مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ودليل الثالث (١) الحرج ، فإنه قد يفعل أمورا كثيرة ثم يعلم ، فيشكل تحصيل من عامل معه ذلك وردّ الحقوق إلى أهله.

وهو معارض بمثله كما أشرنا اليه ، ومنقوض بالموت ونحوه كما أشرنا اليه.

ويمكن دفعه أيضا بأنه ان تمكن من تحصيل المالك ، صالح والا فيأخذه قصاصا وعوضا ، وبأنه علم الرضا بالتعويض ، فتأمّل.

وأيضا (٢) ، العقل يحكم بان غير العالم غير مكلّف ، فالوكيل الجاهل بعزله غير مكلّف بعد فعل ما وكّل فيه ، فلا يكون معزولا ، بل معذورا.

وهو (٣) أيضا منقوض بما مرّ ، وان الجاهل لا يعذر الا نادرا عندهم ، والعلم الذي هو شرط التكليف هو القدرة على الفهم عندهم كما بيّن في موضعه.

على انه لا يقال : انه معاقب ومكلّف بعد فعل ما وكّل فيه ، بل معنى بطلانه عدم ترتب الأثر المطلوب على فعله في نفس الأمر وظهور ذلك بعد العلم بالعزل ، ولا فساد فيه بوجه.

وعمدة أدلّته ، الروايات ، عن أهل البيت عليهم السلام.

(منها) رواية هشام بن سالم ـ في التهذيب والفقيه ـ عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل وكّل آخر على وكالة في إمضاء أمر من الأمور ، واشهد له بذلك شاهدين ، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر فقال : اشهدوا أني قد عزلت فلانا عن

__________________

الخلاف : إذا عزل الموكل وكيله عن الوكالة في غيبته من الوكيل ، لأصحابنا فيه روايتان (إحداهما) انه ينعزل في الحال وان لم يعلم الوكيل وكل تصرف يتصرف فيه الوكيل بعد ذلك يكون باطلا وهو أحد قولي الشافعي إلخ فالأولى تبديل (النهاية) ب (الخلاف).

(١) وهو عدم كفاية الاشهاد ولا بدّية الاعلام واما بيان دليل الثاني فيأتي بقوله قده واما دليل الثاني فكأنه الجمع إلخ.

(٢) دليل ثان للقول الثالث فلا تغفل.

(٣) هذا جواب أيضا من الشارح قده كما ان قوله قده قبيل هذا جواب للدليل الأول.

٥٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

الوكالة. فقال : ان كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكل فيه قبل ان يعزل (العزل يب) عن الوكالة ، فإن الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكل أم رضي ، قلت : فان الوكيل أمضى الأمر قبل ان يعلم بالعزل أو يبلغه انه قد عزل عن الوكالة فالأمر ماض على ما أمضاه؟ قال : نعم ، قلت له : فان بلغه العزل قبل ان يمضي الأمر ثم ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشي‌ء؟ قال : نعم ان الوكيل إذا وكّل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا ، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو مشافهة بالعزل عن الوكالة (١).

قال في المختلف : هذا أصحّ ما بلغنا في هذا الباب.

ويفهم من التذكرة انه رواه الشيخ في الصحيح (٢).

وقال في شرح القواعد : انها صحيحة وكذا في شرح الشرائع.

ورواية جابر بن يزيد ومعاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال : من وكّل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها (٣).

وقال في التذكرة : في طريقها عمرو بن شمر وهو ضعيف (٤) ، وأشار في المختلف وشرح القواعد أيضا وغيره أيضا الى ضعفها.

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من كتاب الوكالة ج ١٣ ص ٢٨٦ وحيث ان الشارح قدّس سرّه نقله من التهذيب والوسائل من الفقيه فلا يقدح مخالفة ما نقله قده مع ما في الوسائل فراجع التهذيب باب الوكالات حديث ٢ ج ٢ ص ٦٦ الطبع القديم.

(٢) حيث قال : وفي الصحيح عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام إلخ.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ١ من كتاب الوكالة ج ١٣ ص ٢٨٥.

(٤) فان سندها كما في التهذيب هكذا : محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن خالد الطيالسي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد ومعاوية بن وهب.

٥٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية علا (علي خ) بن سيابة صريحة في ذلك ـ وهي طويلة (١) مشتملة على قضاء أمير المؤمنين والصادق عليهم السلام ـ بالزوجيّة مع اشهادها الشاهدين على أخيها الوكيل قبل إيقاع النكاح إلّا أنهما ما شهدا على حضور الوكيل واعلامه به.

قال أمير المؤمنين للشهود : كيف تشهدون؟ قالوا : نشهد أنها قالت اشهدوا أني قد عزلت أخي فلانا عن الوكالة بتزويجي فلانا وأني مالكة لأمري من قبل ان يزوجني فلانا ، فقال : أشهدتكم على ذلك بعلم منه ومحضر؟ قالوا : لا ، قال : فتشهدون أنها أعلمته العزل كما أعلمته الوكالة؟ قالوا : لا ، قال : أرى الوكالة ثابتة ، والنكاح واقع اين الزوج؟ فجاء ، فقال : خذ بيدها بارك الله لك فيها فقالت : يا أمير المؤمنين : أحلفه اني لم أعلمه العزل وانه لم يعلم بعزلي إيّاه قبل النكاح ، قال :

