مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

ولو رجع البائع بالأرش ، لم يرجع على الشفيع ان كان أخذه بقيمة الصحيح.

______________________________________________________

نعم هو احتمال عند الشافعيّة ، ذكره في التذكرة.

فإذا خرج الثمن ـ الذي اشتريت الحصّة المشفوعة بعينه وهو قيمي ـ معيبا ، ثبت الخيار للبائع بين الفسخ والأرش.

ولو فسخ البائع رجع حينئذ إلى المشتري بقيمة الشقص ، لا بالشقص ، لان البيع إذا بطل فله المبيع وإذا تعذر الرجوع اليه بسبب الشفعة ، فكأنه تلف ، فله على المشتري قيمته حين الفسخ ، لانه وقت الانتقال اليه.

والظاهر انه حينئذ للشفيع أيضا ، الرجوع على المشتري بنقصان العيب ان أخذ الشقص بقيمة الثمن صحيحا.

ويحتمل عدمه إن أخذ البائع من المشتري قيمة الصحيح ، وان أخذه بقيمته معيبا ، يحتمل رجوع المشتري إليه بتفاوت القيمة التي أعطاها إلى البائع زائدا على الذي أخذه من الشفيع فتأمّل.

وان أخذ البائع أرش الثمن رجع المشتري الى الشفيع بالتفاوت ان أخذه بقيمة المعيب.

وانما فرض الرد (١) بعد الشفعة ، لأنه إذا كان قبلها ، قال في التذكرة ـ بعد ان قال : لم يمنع الشفعة (٢) لسبق حقه.

ويحتمل تقديم حق البائع ، لأن حقه استند الى وجود العيب الثابت حال التبايع ، والشفعة تثبت بعده.

وانما فرض الثمن معينا ، لأنه إذا كان مطلقا وفي الذمة ليس له الفسخ ، بل

__________________

(١) يعني إنما فرض المصنف الرد بعد الشفعة المستفاد من قوله : والفسخ المتعقب.

(٢) راجع التذكرة ج ١ ص ٥٩٩ في مسألة لو كان ثمن الشقص عبدا إلخ.

٤١

ولو باع مدعى الوكالة عن الغائب ، ولا بيّنة ، لم يكن للشريك الشفعة الا ان يصدّقه.

ولو اختلفا في قدر الثمن ، قدم قول المشتري مع اليمين.

______________________________________________________

له طلب البدل مطلقا ، سواء كان العيب من جنسه أم لا ، لما تقدم.

وأما فرض كونه قيميّا ، فكأنه لاحتمال جواز الأرش مطلقا ، لانه وان كان مثليّا وربويّا لا يجوز أخذ الأرش للرباء كما تقدّم فتأمّل.

قوله : «ولو باع مدعي الوكالة إلخ» يعني لو ادعى شخص وكالة الشريك الغائب فيما فيه الشفعة ، ولا بيّنة له ، فباع حصته فليس للشريك الشفعة إلا مع تصديقه في الوكالة ، فإذا صدقه يجوز الشفعة.

والغائب ان حضر وصدّقه أيضا صحّ البيع وتمّت الشفعة والا فيبطل البيع والشفعة مع يمينه على عدم التوكيل.

ويجوز للشفيع التأخير الى ان يحضر الغائب ويصدّق فيما لم يصدّقه ولم يعلم ذلك ، بل يمكن ان لا يكون الشفعة حينئذ ، بل يصبر حتى يجي‌ء.

ولا تبطل بالتأخير هنا وان كانت فوريّة ، لعدم ثبوت الموجب.

وأما إذا صدّقه وعلم بها ، فيحتمل جواز التأخير أيضا ، لاحتمال تكذيب الغائب الوكيل ، فيمكن ان يفوته الثمن بوجه من الوجوه.

ويحتمل ان لا يكون له ذلك ، لانه مكلّف بحسب ظاهر الشرع ، فإنه حصل مع انه يعلم صحّتها فتأمّل.

ويحتمل ان يكون مراد المصنف بقوله : (الا ان يصدقه) ان يحضر الشريك الغائب الذي ادعى وكالته ويصدّق الوكيل في كونه وكيلا عنه في بيع شقصه ، ولكن الأول ألصق بالعبارة.

قوله : «ولو اختلفا في قدر الثمن إلخ» تقديم قول المشتري مع اليمين هو مقتضى الدليل ، لأنه الغارم والذي ينتزع الشي‌ء من يده ، ولأنه لو فتح باب القول

٤٢

ولو اختلف المتبايعان ، فالقول قول البائع مع يمينه ، ويأخذ الشفيع بما ادّعاه المشتري على رأي.

