مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

ولو قال : مؤجّلة أو ابتعت بخيار أو ضمنته بخيار افتقر في الوصف إلى البيّنة.

______________________________________________________

نعم ينبغي الإلزام إذا قال : قضيته أو لا يلزمني فإنه متناقض الا ان يؤوّل بان لا يلزمني الآن دفعه فإنه مؤجل فتأمّل في القبول حينئذ.

قوله : «ولو قال : مؤجّلة إلخ» يعني لو قال : له علي ألف مؤجّلة لزمه الألف ولم يقبل الضميمة هنا أيضا ، نعم هو مدّع حينئذ ، يسمع دعواه مع البيّنة ولا يخفى ان قوله (١) : (ومبيع لم اقبضه) مثله فكان ينبغي جعله مثل ذلك.

وكذا قوله : (ابتعت بخيار) اي اشتريت هذا بكذا وشرطت لنفسي الخيار أو ضمنت الألف الذي لك على فلان الا اني شرطت لي الخيار مع القول بدخول الخيار في الضمان فيحتاج فيهما في ثبوت الخيار إلى البيّنة.

وفيه أيضا تأمّل واضح خصوصا إذا كان ضمان الخيار مضبوطا بحيث يصحّ.

وقيل بثبوت الخيار في الضمان ويكون متصلا به فإنه لا تناقض ولا تنافي حينئذ وهو ظاهر.

ولهذا قال في التذكرة : لو قال : عليّ ألف مؤجّلة إلى سنة فان ذكر الأجل مفصولا بكلام غريب أو سكوت ، لم يقبل التأجيل ويثبت الدين في الحال وان ذكره بغير فصل من سكوت أو كلام (٢) فالأقرب عندي قبوله كما لو قال : له عليّ ألف طبريّة أو موصليّة ، فإنه يقبل تفسيره (٣).

كذا هنا (مؤجّلة خ) ولانه ربّما يكون الحق في ذمّته مؤجّلا ولا شاهد له

__________________

(١) يعني في فرض المصنف قبيل هذا في عبارته المتقدمة.

(٢) ولا كلام البتة (التذكرة).

(٣) وان اشتملت على عيب في المقر به كذا إلخ (التذكرة).

٤٦١

ولو قال : ألف ناقصة رجع إليه في تفسير النقيصة ، وكذا لو قال : معيبة.

______________________________________________________

بالتأجيل ، فلو منع من الاخبار ولم يصدقه به تعذّر عليه الإقرار بالحق وعدم تخليص ذمته بالإشهاد فوجب ان يسمع كلامه توصّلا الى تحصيل هذه المصلحة (١).

وما نقلناه عنها (٢) فيما سبق من قوله : (إذا وصل إقراره إلخ) فإنه ظاهر في قبول قوله : ان قلنا بجواز الخيار في الضمان والكفالة ، فإن الكلام هنا غير جيّد ، الا ان يقال : المراد الخيار المجهول أو مع القول بعدم جوازه في الضمان فإنه مؤد إلى بطلان الشراء والضمان ، ولكن يأباه قوله : (إلى البيّنة) الا ان يحمل على انه أقرّ ثم ادعى اني قلت : (بخيار) من غير تعيين وكان مجهولا (أو قلت : ضمنت بخيار) ، تريد بطلان إقراره وحينئذ يحتاج إلى البيّنة بذلك ، فتأمّل فيه.

قوله : «ولو قال : ألف ناقصة إلخ» وجه لزوم الألف الناقص والرجوع إليه في تفسير الناقص ، أنه انما أقرّ بذلك ، والأصل براءة الذمّة من غيره ، وليس الناقص منافيا للإقرار بالألف وثبوتها في ذمّته ، بل يجامعها وهو ظاهر ، وكذا في المعيب.

والظاهر انه لا خلاف فيهما وهو موافق للقاعدة وان خالف بحسب الظاهر بعض أحكامه في بعض المسائل فليس القصور فيه ، بل تلك تحتاج الى دليل فان وجد قبل بها لذلك ولا يتعدى الى غيره من غير دليل خصوصا مع دليل خلافه.

وكذا اليه تفسير الألف وتعيين جنسها له ، ولا بدّ ان يفسّر الناقص والمعيب بحيث لا ينافي ثبوت الألف ، بل (بان خ) يكون النقص في الصفة ، لا في العدد ، وكذا العيب فتأمل.

__________________

(١) إلى هنا عبارة التذكرة.

(٢) يعني ما نقلناه عن التذكرة من قولنا : قال في التذكرة : إذا وصل إقراره إلخ فراجع شرح قوله : في تعقيب الإقرار بالمنافي إلخ.

٤٦٢

ولو قال : له علىّ ألف ثم أحضرها وقال : هي وديعة قبل ، لأنّ التعدي يصيّر الوديعة مضمونه.

وكذا لو قال : لك في ذمتي ألف وأحضرها ، وقال : هي وديعة وهذه بدلها.

اما لو قال : لك في ذمتي ألف وأحضرها وقال : هذه الدار التي أقررت بها كانت وديعة لم يقبل.

______________________________________________________

قوله : «ولو قال : له علي ألف إلخ» وجه قبول تفسير إقراره : ان له عليّ ألفا ـ بأنه كانت وديعة وأحضرها ـ ما أشار إليه المصنف رحمه الله من انه لا ينافي ذلك ، بل يجامعه ، لأن الوديعة قد تصير مضمونة بالتعدي ، فيمكن إطلاق انه علي بهذا الاعتبار وان كان مجازا ، لما تقرّر في الضابطة من قبول مثله ، وباعتبار أنّ له مطالبته وإلزامه بها ونحو ذلك.

وكذا لو أحضرها ، وقال : التي كانت في ذمّتي وديعة وقد تلفت بالتفريط أو كانت مضمونة وهذه بدلها ، إذ صحّ قوله حينئذ حقيقة (له في ذمتي ألف) ولا ينافي الإحضار قوله : كانت تلك وديعة وهذه بدلها وعوضها ، وهو ظاهر.

