مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٩

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٣

وذو الباب الأدخل يشارك الأقدم إلى بابه ، والفاضل في الصدر ان وجد وينفرد بما بين البابين ، ولكل من الداخل والخارج تقديم بابه لا إدخالها.

______________________________________________________

داران متلاصقان لكلّ واحدة باب في زقاق مقطوع إذا أراد أن يفتح بابا بينهما لإرادة أنه يجي‌ء من درب احد البابين والخروج من باب الآخر أو لغير ذلك الغرض.

وجهه ظاهر ممّا تقدم ، ولهذا قال في التذكرة ردّا لقول بعض الشافعيّة : (وهو غلط) لأنه يجوز رفع الحاجز بالكليّة ، فرفع بعضه أولى ، فذكره هنا وفي غيره للرد ، والّا فهو واضح.

قوله : «وذو الباب الأدخل إلخ» يعني إذا كان في المرفوعة بابان مثلا فذو الباب الأدخل التي (١) هو آخر بالنسبة إلى أوّل المرفوعة شريك مع الأقدم من أوّل المرفوعة إلى بابه ، وكذا شريك معه في الفاضل في آخر المرفوعة أي الموضع الذي يكون بعد الباب الأخير الذي هو باب الأدخل وهو مختصّ بما بين البابين.

والحاصل ان الأدخل مختصّ بما بين البابين وهما شريكان في الطرفين هذا ظاهر.

ولكن المتن يحتاج الى تكلّف فانّا ما نجد ما يعطف عليه (الفاضل (٢)) تقديره يشارك الأدخل الأقدم في الموجود في أوّل المرفوعة الى باب الأقدم ، وفي الفاضل.

أو يكون (الفاضل) مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير ، الفاضل في الصدر أيضا مشترك ، والمراد بالصدر آخر المرفوعة وهو ظاهر هنا وصريح في التذكرة والأمر في ذلك هيّن.

ولكن دليل الحكم غير ظاهر ، نعم انه مشهور.

__________________

(١) هكذا في النسخ والصواب (الذي).

(٢) الموجود في المتن بقوله : والفاضل في الصدر.

٣٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

قال في التذكرة : المشهور عندنا ان الأدخل ينفرد بما بين البابين ويتشاركان في الطرفين ولكلّ منهما الخروج ببابه مع سدّ الأوّل وعدمه فان سدّه فله العود اليه مع الثاني ، وليس لأحدهما الدخول ببابه ويحتمله لانه قد كان له ذلك في ابتداء الوضع ، ويستصحب وله رفع جميع الحائط فالباب أولى.

والظاهر عدم النص في الحكم ولا الإجماع ، والا لنقل ، ولوجود الخلاف كما يفهم ممّا تقدم من كلام التذكرة.

وقال في شرح الشرائع : وقوّي في الدروس الاشتراك في الجميع.

ويحتمل ان يكون هو احتمال التذكرة الذي ذكره بقوله : (ويحتمله) ويحتمل ان يكون ذلك على تقدير القول بالاختصاص ، وهو بعيد.

ودليله مدخول ، والأصل دليل قويّ وليس هنا ما يدل على اختصاص أحد إلّا الاستطراق وعدم مرور الغير اليه ، وهو ليس بدليل كما مرّ.

ولأنه لو كان ذلك دليل الملك لكان الفاضل في آخر المرفوعة ملكا للأدخل.

ولأنه قد يكون المرفوعة واسعة ولا يمرّ الأدخل إلا في بعضها.

ولأنّه قد يكون في مقابله أيضا باب فيشكل الاختصاص.

ويحتمل الاشتراك بينهما واختصاص كلّ بما يحاذي بابه ، وهو بعيد لعدم الامتياز ، ولعدم الدليل.

فالظاهر قول الدروس رحمه الله وان كان خلاف المشهور.

ثم هنا اشكال ، وهو انهم قد حكموا بكون المرفوعة ملكا لكل من فيها فالهواء والأرض كلّه ملك مشترك بين أربابها.

وأيضا قالوا : لا يجوز لأحد التصرف باحداث الرواشن والأجنحة والساباط وفتح الأبواب المستجدة حتى بغير الاستطراق أيضا ، وكذا وضع الميزاب ،

٣٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

سواء حصل الضرر أم لا إلا بإذن الأرباب فمعه أيضا يجوز مطلقا فهو مؤيّد للاشتراك.

ثم حكموا هنا بالاختصاص بما بين البابين لذي الباب الأدخل (١).

وأيضا ذكروا انه يجوز لكلّ من الأدخل والأقدم إخراج بابه ، وبعضهم صرّح مثل شرح الشرائع والتذكرة به مع سدّ الأوّل وعدمه لا الإدخال ، وقد احتمل في التذكرة الإدخال أيضا كما مرّ ، والظاهر انه مع عدم الاذن.

وحينئذ لا مانع من الرواشن ونحوها أيضا ، فكأنهم جوزوا جميع ما حرّموا.

وأيضا إذا كان الفاضل مشتركا وقد جوز إخراج الباب في المشترك فينبغي جواز الإدخال للأدخل لأنه في المشترك.