__________________

(١) الاولى نقل صدرها أيضا مع طولها ننقلها من التهذيب ، عن العلاء بن سيابة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة وكّلت رجلا بان يزوجها من رجل فقبل الوكالة وأشهدت له بذلك فذهب الوكيل فزوّجها بذلك ثم إنها أنكرت ذلك عن الوكيل وزعمت انها عزلته عن الوكالة فأقامت منه شاهدين أنها عزلته قال : فما يقول من قبلكم في ذلك؟ قلت : يقولون : ينظر في ذلك ، فان عزلته قبل ان يزوج فالوكالة باطلة والتزويج باطل ، وان عزلته وقد زوّجها فالتزويج ثابت على ما تزوج الوكيل على ما اتفق معها من الوكالة إذا (ان خ) لم يتعدّ شيئا ممّا أمرته به واشترطت عليه في الوكالة ، قال : فقال : يعزلون الوكيل عن وكالتها ولا يعلمه بالعزل؟ فقلت : نعم يزعمون انها لو وكّلت رجلا وأشهدت في الملإ وقالت في الملإ : اشهدوا اني قد عزلته بطلت وكالته وان لم يعلم العزل وينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصّة ، وفي غيره لا يبطلون الوكالة الا ان يعلم الوكيل بالعزل ويقولون المال منه عوض لصاحبه ، والفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ، فقال : سبحان الله ما أجور هذا الحكم وأفسده ان النكاح أحرى واجرى أن يحتاط فيه وهو فرج ، ومنه يكون الولد ، إنّ عليا عليه السلام أتته امرأة مستعدية على أخيها فقالت : يا أمير المؤمنين وكلت أخي هذا بأن يزوجني رجلا فأشهدت له ثم عزلته من ساعته ذلك فذهب وزوجني ولي بينة اني قد عزلته قبل ان يزوجني فأقامت البيّنة ، وقال الأخ : يا أمير المؤمنين إنها وكّلتني ولم تعلمني بأنها قد عزلتني عن الوكالة حتى زوجتها كما أمرتني به فقال لها : فما تقولين؟ فقالت : قد أعلمته يا أمير المؤمنين ، فقال : لها : لك بيّنة بذلك؟ فقالت : هؤلاء شهودي يشهدون بأني قد عزلته فقال أمير المؤمنين عليه السلام كيف تشهدون إلخ.

٥٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وتحلف؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين فحلف فاثبت وكالته وأجاز النكاح (١).

وفي رواية أخرى ، عن أبي هلال الرازي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل وكّل رجلا بطلاق امرأته إذا حاضت وطهرت وخرج الرجل فبدا له ، فأشهد أنه قد أبطل ما كان أمره به ، وانه قد بدا له في ذلك ، قال : فليعلم أهله وليعلم الوكيل (٢).

أقول : الروايات كلها في باب وكالة التهذيب ، عن محمد بن علي بن محبوب وما ثبت صحّة طريقه اليه (٣) وان قال ذلك في الخلاصة (٤) ورجال ابن داود.

لوجود (٥) حسين بن عبيد الله واحمد بن محمد بن يحيى العطار ، وهما غير موثقين ، بل غير مذكورين في الخلاصة (٦) وقال ابن داود (أحمد المذكور مهمل).

على ان في طريق الأولى (٧) محمد بن عيسى بن عبيد ، وقد ضعّفوه وكثيرا ما يردّون الخبر لوجوده فيه خصوصا في شرح الشرائع ، وكأنه لذلك ما صرّح بالصحّة

__________________

(١) الوسائل باب ٢ ذيل حديث ١ من كتاب الوكالة ج ١٣ ص ٢٨٦.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ١ من كتاب الوكالة ج ١٣ ص ٢٨٨.

(٣) طريقه اليه كما في مشيخة التهذيب والاستبصار هكذا : وما ذكرته في هذا الكتاب ، عن محمد بن علي بن محبوب فقد رويته ، عن الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، عن أبيه محمد بن يحيى ، عن محمد بن علي بن محبوب (انتهى).

(٤) قال في الخلاصة في الفائدة الثامنة من الخاتمة عند ذكر طرق الشيخ : والى الحسين بن سعيد صحيح وكذا عن محمد بن احمد بن يحيى الأشعري ، وكذا عن محمد بن علي بن محبوب إلخ ص ١٣٦ طبع طهران.

(٥) تعليل لقوله قده : وما ثبت صحّة طريقه إليه.

(٦) يعني لا في القسم الأول المعدّ لنقل ما اعتمد عليه العلامة ولا في القسم الثاني المعدّ لنقل الضعفاء ومن ردّ قوله أو توقف فيه.

(٧) فان طريق الشيخ في خبر هشام كما في التهذيب هكذا : محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم.

٥٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في المختلف والإيضاح ، بل قال (١) : رواية هشام آه ، وقوله (٢) : أصحّ ما بلغنا كأنّه أراد بالنسبة ، فتأمّل.

ولكن ظني ان محمد بن عيسى لا بأس به ، ويمكن تصحيح طريقه الى محمد بن علي بن محبوب من الفهرست (٣).

وأيضا هذه الرواية موجودة في الفقيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم آه والطريق فيه اليه صحيح (٤).

ويمكن تصحيح طريقه من الفهرست ، وما صحّحه في الخلاصة (٥) ورجال ابن داود وان قال في رجال ابن داود إن طريقه الى محمد بن أبي عمير ، ومحمد بن علي بن محبوب ، وأحمد بن عيسى واحد ، والطريق (٦) إلى أحمد صحيح فيكون إليهما

__________________

(١) يعني فخر المحقّقين صاحب الإيضاح حيث قال : واحتجّ ابن الجنيد برواية هشام بن سالم إلخ.

(٢) يعني العلامة في المختلف كما تقدم.

(٣) ذكر المحقق المتتبع الحاج ميرزا محمد الأردبيلي في الفائدة السابعة من فوائد خاتمة رجاله ج ٢ ـ عند ذكر طرق الشيخ أبي جعفر الطوسي ره ـ (الى ان قال) : والى أحمد بن محمد بن عيسى صحيح في المشيخة والفهرست (انتهى) وطريقه الى محمد بن علي بن محبوب كما في مشيخة التهذيب : وما ذكرته في هذا الكتاب عن محمد بن علي بن محبوب فقد أخبرني به الحسين بن عبيد الله عن احمد بن محمد بن يحيى العطار ، عن أبيه محمد بن يحيى عن محمد بن علي بن محبوب.