بخلاف ما إذا أحضرها ، وقال : (هذه التي أقررت بأنها في ذمتي كانت وديعة) ، لأن ما في الذمّة لا يكون حاضرة ولا وديعة فلم يقبل قوله : (كانت وديعة) فكأنه يلزم بالعين ألف ما في الذمة ، والألف الحاضرة بكونها وديعة بإقراره هذا ظاهر العبارات.

وفيه تأمل لأنه قد مرّ أنه يصحّ إطلاق كونه (عليّ) على الوديعة ، وهو مثل (في ذمّتي) لأن ظاهر قوله : (له علي) ذلك وان سلّم الفرق وظهور كون (في ذمتي) في غير الوديعة فليس ببعيد إطلاقه عليها فيحمل عليه للضابطة المتقدمة ، وكذا يصحّ إطلاق ما في الذمة على الحاضرة وهو متعارف اما بالمعنى المتقدم اي باعتبار ما يؤل

٤٦٣

ولو قال : له قفيز حنطة ، بل قفيز شعير ، لزمه القفيزان.

ولو قال : له قفيز حنطة ، بل قفيزان لزمه اثنان.

ولو قال : له هذا الدرهم ، بل هذا الدرهم لزمه الاثنان.

______________________________________________________

اليه بالتلف مع التفريط أو بغيره فينبغي القول هنا أيضا للضابطة فتأمّل.

قوله : «ولو قال : له قفيز حنطة إلخ» وجه لزوم القفيزين حنطة وشعيرا أن (بل) هنا مبطل للأوّل ويثبت للثاني فلم يسمع الابطال للمنافاة ويسمع الإثبات ، لأنه إقرار.

وفيه تأمّل لأن (بل) قد تكون للإضراب ، وهو محتمل ، فينبغي القبول لو ادعاه فلا يجزم الا بقفيز الشعير فقط.

واما وجه لزوم القفيزين فقط ، فظاهر ، إذ الأقلّ داخل تحت الأكثر مع اتحاد الجنس فيصدق قوله : (له علي قفيز) إذا كان عليه قفيزان ويصدق أيضا أنّ عليه قفيزان فيلزمه ذلك لا غير ، للأصل ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو قال : له هذا الدرهم إلخ» وجه لزوم الدرهمين حينئذ انه قد أقربهما ، لأنه قد أقرّ بالأوّل بقوله : (له هذا الدرهم) وبالآخر بقوله : (بل هذا الدرهم) ولا تسمع دعوى اضرابه وإبطاله الإقرار الأوّل ، فإنه المنافي والمبطل بعد إتمام الكلام المتعارف ، غير مسموع عندهم وان كان فيه بعض التأمل ، لما مرّ ، ولان كون (بل) للأحزاب متعارف مشهور بين أهل العربيّة فهو إطلاق صحيح بحسب القوانين ، ولانه قد يغلطه الإنسان بسهو فيستدرك ب (بل) وهو ظاهر ولكن قد منعوا ذلك لئلا يلزموا سدّ باب الإقرار غالبا ، إذ يمكن أمثال ذلك في أكثر الإقرارات.

وفيه تأمّل لأنه إن لزم ـ بناء على القوانين المقررة المتعارفة ـ مثل كون (بل) للإضراب ، فلا مانع منه ولا ضرر في تجويزه ، والا فلا يسمع فتأمل.

ومراده بقوله : (بل هذا الدرهم) درهم آخر غير الأوّل ، فلو أراد الدرهم

٤٦٤

ولو قال : له درهم ، بل درهم لزمه درهم.

ولو قال : كان له علىّ ألف لزمه ولم يقبل دعوى السقوط.

ولو أقرّ بما في يده لزيد ، ثم قال : بل لعمرو ، لم يقبل رجوعه وغرم لعمرو.

وكذا لو قال : غصبته من فلان ، بل من فلان.

ولو قال : غصبته من فلان وهو لفلان دفع الى المغصوب منه ولا غرم.

______________________________________________________

الأوّل أو مطلقا فاللازم هو الدرهم الواحد للأصل وعدم صريح ما يدل على التعدد ، فيحمل على التأكيد أو غيره.

ولهذا قال : (لو قال : درهم بل درهم) لا يلزمه الا درهم واحد ولكن التأكيد ب (بل) غير معلوم الورود ، واللغويّة بعيدة ، وكلامهم في أمثاله يقتضي العمل على درهم آخر للخروج عن اللغويّة الا أن الأصل والضابطة يقتضي ما هنا وان خالفوها في غير هذه المسألة ، ويحتمل ان يراد : (بل درهم صغير) ونحوه حتى لا يتوهم درهم عظيم فلا لغو ، فتأمل.

قوله : «ولو قال : كان له علي إلخ» وجه اللزوم أنه قد أقرّ بكونه كان في ذمّته ألف والأصل بقائها حتى يثبت الخلو ، فلا يقبل دعوى سقوطه بالأداء والإبراء ونحوهما إلّا بالبيّنة ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو أقر بما في يده لزيد إلخ» وجهه ظاهر ممّا تقدم ، مع ما مرّ.

قوله : «ولو قال : غصبته من فلان وهو لفلان إلخ» وجه لزوم دفعه الى المغصوب منه ، إقراره بأنه غصبه منه ، والغصب منه ظاهر في كونه ملكا له ولو لم يكن كذلك فلا شكّ في كونه صريحا في انه كان في يده ، وظاهر اليد الملكيّة وكونه على وجه شرعيّ ان لم تكن الملكيّة فلا بدّ من تسليمه اليه الا ان يبيّن عدم

٤٦٥

وكذا لو قال : هذا لزيد غصبته من عمرو ، يسلم الى زيد ، ولا غرم.

ولو قال : له عندي وديعة وقد هلكت لم يقبل.

ولو أتى ب (كان) قبل.

ولو قال : له عليّ عشرة ، لا بل تسعة لزمه عشرة.

______________________________________________________

استحقاقه.

