بظاهر الحال وشهادة العدلين ليس بأقل من ذلك.

ولصدق الرشد الذي هو شرط في الآية (٢) والأخبار (٣) الدالة على التسليم مع ثبوت كونه رشيدا عند المتصرف من غير قيد حكم الحاكم فتأمّل.

ولهذا قالوا : إنّ فكّ حجر الصبيّ ، ليس بموقوف ـ بعد البلوغ والرشد ـ

__________________

(١) وداره تتاخم داري اي تحاذيها (مجمع البحرين).

(٢) إشارة إلى قوله تعالى «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» النساء ـ ٦.

(٣) راجع الوسائل : باب ٤ من أبواب مقدمة العبادات ج ١ ص ٣١ وباب ١ و ٢ من كتاب الحجر ج ١٣ ص ١٤١ ـ ١٤٣.

١٩٩

وصرف المال في صنوف الخير ، ليس بتبذير مع بلوغه (في الخير خ).

______________________________________________________

الى (١) حكم الحاكم فتأمّل.

فإن الظاهر أنّ الضابط حصول العلم ، بل الظن المتاخم له إما بالاختبار على أيّ وجه كان بحيث يظن انه يضبط المال ويحفظه ولم يصرفه في غير الأغراض الصحيحة بالنسبة إليه في نظر العقلاء ، أو حكم الحاكم ، أو شهادة عدلين ، سواء كانا عدلين على الرجل أو المرأة ، أو أربع نسوة أو امرأتان وعدل عليها لصدق الآية والاخبار.

ولعلّ دليل سماع العدلين في الرشد ، بل في البلوغ بالسن والإنبات دون حصول المنيّ مع إمكان سماع قوله حينئذ ـ على ما ذكر عن العامة ـ لعدم إمكان إثباته بالشهود لعدم اطّلاع غيره به الّا نادرا كخروج العدّة بالحيض من النساء وللزوم الحرج في الجملة لو لم تسمع بخلاف السن والإنبات ، فإنه يمكن اطلاع الغير عليه ويبعد اطّلاع نفسه عليه والرجل في المرأة.

هو الإجماع (٢) ، وعموم كونهما حجّة شرعيّة إلّا في بعض نادر مثل الزنا لدليل مخصوص على الزيادة هنا.

وأما سماع أربع نساء هنا أو رجل وامرأتين في المرأة ، فكأنّه لذلك (٣) ، ولعدم اطّلاع غير هنّ غالبا ، فلو شرط الذكور يلزم الحرج ، فتأمّل.

قوله : «وصرف المال إلخ» كون صرف المال في التقرّبات وأصناف الخيرات ليس بتبذير أو إسرافا منافيا للرشد ، هو الظاهر من الكتاب والسنة ، إذ الترغيب والتحريص على الإنفاق فيهما كثير جدّا ، ولا يمكن حصره.

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها مطبوعة ومخطوطة.

(٢) خبر لقوله قده : دليل سماع العدلين.

(٣) يعني للإجماع.

٢٠٠