(٤) طريق الصدوق الى محمد بن أبي عمير ، كما في مشيخة الفقيه هكذا : وما كان فيه ، عن محمد بن أبي عمير ، فقد رويته ، عن أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما ، عن سعد بن عبد الله والحميري جميعا ، عن أيوب بن نوح ، وإبراهيم بن هاشم ، ويعقوب بن يزيد ، ومحمد بن عبد الجبّار جميعا ، عن محمد بن أبي عمير.

(٥) في الخلاصة في الفائدة الثامنة عند ذكر طرق أبي جعفر بن بابويه في الفقيه هكذا : وعن محمد بن حكيم صحيح وكذا عن علي بن الحكم (الى ان قال) : عن سعيد النقاش ضعيف (الى ان قال) : وكذا عن محمد بن عيسى (الخلاصة ص ١٣٩).

(٦) طريق الصدوق إلى أحمد بن محمد بن عيسى كما في مشيخة الفقيه هكذا : وما كان فيه ، عن احمد بن محمد بن عيسى الأشعري رضي الله عنه ، فقد رويته عن أبي ، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما ، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا ، عن احمد بن محمد بن عيسى الأشعري.

٥٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضا صحيحا.

لكن فيه تأمل لعدم اتحاد الطريق (١) كما يفهم من كتابي الشيخ.

وفي منتها أيضا بعض الشي‌ء.

وأما رواية جابر وان كانت ضعيفة من طريقه (٢) الّا أنها صحيحة من طريق معاوية بن وهب فإنها منقولة في الفقيه عنهما وقيل (قبل خ) في الخلاصة وابن داود : وان طريقه الى معاوية (٣) صحيح.

ولكن فيه أيضا تأمل ، لأن صحّة طريقه إليه موقوفة على توثيق محمد بن علي ماجيلويه وهو غير واضح.

واما رواية علا بن سيابة ، ففيها ان علا غير معلوم ، مع أن فيه ، الحسن بن موسى الخشاب وعلي بن حسان (٤) ، وهما غير مصرّح بتوثيقهما وان كانا ممدوحين وفي الفقيه علي بن سيابة ، وهو أيضا مجهول ، كأنه غلط وهو علاء بن سيابة كما في التهذيب وطريق الفقيه اليه (٥) صحيح.

__________________

(١) يعني إنّ الطريق الى محمد بن أبي عمير ومحمد بن علي بن محبوب مع الطريق إلى أحمد بن محمد بن عيسى ليس متحدا كي يلزم من صحّة الطريق إلى أحمد صحّة الطريق إليهما.

(٢) يعني من طريق جابر ، فان طريق الصدوق ـ كما في مشيخة الفقيه ـ هكذا : وما كان فيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري فقد رويته ، عن علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن جعفر بن احمد ، عن عبد الله بن الفضل ، عن المفضل بن عمر ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

(٣) طريق الصدوق إلى معاوية ـ كما في مشيخة الفقيه ـ هكذا : وما كان فيه عن معاوية بن وهب ، فقد رويته ، عن محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن احمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي القاسم معاوية بن وهب البجلي الكوفي.

(٤) سند الشيخ الى علا بن سيابة كما في التهذيب هكذا : محمد بن علي بن محبوب عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن علي بن حسان ، عن علي بن عقبة ، عن موسى بن أكيل النميري عن العلاء بن سيابة.

(٥) طريق الصدوق الى علاء بن سيابة ـ كما في مشيخة الفقيه ـ هكذا : وما كان فيه عن العلاء بن سيابة

٥٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية أبي هلال غير صحيحة ، لأن أبا هلال مجهول ، وان كان إليه في الفقيه في هذه الرواية صحيحا ، لنقله عن عبد الله بن مسكان ، واليه صحيح (١) وموثقة وفي طريق التهذيب والاستبصار ، الحسن بن علي بن فضال (٢).

ولا دلالة فيها ، وهو ظاهر.

وأمّا دليل الثاني (٣) ، فكأنّه الجمع بين الأدلّة والأقوال في الجملة ، والاعتبار بالشاهدين في نظر الشرع ورفع الحرج في الجملة.

ولكن ظاهر رواية هشام عدم الاعتبار بهما ، وكذا رواية علا بن سيابة.

وبالجملة المسألة من المشكلات ، لما علمت مما تقدم ، ولهذا أفتى العلامة في القواعد بالعزل مطلقا إذا عزله ، بل إذا فعل فعلا يشعر بالرغبة ، مثل الوطء وغيره ممّا لا يجوز لغير الزوج مثل النظر واللمس وغيرهما أيضا ، ونفى البأس ـ عن عدم الاعتبار بالشاهدين وعدم العزل إلّا مع العلم ـ في التذكرة واحتمل العزل في الوطء بعد التوكيل وقوّاه حيث ذكر أدلّته وما ردّها واستشكل في غيره من المحرّمات على غير الزوج.

وتوقف المحقق الثاني في شرح القواعد في الوطء وسائر المحرّمات ، وأفتى بالمذهب الثالث.

__________________

فقد رويته ، عن أبي رضي الله عنه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن على الوشاء ، عن ابان بن عثمان عن العلاء بن سيابة.

(١) طريقه إلى عبد الله بن مسكان ـ كما في مشيخة الفقيه ـ هكذا : وما كان فيه عن عبد الله بن مسكان فقد رويته عن أبي ، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن مسكان :

(٢) سند خبر أبي هلال ـ كما في التهذيب ـ هكذا : محمد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن فضال ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي هلال الرازي.

(٣) وهو لا بديّة إشهاد العدلين على تقدير تعذر الاعلام.

٥٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال في المختلف : فالظاهر عدم عزل الوكيل الّا ان يعلمه (يعلم خ) العزل لهذه الرواية (أي رواية هشام بن سالم) ثم قال : والقول الآخر ليس بردي لأن الوكالة من العقود الجائزة ، فللموكل ، الفسخ وان لم يعلم الوكيل ، ثم قال : وقول الشيخ في النهاية لا بأس به ، لانه توسط بين الأقوال (١) إشارة إلى القول الثاني (٢) ، ويمكن ان يقال : ان عقد النكاح عصمة ثابتة وفعل الوكيل مشروط برضا الموكّل به ، فحلّه ودفعه يحتاج الى دليل قويّ ، والعمل بأمثال هذه الروايات في مثل هذا ، فيه ما فيه.