______________________________________________________

قول الشفيع ، فيمكن أن يجي‌ء كلّ شريك مع عدم البيّنة يدّعي شيئا قليلا في الثمن ويأخذ الشقص بشي‌ء قليل مع كثرة الثمن وفيه ضرر على المشتري ، بل على البائع إذ قد يمنع الناس حينئذ عن أخذ الشقص لعدم البيّنة وموتها وجواز جرحها فتأمّل فيه وان كان بعض تعاريف المدّعي والمنكر يدل على كون المشتري هو المدّعي (١) ، فيكون القول قول الشفيع فتأمل.

ويحتمل عدم السماع من كل منهما إذا خرجا عن العادة إمّا في الزيادة أو النقيصة.

قوله : «ولو اختلف المتبايعان إلخ» إذا اختلف بايع الشقص ومشتريه فالقول قول البائع مع اليمين ، لما مرّ ، مع ما مرّ.

وقيل : القول ، قول المشتري ، وهو بعيد.

ويأخذه الشفيع بما يدّعيه المشتري ، لأنه بإقراره أن ليس هنا الزيادة فلا يستحقها.

هذا إذا كان الشفيع مصدّقا للمشتري ظاهر ، وكذا مع جهله بالحال.

واما إذا كان مصدّقا للبائع وعالما بأنّ دعواه حقّ وصدق ، فينبغي الأخذ بما ادعاه وإيصاله إلى المشتري ، لأنه عارف بأنه حقه وان لم يكن للمشتري مطالبة.

على انه قد يمكن ذلك إذا ادّعى الغلط والسهو في الدعوى أو أظهر تأويلا لصحّة دعواه ذلك مع تصديقه ، الآن ، البائع ، وقد مرّ مثله.

فالقول بالأخذ بما يدّعيه المشتري هو المتجه إلا مع ما تقدم ، فكأنه المراد.

__________________

(١) فان من جملة التعاريف ان المدعي هو الذي لو ترك تركت الخصومة وهذا منطبق على المقام فإن المشتري لو ترك دعوى الزيادة تركت الخصومة.

٤٣

والقول قول منكر الشفعة لو ادعى الشريك الابتياع أو تأخّره (تأخيره خ).

ولو تداعيا التأخّر تحالفا واستقر بينهما.

وتبطل الشفعة بالترك مع علم البيع وعدم العذر وان لم يصرّح

______________________________________________________

واما القول بما يدّعيه البائع ، فهو مبني على أنه يأخذ بالثمن أي الذي يسلّمه اليه ثمنا ، وهو ما يدّعيه البائع ، ويمكن إرجاعه إلى تصديق الشفيع ، كما مرّ.

قوله : «والقول قول المنكر إلخ» أي لو ادعى الشريك على شريكه انه باع شقصه الذي فيه الشفعة ، أو كان بيع كلّ منهما شقصه معلوما ، الا ان أحدهما يدّعى على الآخر انه كان بيع شقصه متأخرا عن بيع شريكه ، فله الشفعة ، أو ادعى الشريك تأخّر ابتياع شقص الشريك ، عن تملكه شقصه لتحصل له الشفعة ، فالقول قول منكر ذلك ، وهو ظاهر ، لأنه منكر والأصل معه.

وأما لو تداعيا التأخر أي يدعي كلّ واحد منهما تأخّر تملّك صاحبه وشرائه يثبت له الشفعة ، فالتحالف هنا هو المتعيّن لحصول شرطه ، وهو اشتمال إنكار كلّ منكر دعوى ويستقرّ الملك بعده بينهما ، لبطلان دعوى كل واحد بحلف الآخر.

قوله : «وتبطل الشفعة بالترك إلخ» بطلان الشفعة بتركها مع العلم بالبيع والشفعة وعدم العذر وان لم يصرّح بالإسقاط ، ظاهر على القول بأنها فوريّة وقد مرّ البحث فيه.

وأما سقوطها بالنزول قبل البيع ، فكأنّ دليله أن الحقّ له ، فإذا أسقطه لا يرجع ، ولأنّ المسلمون عند شروطهم (١) وغير ذلك ممّا يدل على وجوب الإيفاء بالوعد ، والأدلة على ذلك كثيرة ولو لا خوف خرق الإجماع لكان القول بوجوب الإيفاء ـ كما هو قول لبعض العامة ـ متوجها ، فالقول به هنا غير بعيد لعدم الإجماع

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٦ من أبواب الخيار ج ٢ ص ٣٥٢.

٤٤

على رأي وبالنزول قبل البيع على رأي ولو شهد ، أو بارك ، أو اذن في الابتياع ، أو ضمن الدرك ، أو توكّل ففي الإبطال نظر.

______________________________________________________

على خلافه.

قال في الشرح : ولا نسلّم ان ذلك من باب الاسقاط حتى يتوقف على الثبوت ، ولما (١) روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنه قال : لا يحلّ ان يبيع حتى يستأذن شريكه ، فان باع ولم يؤذنه فهو أحقّ به (٢).