وأيضا إذا كان ما بين البابين مختصّا فكيف يكون الفاضل مشتركا للارتفاع والانتفاع به ، وظاهر كلامهم انه مشترك بحيث يجوز الانتفاع به مطلقا الا انه موقوف على إذن ذي الباب الأدخل وهذا أيضا دليل اشتراك الجميع.

الّا ان يقال : قد يكون الملك له ، وقد يكون للأقدم المرور للانتفاع.

وهو بعيد كالقول بان الملك والاشتراك لا يستلزم الانتفاع بغير إذن الأدخل.

وبالجملة كلامهم في هذا المقام غير مفهوم لي جدّا ، ويمكن التخلّص عن بعض الإشكالات بطريق الجدل والاحتمال ولكن لم يتحقّق شي‌ء تطمئن به النفس.

والظاهر مع قطع النظر عن كلامهم عدم الملكيّة في المرفوعة أيضا واشتراك الكلّ في الكلّ بالانتفاعات المتقدمة بحيث لا يضر بالآخر وعدم الفرق بين المرفوعة

__________________

(١) هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها الا دخل والأول.

٣٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وغيرها إلا باختصاص الانتفاعات وقلّة المترددين وعدم منع الغير بما رضي أهلها بالأمور المضرّة ونحو ذلك ولا دليل على الملكيّة صريحا وقد مرّ ما يدل على العدم.

فالظاهر أن في كلامهم مسامحة ، والذي مفهوم لي أنه يجوز ما لا ضرر فيه بوجه على المارّة لأنه كالسبيل في جهة خاصّة فلا يجوز استعمال ما يضرّ بها واشتغالها الّا بتلك الجهة ويبعد كون طريق السوق ملكا للمارّة ، بل لهم الاستطراق.

فاستفهم الله ، فإنه الموفق للعلم وازالة الشكوك والجهالة.

٣٨٤

«المقصد السادس في الإقرار»

ومطالبه اثنان

(الأوّل) في أركانه ، وهي أربعة : الأوّل : المقرّ.

______________________________________________________

قوله : «المقصد السادس في الإقرار إلخ».

ترك تعريفه لظهوره وتبادره وشهرته ، فإنّ كونه اخبارا ، عن حقّ سابق معلوم ، مذكور في غيره ، مثل التذكرة.

واما الذي يدل على اعتباره وحجيته على المقرّ فهو العقل والنقل ، كتابا ، وسنة ، وإجماعا ، فإن العاقل ، لا يكذب على نفسه بما يضرّه.

وفي القرآن العزيز آيات كثيرة تدلّ على اعتباره في الجملة ، مثل قوله تعالى «أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي ، قالُوا أَقْرَرْنا» (١).

وقوله تعالى «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ» (٢).

وقوله «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قالُوا بَلى» (٣).

وقوله «كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» (٤).

وقال المفسرون : شهادة المرء على نفسه إقرار ، وقال في التذكرة :

__________________

(١) آل عمران ـ ٨١.

(٢) التوبة ـ ١٠٢.

(٣) الأعراف ـ ١٧٢.

(٤) النساء ـ ١٣٥.

٣٨٥

ويشترط بلوغه ورشده وحرّيته ، واختياره ، وجواز تصرفه لا عدالته.

______________________________________________________

والأخيرة (١) أظهر في المطلوب هنا.

وفي السنّة الشريفة أيضا أخبار كثيرة دالّة على ذلك من طرق العامّة والخاصّة مثل ما روي عنه صلّى الله عليه وآله : قولوا الحقّ ولو على أنفسكم (٢).

وما روي عنه صلّى الله عليه وآله وعن أوصيائه صلوات الله عليه وعليهم ، الأخذ بالإقرار (٣) والحدّ به في الزنا (٤) وغيره (٥) ، وهو ظاهر لا يحتاج الى الذكر ، وسيجي‌ء البعض أيضا.

واما كون أركانه أربعة ، فلأنه لا يتمّ غالبا الّا بلفظ ، ومقر ، ومقر له ، وبه وقد لا يحتاج الى المقرّ له فتأمّل.

قوله : «ويشترط بلوغه إلخ» الركن الأول ، هو المقرّ ، وفي اعتبار بلوغه ورشده في الجملة نقل الإجماع في التذكرة.

قال في التذكرة (٦) : أقارير الصبي لاغية ، سواء كان مميّزا ، أو لا ، وسواء اذن له الوليّ أو لا عند علمائنا ، وبه قال الشافعي لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله : رفع القلم ، عن ثلاثة ، عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون ، حتى يفيق ، وعن النائم

__________________

(١) يعني الآية الأخيرة وهي قوله تعالى «كُونُوا قَوّامِينَ إلخ».

(٢) تلخيص الجبير في تخريج احاديث الرافعي الكبير ج ٢ ص ٥٢ باب الإقرار ، رقم ١٢٦٥.

(٣) لعل المراد عموم النبوي المعروف : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢٣ وج ٢ ص ٢٥٧ وج ٣ ص ٤٤٢.

(٤) راجع الوسائل باب ١١ و ١٢ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣١٨ وباب ١٦ من أبواب حد الزنا ص ٣٧٧.