ويؤيّده انه يجوز للموكّل ابطال ما وكّل فيه بان يفعله بنفسه أو يخرجه عن الصلاحيّة مثل ان يعتق العبد الموكّل في بيعه ، وانه لو رضي بفعل ما يوكّل فيه ، ثمّ بدا له لم يلزمه الفعل الّا مع رضاه ثانيا به ، وكذا وكيله.

وتركها (٣) أيضا بالكليّة لا يخلو عن اشكال ـ مع صحّة البعض ـ للموكل كما ظهر ، وبعد التأويل.

على انه قد يقال : يدلّ «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» بإيجاب (٤) الوفاء بكلّ عقد ، خرج منه الوكالة في غير صورة النزاع وبقي النزاع تحته ، فتأمّل.

والشهرة أيضا تؤيّده ، إذ الأكثر على (الى خ) عدم العزل إلّا بالإعلام كما هو مضمون الروايات ولم يعلم قول بالعزل مطلقا الا قول القواعد مع فتواه في غيره بالأول.

والاشهاد لا دليل له ظاهرا ، مع أنه أيضا ينفى بظاهر الرواية ، وما تقدم في بعض الأدلة لهما يندفع بالنص عن أهل البيت عليهم السلام فيترك غيره فوجد

__________________

(١) الى هنا عبارة المختلف.

(٢) وهو لا بديّة الإشهاد على تقدير تعذر الاعلام.

(٣) يعني ترك الروايات مع صحّة بعضها.

(٤) كذا في النسخ كلها والاولى على إيجاب.

٥٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

دليل قويّ لحلّ العصمة وعدم اعتبار الرضا حين الفعل فيخرج عن القاعدة به ، وكذا غيره مما تقدم الإشارة إليه فتأمل.

واما الوطء (١) والفعل المحرّم الدال على الرغبة ، فإن كان مقرونا بالندامة عن الطلاق والتوكيل فهو مثل العزل ، وان كان مقرونا بعدمها ، فيمكن ان لا ينعزل ، وان كان مشتبها يستفصل ويقبل قوله في ذلك على الظاهر ، ومع عدم الإمكان (٢) فلا يبعد بقاء الوكالة ، إذ هذا الفعل أعم من الرغبة في النكاح والعزل والإمساك وعدمها ، إذ يجوز ان يتخيّل انه وان طلّقها ولكن اعمل الآن ما أريد من الحظ واللذّة.

ولأن الرواية المتقدمة (٣) دلت على بقائها حتى يعلم العزل والظاهر عدم العلم وان حصل الظن القوي من اقتضاء العرف بذلك فلا يبعد العزل ، فتأمّل.

ثم ان الظاهر أنّ فعل الموكّل ذلك قصدا للعزل ، فيكون ذلك عزلا ، ويدل على ذلك كلام شارح القواعد وشارح الشرائع أيضا حيث اعترضا على دليل القواعد (٤) : (لان الوطء (٥) يدل عرفا على الرغبة واختيار إمساكها ، ولانه لو وطأها بعد الطلاق الرجعي لكان رجعة ومبطلا لمقتضي الطلاق فلان يرفع مقتضي وكالة الطلاق أولى ، لأنها أضعف) :

__________________

(١) يعني ان الموكل بعد ان وكله في الطلاق وطأ زوجته أو قبلها أو لامسها ونحوها ممّا يحرم على غير الزوج.

(٢) يعني مع عدم الاستفصال.

(٣) هي ذيل رواية هشام بن سالم ، من قوله عليه السلام : والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل إلخ.

(٤) في القواعد : وتبطل الوكالة بفعل الموكّل متعلّق الوكالة وما ينافيها مثل ان يوكّله في طلاق زوجته ثم يطأها ، فإنه يدل عرفا على الرغبة واختيار الإمساك وكذا لو فعل ما يحرم على غير الزوج (انتهى) إيضاح الفوائد ج ٢ ص ٣٥٤ طبع قم.

(٥) قوله قده : (لأن الوطي (إلى قوله) أضعف من كلام شارح القواعد صاحب جامع المقاصد ره.

٥٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بأن (١) الوكالة قد ثبتت ، ومنافاتها الوطء غير معلومة ، ودعوى الأولويّة ممنوعة والفرق قائم ، فإن الطلاق سبب قطع علاقة النكاح ، فينافيه الوطء الذي هو من توابعه بخلاف الوكالة ، وأبعد منه فعل المحرّم على غير الزوج (٢).

فان هذا الاعتراض صريح في انه لو كان منافيا لكان عزلا ، فإذا كان مقرونا بالمنافي ـ وهو قصد الإمساك ـ فلا شكّ في كونه عزلا عندهما أيضا ، وهو ظاهر.

ولكن فيه تأمل ، إذ منعا من العزل ، إذا صرّح بالعزل ، فكيف يقولان هنا بذلك الا ان يكون مرادهما انه يثبت بذلك حينئذ أنه عزله وقد مرّ حكم العزل أو يكون عزلا مع علمه أو (إذ خ) يكون العزل المفهوم من الوطء المقارن لمزيل الوكالة صريحا أولى فينعزل به من دون الاعلام دون القول.

ويؤيّده ان الوطء يصيّر المحلّ غير قابل لطلاقه ، كطلاقه وعتقه وبيعه فتأمّل فهو غير بعيد ويكون قولهما موافقا للقواعد في ذلك بل لا يظهر فيه خلاف وانما يكون النزاع في المطلق أو مقرونا بقصد عدم الإمساك فتأمل.

واعلم أيضا أنه لا شك في انه لو وقع الطلاق في الطهر الذي أوقع الوطء فيه لم يصحّ الطلاق مطلقا ، لما ثبت من إجماع المسلمين ، على ان الطلاق لا يصحّ في طهر المواقعة ولا في الحيض عند الأكثر إلا ما استثني فكان المقصود والبحث مع عدم وقوع الطلاق فيهما وترك للظهور فتأمل.