ووجه عدم الغرم لمن قال : انه له ، أنه أقرّ له بما هو ملك للغير أو في يده بوجه شرعي ، وحاصله أنّ شرط قبول الإقرار كونه تحت يده متصرفا تصرف الملاك ، نعم قد يؤاخذ بالنسبة إلى نفسه بان لا يجوز له التصرف فيه باذن المغصوب منه ولا يملكه بوجه ، بل إذا صار اليه يجب دفعه الى الثاني المقرّ به كما في الإقرار بحرّية عبد غيره ثمّ اشتراه ، فتأمّل وتذكّر.

ومثل هذا الحكم في قوله : (هذا لزيد وغصبته من عمرو) بأن يكون المال لمن أقرّ له أوّلا ، ولا غرم للثاني كما تقدم ، وان كان المال هنا للاول ولا غرم للثاني عكس الأوّل ، وهو المراد بقوله : وكذا هذا إلخ.

وفيهما تأمّل مّا ، ولهذا قيل بالغرم للثاني فيهما ولكن الأصل يقتضي الأول.

قوله : «ولو قال : له عندي وديعة إلخ» وجه عدم القبول أنه قد أقرّ بكون الوديعة عنده لانه المتبادر والظاهر من قوله : (عندي) ، فهي موجودة فقوله : (وقد هلكت) مناف له وضد ، فلا يقبل كما في سائره.

بخلاف أن قال : (كان له عندي) فإنه يقبل لعدم المنافاة لأن (كان) دلّت على الوجود قبل هذا الزمان ، ولا ينافيه الهلاك بعده ، وهو ظاهر ، نعم يمكن له عليه يمين على الهلاك ان لم يصدّقه ، وفي الأول تأمّل يعرف ممّا تقدم من أمثاله.

قوله : «ولو قال : له علي عشرة إلخ» وجه لزوم العشرة دون التسعة ما تقدم ، مع ما فيه ، فتذكر.

٤٦٦

ولو ادعى المواطاة في الإشهاد ، فإن شهدت البيّنة بالقبض لم يلتفت اليه ، والا كان ، له الإحلاف.

ولو قال : له عليّ عشرة إلّا درهما لزمه تسعة.

ولو رفع فعشرة.

______________________________________________________

قوله : «ولو ادعى المواطاة في الإشهاد إلخ» أي لو أقرّ مثلا ببيع شي‌ء وقبض ثمنه ثم أنكر القبض وادّعى انه انما أقرّ بذلك للإشهاد على ذلك ، وانه تواطأ مع المشتري بذلك لتحصيل الشهود المعتبرة على القبض لاحتمال عدم الشهود المعتبرة عند القبض فيلزم القبض بلا شهود وذلك غير مستحسن أو لغرض آخر مثل ان يكتب السجلّ ، فان شهدت البيّنة بالإقرار فقط ـ تقبل دعواه ذلك ، لان مثل هذا الفعل كثير شائع فيقبل لذلك ولما كان خلاف الأصل ـ بل خلاف الشرع أيضا لأنه كذب الّا ان يفعل على وجه يخرج عن ذلك والأصل والضابطة يقتضيانه ـ كان له عليه الحلف فيقبل معه.

ولو (ان خ) شهدت بالقبض ، فلا يقبل دعواه ولا يلتفت إليه لأنه ثبت القبض بالبيّنة وهي حجّة شرعيّة ولا رادّ لها.

وقيل : ان ادّعى المواطاة في القبض أيضا يقبل ذلك ، لأنه أيضا متعارف وهما يقتضيانه الا ان ظاهر أحكامهم في مثله ينفيه فتأمل.

قوله : «ولو قال : له علي عشرة إلا درهما إلخ» وجه لزوم التسعة على تقدير نصب ما بعد (الّا) ظاهر ، وهو أنه استثناء صحيح ، فإنه منصوب في كلام موجب ، وإذا أخرج المستثنى (وهو الدرهم) ، من المستثنى منه (وهو العشرة) ، لا محالة يبقى تسعة.

وأما وجه لزوم العشرة تامّا على تقدير الرفع ، فهو ان الاستثناء باطل بقوانين العربيّة ، فهو كعدمه فكأنه ما استثنى شيئا.

٤٦٧

ولو قال : ماله عندي عشرة إلا درهم ، لزمه درهم.

ولو نصب لم يكن مقرّا.

______________________________________________________

وفيه تأمّل للضابطة ، فإنه يحتمل ان يكون غالطا في ذلك أو لم يكن عارفا بالقوانين ، أو نسي ، فحمله مطلقا على اللغو أو على كونه منقطعا ، وتقديره (لكن درهم ليس عندي ونحوه) بعيد جدّا.

قوله : «ولو قال : ماله عندي عشرة إلا درهم إلخ» أما وجه لزوم الدرهم الواحد على تقدير الرفع فظاهر ، لأنه استثناء مرفوع في كلام غير موجب فهو صحيح ، فإذا نفى العشرة إلّا واحدا بقي الواحد ، مثبتا ، لأنه قد ثبت في الأصول أن الاستثناء عن (من خ) النفي إيجاب وإثبات ، فثبت (فيثبت خ) الدرهم الواحد ، فإنه بمنزلة ان قال : له عندي درهم.

وأمّا عدم كونه إقرارا بشي‌ء أصلا على تقدير النصب فغير ظاهر ، فإنه استثناء صحيح ، إذ يجوز النصب ويختار البدل في غير الموجب كما في قوله تعالى : «ما فَعَلُوهُ إِلّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» (١) ، فإنه قد قرئ قليلا أيضا ، فكأنه مبني على الضابطة وأصل براءة الذمّة فيحتمل ان يكون المراد نفي العشرة إلا درهم عن ذمّته بان يلاحظ أوّلا الاستثناء وأدخله في الكلام فصار ، له علي عشرة إلّا درهما ثم أدخل عليه النفي ونفاه عن نفسه وقال : ليس له علي عشرة إلّا درهما ، فكأنه قال : ليس له علي تسعة فإن لها عبارتان مفردة ، مثل تسعة ، ومركّبة ، مثل عشرة إلّا واحدا ، وهذا غاية الاهتمام بالضابطة وأصل البراءة.