ودلالته ظاهرة على السقوط بعد الاستيذان ، لبيع لا يكون فيه شفعة فافهمهما.

واما دليل القول بعدم البطلان ، فهو أنه إسقاط لما ليس له ، فهو مثل إبراء عمّا لم يكن في الذمّة.

ويمكن ان يقال : ليس هنا إبراء وإسقاط ، بل قول ، ووعد ، وشرط ، ومخالفته قبيحة عقلا وشرعا ، وانه غدر ، وإغراء ، وليس من صفات المؤمن.

قوله : «ولو شهد أو بارك إلخ» لو حضر الشريك مجلس البيع وما تكلّم ، أو بارك في البيع وقال : بارك الله لك في بيعك ، أو اذن في الابتياع ، بان قال : اشتر للمشتري أو ضمن الدرك ضمن عوض المبيع لو خرج مستحقا ، أو صار وكيلا للبائع في المبيع ، أو للمشتري في الشراء فتنظر المصنف في الإبطال في الكل من جهة أنه يؤذن بعدم أخذه بالشفعة ، وأنه ما يريدها ، وللخبر المتقدم (٣) ، وهو يشعر بأنه إذا رضي بالبيع فلا شفعة.

__________________

(١) عطف على قوله : ولان المسلمون إلخ.

(٢) سنن أبي داود ج ٣ ص ٢٨٥ طبع مصر الحديث هكذا ، عن جابر قال : قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : الشفعة في كل شرك ربعة أو حائط ، لا يصلح ان يبيع حتى يؤذن شريكه ، فان باع فهو أحقّ به حتى يؤذنه.

(٣) تقدم آنفا ذكر موضعه فراجع.

٤٥

والإقالة فسخ ، لا بيع فلا تثبت بها شفعة.

وشرطها المساواة في الثمن.

______________________________________________________

ومن أنها ليست بصريحة ، فإنها يحتمل مع إرادة الشفعة ، إذ لا منافاة بين الرضا بالبيع والأخذ بها ، بل هو فرعه.

ولأنه إبراء عمّا لا يستحق في البعض.

فالظاهر انه ان كان شي‌ء يوجب التراخي المنافي للفوريّة تبطل على القول بها ، والا فلا الا مع القرائن ، والأمارات والإهمال ، التي يفهم عادة وعرفا عدم الشفعة مع ذلك وانه إسقاط لذلك فتأمّل ، لأنها ثابتة بالعقد ، فيحتاج رفعها الى دليل شرعي مسقط ، والأصل عدمه ، والمذكورات أعم ، فلا يدل.

قوله : «والإقالة فسخ إلخ» يعني الإقالة فسخ بيع عندنا ، لا بيع آخر بأنّ يصير المشتري بائعا ، والبائع مشتريا ، وهو ظاهر ومجمع عليه عند الأصحاب ، ولهذا لا يشترط فيها شرائط عقد البيع من الإيجاب والقبول ، والمقارنة وغيرها ، بل هو فسخ للعقد السابق ، فلو سقطت الشفعة بوجه من وجوهه في أصل البيع ، ثم تقايل المتبايعان ، ليس للشريك الشفعة بأن يأخذ الشقص من البائع الأول الذي انتقل اليه الشقص بالإقالة وهو ظاهر.

قوله : «وشرطها المساواة في الثمن» أي شرط صحّة الإقالة ، المساواة في الثمن بان لا يزيد عمّا وقع عليه العقد ، ولا ينقص ، وكذا المبيع.

وبالجملة ، هو رفع العقد ، وإرجاع كل عوض بعينه الى صاحبه.

دليل جوازها بعد الإجماع ، الخبر الدال على الترغيب فيها ، وهو من أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيمة (١).

__________________

(١) هذا الحديث قد ورد بطرق عديدة مع ألفاظ مختلفة وقد نقله الشارح قدس سره بالمعنى فراجع الوسائل باب ٣ من أبواب آداب التجارة ج ١٢ ص ٢٨٦.

٤٦

وتصح في الجميع والبعض.

ومع التقايل ان كان العوض موجودا أخذه ، والا ، المثل أو القيمة.

______________________________________________________

وصيغتها أن يقولا : تفاسخنا وأقلنا ، أو يفسخ أحدهما ويقبل الآخر ، والظاهر عدم الفسخ الّا بالقول ، ولا يحصل بمجرّد القصد والردّ ، لأن الأصل بقاء العقد وعدم زواله الا بمزيل شرعيّ ، ولا مزيل هنا معلوما ، ولا مظنونا الا القول ، فإنه يزيله بالإجماع.

ويحتمل الاكتفاء بالرد والقبض بذلك القصد ، لخلو الاخبار عن الصيغة مع ذكرها ، وكذا كلام الأكثر.