(٥) راجع الوسائل باب ٥ من أبواب حد اللواط ص ٤٢٢ وباب ١٦ من أبواب حد القذف ص ٤٤٩ وباب ٣ من أبواب حد السرقة ص ٤٨٢ ، وغيرها.

(٦) في التذكرة : يشترط في المقر ، البلوغ فأقارير الصبي إلخ.

٣٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حتى ينتبه (١).

وقد مرّ البحث عنه مرارا ، فلا وجه للإعادة.

وأما اشتراط الحريّة ، فهو للقبول حال الإقرار ، والمؤاخذة به حينئذ والا فسيجي‌ء قبول إقرار المملوك ، وانه يتبع به.

ودليله على تقدير عدم تملّكه واضح ، وكذا على تقدير التملّك ، وكونه محجورا عليه ونقل عليه الإجماع ، في التذكرة.

قال : فلا يقبل إقرار العبد بالعقوبة ، ولا بالمال عند علمائنا أجمع.

ويدلّ على اشتراط الاختيار ، العقل والنقل ، وهو ظاهر.

ونقل في التذكرة ، الإجماع ، قال : فلا يقع إقرار المكره على الإقرار عند علمائنا أجمع.

ودليل اشتراط جواز التصرف فيما أقرّ به أيضا ظاهر ، وكأنه مجمع عليه أيضا ويمكن الغنى به عن اشتراط البلوغ والرشد ، والحريّة ، بل الاختيار أيضا فتأمّل الّا انه ذكر الكل للتفصيل والتبيين.

ودليل عدم اشتراط العدالة ، وغيرها ، هو الأصل مع عموم أدلّة قبول الإقرار (٢).

فكأنه أشار بقوله : (لا عدالته) الى خلاف بعض العامّة أو منا ، الله يعلم فتأمّل.

__________________

(١) راجع سنن أبي داود ج ٤ (باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا) فيه خمسة أحاديث كلها بهذا المضمون مع اختلاف الألفاظ ومع تقديم وتأخير ونحوها عن علي عليه السلام في الوسائل باب ٤ حديث ١٠٠ من أبواب مقدمات العبادات ج ١ ص ٣٢.

(٢) إشارة إلى قوله صلّى الله عليه وآله : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ـ عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢٣ وج ٢ ص ٢٥٧ وج ٣ ص ٤٤٢.

٣٨٧

ولو أقرّ الصبيّ بالوصيّة بالمعروف صحّ على رأي.

______________________________________________________

ثم اعلم ان المصنف وجماعة حكموا بان من ادّعى البلوغ بالاحتلام أو الحيض وكان ممكنا في حقّه قبل ، والإمكان في الذكر بالعشر ، وفي الأنثى بتسعة ، وانه لا يحلفان (١) وان كان في الخصومة ، وإلّا دار.

ودليل القبول ، كأنه الإمكان (٢) وظهور الصدق في المسلمين ، وعدم إمكان الإشهاد عليه ، مثل قبول انقضاء العدّة عن المرأة وغيره.

ودفع الدور في الدروس ، باشتراط اليمين على إمكان البلوغ لا نفسه واستشكل قبول الحيض ، لأنه بمنزلة الدعوى بالبلوغ بالسن ، فإنه لا يكون قبل التسع.

وفيه تأمل ، إذ لا فرق بين الاحتلام والحيض وقد يعرفان بالعلامات قبل العلم ، بالسن مع الاحتمال ثم يعلم السن.

ودفع الدور صحيح ان كان مقصوده انا لا نسلّم التوقف على البلوغ ، إذ لا دليل عليه انما المسلّم توقفه على الإمكان.

فلا يرد قول المحقق والشهيد الثانيين ، بان ضعفه ظاهر لاشتراط اليمين بالبلوغ الّا ان ثبت ذلك وليس.

وأيضا قال في التذكرة : يجوز القبول في السن إذا كان غريبا وخمولا لا يمكنه إثبات بلوغه بالبيّنة.

كأنه لاشتراك علّة الاحتلام والحيض على انه يمكن كون ذلك مذهب بعض الشافعيّة وان كان ظاهرها كونه مذهبه فتأمّل.

قوله : «ولو أقر الصبي بالوصيّة إلخ» هذا بمنزلة الاستثناء عن شرط

__________________

(١) يعني لا يحلف الذكر والأنثى على صدق ما ادعياه من البلوغ وان كان دعواهما في مقام الخصومة مع غيرهما لاستلزام إحلافهما للدور لان قبول حلفهما يتوقف على بلوغهما فلو كان بلوغهما متوقفا على الحلف لدار.

(٢) يعني يقبل دعواه الاحتلام إذا أمكن في حقه إذ لا يمكن إقامة البيّنة عليه.

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

البلوغ ، أو الشرط للكليّة ولمّا كان قبول إقرار الصبي بالوصيّة بالمعروف فرع قبول وصيته فيه ، وكان مذهب المصنف في هذا الكتاب هنا وبحث الوصيّة ذلك ، قال بقبول إقراره بها.

فينبغي البحث في قبول وصيته ، فنقل ذلك ، عن جماعة مثل الشيخين ، والمحقق.

قال في الشرح (١) : والمصنف هنا ونجم الدين (٢) ذهبا الى مذهب الشيخين ، لاشتهاره ، ولكثرة الروايات.