ولا بأس به وان كان خارجا عن ظاهر مقتضى الكلام ولكن من أفتى بمثله ينبغي ان يلاحظ مثله في غيره وقد عرفت ترك ذلك في بعض الموادّ فتأمّل.

ورأيت هذا التأويل في بعض القيود في حاشية على شرح الرضي (٢) ، بعد

__________________

(١) النساء ـ ٦٦.

(٢) هو شرح الشافية للشيخ العلّامة نجم الأئمّة رضي الدين محمد بن الحسن الأسترآبادي النجفي

٤٦٨

ولو كرّر الاستثناء ، فان كان بحرف العطف أو كان الثاني مساويا للأوّل أو زائدا رجعا الى المستثنى منه وحكم عليه بما بعدهما.

______________________________________________________

أن أظهر عدم الفرق بين الرفع والنصب ، بمثل ما ذكرناه حيث قال : الّا (١) أنّ الفقهاء قالوا : إذا قلت : ماله علي عشرة إلّا تسعة بالنصب لم يكن مقرّا بشي‌ء ، لأن المعنى ماله عشرة مستثنى منها تسعة اي ماله علي واحد ، فإذا قلت : إلّا تسعة ، بالرفع على البدل يلزمك تسعة ، لأن المعنى ماله علي الّا تسعة.

وفي الفرق نظر ، لان البدل والنصب على الاستثناء كليهما استثناء ولا فرق بينهما اتفاقا في نحو جاءني القوم الّا زيد وزيدا (الى قوله) : وعلى الجملة ، فلا أدري صحّة ما قالوا.

قال في الحاشية : لعلهم تخيّلوا أنّ الأصل في الكلام هو الإثبات ، والنفي طار عليه ، فإذا قلت : إلّا تسعة بالنصب كان الاستثناء راجعا الى المثبت كأنك قلت : له علي عشرة إلّا تسعة ويصير حاصله ان له عليك واحد ، فإذا أدخلت عليه النفي كان المعنى ، ليس له علي واحد ، فلا يلزمه (فلا يلزمك خ) شي‌ء كما صرّحوا به ، واما إذا قلت بالرفع فلا يمكن ان يكون الاستثناء راجعا إلى الإثبات ، والنفي داخلا بعده في الكلام ، فوجب الحمل على الابدال من المنفي ويكون المعنى كما قالوا ، ليس له علي الّا تسعة ، والاستثناء من النفي إثبات عندهم ، فيصحّ ما قالوا (منه رحمه الله).

هذا غاية توجيه ما قالوا كما قلناه ، ولكن ينبغي ضمّ ما قلناه أيضا من أصل البراءة ، وضابطة الإقرار ، وهو يدل على القول بالأخذ بالإقرار ان لم يمكن عدمه.

قوله : «ولو كرّره الاستثناء إلخ» يريد بيان أحكام تكرار الاستثناء ،

__________________

المتوفّى سنة ٦٨٦ وهو شرح جامع لطيف اعترف السيوطي انه من أحسن شروحها ، بل لم يكتب مثله (الذريعة الى تصانيف الشيعة ج ١٣ ص ٣١٣).

(١) هكذا في النسخة المطبوعة لكن في نسخ عديدة مخطوطة (ان الفقهاء إلخ) بإسقاط لفظة (الّا).

٤٦٩

والا عاد الثاني إلى الأوّل ودخل تحت الإقرار.

فلو قال : له عليّ عشرة إلّا تسعة إلا ثمانية ، وهكذا الى واحد لزمه خمسة.

______________________________________________________

لظهور حكم عدمه ، فلو كرّر الاستثناء ، فان كان بحرف العطف يكون المجموع راجعا الى المستثنى منه المذكور قبله مطلقا ، سواء كان كل واحد أو البعض أو المجموع ناقصا عنه أو مساويا أو زائدا.

وجهه ظاهر ، وهو ان العطف يقتضي ذلك الّا انه لا يسمع مع الاستغراق فذلك شرط في مطلق الاستثناء واحدا كان أو مكررا.

وان كان بغير عطف وامتنع إرجاعه الى ما قبله من الاستثناء مطلقا لكونه مساويا أو زائدا ، فهو أيضا راجع الى المستثنى منه ما لم يستغرق والّا بطل.

وان لم يمتنع ، بل أمكن إرجاعه الى ما قبله في الجملة فراجع اليه أو يكون ما بقي في ذلك المستثنى يخرج عن المستثنى منه ودخل ما خرج عنه تحت الإقرار والمستثنى منه ، ووجه هذا أيضا واضح.

قوله : «فلو قال : له علي عشرة إلخ» تفريع على ما تقدم من القاعدة أي لو قال : له علي عشرة إلّا تسعة ، إلّا ثمانية ، إلّا سبعة ، إلّا ستة ، إلّا خمسة ، إلّا أربعة ، إلّا ثلاثة ، إلّا اثنين ، الّا واحدا ، لزمه خمسة.

والضابط انه يجمع المثبتات أي الأوّل ، والثالث والخامس ، والسابع ، والتاسع ، وهي الأزواج فصار ثلاثين ، وكذا المنفيّات ـ وهي ما بقي ـ وهي الأفراد فصارت خمسة وعشرين ، وإذا حذف الثانية من الاولى يبقى خمسة.

وجه الضابط انه لا محالة في ان هذه المستثنيات منفي ومثبت ، والأول مثبت مقرّ به ، والثاني منفي مخرج فيكون ما بعده مثبت مقرّ به ، وما بعده منفي مخرج وهكذا الى الآخر فلا محالة يكون المثبتات مقرا بها ، والمنفيّات مخرجة عنها ، غير مقر بها.

٤٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فإذا جمعنا المجموع من كلّ واحد وأسقطنا المجموع من المجموع ، يبقى ما يبقى وهو خمسة.