وانه (٣) قال في شرح القواعد : ان العلّامة احتمل البطلان في الوطء واستشكل في المحرّمات في التذكرة ولم يفت بشي‌ء ، وللتوقف مجال.

__________________

(١) بيان للاعتراض الذي نقله الشارح قده بقوله : حيث اعترضا إلخ عن المحقق الثاني.

(٢) إلى هنا عبارة شرح القواعد.

(٣) عطف على قوله قده : انه لا شكّ.

٥٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال في شرح الشرائع : وتوقف في التذكرة في حكم الوطء والمقدمات معا.

والذي يفهم من التذكرة هو الفتوى في الأول وان قال بلفظ (احتمل) والاستشكال في الثاني. قال في التذكرة (في عدّ (١) عبارات العزل والفسخ ويوجد من أحدهما ما يقتضي فسخ الوكالة) : فإذا وكّله في طلاق زوجته ثم وطأها احتمل بطلان الوكالة لدلالة وطئه لها على رغبة فيها واختياره وإمساكها ، وكذلك لو وطأها بعد طلاقها رجعيا كان ذلك ارتجاعا لها ، فإذا اقتضى الوطء ارتجاعها (رجعتها خ) بعد طلاقها فلأن يقتضي استبقائها على زوجيتها ومنع طلاقها اولى ، وان باشرها دون الفرج أو قبّلها أو فعل بها ما يحرم على غير الزوج ، فهل تنفسخ الوكالة في الطلاق؟ إشكال ينشأ من حصول الرجعة به وعدمه (٢).

لأنه (٣) عدّه من عبارات العزل ، ولأنه نقل الدليل وما ردّه ، وما نقل ـ على العدم ـ وجها حتى يحصل التردد والوقف ، وأيضا فرّق بين الوطء وغيره فلا يكون متوقفا فيهما معا ، ولأنه جعله اولى من الرجعة فكيف يتوقف مع عدم التردد في الرجعة ، وجعل وجه الإشكال في غير الوطء ، الإشكال في الرجعة ويؤيّده فتواه في القواعد.

وهذه العبارة أيضا تدل على عدم النزاع في كونه عزلا وعدم الشبهة فيه مع فرض كون الوطء منافيا ، ولا شكّ في ذلك مع مقارنة قصد الإمساك والزوجيّة.

ولكن يحتمل ان يكون مبنيّا على حصول العزل بمجرّد العزل كما هو سوق

__________________

(١) يعني في مقام تعداد الألفاظ الدالة على العزل والفسخ وفي مقام يوجد من الموكل أو الوكيل قول أو عمل يقتضي الفسخ قال : فإذا وكّله إلخ.

(٢) إلى هنا عبارة التذكرة.

(٣) تعليل لقوله قده : والذي يفهم إلخ.

٥٥١

فلو عزله انعزل ان علم بالعزل والّا فلا.

______________________________________________________

القواعد (١) فإنه ذكره بعد الفتوى بأنه ينعزل بالعزل ، وان كان ذكره مع ذكر تلف ما وكّل فيه مثل عتق العبد وموته ، يدلّ على عدمه.

فالظاهر من القواعد وغيره أن مراده حصول العزل بالوطء ونحوه مثل حصوله بطلاقه بنفسه وفعل مناف آخر ، مثل بيع العبد الموكّل في بيعه ، وعتقه ، ولا شكّ انه مراد المصنف ، فالظاهر منها (منهما خ) ذلك.

ويؤيد العزل بمجرد الوطء مطلقا صحّة عتق الأب وتزويجه ، وكذا الأمة وبيع الموكّل بنفسه ذلك قبل فعل الوكيل وسائر ما ينافيه فلا يؤثّر فعل الوكيل بعده.

بل هذا مؤيّد لجواز عزله أيضا من غير اعلامه فإنه يدل على بقاء اختياره ، فإنه لو كان لازما عليه فما كان ينبغي صحّة تلك العقود بالكليّة فوطؤه بمنزلة عتق الأمة وسلب صلاحيّة تطليقها الآن ، ومقتضى الوكالة كان ذلك.

وكأنه كانت الوكالة ، بأن يطلّقها قبل المواقعة فتأمل وبيّن بفعله عدم بقائها بعدها حيث أوجد المانع من الصحّة باختياره ، وهذا هو الفرق بين الوطء وغيره ، فتأمل.

ثمّ ان الظاهر من التفريع (٢) في الكتاب ، العزل مطلقا علم أم لم يعلم فالتقييد بقوله : (ان علم بالعزل) غير جيد ، فالعبارة لا تخلو عن شي‌ء وهو ظاهر.

والعجب انهما (٣) ما توجها الى ما ذكرناه من عدم صحّة طلاق الوكيل لو

__________________

(١) قال في البحث الخامس : الوكالة عقد جائز من الطرفين (الى ان قال) : وتبطل بعزل الوكيل نفسه في حضرة الموكّل وغيبته ، وبعزل الموكّل له سواء أعلمه العزل أو لا على رأي وبتلف متعلّق الوكالة كموت العبد الموكل في بيعه (الى ان قال) : وتبطل الوكالة بفعل الموكل متعلّق الوكالة وما ينافيها مثل ان يوكله في طلاق زوجته ثم يطأها إلخ (إيضاح القواعد ج ٢ ص ٣٥٣ ـ ٣٥٤ طبع قم).

(٢) يعني تفريع المصنف انعزال الوكيل بالعزل ، على كون الوكالة عقدا جائزا يدل على عدم دخالة علم المعزول في انعزاله فالتقييد حينئذ غير جيّد.

(٣) يعني شارح القواعد وشارح الشرائع.

٥٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أوقع في ذلك الطهر ، ولا إلى انه لو علم المنافاة وثبت ذلك هل ينعزل أم لا ، بل ظاهر كلامهما وكلام التذكرة عدم النزاع حينئذ كما في صورة العتق والموت والبيع والرجعة ، فكأنهم تركوا للظهور عندهم وان لم يكن ظاهرا عندنا.