وقد نقل قبله شروطا ثلاثة عن الشيخ ، بلوغ العشر ، ووضع الأشياء مواضعها ، وكونها بالمعروف.

كأنه يريد ب (وضع الأشياء مواضعها) التمييز ، بل الرشد ، فان الدليل على اعتباره وعدم جواز تصرف السفيه ، قد تقدم.

وبعض المتأخرين على خلاف ذلك حتى المصنف في غير الكتاب ، قال في الدروس : وتفرّد ابن إدريس بردّ وصيّة من لم يبلغ.

والذي يدلّ على الثاني (٣) هو عموم الكتاب (٤) ، والسنّة (٥) ، الدال على المنع عن مطلق التصرف حتى يبلغ ويرشد ، ومرّت (٦) أكثرها ، ولهذا ما جوّزت

__________________

(١) يعني الشهيد في المسالك.

(٢) هكذا في النسخ ، ولعل الصواب (نجيب) بدل (نجم) وهو الشيخ نجيب الدين ابن عم المحقق الحلّي وسبط صاحب السرائر رضوان الله عليهم المتوفى ٦٨٩ ه‍.

(٣) يعني عدم قبول وصيّة الصبي مطلقا.

(٤) لعلّ المراد قوله تعالى «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» النساء ـ ٦.

(٥) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب مقدّمة العبادات ولاحظ ما علق عليه في آخر هذا الباب ج ١. ص ٣٠.

(٦) هكذا في النسخ ولعلّ الصواب (مرّ) بإسقاط التاء.

٣٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

معاملته بإذن الوليّ أيضا مع الرشد ووقوعها على الوجه اللائق ، ولكن عرفت التأمّل فيه ، فتذكّر.

وأما الأوّل فيدلّ عليه أيضا أدلّة صحّة عموم التصرفات ، وأنّ الناس مسلّطون على أموالهم (١) وعموم أدلّة الوصيّة (٢) مثلا ، وتقبيح العقل منع أحد عن ملكه خرج منه موضع النص والإجماع ، بقي الباقي على أصله.

ويمكن الجمع بين العمومات بجمل الأوّل على غير هذه الصورة كما يمكن تخصيص الأخيرة بالبالغ الرشيد وان كان هذا أولى بتقديم الخاص مطلقا.

إلا انه ورد في الوصيّة بالمعروف ونحوها بخصوصها أخبار مقبولة ، مثل رواية زرارة ـ التي فيها موسى بن بكر الواقفي ـ عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدّق ، أو أوصى على حدّ معروف وحق فهو جائز (٣).

وصحيحة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام ولم تجز للغرباء (٤) ولا يضرّ اشتراك عليّ بن الحكم (٥) ، لما مرّ غير مرّة أنه الثقة في مثل هذا

__________________

(١) عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢٢ وص ٤٥٧ وج ٢ ص ١٣٨ وج ٣ ص ٢٠٨ ولاحظ ما علق عليه في هذه المواضع.

(٢) راجع الوسائل باب ٩ و ١٠ و ١١ و ١٢ وباب ١٥ و ١٦ و ١٧ من كتاب الوصية ج ١٣ ص ٣٦٠. ص ٣٨١.

(٣) الوسائل باب ٤٤ حديث ٤ من كتاب الوصايا وسندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، وأحمد بن محمد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة.

(٤) الوسائل باب ٤٤ حديث ١ من كتاب الوصايا.

(٥) فان سنده كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن

٣٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

السند بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه وغير ذلك.

وكذلك اشتراك محمد بن مسلم ، فان الظاهر أنه الثقفي الثقة ، لعدم الذكر في أكثر الرجال الّا هو ، ولتسمية الأصحاب الخبر بالصحّة من غير التفات الى ذلك الاشتراك.

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته (١).

وموثقة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين ، فاوصى بثلث ماله في حقّ ، جازت وصيته ، فإذا كان ابن سبع سنين ، فاوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته (٢).

قال الشهيد رحمه الله ـ في هاتين الروايتين ـ : رواهما الصدوق في الصحيح.

وفيه تأمل ، لوجود أبان بن عثمان في الاولى (٣) وللأصحاب فيه قول ، وكثيرا مّا يردّونه بالناووسيّة (٤) وينسبون خبره بالتوثيق وان كانوا يقولون أيضا انه ممن اجتمعت (٥) ، وينسبون خبره بالصحّة ، والظاهر انه لا بأس به.

ولاشتراك أبي بصير في الثانية ، فإنه ليس بظاهر كونه ليث الثقة ، وان

__________________

داود بن النعمان ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم.

(١) الوسائل باب ٤٤ حديث ٣ من كتاب الوصايا.

(٢) الوسائل باب ٤٤ حديث ٢ من كتاب الوصايا.

(٣) يعني في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله فان سندها ـ كما في الكافي ـ هكذا : الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

(٤) والناووسيّة من وقف على جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام اتباع رجل يقال له : ناووس ، وقيل نسبوا إلى قرية ناووساء ، قالت ان الصادق عليه السلام حي لم يمت ولن يموت حتى يظهر ويظهر امره وهو القائم المهدي (مجمع البحرين).