وبالجملة يسقط ـ باعتبار استثناء كلّ فرد بعد استثناء الزوج عنه ـ واحد من العشرة فيسقط خمسة ويبقى خمسة وهو مقتضى القاعدة وهو ظاهر.

ولكن لو قال ـ بعد قوله : الّا واحد (١) ـ : الا اثنين إلى التسعة لزمه واحد بناء على ما يفهم من القاعدة ، فتجمع حينئذ ، الأزواج الواقعة في الصورتين ، تصير خمسين لعدم عدّ عشرة إلا مرّة واحدة ، وتجمع الأفراد فيهما فتصير تسعة وأربعين ، لعدم عدّ الواحد إلّا مرّة واحدة فتحذف الثانية من الأولى يبقى واحدة هذا مقتضى سوق كلامهم.

ولكن قال في الدروس : ولو أنه لمّا وصل الى الواحد ، قال : الّا اثنين ، إلّا ثلاثة إلى التسعة لزمه واحد ، لأنّا نضمّ الأزواج إلى الأزواج تكون ثمانية وأربعين ، والافراد الى الافراد تكون تسعة وأربعين ، فإذا سقط الأول من الثاني بقي واحد (٢).

والظاهر انه غلط من وجهين (الأوّل) أنّ الأوّل خمسون (٣) لما ذكرنا (والثاني) حذف الأفراد من الأزواج لا العكس (٤) لما مرّ أيضا.

قال المحقق الثاني في شرح القواعد : ولو عكس ، فقال : له علي عشرة إلّا واحدا الّا اثنين إلّا ثلاثة إلى التسعة بقي واحد (٥).

__________________

(١) يعني لو رجع القهقرى عقيب قوله : الا واحد بان قال : الا اثنين ، إلا ثلاثة ، إلا أربعة وهكذا الى قوله : الا تسعة.

(٢) إلى هنا عبارة الدروس نقلناها منه فراجع كتاب الإقرار درس في الإضراب ص ٣٢١.

(٣) الظاهر ان النسخة التي كانت عند الشارح قد كانت مغلوطة والا فالعبارة التي نقلناها من الدروس متضمنة للخمسين.

(٤) هذا الإشكال أيضا كسابقه لانه قال : أسقطت الأقل من الأكثر ولم يقل حذف الافراد من الأزواج.

(٥) إلى هنا عبارة شرح القواعد ج ١ ص ٣٥٤ سطر ٤٠.

٤٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

(فان قيل) : الاستثناء الواقع بعد استثناء ، ان كان مستغرقا يسقط ، ولا شكّ ان الأربعة مستغرقة ، فإنه ان كان ممّا يليه أو قبله من الاستثناءات فهي مستغرقة حتما ، وكذا ان كان راجعا إلى العشرة ، فإنه ما بقي منها الّا أربعة لرجوع كلّ الثلاثة إليها ، لعدم صحّة البعض عن البعض فيرجع الى المستثنى منه كما هو مقتضى القاعدة.

(قلنا) : انه استثناء ، من المجموع المركّبات من المستثنيات التي قبله وهي ستة فيصحّ إخراجه منها.

قال (١) : وإذا تعذر الاستثناء ممّا يليه وممّا قبله بانفراده وكذا عن المستثنى منه يرجع الى المجموع المركب من المستثنيات ، فبعد الإخراج ثبت الثمانية لأنه أربعة كانت باقية في العشرة وأربعة أخرى أخرجت من الستة المنفيّات بقي الثمانية مثبتة (٢).

وضابطة المصنف (٣) تصحّ في هذه الصورة أيضا ، فإن المثبتات ثمانية وعشرون ، فإنها قد عرفت أنها الأزواج ، وهي ثلاثون وقد صار اثنين من المنفيات حيث أخرجت أيضا من العشرة فبقي ثمانية وعشرون وقد كانت المنفيّات ـ وهي الأفراد ـ خمسة وعشرين وضمّ إليها اثنان فصارت سبعة وعشرين وإذا حذفت الثانية من الأولى يبقى واحده وهو ظاهر فتكون الضابطة ـ بخلاف المنفيّات ـ مطردة ، ولكنّها

__________________

(١) يعني شارح القواعد المحقق الثاني ولكن عبارته هكذا : وإذا تعذر الاستثناء من الاستثناء السابق بلا فصل ، قدرالاستثناء منه وممّا قبله وحينئذ فيكون الأربعة المستثناة مثبتة وقد بقي من العشرة أربعة وذلك ثمانية (انتهى)

(٢) الى هنا عبارة القواعد نقلا بالمعنى كما سمعت عبارته بعينها.

(٣) يعني في القواعد حيث قال : والضابط إسقاط جملة المنفي من جملة المثبت بعد جمعهما فالمقر به ، الباقي (أيضا ح القواعد ج ٢ ص ٤٥٣ طبع قم).

٤٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مجملة غير مبيّن كيفيّة ، والإرجاع في كل واحد الى آخر ، ما ذكر في القاعدة لا في الأصول ولا في كتب النحو.

وإرجاع الاستثناء الى المركب من المجموع ـ بعد تعذر إرجاعه الى كل واحد واحد ممّا يليه والمستثنى منه ـ ليس بمعلوم أيضا ، لأن الظاهر أيضا رجوع الاستثناء الى لفظ معيّن ، لا الى ما يعتبره العقل ويجعله شيئا واحدا ، فان ذلك غير متعارف وليس بمعلوم وقوعه في الكلام وان كان ذلك سببا لإخراج الكلام عن اللغو فلا يكون به بأس الا انه ما ورد في المتعارف.

على انه لا يتم في صورة الوصل ، وهو ظاهر ، لعدم الانطباق على القاعدة فإنه لم يعلم المثبت والمنفي بحيث يكون أحدهما أفرادا ، والآخر أزواجا فكيف يسقط ، وهو ظاهر.

فان الاثنين في قوله : الّا واحد الّا اثنين راجع الى المركب من المثبت والمنفي ، بناء على ما ذكره ، فبعض الاثنين مثبت ، وبعضه منفيّ فلا يمكن إسقاطه جميعا كما فعله ولا إثباته ، وهو ظاهر.