قوله : «وتصح في الجميع والبعض» يعني كما يصح الإقالة في جميع المبيع وثمنه ، يجوز في بعضه ، لعموم الدليل ، والقبول للتجزي ، وتسلّط المالك على المال ، وحصول الرضا الموجب لذلك.

قوله : «ومع التقايل ان كان إلخ» إشارة الى ان ليس من شرطها بقاء العوضين ورجوع كلّ الى صاحبه ، بل يصحّ مطلقا ، لعموم الدليل ، فان كانت العين باقية يرجع الى صاحبها ، والا ، المثل أو القيمة وقت الفسخ ، لما مرّ ان الفسخ انما يبطل العقد من حينه فالنماء والكسب الحاصل بينهما ، لمن له حصول النماء ، وهو ظاهر.

٤٧
٤٨

كتاب الديون

٤٩

«كتاب الديون»

(وتوابعه)

وفيه مقاصد (الأوّل):

تكره الاستدانة إلّا مع الحاجة.

______________________________________________________

قوله : «كتاب الديون»

الظاهر ان المراد بها جعل الإنسان نفسه مشغولا بمال الغير ، فيدخل البيع سلفا ونسيئة ، بل نقدا أيضا إذا لم يحضر الثمنين.

الّا ان يخصّص (يختص خ ل) بان المراد ما يجعل في الذمّة من غير ان يكون حالّا و (أو خ) قاصدا أدائه بالفعل عرفا ، ويؤيّده ما قيل : الدين ماله أجل ، والقرض ما لا أجل له.

ويمكن تخصيصها بالقرض كما هو في بعض الكتب ، ويؤيّده ما قيل في صحاح اللغة : الدين واحد الديون تقول : دنت الرجل أقرضته فهو مدين ومديون ، وقول (١) المصنف ـ بعده ـ ويستحب الإقراض وذكر أحكامه دون الدين مطلقا.

ولكن الأدلّة عامّة وكذا عبارات الأكثر.

__________________

(١) يعني يؤيّد كون المراد من الدين هو القرض ، قول المصنف عقيب قوله : ويكره الاستدانة : ويستحب الإقراض إلخ.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

في الدروس (١) ذكر الدين وكراهته ثم ذكر القرض.

قال في التذكرة : يكره الاستدانة كراهة شديدة (إلى قوله) : وتخفّ الكراهة مع الحاجة وان اشتدّت زالت ، ولو خاف التلف ـ ولا وجه له سواه ـ وجبت (انتهى).

ولكن في بعض العبارات مثل الدروس : تزول الكراهة مع الحاجة (انتهى) كأنّه يريد الشديدة.

ويمكن إجراء باقي الأقسام أيضا.

مثل أن يكون (حراما) مع عدم نيّة الأداء.

و (مستحبّة) لتوقّف قضاء حاجة المؤمنين عليها مثلا مع القدرة على الأداء بسهولة وسرعة.

(ومباحة) للتوسعة ، مع القدرة على الأداء كذلك ، وعدم وجود نفس ما يوسّع به الّا بالاستدانة.

ونقل في الدروس ، التحريم ، عن الحلبي (٢) لغير القادر على الأداء.

لعلّ المراد عدم القدرة على الأداء لا حالّا ولا مؤجّلا ، لعدم شي‌ء عنده ، وعدم كسب ونحوه ممّا يحصل به الأداء عرفا مع عدم الحاجة بالفعل فتأمّل.

والأكثر على الكراهة مطلقا الّا ما استثنى فيما مرّ.

والأصل ، وحصول التراضي المفيد للإباحة ، وبعض الآيات ، مثل إذا

__________________

(١) نقل عبارتي الدروس والتذكرة للاستشهاد على عدم ارادة خصوص القرض من الدين.

(٢) قال في كتاب الدين من الدروس ص ٣٧٢ : ما هذا لفظه : وحرّم الحلبي الاستدانة على غير القادر على القضاء ، ويستفاد من عبارة الكافي للحلبي المطبوع في زماننا عدم الاضطرار ، قال : في الكافي ص ٣٣٠ طبع أصفهان : ما هذا لفظه : القرض أو تأخير الحق سبب لإباحة التصرف في ملك الغير وكل منهما في حق المالك إحسان ، وفي حق الغير مكروه مع الغنا عنه ، محرّم مع فقد القدرة على قضائه وعدم الضرورة إليه (انتهى).

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

تداينتم (١) ، وآية الرهن (٢) ، وأدلّة جواز السلف (٣) والنسية (٤) ، دليل الجواز.

ويؤيّده الشهرة ، وبعض الأخبار ، فحملت ما تدل على المنع مع عدم الصحّة والصراحة في التحريم على الكراهة جمعا بين الأدلّة.

مثل ما روي ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : إيّاكم والدين ، فإنه مذلّة بالنهار ومهمّة بالليل ، وقضاء في الدنيا ، وقضاء في الآخرة (٥).

سندها غير معتبر ، لسهل بن زياد (٦) ، وغيره.