(٥) يعني ممن اجتمعت العصابة على الحكم بصحّة ما يصحّ عن جماعة.

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

كان ظاهر إطلاقهم ذلك كما قلناه في محمد (١).

ثمّ قال رحمه الله في الشرح : وبالجملة فالإقدام على ردّ ما تظاهرت به الفتوى واشتهرت به الرواية عن أهل البيت عليهم السلام مشكل.

وقال في الدروس : في المميّز أقوال أشهرها صحّة وصيته بالمعروف والبرّ إذا بلغ عشرا للأخبار الصحيحة فتأمل فيه.

والذي يتخلّص من الروايات ، عملا بالأصول ، اعتبار وصيّة الصبي مع بلوغه عشرا وتمييزه بمعنى رشده إذا كانت لذوي القرابة لا غير ، لقلّة القائل بالرواية الأولى أو عدمه ، ووجود موسى بن بكر (٢) الواقفي ، ولمنافاتها (٣) لما تقدّم من الأدلّة ، ولخصوص هذه الروايات (٤) التي هي حجّة قبول الوصيّة في الجملة ، وحمل الروايتين الأخيرتين على الرواية الثانية (٥) في كون الوصيّة لذوي القربى ، لوجوب الجمع بين الروايات وبالعكس (٦) في كونه مع بلوغ الصبي عشرا للجمع بينهما وبين مفهومهما الشرطي الذي هو حجّة عندهم ، وحذف سبع سنين لعدم القائل به مع المناقشة في

__________________

(١) يعني محمد بن مسلم المتقدم آنفا.

(٢) قد قدمنا آنفا ذكر سنده من الكافي فلاحظ.

(٣) ومحصله ورود الاشكال على الرواية من جهات ثلاثة (أحدها) قلة القائل أو عدمه بها (ثانيها) واقفية موسى بن بكر (ثالثها) منافاتها لما تقدم إلخ.

(٤) يعني أن الرواية المشتملة على نفوذ إعتاقه وتصدقه منافية لباقي الروايات التي دلت على نفوذ وصيته فقط دون باقي التصرفات.

(٥) يعني تحمل رواية عبد الرحمن وأبي بصير على رواية محمد بن مسلم المقيدة بكون وصيته نافذة في حق ذوي الأرحام. فقط.

(٦) يعني تحمل رواية محمد بن مسلم الدالة بإطلاقها على نفوذ وصيّة الغلام مطلقا ، على صورة بلوغه عشرا بقرينة روايتي عبد الرحمن وأبي بصير ولم نعمل بما اشتمل عليه رواية أبي بصير من إنفاذ وصيته إذا بلغ سبع سنين في المال اليسير.

٣٩٢

ولو أقرّ السفيه بما له فعله صحّ دون قراره بالمال ولو أقرّ بسرقة قبل في القطع خاصّة.

______________________________________________________

الصحّة على ما تقدم (١) ، والجمع بين الأدلّة العامّة ، بما أشرنا اليه.

والعجب ان الشهيد رحمه الله ما نقل رواية محمد مع وجودها في كتاب الصدوق مع الروايات المتقدّمة في باب واحد ، ووجود الكلّ كذلك في الكافي.

على انه موجب لتغيير الحكم وعدم الفتوى بغيرها كما عرفت.

فتأمّل لعلّك قد عرفت من هذه الروايات والأقوال ، عدم البأس بجواز المعاملة مع غير البالغ المميّز سيّما بإذن الوليّ وعدم قوّة دليل المانع ، فافهم وتذكّر ما قدّمناه فيه ، والاحتياط طريق سالم مع الإمكان.

قوله : «ولو أقرّ السفيه بما له فعله إلخ» دليل قبول إقرار السفيه في ما له فعل ذلك ـ مثل الخلع والطلاق وعدمه فيما ليس له ذلك مثل التصرفات في الأموال ـ ظاهر ممّا تقدم.

ولكن في قبول إقراره بالسرقة في القطع دون المال تأمل ، فإن القبول فيه مستلزم للحكم بأخذه مال الناس ظلما فيثبت في ذمته بحكم الشرع ، وجعله بمنزلة إقرارين ، لا يخلو عن بعد.

لعلّه مجمع عليه أو منصوص فتأمل ، والا فمشكل ، إذ ليس القطع إلا لقبول قوله : انه سرق مالا من حرزه بحيث يوجب القطع ، فقبول الفرع مع عدم قبول الأصل محلّ التأمّل.

وإذا ثبت عدم قبول إقراره في المال ، يلزم عدم القبول في القطع أيضا ، ولا يكفي في ذلك مجرد عموم دليل القطع ، بالسرقة ومنع السفيه عن التصرفات الماليّة فتأمّل.

__________________

(١) من كون أبي بصير مشتركا.

٣٩٣

ولو أقرّ المملوك تبع به ان عتق.

وكل من يملك التصرف في شي‌ء ينفذ إقراره فيه ، كالعبد المأذون له في التجارة إذا أقرّ بما يتعلق بها ، ويؤخذ ممّا في يده وان كان أكثر لم يضمنه المولى.