ولا يتمّ أيضا في العكس مثل (الّا خمسة) فإنه ليس مستثنى عن العشرة ولا ممّا قبلها بلا فصل ولا من المركّب ، بل من المجموع الحاصل المثبت من عشرة ، واستثناء الأربعة ممّا تقدمه غير أنه بالحقيقة استثناء من العشرة ، فإن حاصله (له علي ثمانية) ـ بعد مجموع الاستثناء ـ الّا (خمسة) وهو لا بأس به وان كان مشوّشا ، فإنّه (تارة) يكون الاستثناء من العشرة (وتارة) من جميع ما تقدم (وتارة) ممّا حصل من العشرة وممّا تقدم.

ومثله يجري في الاثنين في صورة الوصل ، لان ما قبله بمنزلة (ماله علي خمسة) فيصحّ (الّا اثنين) ، وهكذا الّا انه لا يتمّ إلا في ثمانية في الصورتين بوجه من الوجوه ، لانه لا يمكن إرجاعه الى ما يليه منفردا ولا مركبا ممّا قبله ولا من المجموع

٤٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المنفيّ الذي هو الثمانية فهي مستغرقة ولا يمكن جعلها مستثنى عن الاثنين المثبتين بالطريق الاولى وهو ظاهر ، وإرجاعها إلى المركب من المثبت والمنفي ـ وهو عشرة ـ غير معقول ولا منطبق على شي‌ء من القواعد والأمر المتخيّل ، فإرجاع استثناء واحد بعضه إلى منفي وبعضه الى مثبت غير موجه على ما يفهم.

فقول شارح القواعد (في بقاء واحد : لو قال : علي عشرة إلّا واحدا الّا اثنين إلّا ثلاثة إلى التسعة) :

وإذا تعذر الاستثناء من الاستثناء السابق بلا فصل قدر الاستثناء منه وممّا قبله حينئذ فيكون الأربعة المستثناة مثبتة وقد بقي من العشرة أربعة وذلك ثمانية وبالاستثناء الخامس يبقى ثلاثة ، وبالسادس يصير تسعة على ما قررناه ، وبالسابع يبقى اثنان ، وبالثامن عشرة وبالتاسع واحد.

ولو عدل الى الواحد ثم الى التاسع بقي واحد فطريق ذلك معلوم ممّا ذكر (الى قوله) : هو بحمد الله واضح (١). غير واضح لما مرّ.

وعلى تقدير صحّة إرجاعه إلى المجموع ليس بمعلوم اشتراط تعذر إرجاعه إلى المستثنى منه.

ويمكن عدم اشتراطه أيضا ، إذ ليس صحّة ما ذكر موقوفا عليه ، الّا ان مقتضى قولهم : إذا تعذر الاستثناءات يرجع الى المستثنى منه ، كونه راجعا اليه بعد تعذر رجوعه الى كل واحد واحد ، فإنه المتبادر ، وذلك يقتضي عدم رجوعه الى المركب مع إمكان رجوعه الى المستثنى منه.

وكأنه ـ لعدم وضوح ذلك ـ ما ذكر هاتين الصورتين في المتن ، ولا في القواعد وغيره.

__________________

(١) من قوله قده : وإذا تعذر الى قوله قده : واضح من عبارة شارح القواعد وقوله قده غير واضح خبر لقوله : فقول شارح القواعد فلا تغفل.

٤٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال (١) فيه أيضا : ببطلان الاستثناء الثالث ، في مثل قوله : (له علي ثلاثة دراهم الّا درهما الّا درهما ، الّا درهما).

ولو صحّ هذا لصحّ أن يقال : ان الثالث يحتمل مستثنى عن مجموع الدرهمين فبقي واحد ، وما ذكر في القاعدة أيضا كأنه لذلك.

قال الشيخ الرضي رحمه الله (٢) في حاشيته على شرحه ، مكتوب في آخرها : (منه قدس سرّه) ـ بعد ان ذكر في الشرح بيان لزوم خمسة في المثال المفروض ممّا أشرنا إليه : من انه إذا أخرجنا التسعة من العشرة بقي واحد وادخلنا معه ثمانية صارت تسعة وأخرجنا منها سبعة بقي اثنان آه.

وذكر بعضهم طريقا آخر أشار الى الضابطة المذكورة في القواعد من حذف المنفيّات الأفراد ، عن المستثنيات الأزواج.

وهذا وان كان طريقا حسنا في إظهار المطلوب ، لكنه لم يعلم منه كون تلك الاستثناءات المتعاقبة واردة على مقتضى قواعد النحو من كون كلّ استثناء راجعا الى ما قبله ، وما ذكره الشارح واف بإظهار المطلوب والجريان على القواعد ولم يلتفت الى ما اشتهر من ان القائل بعد ما قال : الا واحدا إذا قال : الا اثنين إلا ثلاثة وهكذا الى ان يقول : الّا تسعة لزمه واحد وذلك لعدم كونه جاريا على القواعد.

اما إذا لم يؤوّل وجعل كل استثناء الى ما يليه فظاهر ، لكونه استثناء الأكثر من الأقل.

وامّا إذا أوّل وقيل : ان قوله : الّا اثنين راجع الى الخمسة المنفيّة عند قوله : الّا واحدا فلأنه يلزم الاستثناء المستغرق عند قوله : (الّا ثمانية) ، فيكون باطلا

__________________

(١) يعني في القواعد لكن عبارة القواعد هكذا : ولو قال : له ثلاثة إلا درهما ودرهما ودرهما احتمل قويا بطلان الأخير ، وضعيفا الجميع (انتهى) إيضاح الفوائد ج ٢ ص ٤٥٥ ط ٢.

(٢) قد مرّ ذكر مؤلفه عند شرح قول الماتن ره : ولو قال : ماله عندي عشرة إلخ فلاحظ.

٤٧٥

ولو قال : له هذه الدار ، والبيت لي أو إلّا البيت قبل.