وبالجملة ، الظاهر ان الوطء المذكور ، مثل البيع والعتق كما هو فتوى القواعد والتذكرة وظاهر كلامهما رحمهما الله على تقدير كونه دالا على الرغبة والإمساك ، فلا يؤثر فعل الوكيل بعده وان لم يكن بلغ اليه ذلك كما في العتق والبيع.

وما تقدم دليلا على العزل ، دليل عليه مع ظهور الشهرة ، بل عدم (١) الصريح القائل بعدمه وعدم نصوصيّة شمول الرواية لعدم عزله بالوطء كما في العزل والشهود ، فإنها وردت في عدم العزل بعزله الوكيل بمجرد القول والشهود ، لا الفعل المنافي ولهذا لا يشمل البيع والعتق وفعل الموكّل بنفسه ذلك ، ولا خلاف ولا نزاع في ان ذلك عزل للوكيل وإبطال لأثر فعله وهو ظاهر.

فالحصر المستفاد من الرواية بقوله عليه السلام : (الوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه (يبلغه خ) العزل) أو (حتى يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها) (٢) إضافي بالنسبة إلى عزله لا مطلقا وان كان مع الإشهاد أو مقيّد ببقاء ما وكّل به على ايّ حالة كانت الوكالة فيها ممضاة فتأمّل.

وأما غير الوطء ، فان علم الرغبة والإمساك يكون مثل العزل بالقول والّا فلا يكون عزلا ويحتمل مطلقا فتأمّل.

وممّا يؤيّد ذلك انه ينبغي ان يكون للموكل طريق الى العزل كالوكيل ،

__________________

(١) يحتمل ان يكون المراد عدم وجود القائل الصريح ويحتمل ارادة عدم تصريح القائل بعدمه.

(٢) الوسائل ذيل حديث ١ من باب ١ من كتاب الوكالة نقلا بالمعنى ج ١٣ ص ٢٨٦.

٥٥٣

ولو عزل نفسه بطلت.

وتبطل بموت أحدهما.

وخروجه عن التكليف ولو بالإغماء.

______________________________________________________

لأنه عقد جائز ، ولان الشارع رغبة وخصّ على بقاء النكاح وكراهية الطلاق (وكره للطلاق خ) ، ولهذا جوّز الرجوع ، وقال : لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا (١) وقد يتعذر الإعلام والرجعة فتأمّل.

قوله : «ولو عزل نفسه بطلت» قد مرّ أنّ عقد الوكالة جائز من الطرفين بالإجماع فيجوز للوكيل عزل نفسه ، سواء علم الموكل أم لا.

وشرط بعض العامّة حضور الموكل وهو منفيّ بالأصل وقد مرّ أيضا ان له فعل ذلك بعد عزل نفسه ما لم يعلم بعزل الموكّل إيّاه كما هو مقتضى الروايات المتقدمة ، مثل ما في صحيحة هشام : (الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل آه (٢) ، والأدلّة فتذكر وتأمل.

وضمير (عزل) راجع الى الوكيل ، وكذا (نفسه) وهو مذكور معنى كالوكيل والموكل لضميري (عزله) (٣) أي الموكل الوكيل وضمير (ان علم) اي الوكيل وهو ظاهر.

قوله : «وتبطل بموت أحدهما» بطلان الوكالة بموت الوكيل ، ظاهر فلا ينتقل إلى الورثة (ورثته خ) ، إذ الاذن غير ظاهر كغيره ، وكذا بموت الموكّل ، فان العقد كان جائزا منوطا برضاه ولا رضاء بعده ، ولأنه لم يقدر على شي‌ء فوكيله الذي فرعه ونائبه كذلك ولم يفعل في زمان قدرته ما يلزم معه ، الوكالة (كإجارة البيت خ).

وكذا بخروج أحدهما عن التكليف أو استحقاق التصرف فيما وكل فيه

__________________

(١) الطلاق ـ ١.

(٢) الوسائل باب ٢ ذيل حديث ١ من كتاب الوكالة ج ١٣ ص ٢٨٦.

(٣) يعني في العبارة السابقة عقيب قوله ره : الوكالة عقد ثابت إلخ والمناسب ذكر هذا عقيب شرح تلك العبارة

٥٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

سواء كان بجنون مطبق أو أدوار أو بالإغماء القليل أو بالحجر على الموكل عمّا وكل فيه.

والفرق بين النوم والإغماء القليل ، وكذا بين المانع العارض للموكّل فيه مثل الحيض وطهر المواقعة ، وبين العارض لهما ـ مثل توكيل المحرم في النكاح والصيد لعدم الابطال فيه وفي النوم بخلاف غيرهما ـ يحتاج إلى التأمل.

ولعل دليلهم الفارق ، الإجماع ، ويفهم الإجماع من التذكرة في الموت والجنون والإغماء في الجملة ، بل الحجر أيضا حيث ما نقل الخلاف إلّا في البعض عن بعض العامّة وصرّح في الجنون والإغماء في شرح الشرائع بالإجماع.

وانه لا فرق في ذلك كله بين الوكيل والموكل ، فلو لم يعلم الوكيل موت الموكّل وتصرّف لم يكن تصرفه ماضيا ، بل يقع باطلا ، لان ذلك هو الأصل ، وانما خرجت مسألة العزل بالنصّ.

هذا مؤيد للبطلان بالوطء ونحوه ، لعدم النص فيه (بل خ) لعدم البطلان بالعزل أيضا ، فمن لم ير العمل بالنص ـ إما لعدم عمله بالخبر الواحد كابن إدريس والسيد أو يقدح في دلالته أو سنده ـ لا يقول به ، فتأمّل.

ثم أعلم أنه على ما مرّ من تحقيق ان للوكيل ـ بعد عزل نفسه ما دام لم يرض به ولم يرجع الموكّل ـ أن يتصرف بالاذن السابق ، وكذا له ذلك في صورة بطلان الوكالة لجهل الجعل والتعليق.