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : تعوّذ (نعوذ يب) بالله من غلبة الدين ، وغلبة الرجال (٧) ، وبوار (٨) الأيّم (٩) (١٠).

ولا تدل على التحريم كما لا يخفى.

وما روي ، عن رجل يقال له : أبو تمام (١١) ، قال : قلت لأبي جعفر عليه

__________________

(١) البقرة ـ ٢٨٢.

(٢) البقرة ـ ٢٨٣.

(٣) راجع الوسائل أبواب السلف من كتاب التجارة.

(٤) راجع الوسائل باب ١ من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة.

(٥) الوسائل باب ١ حديث ٤ من أبواب الدين والقرض.

(٦) سندها كما في الكافي ـ هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن علي عليه السلام.

(٧) وفي الدعاء : وأعوذ بك من غلبة الرجال ، والمراد بها تسلّطهم واستيلائهم هرجا ومرجا ، وذلك كغلبة العوام (مجمع البحرين).

(٨) وفي الدعاء : أعوذ بك من بوار الأيم أي من كسادها ، وعدم الرغبة فيها من قولهم : بارت السوق كسدت ، ويتم الكلام في ايم (مجمع البحرين).

(٩) وفي الدعاء : وأعوذ بك من بوار الأيم هي فيعل ، مثل كيّس ، المرأة التي لا زوج لها ، وهي مع ذلك لا يرغب أحد في تزوجها ، والأيم فيما يتعارفه أهل اللسان ، الذي لا زوج له من الرجال والنساء (مجمع البحرين).

(١٠) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب الدين والقرض.

(١١) حبيب بن أوس أبو تمام الطائي ، قال النجاشي : حبيب بن أوس أبو تمام الطائي (الى ان قال):

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام : اني أريد ان الزم (اللازم خ ل ئل) مكّة والمدينة ، وعليّ دين ، فما تقول؟ فقال : ارجع الى مؤدى دينك وانظر ان تلقى الله عزّ وجلّ ، وليس عليك دين ، فإن المؤمن لا يخون (١) السند غير معتبر ، لما مرّ وغيره ، وغير ذلك من الاخبار.

والذي يدل على الجواز صحيحة معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : انه ذكر لنا : ان رجلا من الأنصار مات وعليه ديناران دينا ، فلم يصلّ عليه النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وقال : صلّوا على صاحبكم حتى ضمنهما عنه بعض قرابته؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : ذلك الحق ثم قال ان رسول الله صلّى الله عليه وآله انما فعل ذلك ليتّعظوا (ليتعاطوا خ ل ئل) وليردّ بعضهم على بعض ، ولئلّا يستخفّوا بالدين وقد مات رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليه دين ، وقتل أمير المؤمنين عليه السلام وعليه دين ومات الحسن عليه السلام وعليه دين وقتل الحسين عليه السلام وعليه دين (٢).

وهذه كالصريحة في الدلالة على الجواز ، وتأويل الأخبار الدالة على النهي بالحمل على المبالغة كما هي كثيرة.

وهي مؤيّدة للتأويلات التي يذكرها الأصحاب رحمهم الله.

ولا يخفى ان سوقها يدل على الجواز مطلقا لا انه مخصوص بالحاجة ، ولا بإمكان الوفاء ، ولا بالذي كان له من يقضي عنه بظنه أو علمه وان لم يكن واجبا عليه.

ويؤيده رواية سلمة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل منا يكون عنده الشي‌ء يتبلّغ به وعليه دين أيطعمه عياله حتى يأتي (يأتيه خ ل) الله

__________________

حتى انتهى الى أبي جعفر الثاني عليه السلام لأنه توفي في أيّامه (تنقيح المقال للمامقاني ره ج ١ ص ٢٥١).

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب الدين والقرض وفيه (عن أبي ثمامة) وفيه : قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام ، ولا حظ باقي أخبار هذا الباب.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب الدين والقرض.

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

عزّ وجلّ بيسرة (بميسرة ئل) فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره (نفسه خ ل) في خبث الزمان وشدة المكاسب أو يقبل الصدقة؟ قال يقضي بما (ممّا خ) عنده دينه ولا يأكل أموال الناس الّا وعنده ما يؤدي إليهم حقوقهم ، ان الله تبارك وتعالى يقول (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) ، ولا يستقرض على ظهره إلّا وعنده وفاء ، ولو طاف على أبواب الناس فردّوه باللقمة واللقمتين والتمرة والتمرتين إلّا ان يكون له وليّ يقضي دينه من بعده ، وليس منا من ميّت (يموت خ) إلّا جعل الله عزّ وجلّ له وليّا يقوم في عدته ودينه فيقضي عدته ودينه (١).

وتحمل على الكراهة لما تقدّم.

وتدل على الجواز ، والرخصة مع الوفاء من ماله.