والاستثناء من الجنس حقيقة ومن غيره مجاز.

______________________________________________________

ويكون الواجب اثنين ، نعم يمكن بيان وجوب الواحد بذلك الطريق ، وهو ان يجمع جميع المثبتات صعودا ونزولا ، وذلك خمسون ، ويجمع جميع المنفيّات فيها وذلك تسعة وأربعون فإذا ألغي المنفيّات من المثبتات بقي واحد.

وقد عرفت أن ذلك لم يعلم منه الجريان على القواعد ولا يكفي في إثبات المطلوب.

قوله : «ولو قال : له هذه الدار إلخ» وجه قبول الاستثناء ظاهر ، (والبيت لي) بمنزلة الاستثناء ، بل قوله : (هذه الدار) ليس بصريح في كون جميع البيوت للمقرّ له فيجوز ارادة اختصاص بعضه بعدم الإرادة في المقرّ به والضابطة المتقدمة تقتضيه.

قوله : «والاستثناء من الجنس إلخ» قال في القواعد : الاستثناء من الجنس جائز إجماعا ومن غيره على الأقوى (١).

اعلم أنه ظاهر أنّ مراده استعمال (إلّا) ـ في موضع يكون المستثنى داخلا في المستثنى منه ـ جائز إجماعا على سبيل الحقيقة كما يدل عليه عبارة الكتاب ، وانه لا معنى للنزاع في جواز المنقطع ولو مجازا وحينئذ يكون المراد بجوازه (على الأقوى) أيضا كونه حقيقة.

ولكن فيه تأمّل ، لما سيأتي من قوله (٢) : (فان سوغنا المنفصل آه (٣)) فإنه يفهم منه عدم الجواز مجازا أيضا الّا ان يراد حقيقة فتأمل.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ج ٢ ص ٤٥٢.

(٢) يعني المصنف في القواعد.

(٣) تمامه طولب بتفسير الألف وقبل إذا بقي بعد الاستثناء شي‌ء.

٤٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولأن الظاهر أنه ليس بحقيقة ، إذ الظاهر المتبادر من معنى (الّا) واستعمالها كون ما بعدها من جنس ما قبلها اي دخول المستثنى في المستثنى منه فلا ينبغي أن يكون ذلك مذهبه فلعل مراده (١) جوازه مجازا (على الأقوى) فيكون إشارة إلى خلاف بعض العامّة مثل أبي حنيفة ، فإنه نقل عنه في التذكرة عدم جواز المنقطع إلّا في المكيل والموزون وحكى عن محمد بن الحسن ، وعن زفر ، وعن احمد بن حنبل ، عدم جوازه مطلقا ، وهو عادته في التذكرة والمنتهى.

وحمل في شرح القواعد (٢) إشارته إلى الخلاف في صلاة الكسوف ، على خلاف العامّة.

وحمل أيضا ذكر الشهيد الثاني في الذكرى ، الخلاف في جواز العمل بقول الميّت على خلاف العامّة.

وذكر في الجعفريّة أيضا ، الخلاف في ذلك ، مع أنه في حاشيته على الشرائع يدّعي اطباق العلماء على عدمه.

فان كان على ظاهره يكون محمولا على خلاف العامة ، وان ذكر في بعض جوابات ما يسئل عنه وجود الخلاف في ذلك عند علمائنا ، ولكن قال من غير أجلّاء الأصحاب فيريد اطباقهم ، ويمكن الإشارة في الجعفريّة إلى خلاف غير الأجلّة ، ونقل عن التفتازاني في شرح الشرح خلافا عن الآمدي أيضا في ذلك.

وبالجملة ليس ببعيد ، الإشارة إلى خلاف العامّة ، وهو أظهر من ارتكاب خلاف ما هو الظاهر من كونه مجازا فيلزم القصور في المعنى والمختار وعدم حسن قوله

__________________

(١) يعني المصنف في القواعد.

(٢) يعني ان المحقق الثاني في جامع المقاصد ج ١ حمل عنوان (الخلاف) في هذه المواضع على خلاف العامة لا الخاصّة فليكن في المقام كذلك بمعنى ان الخلاف المفهوم من قوله : (على الأقوى) في مقابل بعض العامّة لا الأصحاب.

٤٧٧

فلو قال : له ألف إلّا درهما فالجميع دراهم.

______________________________________________________

في مسألة (ولو قال : له ألف إلّا درهما فالجميع دراهم آه) (١) : فقول شرح القواعد : الا انه من أبعد البعيد ان يكون قول المصنف بجواز الاستثناء من غير الجنس على الأقوى ، في مقابل خلاف أبي حنيفة وأحمد آه ، بعيد فيكون معناه ، الاستثناء من الجنس جائز حقيقة بالإجماع ومن غيره أيضا جائز في الجملة أو مجازا على الأقوى.

وقيل : بعدم جوازه من العامّة مجازا أيضا ، وهو ضعيف ينفيه وجوده في الكتاب (٢) والسنة ، وكلام الفصحاء ، والتأويل بحيث يصير متصلا بعيد لا يصار اليه ، على انه يحتمل ان يكون معناه جائز ، مجازا على الأقوى.

وقيل حقيقة ، وهو أيضا بعيد للتبادر الذي هو قرينة الحقيقة.

ويؤيّده أيضا ما نقل عنه في شرح القواعد قوله في نهج الأصول : (والحق انه مجاز إلخ).

وبالجملة استعمال (الّا) فيما يكون ما بعده داخلا فيما قبله حقيقة ، وفي غيره مجاز وهو مذهب المصنف والأكثر ، والنزاع فيه غير معقول.

قوله : «فلو قال : له ألف إلا درهما إلخ» أي لمّا قلنا : ان استعمال حرف الاستثناء في المتصل حقيقة وفي المنفصل مجاز ، فإذا قال : (له علي ألف إلّا

__________________

(١) كما يأتي عن قريب.