ينبغي ان يجوز له هنا ذلك بعد دفع المانع ما لم يعلم ولم يظهر عدم رضاء الموكل للاستصحاب وعدم الدليل على عدمه سوى الإجماع ، وهو حينئذ غير ظاهر.

وأيضا ينبغي جواز ذلك بعد زوال المانع من الموكّل من غير لزوم تجديد عقد بعده ، وانما يكون باطلا في زمان العذر فقط مثل حال الجنون والإغماء والحجر ، والإجماع في غيرها غير ظاهر.

٥٥٥

وبفعل الموكل متعلّق الوكالة وبتلفه.

______________________________________________________

وظاهر الدليل جوازه ، ولهذا قيل بدخول الصيد الغائب ، في ملك المحرم بعد زواله وما نحن فيه أولى.

وأيضا الظاهر أن من وكّل محلا فصار محرما لم يحتج الى تجديد عقد الوكالة إذا صار محلا فتأمّل ففي إطلاق البطلان في هذه الصورة تأمل ، ويحتمل تأويله بما قلناه فتأمّل.

واما بطلانها بفعل الموكل متعلّق الوكالة ، فظاهر ، إذ لا شكّ في ثبوت ذلك له قبل الوكالة ، ومعلوم عدم اقتضاء الوكالة عدمه له ، إذ لا منافاة بين التوكيل وجواز فعله لنفسه خصوصا ان الوكالة جائزة ، غاية الأمر ان يكون ذلك فسخا وإبطالا للوكالة ، ومعلوم أنه لم يبق ما وكّل فيه بعد فعله إيّاه فلا تبقى الوكالة لعدم بقاء محلّها فهو بمنزلة تلف ما وكل فيه الذي أشار إليه بقوله : (بتلفه) أي تلف متعلق الوكالة مثل موت العبد أو الدابّة.

أو يقال : إنّ عزمه على الفعل ـ مثل البيع والعتق فقط ، أو هو مع الفعل ـ عزل وإبطال للوكالة ، والظاهر الأوّل (١).

ويتفرع عليه انه لو فعل عقدا فاسدا هل تبطل الوكالة وينعزل الوكيل أولا ، فعلى الأول لا ، وعلى الثاني ، نعم.

ويؤيد الأوّل ما تقدم في الروايات أن الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل بثقة أو يشافهه (٢) فكأنّ المصنف يريد بفعل الموكّل متعلّق الوكالة الفعل الصحيح كما هو الظاهر أو أعم بقصد العزل ، ويحتمل بدونه (٣) أيضا وقد مرّ مثله في الوطء وهو بعيد هنا.

__________________

(١) يعني ان الوجه في بطلانها عدم بقاء محلها لا ان عزمه على الفعل موجب لبطلانها.

(٢) لاحظ الوسائل ذيل حديث ١ من باب ٢ من كتاب الوكالة ج ١٣ ص ٢٨٦.

(٣) يعني بدون قصد العزل أيضا.

٥٥٦

لا بالنوم المتطاول ، والتعدي.

وعتق العبد وبيعه وطلاق الزوجة.

______________________________________________________

ولا فرق في ذلك بين علم الوكيل وعدمه قبل فعله الموكّل فيه ، فلو باع أو أعتق الموكّل قبله ثم فعل هو مع الجهل بذلك ، فلا أثر له ، وانما المعتبر فعل الموكّل وهو ظاهر.

والظاهر عدم الخلاف في ذلك ، فان الموكل ليس بأنقص من الوكيل ، وقد مرّ أن فعله ـ مقدّما على فعل الموكل مع العزل إذا لم يعلم ـ مقدم على فعله.

ولا تبطل بالنوم وان كان طويلا للأصل والاستصحاب ، وعدم الدليل على كون النوم مزيلا لها ، وأنه لو كان كذلك لكان بقاء الوكالة مشكلا ، إذ الخلو عنه متعسر ، بل متعذّر ، فإنه ضروري.

ولا بتعدي الوكيل بأن فعل ما لا يجوز له في الموكّل فيه مثل ان لبس الثوب وركب الدابّة وسكن الدار وغير ذلك.

ودليله ما سبق ، نعم لو كان ممن شرط عدالته في الفعل الموكّل فيه ، وفعل ما ينافيها سواء كان تعدّيا في الفعل الموكل فيه أو غيره ـ مثل من وكّل لعدالته ووكيل الوكيل والوصيّ على ما قيل ـ لا يجوز له الفعل الموكّل فيه ما دام كذلك فلو صار عدلا يمكن عود الوكالة لوجود الاذن السابق ورفع المانع مع احتمال العدم لعدم المقتضي فإن الأوّل قد ارتفع وعدم بقاء الاعتماد عليه فتأمل.

قوله : «وعتق العبد إلخ» كأنه إشارة إلى قسم آخر من مبطلات الوكالة وفعل الموكل ما ينافيها ويبطلها ، مثل ان يعتق العبد الذي وكّل في بيعه وهو مثل فعله متعلّق الوكالة ، وكذا بيعه العبد الذي وكل في عتقه.

ويحتمل جعلها مثالا لفعله متعلّق الوكالة كطلاق الزوجة التي وكّل في طلاقها ، فإنه مثال لذلك ، ولكن العبارة غير جيّدة ، فإنّ عتق العبد وبيعه وطلاق الزوجة عطف على موت أحدهما أو على ما عطف عليه وكان الكل مندرجا في قوله :

٥٥٧

اما لو اذن لعبده ثم باعه أو أعتقه بطل الاذن.

______________________________________________________

وبفعل الموكل) فلا يحسن العطف بعده وهذا المحذور واقع في قوله : (وطلاق الزوجة) وان أمكن رفعه من غيره ، لما تقدم من المعنى الأوّل.

ويمكن ان يقال هنا أيضا : المراد ، الزوجة التي وكّل في الإنفاق عليها والإسكان وغيرها من لوازم النكاح ثم طلّقها قبلها ، فان ذلك مبطل للتوكيل ، لكونه منافيا ، مثل العتق.