______________________________________________________

وأيضا لا يمكن القول بالتبعيض ، للتنافي إلّا بنصّ أو إجماع ، قال في التذكرة : والتبعيض غير ضائر كما لو شهد رجل وامرأتان ، يثبت المال دون القطع.

وفيه تأمل ، لأنه ان كان مجمعا عليه أو منصوصا ، والا يجي‌ء فيه أيضا النزاع ، على انه قد يفرق ، لانه قول بالأصل بدون الفرع ، ويمنع كلّية الفرع ، يعني كلّ سرقة ، موجبة ، للقطع ، بل سرقة خاصّة ثابتة بالشاهدين أو إقرار من يقبل إقراره ، هذا بحسب الظاهر.

اما بحسب نفس الأمر ، فإن كان حقا فله أخذ المال على وجه شرعيّ ، وعلى السفيه الإيصال أيضا بوجه غير الممنوع فتأمّل.

قوله : «ولو أقر المملوك إلخ» قد علم وجهه أيضا.

قوله : «وكل من يملك التصرّف إلخ» هذا أيضا على إجماله علم في الجملة الا انه ذكره لعدم التصريح ، ولبعض الفروع ، مثل قبول إقرار المملوك المأذون في التجارة بما يتعلّق بها ، مثل أجرة الحمّال والوزّان والدوابّ.

ولكن في عدم ضمان المولى للزيادة عمّا في يده تأمّل ، لأنّ التاجر قد يخسر بحيث يذهب رأس ماله ويلزمه الديون في ذلك ، لانه قد يكون ظن النفع للنقل من بلد الى آخر مثلا بأجرة ، وظهر بعد النقل عدم حصول الأجرة ، أو لوقوع سرقة ، أو ظلمة ، أو حرق ، أو غرق ونحوه كما إذا كان شخص وكيلا في مثله ووقع الدين زيادة عما في يده فإنه على الموكّل فتأمّل.

والمراد بالإذن في التجارة كونه بحيث يشمل القرض لها والاعمال في الذمّة.

٣٩٤

ويقبل إقرار المفلّس ، وفي مشاركة الغرماء نظر.

وإقرار المريض مع انتفاء التهمة ، ومعها تكون وصيّة.

______________________________________________________

وحينئذ ، الظاهر سماع إقراره بان عليه دينا للصرف في التجارة كالوكيل.

واما إذا لم يكن مأذونا فيه ، أو صرّح بأنه في غير ذلك الوجه ، يلزمه في ذمّته يتبع به يعني يؤخذ منه إذا عتق.

هذا واضح على تقدير عدم القول بالملكيّة ، وكذا مع القول بها وكونه محجورا عليه في أمواله حال العبوديّة أيضا ، والا فيسمع منه ويؤخذ ما له من الأموال بالفعل.

وقد علم من الشرائط المتقدمة كون العقل والقصد أيضا شرطا فلا يقبل إقرار المجنون والنائم كالصبي ، لرفع القلم عن الثلاثة ، وكذا الساهي والغافل ، كأنه مجمع عليه كما يشعر به التذكرة.

ولكن الظاهر أنه إذا كان عاقلا كاملا لا يقبل منه دعوى السهو والغفلة كعدم الاختيار من غير ظهور أثره ، لأنه يلزمه سدّ باب الأقارير ، ولعموم أدلّة قبولها (١) ، ولأن الأصل عدمها ، ولأن الظاهر من حال العاقل الكامل ، عدم الإقرار على نفسه بما يضرّه الا بالقصد والاختيار ، ولهذا لم يسمع منه تعقيبه بالمنافي عند الفقهاء كما سيعلم.

قوله : «ويقبل إقرار المفلس إلخ» وجه قبول إقراره إذا أقرّ بدين ، ظاهر ، وقد مرّ وجه النظر وترجيح عدم المشاركة ، واختاره هناك.

قوله : «وإقرار المريض مع انتفاء التهمة إلخ» وجه قبول إقرار المريض مع عدمها ظاهر ، وهو ما تقدم من عموم الأدلّة ، وكذا وجه عدمه معها ، مثل ان علم

__________________

(١) كأنه إشارة إلى عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢٣ وج ٢ ص ٢٥٧ وج ٣ ص ٤٤٢.

٣٩٥

وإقرار الصبي بالبلوغ ان بلغ الحدّ الذي يحتمله.

(الثاني) : المقرّ له ، وله شرطان :

الأوّل : ان يكون له أهليّة التملك ، فلو أقرّ للحمار لم يصح ، ولو قال بسببه فهو لمالكه على إشكال.

______________________________________________________

من حاله عدم توريث الورثة وأقرّ لغيرهم ، ويكون عليه قرينة واضحة ، والا فبمجرّد وهم ذلك واحتماله ، مشكل لوجوب العمل بإقراره بأدلّته المتقدّمة.

(ومع عدم القبول يكون وصيّة) ، وجهه انه قصد إعطاءه إيّاه ، والتهمة منعته من القبول والإعطاء ، لأنه حق للورثة ، وليس له التصرف في حقهم ، فإذا كان وصيّة يزول ذلك.