(٢) يعجبنا ان ننقل ما نبّه على ذلك فخر المحققين رحمه الله في إيضاح الفوائد ج ٢ ص ٤٥٢ فإنه بعد نقل عبارة والده المعظم قدس سره من قوله : الاستثناء من الجنس جائز إلخ قال : أقول : لأنه استعمل فيه كثيرا كقوله تعالى «فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلّا رَبَّ الْعالَمِينَ» (١) ، «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلّا إِبْلِيسَ» (٢) ، «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلّا خَطَأً» (٣) ، «إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً» (٤) ، «و (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ» (٥) ، (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً» (٦) ، «فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلّا رَحْمَةً مِنّا» (٧) ، «إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلّا آلَ لُوطٍ» (٨).

__________________

(١) الشعراء ٧٧. (٢) الحجرات ـ ٢٠.

(٣) النساء ـ ٩٤. (٤) النساء ـ ٣٣.

(٥) النساء ـ ١٥٦.

(٦) الواقعة ـ ٢٤. (٧) يس ـ ٤٣ ـ ٤٤.

(٨) الحجر ـ ٥٨ ـ ٥٩.

٤٧٨

ويصدق لو قال : لم أرد المتّصل.

فيطالب بتفسير الالف ويقبل لو بقي بعد الاستثناء شي‌ء.

ولو قال : ألف درهم الا ثوبا طولب بتفسير القيمة وأسقطت ، ولو استوعب لم يسمع وطولب بالمحتمل.

______________________________________________________

درهما) فالألف المستثنى منه أيضا يلزم ان يكون دراهم والّا يلزم الانفصال الذي هو خلاف الأصل والحقيقة ، وهو مجاز وممّا لا يصار اليه الّا مع تعذر الحقيقة.

ولكن لما كان المجاز جائزا ، فلو قال : أردت المجاز يقبل منه لما تقدم من الضابطة.

فيطالب بتفسير الألف ، فإن فسّرها بما يمكن إخراج الدرهم عنها ويبقى بعده شي‌ء مقبول بعد الاستثناء ، يقبل تفسيره ، والّا فيمكن بطلان الاستثناء فيؤخذ بتمام الألف المفسّر ، لأنه علم ارادته من الألف ولم يمكن الإخراج عنه فيبطل الاستثناء لاستغراقه ويبقى الكلام من غير استثناء ، مثل ما ذكر استثناء مستغرقا.

ويحتمل بطلان التفسير ، لان الاستغراق انما نشأ منه فيطالب بتفسير آخر حتى يصحّ كما هو ظاهر المتن ، ذكرهما في القواعد.

والظاهر من القواعد أيضا رجحان الثاني (١) لحفظ الأصل والضابطة في الجملة ، هذا ظاهر كلامهم.

وفيه اشكال من وجوه (الأوّل) أنهم مهّدوا هذه القاعدة وفرّعوا عليها مثل هذه الفروعات بأنه ان لم نقل بالمنفصل فالجميع دراهم وان قلنا بجواز المنفصل

__________________

(١) قال في القواعد : ولو قال : له ألف إلّا درهما ، فان سوغنا المنفصل طولب بتفسير الألف وقبل إذا بقي بعد الاستثناء شي‌ء ولو لم يبق احتمل بطلان التفسير أو الاستثناء ، والا فالجميع دراهم (انتهى) إيضاح الفوائد ج ٢ ص ٤٥٣ طبع قم.

٤٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

طولب بتفسير الألف فيخرج منه درهم ، فإن بقي شي‌ء سمع والا بطل.

وأيضا قالوا : ان قال : (له علي ألف درهم الّا ثوبا) فان منع المنفصل وجبت الألف ، والّا طولب بقيمة الثوب وان فسّر بما يخرج عن ألف درهم ويبقى شي‌ء قبل ، والّا يبطل (بطل خ) بأحد المعنيين.

وهذا مذكور في الكتب التي رأيناها ، وهو غير منطبق بالقوانين ، لأنهم صرّحوا في النحو وكتب العربيّة والتفاسير والأصول أنّ (إلّا) إذا كان منقطعا ومنفصلا فهو بمعنى (لكن) ولا إخراج حينئذ ، إذ لا دخول لما بعده فيما قبله ، وقوله : (له علي ألف درهم الّا ثوبا) معناه ، (لكن ليس له علي ثوب) فيلزم تمام الألف حتى انهم قالوا : انما يقدر القيمة لو كان المستثناء متصلا.

قال في شرح العضدي (١) : اعلم أنّ الحقّ ان المتّصل أظهر فلا يكون مشتركا ولا للمشترك ، بل حقيقة فيه ومجاز في المنقطع ، فلذلك لم يحمل علماء الأمصار على المنفصل الّا عند تعذر المتصل حتى عدلوا عن الظاهر وخالفوه ، ومن ثم قالوا في قوله : (له عندي مائة درهم الّا ثوبا) و (له علي إبل إلّا شاة) معناه قيمة الثوب وقيمة الشاة فيرتكبون الإضمار ، وهو خلاف الظاهر ليصير متصلا ولو كان في المنقطع ظاهرا ، لم يرتكبوا مخالفة الظاهر حذرا عنه (انتهى خ).

وفيه مبالغة زائدة في كون (إلّا) في الاتصال أولى وحقيقة ونقل الشيخ (٢) علي في شرح القواعد مثله عن المصنف أيضا.

فعلم أنّ الإخراج وتقدير القيمة انما يفعلون على تقدير الاتصال فتأمل.

__________________

(١) هو القاضي عبد الرحمن بن احمد بن عبد الغفار الفارسي الشافعي الأصولي (الى ان قال) له شرح مختصر ابن الحاجب وهو معروف بين العلماء وله المواقف في علم الكلام الذي شرح المحقق الشريف (الى ان قال) فمات مسجونا سنة ٧٥٦ (الكنى ج ٢ ص ٤٣١ طبع صيدا).

(٢) يعني الشيخ علي بن عبد العالي الكركي الملقّب بالمحقق الثاني شارح قواعد المصنف.

٤٨٠