والاولى ان يعطف الكل على قوله : (النوم) ليسلم من ذلك ، وللقرب وعدم الفصل بالأجنبي ، ولقوله : (اما إلخ) ولا ينافيه البطلان بفعل ما ينافي الوكالة فإن معناه لا يبطل الوكالة إذا عتق أو باع عبده الذي وكّل في امره ، وكذا إذا طلق زوجته الوكيلة ، إذ لا منافاة بين هذه الأمور وبقاء الوكالة بوجه ، فيحكم بحكم الاستصحاب على بقائها.

نعم ان قيل باشتراط اذن المولى في وكالة العبد مطلقا أو مع منعه من بعض منافعه وهنا كذلك ، لا بدّ حينئذ عن (من خ) اذن المشتري ، والظاهر العدم الا ان يكون مانعا عن بعض منافعه ومضرا على المولى فلو لم يكن شي‌ء من ذلك بوجه فلا مانع من ذلك ، وهذا مختار شارح الشرائع ونقله عن التذكرة وظاهر انه حينئذ لا يجوز مع المنع.

وعلى هذا فهو مشروط بعدم ظهور المنع والعمل بالقرائن كالاستظلال ، بل مثل شرب الماء من ساقية الناس فتأمل.

بخلاف ما لو كان العبد مأذونا من حيث انه خادم وتصرفه بالخدمة والاذن لا وكالة مستقلا ، فإنه يبطل بالبيع والعتق ، ويمكن مثل ذلك في الزوجة أيضا فتأمل.

والفرق بين الاذن والوكالة ، ان الاذن من حيث التملك والخدمة عليه فكأنه يفعل ، لانه خادم والوكالة أمر مستقلّ من غير نظر الى ذلك ، بل جعل الأمر

٥٥٨

والإطلاق يقتضي البيع بثمن المثل بنقد البلد حالّا.

______________________________________________________

اليه مثل جعله الى غيره من الأحرار وسائر الوكلاء.

وبالجملة انما النظر الى قصد الموكّل لا لفظه.

فان قصد معنى الوكالة التي في الأحرار فهي وكالة ، وان قصد الاذن التابع لملكيته فهو مجرد اذن تابع لها فيؤخذ مع كل واحد أحكامها فمثله يمكن في غير العبد مثل الزوجة فتأمّل.

قوله : «والإطلاق يقتضي إلخ» وجه اقتضاء إطلاق الوكالة في البيع ، البيع بثمن المثل إذا لم يكن هناك باذل أزيد ، ذكره في التذكرة فتأمل وكون الثمن بنقد البلد وحالا.

هو أن المتبادر من الإطلاق ذلك عرفا وعادة فيحمل عليه ، لان المدار في أمثال ذلك عليه.

وقد استثني من ذلك نقصان القدر اليسير الذي لا يضايق بمثله ، بل يتسامح عادة به كدرهم ودرهمين في ألف وهو ـ مع العلم بذلك ـ غير بعيد ، بل أزيد أيضا وأما بدونه فمشكل ، والناس متفاوت في ذلك ، نعم ليس ببعيد ذلك مع الجهل أيضا إذا كان يسيرا جدا ، ويبنى ذلك على العرف العام الغالب وان لم يعلم كون الموكّل من الغالب خصوصا إذا كان ذلك القدر لا يوجد الباذل به الّا مع المشقة فتأمل واحتط.

وقيل : قال في التذكرة أيضا : إنما يجوز الاقتصار على ثمن المثل مع عدم وجود باذل لأزيد من ذلك والّا فلا يجوز ، بل لا يصحّ البيع حينئذ ، إذ يجب رعاية المصلحة على الوكيل ، وصحّة فعله موقوفة عليها ، ومعلوم عدم المصلحة ، بل لو باع بخيار له ثم وجد الباذل زائدا في زمانه ، يجب عليه الفسخ ويبيعه بالزائد بشرط الوكالة في ذلك أيضا.

بل يمكن ذلك في ما عيّن الثمن أيضا ، فإن الظاهر ان تعيينه انما هو لظنه

٥٥٩

وتسويغ البيع على ولده أو زوجته ، لا على نفسه الا مع الاذن فيجوز حينئذ ان يتولى طرفي العقد على رأي.

______________________________________________________

عدم الزيادة عليه ، وهو المفهوم عرفا ، إذ المتعارف والغالب (١) ، انّ شخصا لم يبع بأنقص مع وجود الزائد ، والأمور محمولة على الغالب والعرف.

مع ان ذلك أيضا منوط بالمصلحة ولا مصلحة في البيع بالناقص مع وجود الزائد.

نعم يمكن عدم الالتفات إذا كان الزائد انما يحصل ممن لا اعتماد عليه بأن يحتمل ان يجي‌ء ويطلب الفسخ بخيار أو حيلة أو جبر أو يكون في ثمنه شبهة تحترز عن مثله لموكّله أو يكون ممن لا ينبغي المعاملة معه.

وبالجملة تكون المصلحة في عدم معاملته أكثر مع كثرة ثمنه من المعاملة مع غيره مع قلّته.

واما نقد البلد ـ فان كان واحدا ـ فمعلوم انه يتعيّن في الوكالة ، وفي البيع أيضا ، ومع التعدد ينصرف الى الغالب النافع له ، ومع التساوي فيهما مخيّر بين الكل وهو ظاهر.

قوله : «وتسويغ البيع على ولده إلخ» يعني إطلاق الوكالة في البيع يقتضي جواز بيع الوكيل ، الموكّل فيه ، على ولده ، وكذا على زوجته.

والظاهر انه لا خلاف عندنا في جواز البيع على الولد الكبير والزوجة كما في غيرهما.

نعم لبعض العامّة وجه في عدم الجواز لمظنة التهمة ، وهو باطل لعموم أدلة التوكيل وعدم صلاحيّة مثل ذلك مانعا.

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها مخطوطة ومطبوعة والصواب في العبارة : إذ المتعارف والغالب هو ان شخصا لا يبيع إلخ.

٥٦٠