ويحتمل البطلان بالكليّة وعدم الوصيّة أيضا ، فإنه إقرار غير مقبول ، وليس بوصيّة ، فإنها تمليك مال لغيره بعد موته ، وليس هنا كذلك ، بل إقرار بأنه ملك له وقد حكم بأنه ليس له فتأمل.

قوله : «وإقرار الصبي إلخ» المراد ، بالاحتلام أو مطلقا ، وقد مرّ شرحه.

قوله : «الثاني المقرّ له إلخ» قال في التذكرة : (الثالث) تعيين المقرّ له ، لعل تركه هنا لقبوله في الجملة مع عدم التعيين كما ستعلم ، فما هنا أولى.

ولعلّ الشروط الثلاثة في التذكرة على مذهب بعض العامّة حيث قال : إذا أقرّ شخص بأنّ لإنسان عندي كذا ، لم يقبل وصرّح المصنف هنا بالقبول في مثله أيضا فتأمّل.

(الأوّل) أهليّة التملك اي قبوله للملك ، فلو أقرّ للحمار لم يصح ، لعدم صلاحيته للتملّك وهو ظاهر ، ومثله للحائط والبيت.

اما لو قال : بسبب الحمار ، فالإقرار حينئذ صحيح ، ويكون المقرّ به لمالكه ، فكأنّه بمنزلة الإقرار لمالكه ، وإقراره منزّل على وجه صحيح بان يكون ذلك في ذمته

٣٩٦

ولو أقرّ العبد فهو لمولاه.

ولو أقرّ للحمل صح (يصح خ) ان أطلق أو ذكر المحتمل كالإرث والوصيّة.

ولو ذكر غيره كالجناية عليه ، فالأقرب الصحّة ، ولا تؤثر الضميمة.

______________________________________________________

باعتبار الجناية عليه أو باعتبار استعماله ولزوم أجرته.

ويحتمل ان لا يكون لمالكه ، إذ كونه بسببه ، لا يستلزم ان يكون له ، لاحتمال ان لزمه بجنايته بسبب ركوبه عليه أو سوقه إياه ، فكأنّه بمنزلة إقرار لمجهول ، ولهذا استشكله المصنّف مع اشارة مّا إلى الأوّل (١) لأنه المتبادر.

ولعلّه لا خلاف في صحّته عند الأصحاب حيث أسند في التذكرة الخلاف الى بعض الشافعيّة بأنه ذهب الى عدم الصحّة هنا أيضا مثل الأول ، فهو لغو محض.

وجه الصحّة صدق الإقرار مع ظهور عدم الفساد فإنه كلام له وجه صحيح ظاهر فلا يحمل على غيره كسائر الأقارير ، نعم قد يقال : يحتاج الى بيان المقرّ له ، فان لم يحصل يكون إقرارا لمجهول.

قوله : «ولو أقرّ للعبد فهو لمولاه» مبناه ما تقدّم من عدم ملكيته ، وكون ماله لمولاه ، فما ثبت له ، فهو لمولاه.

قوله : «ولو أقرّ للحمل إلخ» وجه الصحّة ما تقدم من صدق الأقارير ، وقابليّة المقرّ له ، فلا فرق بين الإطلاق وبيان السبب الصحيح كالإرث والوصيّة.

نعم لو صرّح بسبب غير محتمل ، بل محال ـ كقطع يده ، والمعاملة معه مثل البيع والقرض ـ فقال المصنف : الأقرب الصحّة ، لأنه مأخوذ بأول كلامه ، ولا يسمع الضميمة المنافية ، وهي قوله : بسبب كذا كما في سائر الأقارير ، فان

__________________

(١) حيث قال : ولو قال : بسببه فهو لمالكه على اشكال.

٣٩٧

فإن سقط حيّا ، لا قصى مدّة الحمل ملكه.

وان سقط ميّتا وأسنده إلى الميراث رجع (يرجع خ) إلى الورثة.

والى الوصيّة يرجع الى ورثة الموصى.

______________________________________________________

تعقيب الإقرار بما ينافي غير مسموع وهو مقرّر عندهم وسيجي‌ء وجه ذلك.

ويحتمل عدم الصحّة ، لأنه قد بيّن ما أقرّ به على وجه لا يمكن صحته ، فالضميمة وما يضم إليها شي‌ء واحد ، لأنه أقرّ ثمّ جاء بالمنافي ، بل تكلّم بكلام لا يمكن وقوع متعلّقه ، فلا يكون إقرارا ، فتأمل.

قوله : «فان سقط حيّا ، إلخ» يعني بعد ان صحّ الإقرار للحمل ، فان جاء الحمل حيّا قبل مضيّ أقصى مدّة الحمل من حين الإقرار ملكه ، وهو عشرة أشهر عند المصنف رحمه الله كما يفهم من قوله : (لأكثر من عشرة).

وجه الملكيّة أنّ الظاهر وجوده حينئذ بناء على العادة واحتمال وجوده وقت الإقرار فيكون الإقرار للموجود القابل للتملك ، حملا للإقرار على الصحّة مهما أمكن.

ولكن لا بد ان لا يكون الإقرار بحيث يلزم إثبات المال له قبل وجوده.

ونقل في التذكرة عدم صحّة الإقرار إذا جاء لأقصى مدّة الحمل ، لعدم العلم بوجوده حين التملك وردّه بالحمل على الصحّة ، مهما أمكن.