وكذا ان كان له من يقضيه عنه ، وأنّ أهل البيت عليهم السلام لا بدّ أن يكون لهم من يقضيه كأمير المؤمنين عليه السلام لرسول الله صلّى الله عليه وآله ، والأئمة عليهم السلام كل لاحق لسابقه.

فيمكن زوال الكراهة مع أحد الأمرين (٢) أو الخفّة ، ويكون فعله صلّى الله عليه وآله وفعلهما عليهما السلام (٣) مستثنى أو لرفع الحرمة والشدّة.

وأما الزوال مع الحاجة فكأنّ دليله العقل ، ولم يعلم ذلك في فعله صلوات

__________________

(١) أورد صدره في الوسائل باب ٤ حديث ٣ بطريق الشيخ ، وذيله في باب ٢ حديث ٥ من أبواب الدين ، وأورد قطعة منه ـ مع اختلاف في بعض ألفاظه في باب ٤٧ حديث ١ من أبواب المستحقين للزكاة والآية ـ سورة النساء ـ ٢٩.

(٢) يعنى الوفاء من ماله ، أو ان كان له من يقضيه.

(٣) يعني يمكن كون فعلهم صلوات الله عليهم مستثنى من كراهة الاستدانة أو استدانوا عليهم السلام لبيان عدم الحرمة ولعل الصواب في العبارة (وفعلهم) بدل (وفعلهما).

٥٤

ويستحبّ الإقراض فإنه أفضل من الصدقة بمثله في الثواب.

______________________________________________________

الله عليه وفعلهما عليهما السلام لاحتمال أحد الأمرين الآخرين ، ولمحض الدلالة على الجواز مطلقا ، وهو الظاهر كما عرفت ان سوقها يدل على الجواز مطلقا ، وان المنع للمبالغة ، ولهذا أوّل عليه السلام (١) عدم صلاته صلّى الله عليه وآله ، وما ذكر عدم الحاجة ولا أحد الأمرين.

نعم الظاهر عدم الشدّة معها كما ظهر من التذكرة ، لنفي الحرج وللرواية (٢) ، وهي تدل على كمال المبالغة في الكراهة حيث دلّت على ان السوال من الأبواب مع شدّة ما ورد في المنع عنه مقدم عليها واولى منها وهو ظاهر.

ثم انه يفهم من الدروس ، الاستدلال على عدم الكراهة مع الحاجة تعرضهم (بقرضهم خ) عليهم السلام قال : ولا كراهة مع الضرورة فقد مات رسول الله صلّى الله عليه وآله والحسنان عليهما السلام ، وعليهم دين ، ولو كان له مال بإزائه خفت الكراهة ، وكذا لو كان له وليّ يقضيه وان لم يجب عليه فزالت مناقشة ابن إدريس (٣) (انتهى).

فيه تأمّل لعدم العلم بكون ذلك للحاجة ، والزوال بالكليّة أيضا غير ظاهر الا مع الشدّة كما قاله في التذكرة ، وكذا الخفّة مع أحد الأمرين ، وزوال شبهة ابن إدريس لم يظهر بما قاله (٤) ، بل بالعلّة والرواية فتأمّل.

قوله : «ويستحب الإقراض إلخ» كان المناسب (٥) لسوق الكلام

__________________

(١) بقوله عليه السلام ليتعظوا إلخ.

(٢) يعني رواية سلمة المتقدمة آنفا.

(٣) قال ابن إدريس في كتاب الديون من السرائر ص ١٦١ : ما هذا لفظه : فقد روي انه ان كان له وليّ يعلم انه ان مات قضى عنه ، قام ذلك مقام ما يملك ، وهذا غير واضح ، لأن الوليّ لا يجب عليه قضاء دين من هو وليّ له بغير خلاف (انتهى).

(٤) يعني ما قاله في الدروس فإنه علّله بقوله : لان عدم وجوب القضاء لا ينافي وقوع القضاء (انتهى).

(٥) يعني كان المناسب في عبارة المصنف ره التعبير بقوله : (يستحب الإدانة) لا (يستحب الإقراض).

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

(الإدانة) كأنّ الخبر لما كان مخصوصا بالقرض خصّص.

ودليل استحباب الإدانة والقرض عموم أدلّة (١) قضاء الحوائج وإدخال السرور ، وعموم آيات الإحسان واخباره.

ويدل عليه أيضا آية الإنظار (٢) فإنها تدل على ان التأخير مرغوب فيكون الأصل كذلك ، وآية (يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (٣).

ويدل على القرض بالخصوص ، مثل رواية عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : ألفا درهم أقرضها مرّتين أحبّ اليّ من أن أتصدق بها مرّة وكما لا يحلّ لغريمك ان يمطلك وهو موسر فكذلك لا يحل لك ان تعسره إذا علمت انه معسر (٤).

وهذه تدل على تحريم المماطلة على الموسر ، وطلب المعسر ، على الديان وغيرها من الروايات وهي كثيرة.

مثل رواية السكوني ـ في زكاة التهذيب ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر ، وصلة الإخوان بعشرين ، وصلة الرحم بأربعة وعشرين (٥).

وهذه تدلّ على تفاوت مراتب صرف المال في وجه الله.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٦ الى ٢٨ من أبواب فعل المعروف من كتاب الأمر بالمعروف ج ١١ ص ٥٧٦ الى ص ٥٨٥.

(٢) قال الله تعالى «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ ، إِلى مَيْسَرَةٍ» البقرة ـ ٢٨٠.

(٣) قال عزّ من قائل «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ» البقرة ٢٤٥ والحديد ـ ١١.

(٤) الوسائل باب ٨ حديث ٥ من أبواب الدين والقرض من كتاب التجارة وباب ٢٠ حديث ٢ من أبواب الصدقة.

(٥) الوسائل باب ١١ حديث ٥ من أبواب فعل المعروف من كتاب الأمر بالمعروف.

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

و (ما خ) في الفقيه انه قال الباقر عليه السلام : من أقرض قرضا إلى ميسرة كان ماله في زكاة (الزكاة خ كا) وكان هو في صلاة (الصلاة كا) من الملائكة عليه حتى يقضيه (١) وغيرهما.

وأما الرواية المذكورة في المتن فهي مشهورة ، وكأنّها من طرق العامّة ، قال في التذكرة (٢) : وقال الشيخ رحمه الله : روى انه أفضل من الصدقة بمثله من الثواب.

يحتمل أن يكون معناه أنّ القرض بمقدار أفضل من التصدق بذلك المقدار من أجل حصول الثواب والعوض عند الله ، أو يكون أنه أفضل من الصدقة بمثله بمقدار ثوابها يعني ثواب القرض ضعف ثواب الصدقة فيمكن التنزيل على رواية السكوني (٣) ، لأن الدرهم في التصدق بمال صاحبه ، فثوابها تسعة ، فيكون ثواب القرض الذي هو ضعف ثوابها ثمانية عشر.

ويمكن حملها على بعض الوجوه ، مثل ان يكون إلى ذي الرحم المحتاج ، أو العالم العامل الذي يصرفه في العلم ، وما دلّ على أقل من ذلك مثل رواية ابن سنان (٤) ، على غيره كما وقع الاختلاف في مراتب التصدق ، في الثواب (٥) ، وكذا الإنفاق في الآيات (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٤٩ حديث ٦ ـ ٧ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) أورده في الفصل الثالث من كتاب الديون من التذكرة.

(٣) تقدّم ذكر موضعها آنفا.

(٤) الوسائل باب ٨ حديث ٥ من أبواب الدين والقرض من كتاب التجارة.

(٥) مثل التصدق على ذي الرحم والقرابة ، والصدقة على العالم العامل ، والصدقة في الأوقات الشريفة مثل يوم الجمعة ويوم شهر رمضان ، والصدقة في السر مع الصدقة في العلانية الى غير ذلك مما يوجب اختلاف الثواب.

(٦) مثل قوله تعالى «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ

٥٧

والإيجاب أقرضتك أو ما أدّاه ، مثل انتفع به أو تصرف فيه.

______________________________________________________

قوله : «والإيجاب أقرضتك إلخ» الظاهر انه لا بدّ في الآخرين (١) من انه (عليك عوضه) كما يقال في ملّكتك وعليك عوضه.

ولو ذكر قبله وأريد به ذلك فالظاهر انه يكفي ولا يحتاج إلى الضميمة.

وظاهر كلامهم أنّ القرض عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول ، مثل سائر العقود الا انه عقد جائز غير لازم مثل البيع.

والظاهر انه لا نزاع في المعاطاة هنا على تقدير عدم كونه في العقود اللازمة فيبيح التصرف وعليه العوض ، بل تحصل الثواب أيضا الّا انه لا يحصل الملك ، ولا يلزم العوض الا بعد الإتلاف ، وقبله يكون مأذونا فيه في التصرف مع العوض فلا يكون عقدا باطلا مثل ما قيل في البيع.

بل الظاهر ان لا يكون الإيجاب والقبول معتبرا هنا في جواز التصرف وحصول الثواب ولزوم العوض ، بل يكفي في ذلك القصد والإعطاء ، والقبض بذلك القصد ، ولا ينبغي فيه النزاع.

نعم يمكن اعتبارهما في حصول الملك بمحض العقد ، أو مع القبض قبل الإتلاف أو (٢) ترتب الأحكام ، مثل جواز عدم ردّ العين ، وجواز ردّ المثل مع بقائها ، وان ليس للمالك انتزاعها وغير ذلك.