ولا نزاع بما جاء دون أقل الحمل وهو ستة أشهر.

واما ان سقط ميّتا ، فان كان الإسناد إلى الإرث رجع الى الورثة أي ورثة المورّث (١) للحمل ، لأنه إنما يملك الإرث بعد الخروج حيّا عندهم ، فينبغي البيان والعلم ، ولو لم يعلم يشكل الأمر ، فتأمل.

وان كان الإسناد إلى الوصيّة للحمل يرجع الى ورثة الموصى له ، لبطلان

__________________

(١) يعني من كان وارثا للمورث للحمل لا لوارث الحمل.

٣٩٨

ولو أجمل طولب بالبيان.

ولو ولد لأكثر من عشرة لم يملك.

ولو كانا اثنين ، تساويا ، ولو سقط أحدهما ميّتا فهو للآخر.

______________________________________________________

الوصيّة ، فإنها موقوفة على ولادته حيّا كالإرث ، إذ لا حكم قبل الولادة للحمل ، بل يوقف حتى يتبيّن.

وان كان مطلقا ـ من غير اسناد الى سبب أو كان سببا غير محتمل ـ فإنه حينئذ يرجع الى الإطلاق الصحيح على الأقرب عنده فلا شي‌ء للحمل وهو ظاهر.

ولكن طولب المقر بالبيان في الأوّل ، ويحتمل فيها ، ويتبع البيان الصحيح ، ولو لم يحصل يشكل الأمر كما تقدم.

وينبغي التصالح إن أمكن ، وإلا فالأمر مشكل ويكون مالا مجهول المالك.

ويحتمل تسليمه الى الحاكم أو التصدق عن مالكه كما تقدم في أمثاله فتأمّل.

ولو ولد لأكثر من أقصى مدّة الحمل ـ وهو عشرة عنده ، وسيجي‌ء البحث في ذلك ـ لم يملك ، سواء جاء حيّا أو ميّتا ، لعدم وجوده حال التملك ويحتسب المدّة من زمان التملك لا الإقرار مطلقا ، فلا يمكن تملكه ، فيكون الإقرار لمن لا يملك ، فلا يصح.

قوله : «ولو كانا اثنين إلخ» أي لو كان الحمل وما في البطن اثنين ، لعل الحمل وما في البطن ، يصح إطلاقه على التثنية ، فيصح إرجاع الضمير المثنى اليه وكون الخبر مثنى.

هذا الحكم غير بعيد على تقدير الإسناد إلى الوصيّة. واما على تقدير الإسناد إلى الإرث فلا ، وهو ظاهر ، لاحتمال كون أحدهما مذكرا والآخر مؤنثا ، فيكون بينهما أثلاثا.

٣٩٩

ولو أقرّ لميّت وقال : لا وارث له سوى هذا الزم التسليم.

______________________________________________________

ويحتمل في الإطلاق أو السبب الغير المحتمل ، التساوي ، لأنّ ظاهر الإقرار حينئذ هو الاشتراك على التساوي ، فيلزم حينئذ الحكم بكونه عن غير الإرث ، وهو الظاهر مع تعذر البيان ، ومعه يتبع فتأمل فيه.

ومنه يعلم التأمل في قوله : ولو سقط الى آخره.

قوله : «ولو أقرّ لميّت إلخ» أي لو أقرّ شخص لميّت بعين أو دين ثم قال : لا وارث له غير هذا ، فالحكم مع ثبوت وارث آخر فقط وثبوت عدمه ، ظاهر فلا يبحث ، بل يلزم بالإعطاء مطلقا في الثاني.

واما مع عدم ثبوت وارث آخر أصلا ـ وكأنه المفروض ـ فالظاهر ما قاله المصنف مطلقا ، وهو المشهور.

لكن فرّق الشيخ علي والشيخ زين الدين (١) رحمهما الله ، كما في القواعد ، فأوجبوا البحث والتفتيش في العين لوارث بحيث لو كان ، يظهر ، لأن إقراره : (لا وارث الا هذا) إقرار في حق الغير ، فلا يسمع ، فان ظهر ، والّا فيلزم بالتسليم الى المقرّ له ، واما الدين فيلزم به.

وقال في شرح الشرائع : نعم لو سلّم العين اليه لم يمنع ، لعدم المنازع الآن وذلك مفهوم من كلام الشيخ عليّ (٢) أيضا في شرح القواعد.

ومثل هذا القول قالوا في شخص إذا أقرّ بأنّ ما في يده لموكّل شخص فألزموه بتسليمه الدين الى وكيله الذي قائل بوكالته دون العين ، فإطلاق المتن غير جيد.

والظاهر الأول (٣) ، إذ لا منازع الآن ، والمقرّ به مخصوص بالمقرّ له بإقراره وإقرار المقرّ ، والأصل عدم وارث آخر ، وان قوله : (ان هذا لميّت ولا وارث له الا

__________________

(١) يعني المحقق والشهيد الثانيين مع العلامة في القواعد.

(٢) يعني المحقق الثاني صاحب جامع المقاصد.

(٣) يعني ما ذكره المصنف والمشهور.

٤٠٠