والظاهر أيضا ان يكون الإعطاء ـ مع القول السابق بأنه قرض مع القبول

__________________

عِنْدَ رَبِّهِمْ» البقرة ـ ٢٦٢ فإنه تعالى اثبت أصل الأجر الصادق بالقليل والجزيل.

وقال تعالى «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ، وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ» البقرة ـ ٢٦١.

(١) يعني قوله ره انتفع به ، أو تصرف فيه.

(٢) عطف على قوله قده : (في حصول الملك).

٥٨

والقبول قبلت وشبهه.

______________________________________________________

فعلا ـ يكون موجبا لتلك الأحكام ، لصدق القرض ، وأصل عدم اعتبار أمر زائد.

ويمكن الاعتبار (١) ، لأن الأصل عدم النقل حتى يتحقق ، وقد يتحقق بالعقد إيجابا وقبولا اتفاقا ، وبغيره ، غير ظاهر فيبقى في العهدة ، هذا مسلك جديد (٢).

ولكن يؤيّد الأوّل عدم نقل الصيغة ، ووقوعها (٣) في الزمن الأوائل ، بل الذي يفهم انهم كانوا يكتفون بمجرد الطلب ، والقرينة ، والإعطاء ، ولا شكّ ان الثاني أحوط.

ثم ان الظاهر من التذكرة ان القبول لا يحتاج الى اللفظ ، بل يكفي الفعل أيضا ، قال : والإيجاب لا بدّ منه (الى قوله) : وأما القبول ، فالأقرب انه شرط أيضا ، لأنه الأصل عصمة مال الغير (الى قوله) : وهو أصحّ وجهي الشافعي ، والثاني انه لا يشترط ، لان القرض اباحة إتلاف على سبيل الضمان فلا يستدعي القبول ، ولا بدّ من صدوره من أهله كالإيجاب الا ان القبول قد يكون قولا ، وقد يكون فعلا (٤).

ولا يخفى أن الدليل يدل على عدم الاحتياج إلى الإيجاب قولا أيضا.

وانه يفهم من كلامه ان خلاف الأقرب أنه لا يحتاج الى القبول ، لا قولا ، ولا فعلا.

وانه لا نزاع في القبول الفعلي أيضا ، وانما النزاع في عدمه مطلقا ، وفيه تأمّل.

__________________

(١) يعني اعتبار الإيجاب والقبول وعدم كفاية المعاطاة.

(٢) مسلك قد حدث في القرون المتأخرة ولم يكن يسلكه قد ماء الإماميّة.

(٣) يعني عدم وقوعها.

(٤) الى هنا عبارة التذكرة ج ٢ ص ٥.

٥٩

ولو شرط النفع حرم

______________________________________________________

ويمكن ان لا يعتبر فيه العربية ، ولا المقارنة ، ولا غيرهما ممّا شرطوه في العقود اللازمة.

وظاهر كلامه ـ هنا ـ أنه عقد ولا بدّ من إيجاب وقبول يدلّ على المساواة الّا انه قال في الدروس : وهو عقد إيجابه أقرضتك أو أسلفتك ، أو ملّكتك وعليك ردّ عوضه ، أو خذه مثلا أو قيمة ، أو تصرف فيه ، أو انتفع به ، كذلك وشبهه ، وقبوله قبلت وشبهه ، والأقرب الاكتفاء بالقبض ، لأن مرجعه الى الاذن في التصرف ، وأهله أهل البيع (١).

أما في العبارة خفاء ، كأنّ قوله : (مثلا أو قيمة) قيد (عوضه) فالأحسن تقديمه (٢).

وأيضا كان ينبغي تأخير (وعليك ردّ عوضه) مع (مثلا أو قيمة) بعد (تصرف فيه أو انتفع به) وكأنه إليه أشار بقوله : (كذلك).

وان ليس أهله أهل البيع ، بل يزيد عليه شرطا آخر في الأهل كما أشار إليه في التذكرة بقوله : (الصيغة الصادرة من جائز التصرف ويعتبر فيه أهليّة التبرع ، لان القرض تبرع ، ولهذا لا يقرض ولى (٣) الطفل إلا لضرورة (انتهى).

قوله : «ولو شرط النفع» الظاهر أن تحريم شرط النفع في القرض عينا إجماعيّ بين المسلمين مستندا الى دليل الربا في الجملة (٤) ، والى ما روي عنه صلّى

__________________

(١) الى هنا عبارة الدروس.

(٢) يعني تقديم قوله : مثلا أو قيمة.

(٣) في التذكرة : ولهذا لا يقرض الوليّ مال الطفل إلخ.

(٤) ولعل التقييد بقوله قده : (في الجملة) لأن جميع آيات الربا لا تدلّ بالعموم أو الإطلاق على تحريم شرط النفع بل بعضها مثل قوله تعالى «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ» الآية فإنها شاملة لمطلق الزيادة بيعا كان أو قرضا.

٦٠